ارتريا من الكفاح المسلح إلى الاستقلال - الحلقة التاسعة والعشرون

بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة - صحفي سوري - صديق الثورة الإرترية

دور اليمن الجنوبي:

كنا نلتقي دائماً بالأخوة اليمنيين، وإن الأخ عبدالفتاح اسماعيل قال لنا إن وفداً

ارتريا من الكفاح المسلح الي الاستقلال 2

من الجبهة الشعبية الارترية يريد أن يلتقي بكم، وسوف يكون معهم بعض المناضلين الفلسطينيين، وأنا أفضل أن تلتقوا بهم خاصة وأن الفلسطينيين يتبنّون الجبهة الشعبية، ناقشوهم بخطئهم الذي ارتكبوه، وأنا أقول لكم أنهم أخطأوا فعلاً.

ثم قال عبد الفتاح اسماعيل: الأفضل لكم ولهم أن تكونوا وفداً واحداً، وأن تكونوا مع الحل السلمي العادل للقضية الارترية.

وهذا ما فعلنا. إذ أصدرنا من بيروت بتاريخ 1979/6/29 بياناً حول الموضوع، ثم عدنا والتقينا مع الجبهة الشعبية في اليمن، وكان ذلك بحضور يمني ممثلاً بـ/سالم صالح أثناء اجتماعنا مع الشعبية، والذي حضر قسماً منه القائد اليمني عبدالفتاح اسماعيل لكن القلوب غير صافية منا ومن الشعبية وكما يقولون الباديء أظلم.!

بداية الأزمات:

وكان وفد الشعبية في عدن برئاسة أسياس أفورقي ورمضان محمد نور في حينها، وكنت أنا في عدن وسمعتُ بعض أطراف ما كان يدور، ثم سافرتُ إلى جيبوتي وفعلاً بدأت تتكاثر الأزمات، فالامدادات كانت شبه معدومة، والظروف العسكرية رديئة. وفي عام 1980 ذكرت الدعايات التي كانت تطلق على الجبهة، وكان أسياس وبالتعاون مع عثمان كان الإثنان في حلفٍ غير معلن ضد الجبهة قال لي أحد الأخوة السودانيين: أصحيح أن الجبهة قد اتفقت مع الأثيوبيين في موسكو؟

حملة مركزة لها أثرها في الجبهة فالصحافيون المرتزقة أتوا من كل مكان من العالم العربي والغربي، وكم بالغ هؤلاء في الكتابة والإشاعات، وإلى حدٍ ما قاموا بتعبئة العالم العربي ضد الجبهة. قالوا للسودانيين: إن الجبهة باتت تهدّد أمنكم.

وعاد القتال مرة ثانية بين الأشقاء لكن الجبهة الشعبية وجبهة تحرير تجراي الحاكمة حالياً في أثيوبيا، اتفقوا فيما بينهم على ضرب وتدمير (ج. ت. أ.) كان هذا في عام 1980 كنت في ذلك الحين في ارتريا، وكنت ألتقي دائماً بالأخوة القياديين الذين لم يكن يروق لي تصرفات وأفعال بعضهم.

بدأ التحالف بين شعبية ارتريا وشعبية تجراي ضدنا منذ زمن بعيد، إلا أن التنفيذ بدأ في 1980/8/20 وتم عقد حلف بين الشعبيتين، وبدأ القتال في الساحل الشمالي، وفي منطقة أدوبحا وتبح، لقد أعطوا مبررات كثيرة لهذا القتال، ومن هذه التبريرات التي تبنتها الجبهة الشعبية وغيرها بأن جبهة تحرير ارتريا تتفق مع السوفييت، وهذا إدعاء باطل، وليس له أي أساس، إنهم يزوروّن التاريخ.

قالت الجبهة الشعبية، إن جبهة تحرير ارتريا، وبالتعاون مع الجيش الأثيوبي، يعدون العدة لضرب الجبهة الشعبية وتدميرها.

هذا كذب، والتاريخ سوف يكشف بل يعرف من هو العميل الذي قتل شعبه، إنهم يردون أن يتفردوا بالسلطة، إذن كيف نفسّر اتفاق الشعبية وتجراي ضد الجبهة؟ هؤلاء ارتريون وجبهة تحرير تجراي تجراويين.

