ارتريا العقود المهدرة

بقلم الأستاذ: عبدالرحمن السيد (بوهاشم) - ناشط حقوقي ومحلل سياسي  ترجمة من الانجليزية الى العربية الأستاذ: طاهر حمدي

احياء للذكرى العشرين لاستقلال ارتريا شرع التلفزيون الارتري (ERI- TV)

في ابتكار اساليب خلاقة للتمويه على فشل الحكومة الارترية في قيادة البلاد نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية خلال العقديين الماضيين. وتحقيقا لهذه الغاية ظل التلفزيون الارتري وغيره من وسائل اعلام هقدف المتواضعة يقدم لنا وبشكل مفرط خطاب مستهلك ومشوه لسياسة "الاعتماد على الذات"، لقطات وصور لطرق، مدارس ومختبرات دون المستوى تعكس حالة مزمنة من سؤ التنمية بدلا من تحقيق التنمية المستدامة وبسط الحريات السياسية والعدالة الاجتماعية لجميع المواطنين. كيف يمكن لاحد ان يدعي هزيمة الفقر والجوع يعم البلاد، ويزعم تحقيق التقدم في مجالات الزراعة، الصناعة، الاتصالات ومحو الامية في ظل تدهور اقتصادي وبنية تحتية هشة وتراجع في التعليم وعزلة سياسية كاملة. لو عادت عقارب الساعة الى الوراء ربما لاختلفت الصورة. في السطور القادمة سنحاول القاء الضؤ على الواقع المؤلم للبلاد في ظل النظام الحالي.

التعليم:

يمثل التعليم حجر الزاوية للتنمية المستدامة لاي بلد، وعلى الرغم من ان نظام هقدف نجح في بناء بعض المدارس المتواضعة واصدر عدد من المناهج التعليمية خلال العشرين سنة الماضية الا انه واذا وضعنا عامل الزمن في الحسبان سنكتشف مدى هشاشة تلك "الانجازات". عادة ما تخضع المناهج التعليمية لحالة دائمة ومنتظمة من المراجعة والتحسين والتحديث، واذا اخذنا الاحصائية الرسمية للتركيبة السكانية في ارتريا والتي تقسم البلاد بالتساوي بين مسلميين ومسيحيين كمؤشر (حوالي 4.5 الى 5 ملايين) نخلص الى ان النظام التعليمي في البلاد حرم حوالي نصف سكان ارتريا غير الناطقين بالتقرنجة من التعليم باللغة العربية التي اختاروها لتعليم ابنائهم واستعاض عنها بما يعرف بالتعليم بلغة الام، وهو نظام غير متطور عجز في تغطية الحاجات التعليمية لسكان ارتريا من غير الناطقين بالتقرنجة. هذه الحقائق تؤكدها قلة عدد المدارس التي تدرس باللغة العربية او غيرها من لغات الام الاخرى. في الفترة ما قبل الحرب الحدودية بين ارتريا واثيوبيا (1998-2000) والتي اعتبرت نسبيا افضل من السنوات اللاحقة كانت هناك حوالي 71 مدرسة ابتدائية تدرس باللغة العربية مقابل 366 مدرسة تدرس بالتقرنجة. [1]

وهذه السياسة التعليمية المنحازة تزداد سؤا في المراحل الثانوية والعليا، فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد ان الاحتفال الاخير الذي اقييم لتكرييم المتفوقيين من طلاب المرحلة الثانوية والذي عرف "بجائزة زاقري" كرم الرئيس افورقي 350 متفوقا عشرين منهم فقط من المسلمين.

الحالة نفسها تنطبق على المراحل العليا حيث نجد ان نسبة المسلمين في احسن الحالات لا تتجاوز العشرة في المائة في المعاهد العليا القليلة في البلاد، كما يمكن ملاحظة غياب المسلمين او تضاءل فرصهم في البعثات والمنح الدارسية للخارج.

والاسوأ من ذلك فانه تم عسكرة المدارس لضمان ولاء الطلاب لحزب هقدف الحاكم كما ان طلاب المرحلة الثانوية يقضون عامهم الاخير في معسكرات الخدمة الالزامية ويعاملون معاملة العساكر، ولتجنب هذه الاوضاع القاسية اضطر الكثيرين اما للتخلف عن اداء امتحانات السنة ما قبل النهائية او الهروب من البلاد الامر الذي جعل ارتريا واحدة من اكثر بلدان العالم تصديرا للاجئين.

