عرض كتاب التاريخ السياسي لإرتريا

بقلم الإعلامي الأستاذ: خالد محمّد طه - قاص وصحفي ارتري

اعزائي جدا، إليكم الورقة التي سعدت بتقديمها ضمن برنامج عرض وتوقيع

كتاب (سمعكومو فالا) و(التاريخ السياسي لإرتريا) للمؤلف الشاعر والمناضل الارتري الرحل الاستاذ/ رمضان قبري، الذي اقيم في امسية رائعة بالقاهرة، في قاعة رغدان، فندق أركان برميدز، السبت 9 ديسمبر 2023.

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، الحضورالكريم اسعد الله مساؤكم بكل الخيرات، يسعدني ان اقدم لكم في هذه الامسية احد اعمال الاستاذ المناضل الشاعر المرحوم / رمضان عثمان قبري، رحمه الله وجزاه كل الخيرعن اهله ووطنه ومواطنيه.

نحن هنا للاحتفاء والاعلان عن نشر كتب جديدة للمؤلف اولها ديوان (سمعكومو فالا)، وساتحدث عن شكل وموضوع كتاب الثاني (التاريخ السياسي لإرتريا) من باب العرض والتوصيف لا التحليل والإنتقاد، وكما هو الواجب في مثل هذه المناسبات من الضرورة تقديم آراء صادقة حول الكتاب بما يقدم إضافة إلى "التفكير" في الشأن الارتري العام، وفي مجال الكتابة عموما.

نؤكد على أننا لسنا بصدد تقديم (قراءة ناقدة) للكتاب، بل لتقديم الفكرة أو المقولة أو الفرضية الاساسية له، والتي تشير بوضوح إلى أن الايديولوجيا هي اُس الازمة السياسية المزمنة في ارتريا، تلك الازمة التي تفاقمت في خضم تلاطمات وقائع الثورة الارترية على إمتداد تاريخها، رغم انها بدأت قبل ذلك، ولم تزل تستمر في أداءاتها على المستويات الوطنية والمحلية وتنعكس على مجمل السلوك السياسي، بهذا التقديم الذي يتضح بجلاء في نهاية الكتاب، بالشكل الذي يبين ان الايديولوجيا ايضا كانت محركا للكتابة عند المؤلف، هذا ما وجدته قي الكتاب دون تكبد عناء في البحث.

نبدأ في عرض كتاب: التاريخ السياسي لإرتريا، الصادر للمؤلف الارتري رمضان عثمان قبري، والمحرر صالح عثمان قبري.

بين ايدينا الان، الطبعة الاولى، التي حملت رقم سجل الإيداع 2023/19215، بالترقيم الدولي 4-936-838-977-978.

الناشر: النخبة للطباعة والنشر والتوزيع.

تاريخ النشر: نوفمبر 2023م / ربيع الثاني 1444هـ .

دولة النشر: جمهورية مصر العربية / القاهرة.

عدد الصفحات: 195 من الحجم المتوسط.

التخصص الرئيسي: التاريخ الحديث، الموضوع المعرفي: التاريخ السياسي.

لغة النص: العربية.

الغلاف الامامي: حمل اسم الكتاب والمؤلف والمحرر، والهوية البصرية لدار النشر (لوقو) مع صورة بارزة لرسم غصن الزيتون، وهو جزء من العلم والشعار التاريخي لإرتريا وثورتها، ورمز لجبهة التحرير الارترية، وتظهر في الخلفية صورة تاريخية ايضا لقطار يعبر احد الجسور في ارتريا، وسماء تظهر سحب وغيوم.

الغلاف الخلفي: حمل صورة للمؤلف، واوضح سبب الكتابة، والدوافع التي اوجزها المؤلف في أن كتابة التاريخ السياسي الارتري، مع التركيز على مرحلة تقرير المصير وبدايات الثورة، لتدعيم إلمام الشباب بالوقائع التاريخية، كجزء من مصدات لمحاولة تزوير ذلك التاريخ، ولتأكيد حق الشعب الارتري في معرفة التجربة النضالية، ومن ساهموا فيها، ومن كانوا ضدها ايضا، وذلك خلال المرحلة التي اعتبرها الكاتب (بداية للعمل السياسي الحقيقي في ارتريا) من زاوية نقل التجربة وتمليك الحقائق للاجيال.

كما حوى الغلاف ايضا رمز قضباني/ مشفرات خيطية، وترميز لبيانات المنتج (باركود) خاص بدار النشر الحاصل على إمتيازحقوق الطبع، وذلك لتوثيق أن النسخة من الطبعة هي الاصلية، ولإتاحة البيانات الخاصة بها.

