طبيعة الصراع في ارتريا

بقلم الأستاذ:إبراهيم إدريس - كاتب إرتيري وناشط حقوقي (لوزان، سويسرا)

لقد بحَّ صوتِي وأنا أرددُ المفهوم الصحيح والتوصيّف الحقيقي لطبيعة الصراع في دولة ارتريا حديثة الإستقلال، ولا ينبغي علينا بالفعل

إختزال الصراع في سلوك وأداء عصابة اسمرا الحكومي في تكرّيس دكتاتوريتها وإحكام قبضتها الأمنية في مطاردة الشباب والتضْييق علي الشعب في معاشة اليومي بإجراءتها التعسفية المختلفة واستعباد الشعب الارتري بأَعمال السُخرَة بحُجة البناء والتنمية المزعومة والمُفترى عليها.

ولكن في تقديري أن المعركة الحقيقية بالنسبة للشعب الإرتيري هي معركة (وجُود وهوية ثقافية أيِّ أن يكّون أو لا يكوّن).
والتحدي الحقيقي هوأن تكون هناك إرادة سياسية حقيقية مُوحّدة للتغْيير واسترداد الأرض والحرية والكرامة الانسانية الذي اختطفتها هذه العصابة وجيّرتها لصالحها ولصالح طائفة بعيّنها من قومية التغرنيا، ولصالح أجندات خارجية تخصها ولحمايةً نفسها وضمان استمرارها في السلطة.

ولو نظرنا للموضوع من زاوية أخرى للحالة السياسية الشاذة القائمة الآن في إرتريا ربما وجدنا تفسيِّراً لها بما يتمآشى مع صمت المجتمع الدولي المنافق وسكوته ورضائِه علي جرائم عصابة أسمرا الممنهج ضدالإنسانية منذ تمكيِّنها حكم دولة إرتريا عبر لقاءات أتلانتا ولندن بين الوياني تقراى ورئيس الجبهة الشعبية الدكتاتور أسياس أفوريقي ربيب الصهيونية العالمية الذي يتعهده المجتمع الدولي بالرعاية والحماية لنظامه المستبد لأنه كلب حراسة لمصالحه وأمنه القومي.

برأي المتواضع ومنذ تدشّين النظام العالمي الجديد في بداية تسعينات القرن الماضي بعد انهيار جدار برلين بين الألمانيتين الشرقية والغربية، وإنتهاء الحرب الباردة، وتَوحْش الولايات المتحدة الأمريكية، لقد تغيّرت السياسات الدولية بالكامل خصوصاً تجاه الدول النامية حيث بدأت سياسة تمكيِّن الأقليات في الحكم والسلطة والثروة علي مراحل وبحجج ومزاعم مختلفة بإثارة الفوضى بقيام الحروب الأهلية وتأجيج النعرات القبلية والإثنية والدينية وصراعات الهوية الثقافية وما زالت هذه السياسة الاستعمارية الجديدة مستمرة ولن تنتهي حتى تكْتمّل دائرة حلقاتها الخبيثة.

وسوف أستعْرض لكم بعضاً من تلك السيناريوهات والمخططات الإستعمارية الحديثة محكمة الحلقات:-

* إنهيار دولة الصومال وقيام حكم المليشيات المسلحة وصيروُرتها دولةً فاشلة تحكمهاُ أقليات متناحرة.

* تَمكِّين أقلية التقرآى في إثيوبيا بوصولها الي السطة وإستمرار دعمها.

* تمكيِّن أقلية جنرالات العسكر التغرنية المسيحيين من حكم ارتريا والسكوت عن فظائع جرائمهم الوحشية ضد الإنسانية.

*تمْكّين أقلية الصرب في البوسنة والهرسك بالتؤاطو الأوروبي وإقامة المجازر الدموية البشعة لأغراض التطهير العرقي الصربي.

