أوهام صغيرة أوهام جميلة للقاص الإرتري ياسين إزاز

بقلم الأستاذ: إبراهيم أحمد الإعيسر - روائي وناقد سوداني

تظل في نظري كتابة المقدمات للرواية والمجموعات القصصية والشعر خصوصاً تشكل (سلطة قرائية)

أوهام صغيرة أوهام جميلة

في مفهوم النص عند القارئ أو ما أسميه (أيديولوجيا القراءة)؛ لأن للنص الأدبي الإبداعي الذي يُكتب بمجازيات بلاغية واستعارة وكناية وتشبيه ومشبه به ومرموز ومرموز إليه وبرمزيات أدبية، مفهوميات مختلفة من قارئ إلى قارئ آخر.

فاللغة على وجه الخصوص تفرض في حد ذاتها مساحة للتأويل أو مساحة لمشاركة القارئ؛ لذلك حينا تفرضُ علي النص الأدبي الإبداعي (سلطة قرائية) تتمثل لنا في (المُقدم) أو ما يمكن أن نشير له (بالقارئ العارف/الناقد) تُصادر بالمقابل فِكرهُ أو كيف يمكن أن يفكر القارئ دون وجود عقلية تفكر له في تشريح النص؟

فليس كل القراء يمكن أن نطلق عليهم قراء خبراء أو (نخبويين)؛ يمكن أن يذهبوا بفكرة قتل السُّلْطة القرائية (القارئ العارف/الناقد) ومحاكمة وتذوق النص من سلطتهم الخاصة أو أدواتهم القرائية الخاصة.

من هذا المنطلق أوجه للقارئ حواري المباشر معه (أنه من حق القراءة عنده: قتل سلطتي التي أفرضها عليه الآن) وهذا لا يتم إلا بمدى تصنفينا له أنه قارئ جيد أو (مستقل الفكر) عبر معايير (ثابتة) يمكن أن تتمثل لنا في امتلاكه لغة القراءة، الثقافة الشاملة، الذكاء، قدرة التحليل والتفكيك، ومشاركة النص، والنقد بصورة عامة.

فقبل الشروع في قراءة المجموعة القصصية (أوهام صغيرة.. أوهام جميلة) إلى القاص الإرتري ياسين إزاز وضعت في ذهني أنني أمام عقلية أدبية تفكر سياسياً عبر الأدب أو منشغلة بأزمة الهويات بتعدديتها المختلفة وبأزمة النزاعات القبلية والثقافية والدينية والإثنية وإلى آخره، إن لم أقل أنني أمام قراءة مختلفة عن تشريح حرب الإستقلال الإرترية أو الحرب الإرترية الإثيوبية أو التاريخ الإرتري عموماً.

وهذا الاستنتاج يأتي عندي نتيجة لظروف هذه الأزمات الأزلية في إفريقيا عامة؛ فمحصلة الأدب الإفريقي في الغالب وفي السودان خصوصاً - بحكم قراءتي لغالب الأدب السوداني - لا تخرج من التوظيف الأيديولوجي؛ لذلك من الملاحظ أننا كقراء نجد أنفسنا أمام روائين وقُصاص بخلفيات سياسية، هم في الأصل أو بفطرتهم التي صنعتها الظروف السياسية العامة كُتاب مقال سياسي؛ لجأوا لكتابة الرواية والقصة القصيرة لأن لهما خاصية مراوغة للسلطة وانجذاب عند القارئ إن لم نقل أننا في زمن الرواية والقصة القصيرة وليس في زمن الشعر والمقالة.

وهذا مُلاحظ في توظيف اللغة المباشرة في الكتابة الإبداعية عند كثير من الروائيين والقصاص بما فيهم حتى بعض الكُتاب الذين لهم تجربة كبيرة. وكما أنه أخل تحديداً بالمعايير الكلاسيكية لكتابة الرواية في الغرب التي شكل ظهورها هناك أولاً.

لكن وجدت نفسي أمام قاص لا يمكن أن أطلق عليه لقب (القاص المحكوم بسلطة أيديولوجية) بل أمام قاص يشكل عنده الإنسان بهواجسه ومعانته اليومية المتجددة مع الحياة بمختلف أشكالها محور قضيته؛ فأنا لا أتناول طرح نقدي تقليدي في تحليل أو تفكيك كل النصوص المتباينة التي حملتها المجموعة القصصية أو لا أتحدث عن التبايانات الفكرية والثقافية والتقنية التي تتباين من قصة إلى أخرى، بل أتناول الجوانب المشتركة بين غالب القصص، كنموذج لمحور الإنسان الذي شغل ياسين إزاز؛ فقدمه لنا برؤية تعكس جوانبه الباطنة والظاهرة، بكيفية كلاسيكية في القص وأخرى مستحدثة.

وياسين إزاز هو قاص وكاتب مقال إرتري، درس رياضيات تطبيقية في معهد العلوم والتكنولوجيا بالعاصمة الإرترية أسمرا، وبكلية الحقوق بجامعة عين شمس في القاهرة. كتب مقالات مختلفة ومجموعة قصص نشرت بمواقع وصحف عربية مثل عزة برس - الجمهورية - اليوم السابع - المحور - OnAir Sudan - مجلة الحداثة السودانية .. ومواقع إلكترونية أخرى.

فإن كان للقصة القصيرة تأثير إجتماعي وسياسي قوي في كونها تُعد واحدة من أسلحة المقاومة الناعمة التي تعمل على تطوير الصفات الشخصيَّة الإيجابيَّة أو على تقويم السلوكيات والاخلاقيات والتعرية الاجتماعية والسياسية، كما للقصة القصيرة تأثير روحي كذلك في كونها تمثل حياة رديفة لمن لا حياة لهم إن كان محورها الإنسان وحياته؛ فإن إزاز يقاوم معترك الصراع النفسي للإنسان مع الحياة اليومية.

لكن يبقى السؤال المستخلص من ذلك من هو إنسان إزاز

هو الإنسان عموماً في كل مكان وزمان، الإنسان بكل اختلافته وخلافته، بحواسه، بذكائه وغباءه، بصراعه مع الحاضر والماضي، مع الآخر (الإنسان) نفسه الذي يغلب عليه حضور الرجل في المشهد القصصي. أم المكان عنده هو الإنسان في داخل ذاته.

ولعل هذه واحدة من التقنيات الحديثة في بنية فضاء المكان التي وجدتها في المجموعة القصصية (عذابات الملاك الأسمر) للقاص السوداني الطيب القرشي. السؤال عنده هو سؤال الإنسان إلى الإنسان. وهذا ما يوضح أننا أمام كتابة قصصية واقعية تعمل على تشريح المشاعر الإنسانية التي لا تملك هويات أخرى سواء مشاعرها؛ وهو الأمر الذي يذهب بنا إلى غياب الزمان الذي يبرر لعدمية وجوده (في أن المشاعر تحضر في كل زمكان) فالقارئ إذن إلى كثير من القصص داخل هذه المجموعة يستطيعُ أن يستكشف غياب هويات الشخصيات المحسوسة.

ولعل هذا بالمقابل ما يفتح الباب لأسئلة النقد الكلاسيكية المستخلصة من القراءة المتوقعة للحضور النمطي أو الكلاسيكي لبنية النص القصصي. ففي نظري كل ما هو مستحدث أو متمرد على القوالب الطبيعية قادر على الإقناع هو أمر لا يمكن محاكمته بالأداة الكلاسيكية.

Top
X

Right Click

No Right Click