تصميم الغلاف جاء في عمل ايضاحي جميل ودال، أبرز محور تركيز لافت (غصن الزيتون) وتميز بإستغلال جيد للمساحات في بساطة غير مشتتة وعناصر بصرية جاذبة وإستخدام متسق للالوان، لكن يلاحظ أنه لم تتم الإشارة إلى اسم مصمم الغلاف والتنضيد والتصميم الداخلي للكتاب.

اوضحت السيرة التعريفية للمؤلف/ رمضان عثمان قبركرستوس (رمضان قبري) مكان وتاريخ الميلاد - مندفرا 1932- وهي إشارة ممتازة تعين على تحديد الجيل والخلفية المعرفية، وصلته بالفعل الفني والإبداعي (شعر، مسرح) والنشاط الإجتماعي، ودوره في نضالات الحركة النقابية والوطنية، لكنها كانت تبذة موجزة جدا وكان يجب ان توسع اكثر لتسليط الضوء على مساهماته الفنية ومواقفه السياسية في مختلف المراحل، حتى وقت وفاته رحمه الله.

يتكون الكتاب من ثلاثة فصول رئيسية، الفصل الاول كرس للتعريف بتاريخ وجغرافية ارتريا، وسكانها ومواردها، واللغات والاديان، مع اشارة مهمة للتداخل والامتداد الثفافي والمجتمعي مع كل من السودان واثيوبيا وجيبوتي، كان تعريفا قصيرا لكنه شامل.

الفصل الثاني: تناول حقب الاستعمار الاجنبي بدءً من الحكم التركي العثماني، والثورات المحلية التي ناهضته، وهي من الجوانب المهمة التي تطرق لها المؤلف، ويمكن إعتمادها ايضا كجزء من التاريخ السياسي الارتري.

ثم فترة الحكم الخديوي المصري التي شهدت بدايات التغلغل الايطالي عبر إستئجار ميناء عصب، ثم سرد تفاصيل مهمة عن وقائع فترة الوجود والاحتلال الايطالي لما يقارب قرن وربع القرن، حتى هزيمة إيطاليا في معركة كرن التي انهت الحرب العالمية والوجود الاستعماري الايطالي في شرق افريقيا في العام 1941، ونتائج ذلك الوجود الإستيطاني وتأثيرته الإجتماعية والسياسية.

ثم تطرق لفترة الإنتداب البريطاني، ونشؤ ومكونات وتوجهات ومواقف الاحزاب والكتل السياسية الارترية، ثم الموقف الدولي من إستغلال ارتريا والنقاش حول مصير المستعمرات الايطالية السابقة، واحدث ونتائج وتحليل فترة الربط الفدرالي مع إثيوبيا، في هذا الفصل افلح المؤلف في الرصد والتحليل والربط وإستخلاص النتائج وهو ما يضيف قيمة اخرى للكتاب الى جانب سرد الوقائع التاريخية.

الفصل الثالث: استحوذ على ثلثي صفحات الكتاب، وتطرق بالتفصيل لمرحلة بدايات الثورة الارترية، حيث تناول ملابسات واسباب تأسيس (حركة تحرير ارتريا) واسماء مؤسسيها، واسباب تمددها ثم اخفاقها في تحقيق اهدافها، لاسباب متصلة بعدم وجود القيادة داخل ارتريا بما يتيح مواكبة ميدانية، وإعتماد الانقلاب العسكري كإستراتيجية، وإنفصال القيادة عن القواعد الجماهيرية، ثم دخولها في مواجهة مسلحة مع جبهة التحرير الارترية في منطقة (عيلا صعدا) لكن الكاتب هنا لم يوضح ان كانت تلك "المواجهة" قد تمت بقرار من قيادة الحركة ام من قيادة الجبهة، فقط اكتفى بالقول ان اخراج الحركة لتلك القوة كان بغرض تحقيق كسبا سياسي يمكن من إستعادة التأييد الشعبي لـ (حركة تحرير ارتريا)، وكان من المفيد للمتلقي ذكر تلك التفصيلة المهمة التي تفسر مكامن النزوع للإنفراد بالساحة ودوافع ومحركات ذهنية الإقصاء التي اصبحت سمات ملازمة للفصائل الارترية لاحقا، بل كانت إحدى مسببات الحرب الاهلية، وكل ماتم بعد إستقلال ارتريا.