قال أحمد ناصر: سمعت أن عبدالله إدريس كان يتخوف دائماً ويقول: (إن الجبهة الشعبية تعد العدة مع جبهة تحرير تجراي للهجوم على الجبهة).

صحيح ما قاله الأخ عبدالله وأنت أول من حذّرنا وهذا للتناريخ لكننا اتفقنا سابقاً مع الجبهة الشعبية، وضمن التنسيق العسكري بيننا، على أن نرسل لوائين من الجبهة ولواءاً من الشعبية إلى منطقة بركة، لكنهم أي الشعبية لم يرسلوا ولا مقالتلاً واحداً، ساعدناهم قاتلنا معهم، أليست المقولة هي من أجل الاستقلال؟ إذن فلتتحد البنادق.

تابع أحمد ناصر حديثه قائلاً: قلت لرفاقي وبصفتي ضابط خرّيج الكلية العسكرية في العراق: علينا أن نسحب وحداتنا من الساحل، وهذا يتيح لنا عملاً عسكرياً منظماً، إذا أردنا أن نقوم بالدفاع عن وجودنا. إن تجاهل العمل العسكري الوطني هو من الأمور التي أدت إلى انهيار الجبهة.

ومثال على ذلك: (عندما كنت في ارتريا وكان برفقتي الأخ المناضل إبراهيم محمود مررت في قرية كبيرة تدعى دولك صرخت على إبراهيم محمود: ما هذا؟ مسيرة وأنتم في هذا الوضع: نعم مسيرة إن هذا من صنع رفاقك، أصحاب حزب العمل، ماذا وجدت؟ إنها مسيرة لأطفال يحملون أعلاماً حمراء يلوّحون بها.

بعدها سألت رئيس المكتب السياسي إبراهيم توتيل عن هذه الظاهرة المظاهرة فأجابني: إنها مسيرة أيها الرفيق..!

وتساءلت: ألم يكونوا يعلمون بأن الجبهة الشعبية يزحف جنودها بالآلاف لدفن جبهة التحرير؟

نعم.. وقت دُفنت جبهة تحرير ارتريا ذات الخط الوطني وإذا سألتموني عن إبراهيم توتيل ماذا يفعل الآن وأين هو؟ الجواب حاضر: لقد انضم إلى الجبهة الشعبية مع مجموعة صغيرة وأصبح محافظاً لمنطقة سمهر ثم عزل، إن إبراهيم توتيل من قبيلة الباريا).

فعلاً لقد دُفنت جبهة التحرير، لكن الحياة لم تُدفن.. ولن تُدفن، فالمستقبل للحخط الوطني، ولابد أن يعود الحق إلى نصابه.

في هذه الأثناء قامت الجبهة الشعبية بإصدار بيان من ثلاث عشرة صفحة تحدّثت فيه عما هو موجود وغير موجود، وكان "يُشتّم" من هذا البيان شيئاً مبيّتاً، إن الجبهة الشعبية بعد التدفق الذي حدث في السنوات السابقة، استوعبت أعداداً كبيرة من الشباب الارتري وقد تفوقت على الجبهة من حيث العدد.

يقول أحمد ناصر (يجب أن تسحب هذه الوحدات العسكرية الموجودة في الساحل إن (ج. ت. ت.) و(ج. ت. الشعبية) من الممكن أن تقوما بضرب هذه الوحدات، لكن للأسف إن رفاقنا لم يتحفّظوا بسحب هذين اللوائين)، وكان المسؤولون عن هذه الوحدات إبراهيم توتيل ومحمود حسب لكن هؤلاء كانوا خارج الميدان، في هذه الأثناء حشدت أثيوبيا وحدات عسكرية ضد الجبهة.

قلت لأحمد: ألا تعتقد بأن اتفاق أثيوبيا مع الشعبية تمّ بمحض المصادفة؟ أجاب أبو بردى، وهذا اسم ابنته التي ولدت في دمشق، وعرفاناً ومحبة لدمشق سماها باسم النهر الشهير في دمشق "أجاب أبو بردى": التاريخ سوف يظهر ذلك في المستقبل يا أبا سعدة.

