قراءة في رواية في بلاد البونت

بقلم الأستاذ: محمد اسماعيل هنقلا - كاتب إرتري - ملبورن، استراليا

صدرت رواية بلاد البونت لابوبكر كهال من دار الفرجاني "القاهرة".

في بلاد البونتوجاءت الرواية في 170 صفحة من القطع الوسط.. وتتكون من 25 فصلا.

نبدأ بالعنوان عندما تقرأ العنوان يسرح خيالك ويحضر الي ذهنك تاريخ أرض البخور و العطور، بلاد البونت، وعلاقة الملكة حتشبسوت بهذا المكان.. ودائما العنوان مثير ويحمل دلالة أخرى مبني على المراوغة.. وهكذا كان عنوان الرواية بلاد البونت.

وعندما تتجاوز العتبة من أول سطر الرواية تقف، امام واقع، وخرائط توضح تفاصيل المشهد المأساوي، المخيم على أرض الصومال.

مع إنهيار الدولة انزلقت البلاد إلي ثقافة القتال تحت راية الهوية الفرعية.. مما أفقدها طوق حزام الأمن والأمان.. وغرقت البلاد في دماء الاشقاء.. واصبحت تعج شوارع المدينة بالميليشيات، وأمراء الحرب الذين لم تتوقف افعالهم في طمر السلم الاهلي، بل تجاوزت أفعالهم ذلك، ودخلت إلي دائرة المساهمة، بعلم أو دون علم الي طمر النفايات.. وهذا الفعل، كان خطورته وتأثيره اكثر من الحرب على سلامة وصحة الأنسان والبيئة.

ومع تقاسم الفوضى للبلاد.. امتلأ سطح البحر بالقراصنة وعمقه بالنفايات.. وفي وسط هذا الظلام نشاهد ضوء منارة المرفأ تحت رعاية علي شيبلي، والنوارس التي تحوم حولها، رغم مرارة الحرب، ويتبادلون مع المنارة علاقة ود ممتدة من الزمن الجميل.. وتحلم هذه العلاقة بزمن جميل آخر.

الشخصيات الرئسية علي شيبلي، وحسن عبدي وشريفة.. علي شيبلي يمثل رمز مقاومة الحرب الاهلية وكل إفرازاتها، ويدعو الشبان الي عدم حمل السلاح وعدم الانخراط في هذا الجنون، ويقدم مقابل ذلك مكافأة مالية.. ويتشبث بآخر ما تبقى من الدولة.. اما أفراد الميليشيات ينظرون اليه أنه رجل من أهل الكهف، لانه لا يخضع لمزاج الواقع السائد، واقع الميليشيا والقراصنة.

شخصية حسن عبدي كان يمارس مهنة الصيد وياتي برزقه من البحر، وارتبط بشريفه.. وعندما دخل الصومال إلي دائرة الفوضى، وتمت استباحة ارضه وبحره.. ظهر رد فعل على هذا الموضوع من حسن وبعض من رفاقه الصيادين، وتحركوا وفق الامكانات المتوافرة ضد السفن التي تاتي إلي مياه الصومال الإقليمية وتلقي النفايات.. مع مرور الايام انزلقوا عن مسار الفعل النبيل وتحولوا إلي قراصنة وهنا لمع أسم حسن كقرصان.

وعندما علمت شريفة بالخبر، أخبرته بعدم موافقتها ان يمتهن فعل القرصنة، ووضعته أمام خيارين احلاهما مر.. اما ان يختار القرصنة او يختارها هي.. إختار حسن عبدي دون اي تردد حياة القرصنة.. وهكذا تم الفراق قبل ان يتوج حبهما بالزواج.

أخيرا تاب حسن عبدي وبدأ يتعاون مع منظمات حماية البيئة حتى يحمي بلده.. وتم استهدافه من المافيات ونجا باعجوبة من الموت.

أما علي شبيلي لبسوه ذنب غير ذنبه واختطفوه كما تم اختطاف أمن وسلامة الصومال.. برغم من صراخ حسن عبدي.. أمام معتقلي علي شبيلي.

قائلًا أنا هو علي شيبلي الذي تبحثون عنه.. حاول جاهدا ان يفدي علي شيبلي، لكن لن يلقى أذانًا مصغية.. من الجهات التي اعتقلت علي شيبلي… وعلي شيبلي يقول أنا برئ.. ساقوه مكبل حتى يتم محاكمته.. وحسن عبدي مات منتحرا… وهكذا تنتهي احداث الرواية.

في الختام الرواية تتحدث عن الجرائم التي نهشت بلاد البونت.. واعتداء الغريب السافر على سيادة البلاد من خلال دفن النفايات وتشجيع الفوضى.. أحداث تصيبك بالذهول عندما ترى فجأة تتحول الحياة من حب وسلام واستقرار الي جحيم يتنقل بين الناس موزعًا القتل والتشريد.. أنها رواية تسجل لحظة تاريخيه من زمن الصومال.. بمعنى آخر فعل توثيقي بأسلوب جمالي وإبداع أدبي.. لتحولات الاجتماعية والسياسية ألتي حدثة على صعيد شخصية الإنسان والأرض.

واخيرا نقول عن النص انه مكتوبة بفرادة ولغة شعرية جميلة وهذا الأسلوب يجعله يقرأ بشغف من القارئ.. اما نهاية حسن عبدي بالانتحار.. نهاية لا تناسب شخصية حسن.

المفروض يحمل راية علي شبيلي وفاءًا له ويعمل حتى يعيد العدالة لصديقه… عند النهاية هذه وجة نظر القارئ... والنص قابل لقراءة اخرى.

Top
X

Right Click

No Right Click