تناول الفصل الثالث ايضا "ميلاد جبهة التحرير الارترية" والاركان الاربعة التي مثلت الطلائع الاولى للجبهة؛ الطلاب الارتريين في القاهرة، العمال الارتريين في السعودية، والعسكريين من اصول ارترية العاملين في الجيش السوداني، ومن اسماهم المؤلف بـ (ابناء الريف) التي اكتفى الكاتب بذكر بعض رموزها فقط مع ان جنودها هم من قامت عليهم اول تشكيلات جيش التحرير، وهم من عرفوا لاحقا بصفة (الرعيل الاول للثورة) وكان يجب ان تذكر اسماوهم ايضا، خصوصا وان هذا الكتاب يصدر بعد نحو 62 سنة من تلك الاحداث التي لا يجب ان تظل تفاصيلها او اسماء ابطالها ضمن المسكوت عنه، خصوصا وان التعريف بالتجربة النضالية ومن ساهموا فيها هدفا اساسيا للكاتب وسببا للكتابة، الاشارة المهمة الاخرى وهي انه: ان كان لنا ان نقترح إضافة ركن خامس ساهم بفعالية كبيرة في صناعة ذلك التاريخ البطولي فهي الجماهير الارترية - بمختلف مكوناتها الفئوية والمهنية والإجتماعية - في داخل ارتريا والسودان خاصة، والتي شكلت حاضنة إجتماعية لعبت دورا اساسيا في إستمرار الثورة ومجابهتها لأحلك الظروف، وكانت تمد الثورة بالمقاتلين والمقاتلات حتى يوم الاستقلال.

ضم الكتاب نص وثيقة "دستور جبهة التحرير الارترية - سنة 1960" وذلك يُعد إضافة مهمة لقياس مقدارالوعي السياسي والإدراك الحقوقي الذي تمتع به المؤسسين، ورد موثق على تواتر الاحاديث عن عدم توفر ذلك الوعي والإدراك في تلك المرحلة المبكرة من عمر الثورة، او انها بدأت بحراك عفوي، بل هناك من يصف البدايات بأنها كانت (مغامرة من بعض الشفتا).

تطرق الكتاب ايضا لمعطيات الواقع السياسي الارتري والاجواء السياسية في المحيط العربي والافريقي - في ذلك الوقت - وكيفية بدء العمل المسلح، وطرائق وسبل رفع القدرات التسليحية والقتالية، والانجازات العسكرية التي احرزت، والنشاطات الجماهيرية في الداخل والخارج وادوارها المساندة للعمل العسكري، وذكر بالاسم القائمين على ذلك التكليف الوطني، وبعض من سيرة مفجر الثورة الارترية المناضل القائد/ حامد ادريس عواتي، ثم إستشهاده - الملاحظ انها المرة الاولى التي تستخدم فيها صفة "المناضل" في الكتاب - الصفحة رقم (93)، بالرغم من ان هذه الصفة تنطبق على كل المناضلين الذين سبق ذكر اسماؤهم - لكن ربما وردت هنا بمعنى "مقاتل" لانها استخدمت كثيرا بعد ذلك.

ثم قدم الكتاب تفاصيل وتحليل لاوضاع الجبهة وقوائم باسماء قيادتها في الفترة من 1961 الى 1969، وسرد لانشطة ومسببات نشؤ واهداف حركة الاصلاح، ثم بداية ودوافع حركة الجنود، ثم قيام الوحدة الثلاثية (بين المنطقة الرابعة والثالثة والخامسة) واوضح اسباب تخلف المنطقة الاولى والثانية عنها، ثم إنقسام "قوات التحرير الشعبية" والجهود التي بذلت لتوحيد الروئ، وقدم الكاتب ايضا إفادة شخصية عن وقائع شهدها وشارك فيها من خلال موقعه كمسؤول اتصال بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية، كما افرد مساحة خاصة للحديث عن مجموعة من اربعة مناضلين وسمهم الكاتب بأنهم (ابطال الإنشقاقات في الجبهة) وهم بالترتيب حسب ما ورد في الكتاب: محمد عمر عبدالله (ابو طيارة) وعثمان صالح سبي واسياس افورقي، ومحمدعلي عمرو عثمان، كأنه لم يحدث إنشقاق في الثورة غير الذي اليه اشار الكتاب.

في نهاية الفصل الثالث ورد تقييم لمجريات ونتائج المؤتمرالوطني الاول لجبهة التحرير الارترية، وتبرير للأسباب التي أدت لقبول قواعد الجبهة لاطروحات حزب العمل ذوالخلفية الماركسية، وصاحب العلاقات مع الاحزاب الشيوعية في المنطقة وخارجها مثل الشيوعي السوداني، والشيوعي العراقي، والشيوعي السوري، والشيوعي الايطالي، ويقر الكتاب بتمكن كوادر حزب العمل من الوصول للمواقع القيادية في الجبهة بل وفي (التيار الوطني) ايضا للمؤهلات والقدرات التي كانت لديهم، والتي استغلوها في صراعهما مع الجناح الاخر، بتسريب الفكر الشيوعي وسط المقاتلين، وتمكنوا من شكيل اغلبية متنفذة، وقدم المؤلف قائمة تصنف اعضاء المجلس الثوري واللجنة التنفيذية على اساس (وطنيون او حزب عمل) وتطرق لاوضاع الجبهة بين المؤتمرين وبروز تيارات متعارضة داخلها.