الاقتصاد:

يعتمد حوالي ثمانين في المائة من سكان ارتريا على الزراعة في حياتهم اليومية كما ان النشاط الزراعي هو احد اهم الانشطة الاقتصادية في البلاد. ولكن ولسؤ الحظ فان هذا القطاع ليس فقط اكثر قطاعات البلاد تخلفا ولكنه ايضا اكثر القطاعات التي اساء نظام هقدف استغلالها الاستغلال الامثل. فالنشاط الزراعي في ارتريا لا يزال بدائيا يعتمد على الامطار الموسمية كما تستخدم الثيران والجمال في الحرث بالاضافة الى مجهود الشباب في النشاط الزراعي لانتاج محصول بالكاد يكفي حاجة الاسرة والمجتمع المحلي من الغذاء. والادهى والامر فان النظام قام بمصادرة الاراضي الخصبة واجبر الشباب على اداء الخدمة الالزامية ليتم استخدامهم في زراعة هذه الاراضي بمعونة بعض الاليات ليصبح نظام هقدف المستفيد الاول والاخير من النشاط الزراعي في البلاد. هذه الممارسات بالاضافة الى النقص المتزايد في الامطار زادت من بؤس المزارعين والمجتمعات الريفية الامر الذى ادى الى النقص الحاد في الغذاء الذي تشهده ارتريا والذي يؤثر على حوالي ستين في المائة من السكان.

اما قطاع التعدين والذي يامل النظام في الحصول على العملات الصعبة من خلاله لا يزال في مراحله الجنينية وفي غياب نظام حكم رشيد فانه من المتوقع ان عائدات هذا القطاع لن تعود بالنفع على السكان وانما ستساعد نظام هقدف في مواصلة سياساته الاستبدادية والقمعية.

وبالانتقال الى القطاع التجاري نجد ان نظام هقدف استخدم مؤسساته التجارية في الهيمنة على المؤسسات العامة والخاصة محتكرا بذلك الحياة التجارية والاقتصادية في البلاد. وباستثناء بعض شركات التعدين التي تم جزبها للبلاد عبر عروض المساهمة 10/90 نجد ان الاستثمار الاجنبي ظل بعيدا عن ارتريا وكان ذلك متوقعا بسبب عدم احراز اي تقدم في بناء المؤسساتية ودولة القانون بالاضافة الى حالة عدم الاستقرار الداخلي والاقليمي.

وحتى المستثمرين الوطنيين الذين خاطروا بالاستثمار في ارتريا للمساهمة في بناء الاقتصاد الوطني اضطروا للمغادرة اما بسبب مصادرة استثماراتهم من قبل نظام هقدف او بسبب السياسات التعسفية التي فرضت عليهم بقبول شراكة هقدف بنسبة 60 في المائة للسماح لهم بمواصلة اعمالهم وحتى الذين قبلوا هذه الشراكة غير العادلة اما انهم افلسوا بشكل سريع او خسروا نصيبهم لصالح شريكهم القوي والبعض فقد حياته في ظروف غامضة. لهذه الاسباب وغيرها فان القطاع الاقتصادي في البلاد تم احتكاره وتعطيله من قبل نظام هقدف الحاكم.

السياسة:

لقد سنحت لهقدف فرص كانت ستجعله احد اكثر الاحزاب الحاكمة شعبية في افريقيا لو كان اتبع الخطوات الاتية:-

المصالحة:
لقد كان على قيادة الجبهة الشعبية ان تدعو الى عقد مؤتمر للمصالحة (ان لم يكن مؤتمرا للحقيقة والمصالحة Truth & Reconciliation) حالما دخلت قواتهم اسمرا في عام 1991م، هكذا مؤتمر كان من شأنه ان يضمد الجراحات التي سببتها الحرب الاهلية وما صاحبها من التصفيات غير المشروعة للخصوم السياسيين، لو حصل ذلك لمهد الطريق لبداية جيدة نحو بناء الامة على اساس شامل منطلقين من ارضية صلبة، ولكنها بدلا من ذلك ارست دعائم حكم استبدادي راح ضحيته الشعب الارتري باكمله بما في ذلك اعضاء الجبهة الشعبية وبعض القادة الذين عبروا عن قلقهم او دعوا الى اقامة حكم ديمقراطي دستوري.

الدستور:
لقد كانت عملية صياغة الدستور فرصة اخرى ضاعت لجمع الارتريين واشراكهم في المساهمة في اعداد القانون الاساسي الذي تحكم من خلاله بلادهم خاصة اذا سبقته عملية المصالحة الوطنية وحتى ولو لم يتم ذلك كان بالامكان تحقيق الوحدة الوطنية في اسوأ الاحوال عبر اشراك جميع الارتريين في كافة مراحل اعداد الدستور ولكن ومع الاسف هيمن الهقدفيون وانصارهم على كافة مراحل اعداد وصياغة الدستور وتم تجاهل مطالب المسلمين والقوميات الاخرى وتم التعامل معها كانها لم تكن موجودة وهكذا صادق برلمان هقدف الشكلي في عام 1997م على الدستور ومن ثم تم رميه في سلة المهملات لتدخل البلاد بعده مرحلة الحكم الاستبدادي تحت قيادة رجل واحد وهو الرئيس.