* تمكِّين جنرالات قبيلة الدينكا من حكم دولة جنوب السودان وتغذية الصراع المسلّح القائم حتى الآن.

* الصراع الدائر في اليمن وتمكين طائفة الحوثيين وعسكر المخلوع صالح الانقلابيين من السلطة المركزية في العاصمة صنعاء.

* الصراع الدائر في دارفور بين زُرقة وعرب وبين المركز والهامش توطئةً لفصل الاقليم.

* الصراع الطائفي والمذهبي بين سنة وشيعة لتفتيت وتمزيّق منطقة الشام والعراق بأكملها وإشعال الحروب فيها والتي لن تتوقف قبل أن يتم تقسيم المنطقة بأكملها وقيام دولة لأقلية الاكراد في شمال سوريا وجنوب تركيا.

* الصراع الليبي الليبي وحرب العميل حفتر وتدميّر الدولة وقابلية الدولة للتقْسِّيم لانها في الأصل قائمة علي اساس قبلي.

* قيام حكم العسكر في مصر منذ العام 1952 وحتى اليوم، وفرملة الدولة عن التقدم والتطور بل تقزيّمها وتخلفها والقضاء علي الحياة السياسية فيها بالكامل والعمل علي تفتيِّت وتمزيِّق المجتمع المصري، والسعي للتفريق بين مكوناته الإسلامية والقومية والعروبية والعلمانية والليبرالية والدينية بإثارة الفتنة الطائفية بين: (الاقباط المسيحيين والمسلمين)، وخلق الفوارق الطبقية الاقتصادية والاجتماعية في تمييز واضح أدى الي إنقسام الشعب المصري والمجال لا يَتْسع لأكثر من ذلك لإستعراض الكثير من تلك النماذج وماذكرته جاء علي سبيل المثال وليس الحصر.

ملاحظة هامة جداً:
إن المتابع دائماً لحكم الطُغاة الدكتاتوريين علي مرّ التأريخ يجد نفس أدوات القهر والقمع والظلم وأساليب الحكم الفاشستيه بإشاعة الخوف والرعب (هي.. هي) في أي دولة يحكُمها الطُغاةُ المسّتبِدُون.

كان لابد من هذا الشرحُّ والتحليل لمحاولة فهم مايدُور في إرتريا وهي لَيْسَت إستثناءاً من منظومة السياسات العالمية وتعْقيِّداتها علي الرغم من عزلتها والتعتيم الاعلامي المضروب عليها بغياب مؤسسات الدولة والأجهزة العدلية والقانونية وانعدام حرية الصحافة.

الخلاصة لو إفترضنا إن نظام الحكم في إرتريا كان نظاماً ديمقراطياً بصورة طبيعية ويعبّر فعليِّاً عن مكونات الشعب الارتري بكافة ألوان طيفه السياسي واتجهت الدولة بالفعل بموجب هذا الإفتراض الي معركة بناء الانسان الإرتري أولاً وتأهيله وإعداده لمعركة بناء الدولة وتنْمِيّتها وبناء مؤسساتها الدستورية والقانونية وإشاعة الحريات وتقنِينها وإقامة العدالة الإجتماعية والديمقراطية والإحتكام لسيادة حكم القانون والدستور، لو تم كل ذلك بالفعل وصارت ارتريا دولة ديمقراطية حرة ومستقرة ومتطورة ومتقدمة ويتمْ فيها فِعْلِيِّا التَدْآوُل السلِمِّي للسُلطة والتوزيع العادل للثروة، ووجود أجهزة شرطية قومية وأمنية داخلية وخارجية تعملان علي حماية المواطنيين حقاً، ووجود جيش نظامي وطني و قومي وقوي تنحصر مهماته في حماية الحدود وعدم تْدخّله في الحياة السياسية المدنية العامة.

* أُجزم بكل ثقة بأن المجتمع الدولي المنافق لن يرضى عن دولة إرتريا وقتئذ بهذه الصورة الافتراضية الحالمة.