كانت أثيوبيا تريد أن تفتح طريقاً من مدينة مندفرة إلى عرزه إلى أوحين وبارنتو ثم إلى مدينة تسني الحدودية، لقد أغلقنا هذا الطريق ومنعنا الامدادات من الوصول إلى النقاط الأثيوبية.

إني لم أشاهد أي مناضل أو جندي ما بين منطقتي فورتو تسني فكيف يحدث هذا؟ كنت أقول بضرورة سحب الوحدات العسكرية الموجودة في الساحل ومن الضروري أن يأتي الجيش إلى هذه المناطق وقد أشرت لرئيس المكتب العسكري الأخ عبدالله إدريس وقلت له بالحرف الواحد: يجب أن ندمر قوات الأثيوبيين في جبهة أوحين وإن لم ندمرّ هذه القوات فسيكون الخطر علينا جسيماً..!

وبالفعل أخذ برأيي وأرسلت وحدات عسكرية ورأسها المناضل محمود حسب، ودمّر الوحدات الأثيوبية واستولينا على أوحين في مندافرة، ثم اتخذ قرار جماعي بإبقاء هذه الوحدات في مكانها. كان هذا مخالف لإرادتي لكنه قرار جماعي.

في هذه الأثناء ذهب كل من عبدالله ادريس وإبراهيم توتيل إلى السودان، وقالا للأخوة السودانيين إننا نختنق، نريد عتادنا وتمويننا وسياراتنا محجوزة عندكم منذ سبعة أشهر، أعطونا ممتلكاتنا وإلا فلن يرحمكم التاريخ. ولم يرّد أحد علينا.

فعندما قمنا بضرب القوات الأثيوبية في أوحين، لم يبق في الساحل وبعض المناطق إلا الأسلحة الثقيلة، وهذه لا تفيد في هذه الظروف. لم أكن مرتاحاً لوجود الجيش في أوحين لكنني كما قلت أنا ملتزم بالقرار الجماعي، فرئيس المكتب العسكري عبدالله ادريس وإبراهيم توتيل رئيس المكتب السياسي، رأيا ضرورة سحب الجيش من هذه المنطقة لكن بعد فوات الأوان.

ولنقف قليلاً ونقوم بمحاولة تحليل بسيطة فنجد أن طبيعة جبهة تحرير تجراي كانت ترتكز على الطائفية البحتة. بهذه الروح الطائفية بدأ الأقتتال بيننا وبينم.

وعودة إلى الوراء قليلاً، بدأ حروي بعدائه للجبهة وتشكيله ما يعرف بالفالول ثم بإضافة وإعطاء صفة أخرى للفالول،عرفت فيما بعد بالتحرير والديمقراطية .ثم برز اتجاه عبدالله إدريس، وابتعدت العناصر الوطنية وانشغلت بأمور ثانوية، وهذه العناصر الوطنية متمثلة بأحمد ناصر وصالح اياي وسعيد صالح وخليفة عثمان والدكتور هبتي ومحمود حسب وحامد آدم سليمان ومحمد أحمد عبده وحامد محمود وعبدالله ادريس وابراهيم ادريس وقد زج الأخير بالسجن بحجة التآمر على الجبهة. ثم جاء قتل عبدالقادر رمضان وسعيد حسين هذا المناضل الذي سجن 12 سنة في سجون أثيوبيا قتل على أيدي رفاقه في دنكاليا بحجة الإعداد لانقلاب.

وإذا شئنا أن نذكر هؤلاء الوطنيين جميعاً، فستضيق الصفحات وليعذرني القراء وأخوتي الارتريون الوطنيون بتقصيري هذا، ثم إن التحاق أعداد كبيرة من الشباب من المرتفعات، وعدم تمتعهم بأي تجربة نضالية وتنظيمية سابقة، وتأثرهم بتفسيرات أسياس أفورقي كانت لهم تحفظاتهم الخاصة عليه وعلى أسلوبه وأفكاره. وعلامة الاستفهام هي ماذا يعرفون عنه.

قال لي في أحد الأيام الدكتور برخات وكان يزورني في منزلي في دمشق: (إن أسياس كان يعمل في القاعدة العسكرية الأمريكية في اسمرا والتي تعرف باسم كانيو ستيشن.