كما تم سرد لوقائع ونتائج وقرارات المؤتمر الوطني الثاني، وحكى عن خلفية تمرد مجموعة (فالول) على اسس طائفية مسيحية، ثم تمت تصفية الفالول بقرارمن زب العمل بعد ان فضوا تحالفهم معه وتمردوا عليه.

كما يروي المؤلف ايضا احداث تصفيات اخرى نفذت ضد مجموعة من (الوطنيين المسلمين) حيث ذكر ان اقدم "حزب العمل" بإيعاز من الجبهة الشعبية على تصفيتهم بطريقة شملت عمليات قتل، وإعتقال، وإبعاد، لعناصر ذكرت بعض اسماؤهم في الكتاب، في أطار شروط وضعتها الجبهة الشعبية بـ "تصفية الرجعيين من المسلمين" مابل إتمام الوحدة!.

ويضيف الكاتب "تم ذلك للتكفير عن تصفية الفالول"، وهذه معلومة جديدة ضمها الكتاب، حيث لم يسبق ان تم تناولها بهذا الشكل والوضوح، وايضا قدم المؤلف قائمة باسماء القيادة المنتخبة في المؤتمر الوطني الثاني، مع تصنيفها لـ (وطنيون وشيوعيون) هذه المرة.

اشار الكاتب الى أن مادة الكتاب استندت الى مصادر من أدبيات ارترية، وإصدارات عربية واوربية، ذكرت بشكل تعميمي، لا يحدد اي من المعلومات ترجع للمصدر المعين.

في تقديري أن:

صدور كتاب (التاريخ السياسي لإرتريا) إضافة مهمة للمكتبة الارترية والافريقية والعربية، ويتيح معرفة جديدة وفرص للمقارنة مع الاصدارات التي تناولت ذات الموضوع، ويحفز على إجراء البحث والتحقق، ومن ثم إعادة كتابة التاريخ بنظرة أشمل، وهو بشكل عام كتاب جاذب ومحتواه مهم، الإعلان عن بدء نشر الكتاب اليوم يمكننا ان نقول أن: المؤلف وفق في تحقيق قدرا كبيرا من اهدافه، وان الكتاب سيكون مفيد لفئة الشباب ودارسي التاريخ والعلوم السياسية، والمهتمبن بالشأن الافريقي والارتري خاصة.


فقط لدي ملاحظات ارها مهمة:

• عنوان الكتاب جاء اوسع من المحتوى، لانه يتناول جزء يسير من التاريخ السياسي الارتري، وفي فترة لم تكن بداية ولا نهاية لذلك التاريخ، لذا كان يجب ان يوضع ما يشير الى ذلك التحديد.

مع صدور عدد مقدر من الكتب التي تناولت الفترة موضوع الكتاب، وتوفر صورالاشخاص والوثائق المتعلقة بموضوع الكتاب، كان من المهم ان يعزز المحتوى بتلك المعينات المتاحة، وان يتم تدخل من محرر الكتاب ليضيف ما يقوي طرح المؤلف، وما يكمل المنتوج النهائي.

الكتاب جاء حاملا لاسقاطات ايديولوجيا الكاتب، وهوما قد يكون مقبولا في التحليل، لكنه غير مجازا عند كتابة التاريخ.

وكما اسلفنا، لسنا هنا لتقديم ملخص للكتاب، او الإشتباك معه في قراءة ناقدة، ولن نخوض في مناقشة افكاره فيما يوصف بـ Critical reading، بالرغم من انها أعلى مستويات القراءة الممكنة، فهي تشير إلى تمكّن القارئ من "هضم" الأفكار والمعلومات التي قدمها الكتاب، إلى درجة تمكّن المتلفي من تطبيقها على مواقف أخرى غير مذكورة في الكتاب، أو أن تصبح جزءاً من وعي هذا القارئ ورؤيته، ولو حتى في "رفضه" لهذه الأفكار، وكما هومعلوم أن القراءة الناقدة تختلف تماماً من قارئ إلى آخر، وهذا يعني اننا نريد أن يشتبك كل منكم مع الكتاب بطريقته الخاصة.. وقد نعود في مساحة اخرى لتقديم قراءة نقدية، لكنا الان هنا لنحيي ذكرى المناضل الراحل الاستاذ/ رمضان عثمان قبري، ولنحتفل بتوقيع الاصدارات ونرحب بها، ولنقدم الشكر والتهنئة للاستاذ/ صالح عثمان قبري، ولندعوكم للقراءة وإبداء الرأي.

ارجوأن اكون قد وفقت في هذا التقديم والإحتفال، لكم وافر الشكر والقدير.

Top
X

Right Click

No Right Click