دعوني أُبيِّن لكم لماذا لن يقبل المجتمع الدولي بقيام الديمقراطية في دولة إرتريا ؟

* لأن الشعب الإرتيري سبق له أن مارس حقه الديمقراطي والإنتخابي الدستوري لأول مرة في تجربتة الديمقراطية الأولى في أول برلمان شرعي له في العام 1952 إبان الإستعمار الإثيوبي في عهد الهالك الامبراطور هيلي سلاسي وتمخّّض عن تلك الانتخابات نواب حقيقيين عن الشعب الإرتري تنسموا الحرية حيثُ أقروا علماً وطنياً للبلاد وتوافقوا علي فترة زمنية محددة ينتهي فيها الارتباط الفيدرالي بإثيوبيا وإقرّوا اللغة العربية كلغة رسمية للبلاد تكون رديفة للغة التغرنيا وغيرها من القرارات الوطنية المهمة التي تخدم قضايا الشعب وتُعبّر عنه، وكان للرابطة الاسلامية وقتها القدح المُعلي في ذلك الحراك الوطني وقد خاطب الوفد الإرتري الجمعية العامة للامم المتحدة باللغة العربية لأول مرة ومن يومها اعتمدت اللغة العربية كواحدة من اللغات الرئيسية المتداولة في أَروِقة الأمم المتحدة وألقى كلمة إرتريا الزعيم الشهيد/ ابراهيم سلطان، ومن يومها أدرك العالم الغربي خطورة نتائج الديمقراطية في إرتريا وتعارضها مع مصالحه في أهم منطقة استراتيجية في القرن الافريقي، لذلك غض الطرف عن الغاء الحكم الفيدرالي بواسطة الهالك هيلي سلاسي وضم إقليم إرتريا بالكامل الي إثيوبيا وبصفة نهائياً.

* تماماً كتجربة الجزائر الديمقراطية في مطلع التسعينات من القرن الماضي التي تمخّض عنها وصول الاسلاميون الي السلطة، وكلنا قد شهدنا كيف أجهض النظام العالمي الجديد آنذاك تلك التجربة الديمقراطية الوليدة وتمّ وأْدها في وقتها وقبل قيامها.

* وكانت للسودان كذلك تجارب ديمقراطية قصيرة في تأريخه الحديث ولفترات متقطعة ولكن لم يُسّمح لها بالاستمرار لأغراض التقسِّيم لغنى السودان بموارده الطبيعية والبشرية.

وفي الختام لا أقول ذلك إحباطاً أو تثبيِّطاً لهممْ الشُرفاء الأحرار ومقاومتهم المستمرة لهذه العصابة الغاشمة في أسمرا.

* إذن لابد من فهم الصراع علي حقيقته ويجب فهمُه كذلك من جميع الجوانب وأخذ العامل الخارجي في الإعتبار لأنه أصبح مؤثراً جدا في رسم السياسات وإدارة الأزمات الدولية والإبقاء علي بؤر التوترات والصراعات والنزاعات قآئمة لأنهم من صنعُّوها، ودون إِيجَّاد الحُلول لها ودُوّنكم قضية فلسطين المحتلة وذلك لأجل إحكام السيطرة علي الدول بعد إضعافها وانهاكها وتدميِّرها وتبديد ثرواتها في شراء الأسلحة للفتك بشعوبها وسفك دمائهم وبالتالي إعادة إنتاج الإستعمار من جديد بواسطة الحكام العملاء الطُغاة المستبدُون كالدكتاتور أسياس أفوريقي وبشار الأسد والمخلوع علي صالح والسيسي وقاديروف رئيس الشيشان وغيرهم كُثر، وربما يُوجد في المعارضة الإرترية من ينتظر دوره لإستخدامه في العمالة والإرْتِزّاق والإسْتِبْداد.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click