النزاع الحدودي:
من المفارقات فان الوحدة الوطنية تكون ضرورة ملحة في حالات الكوارث والنزاعات الكبرى لدرء المخاطر التي تتهدد الامة.

لقد كانت الحرب الحدودية بين ارتريا واثيوبيا (1998-2000م) فرصة اخرى سنحت لنظام هقدف حتى يراجع سياساته الخاطئة ويعمل على تعزيز القدرات الدفاعية للبلاد من خلال الوحدة الوطنية بدلا من تخدير مئات الالاف من القوة المنتجة للبلاد واجبارهم على قضاء افضل سنوات شبابهم في بناء الخنادق والدفاعات او العمل لصالح شركات الحزب. وكانت النتيجة واضحة فالحكومة الاثيوبية برئاسة ملس زيناوي والتي كان ينظر اليها الرئيس اسياس ورفاقه بازدراء خرجت منتصرة من الحرب بعد هزيمتها لهقدف سياسيا، قانونيا ودبلوماسيا ولاحقا عسكريا بتحكمها في الاجواء الارترية وفرض منطقة منزوعة السلاح داخل العمق الارتري مساحتها 25000 كيلومتر مربع. هذه الضربة المؤلمة كان يمكن ان تكون درسا مفيدا لاية حكومة مسئولة وتدفعها لاجراء تقييم شامل للاخطاء التي ارتكبت والبدء في معالجتها وهو ما كان سيضع البدء في اصلاحات سياسية على رأس قائمة تلك المعالجات. ويبدو ان مجموعة ال 15 G تنبهت لهذا الامر عندما دعت الرئيس في عام 2001 (بعد فترة قصيرة من انتهاء الحرب في ديسمبر 2000م) للبدء في عملية الاصلاح من خلال عقد سمنارات تقيمية داخل الحزب وكذلك داخل البرلمان الشكلي. وكان مصيرهم: حبس الى اجل غير مسمى منذ 18 سبتمبر 2001م . وكل الفترة التي تلت العام 2000م شكلت انتهاك صارخ لحقوق الانسان وغياب كلي للقانون والهروب الجماعي للشباب من ارتريا وما تلى ذلك من ركود وحالة القلق والترقب حول ما يخبئه القدر للارتريين تحت حكم هقدف وقيادته التي استنفدت كل مبرراتها المقنعة لحكم ارتريا واختارت ان تناور في الزمن الضائع.

ربما تظل فرصة اخيرة امام نظام هقدف لتغيير المسار والبدء في اجراء اصلاحات سياسية من شأنها ان تحميهم من الانهيار الكامل. وهذا صحيح خاصة في ظل غياب معارضة سياسية فعالة. فالوضع الحالي يمنح حزب هقدف فرصة للبدء في اجراء اصلاحات سياسية من الداخل قبل فوات الاوان، فاذا فعلوا ذلك ربما يكون بامكانهم النجاة من هجوم شعبي عارم يتهدد وجودهم بالكامل. فالثورات المدنية السلمية في تونس ومصر اثبتت ان الحكام المستبدين اضعف مما كان البعض يعتقد وانه وبمجرد خروج الناس الى الشوارع فانهم ليسوا بحاجة الى جماعات المعارضة السياسية لقيادتهم. وعليه فقد حان الاوان لكوادر وقيادات هقدف للتوقف عن التصرف كتبع "لزعيم الطائفة"، وبدلا عن ذلك فانه من الافضل لهم الانحياز الى شعبهم والمطالبة بالاصلاحات السياسية او حتى اسقاط الرئيس وحاشيته الفاسدة وتمهيد الطريق نحو الحكم الديمقراطي والتقدم الاقتصادي.

في المحصلة فان عشرين سنة من الاستقلال لم تجلب بعد الامن، الاستقرار والانتعاش والنمو الاقتصادي في ارتريا، وبالتالي فان الشعب الارتري لم يجني اية ثمار حتى يحتفل في الرابع والعشرين من مايو بالذكرى العشرين للتحرير والاستقلال اللهم الا لتخليد ذكرى الابطال الذين سقطوا في حرب التحرير والدفاع عن الوطن. ويعرف الارتريون ان جيرانهم في الجنوب، الغرب، الشرق والشمال حققوا تقدم افضل في كافة المجالات بما فيها السياسية والاقتصادية. ولذلك فقد حان الاون لنقول لحزب هقدف كفاية Enough!! ይአክል!!. فالشعب الارتري يستحق الافضل يستحق السلام والديمقراطية الان.

فالتسود السلام والعدالة في ارتريا!

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click