قلت للدكتور برخت: (هذا لا يعني شيئاً لأن كثيراً من زعماء العالم اضطرتهم ظروفهم للعمل في مؤسسات استعمارية فليس لهذا الأمر شأن كبير عندي لكن الدكتور برخت عنى الكثير؟ وإن التحاق هؤلاء الشبان بجبهة التحرير الارترية كان لهم هدف وهو تثويرها من الداخل وكانوا يظهرون استخفافاً بمنجزات جيش التحرير والثورة.

وهذا نموذج من الذين كانوا يريدون تثوير الجبهة. عندما كنت في منطقة فورتو أتجول فيها وجدت صناديق فارغة فظننت أنها للعتاد العسكري وعندما فتحتها وجدت العتاد العسكري عبارة عن خمور من الانواع كافة.

ومرة أخرى كنت أجري مقابلات للمناضلين والشعب في منطقة ادريس دار ثم ذهبت إلى منطقة القاش للسبب نفسه، وعدت إلى فورتو ودخلت إحدى الخيام دون استئذان فوجدت فيها فتاة جميلة فخرجت مسرعاً لأدخل خيمة فوجدت فتاة ثانية وقلت في نفسي: (ما هذا هل رحلت القيادة ودخلت مكانها فتيات جميلات للتمويه)؟

لا.. لقد اتضح أي فيما بعد أن هاتين الجميلتين تخصان أحد الرفاق القياديين.

لقد بدأ السوس ينخر جبهة التحرير الارترية من داخلها وخارجها كما قلت: بعد انهيار النظام الأثيوبي التحق آلاف من الشبان بالجبهة وهذا أدى إلى تحول كمي ونوعي وظهرت دلالته في الجبهة.

كان لهم دور كبير في بذر الفتنة والخروج عن العمل النضالي. صحيح أن المرأة الارترية قد ساهمت مساهمة فعالة في الثورة. وقدمت شهداء. لكني أنا شخصياً لا أؤمن بأن المرأة يجب أن تقاتل بالسلاح كما يقاتل الرجل لأسباب كثيرة. فتركيب المرأة الفيزيولوجي يختلف عن تركيب الرجل. والقوة الجسدية للرجل تختلف عن قوة المرأة، لكن هذا لا يقلل من أهمية المرأة، فلها دور أكبر من دور الرجل.

وعلى سبيل المثال لا الحصر ولا النوعية كان هناك جاسوس اثيوبي برتبة ضابط وكان يعذب ويقتل كل من يشتبه به وسعدية فتاة جميلة من منطقة حلحل استدرجت سعدية هذا الضابط إلى مكان منعزل لممارسة الحب لكنه لم يجد الحب بل وجد الفدائيين بانتظاره فقتلوه وعلقوه بشجرة ليكون عبرة لغيره. وهذه الحادثة تمّت في قرية هيكوتا وهذه قريبة من مدينة بارنتو عاصمة الكوناما وفي هيكوتا قضيت أياماً قبل تحريرها وبعده.

وقبل التحرير كنت أنام خارج البلدة وبعد التحرير صرت أنام قرير العين في هيكوتا ثم انتقلت منها إلى بارنتو المحاصرة حيث قاتلت بجانب القائد محمود حسب.

إذا كما قلت: للمرأة دور وللرجل دور. كل له أهميته لكن أن يكون شاب وشابة في الأدغال والجبال وبدون عمل فما الذي سيحدث؟ هل تريد أن نقول: أن للثورة وجهاً حضارياً تقدمياً بوضع الشاب بجانب الفتاة فهذا سبب من الأسباب التي أدت إلى قتل العملاق.. عملاق الشعب الارتري ألا وهو جبهة التحرير الارترية.

إذا كان لهؤلاء الوافدين الجدد ولا أقول كلهم فهناك بعض المدسوسين على هؤلاء الشبان والشابات وكانت مهمة المدسوسين تدمير الجبهة وخلق تنظيم جديد يتمثل بالافكار الوافدة.

فالشعارات التي طرحوها كانت شعارات جوفاء لا معنى لها.

وما شعارهم وحدة القوة الثورية العالمية واسقاط الرجعية المتمثلة في المناضلين القدامى إلا تدمير الجبهة وقد تم لهم ما أرادوا.

الى اللقاء... فى الحلقة القادمة

Top
X

Right Click

No Right Click