حرب الجياع - الحلقة الثامنة والثلاثون

بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة - صحفي سوري - صديق الثورة الإرترية

الأمن العربي والحرب الاثيوبية الارترية:

الموقف العربي:

أمراً واحداً لا يمكن للمراقب أن يتجاهله ألا وهو ما يحدث في القرن الإفريقي

حرب الجياع 2

من حرب ومنازعات، فالحرب الاثيوبية الارترية لا تبشر بتسوية سليمة معافاة بل ستبقى إلى أمد غير منظور عائقاً في عودة العلاقات بين البلدين المتحاربين وحالة شبه دائمة للتوتر والتأزم في القرن الإفريقي.

لقد انتزعت ارتريا استقلالها من اثيوبيا الأمهرا ومنح هذا الاستقلال من قبل اثيوبيا التجراي. إن الاستقلال هذا لم يأتِ عبر اتفاق مع نظام مستقر في أديس أبابا، بل جاء الاستقلال في لحظة انهيار كامل للدولة الاثيوبية كذلك في مرحلة انتقال انقلابي للسلطة من المجموعة الأمهرية إلى المجموعة التجرينية، ولم يحز الاستقلال الارتري على رضى وتقبل ودعم المجموعات العرقية الأخرى.

كان التجراويون يقاتلون ضد نظام "منغستوهيلامريام"، وضد السيطرة الأمهرية على السلطة. وربما لم يكن ممكناً هزيمة نظام :منغستو" لو لم يسقط الاتحاد السوفيتي. والأمر الثاني تحالف الشقيقين التجراوي والارتري، لكن يبدو هذا التحالف الموغل في العمق الاستراتيجي كان "فاشوشاً" أي مبنياً على المصلحة الوقتية، على الأقل من الجانب الارتري. وكان من نتيجة هذا التحالف وعلى خلفيته من تحولات إقليمية ودولية كبرى أن قبل التجراويون باستقلال ارتريا مباشرة بعد انهيار نظام "منغستو" وأفول نجم القومية الأمهرية وصعود نجم التجراويين ووصولهم لسدة الحكم في اثيوبيا بدون الإقليم الارتري.

على أن استقلال ارتريا وبغض النظر عن القواعد التي أسست له لم يقبل من باقي القوميات وخاصة من المجموعة الأمهرية التي شكلت النخبة السياسية والعسكرية الحاكمة لحقبة طويلة من الزمن وعليه نحاول أن نحلل بعض المواقف العربية والعالمية.

إن الموقف العربي من الحرب الاثيوبية الارترية كان غائباً في البداية فالخبر وقع على المسؤولين من خلال الإعلام وليس من خلال الأقنية السياسية لأننا وللأسف لسنا متابعين للتغلغل الصهيوني في إفريقيا بشكل عام وبالقرن الإفريقي بشكل خاص؟‍

إننا كعرب نتجاهل كثيراً من العوامل الخارجية البعيدة والقريبة من بلادنا وخاصة الإفريقية؟

لقد عجز العرب ولغاية الآن عن إقامة روابط صحيحة وسليمة مع بعض دول العالم الخارجي، على الرغم من روابط التاريخ والجغرافيا العديدة مع الدول الإفريقية. ومن ناحية أخرى كنا نعتقد أنه في يوم من الأيام، وخاصة أيام النضال الوطني لارتريا، أن استقلالها سيجعل البحر الأحمر بحراً عربياً نظيفاً لكن الذي حصل أن أصبحت ارتريا النظام بعد الاستقلال معادية للعرب وللثقافة العربية، وصديقة حميمة لإسرائيل فارتريا التي لا يزيد عدد سكانها عن "3.5" ثلاثة ملايين ونصف المليون تتصرف تماماً كالدولة العبرية بعد أن تنكر النظام الحاكم لروابط العروبة والإسلام. إن الحرب الاثيوبية الارترية حملت معها مخاطر حقيقة على مجمل المصالح العربية بشكل عام وعلى العلاقات العربية الداخلية بشكل خاص. فالمؤشرات تتزايد يومياً والتعاطف المصري ـ السعودي ـ الليبي مع ارتريا كان شبه واضح فيما كان اليمن والسودان وجيبوتي واضح مع اثيوبيا بل أميل إلى مساندة الطرف الاثيوبي.

الموقف المصري:

تشعر مصر بقلق بالغ تجاه المخططات الاثيوبية الساعية إلى بناء سلسلة من السدود على نهر النيل الأزرق، كما تشعر ايضاً بقلق بالغ تجاه التصريحات الاثيوبية المتكررة الداعية إلى التفاوض حول اتفاقية جديدة لتقسيم مياه النيل بين الدول الثلاث التي يمر النهر من أراضيها وهي اثيوبيا ـ السودان ـ مصر فالمحاولات الاثيوبية تركز أكثر للحصول على نصيب أكبر من مياه النهر من أجل الخطط التنموية التي تزمع الحكومة الاثيوبية تطبيقها. ابحث عن الدور الإسرائيلي والضغط على مصر في موضوع المياه. تدعي اثيوبيا أن المشروع المصر ي"توشكا" التي تعمل مصر في تنفيذه لاستصلاح أجزاء من صحراء مصر الجنوبية ـ الغربية سيقتطع من مياه النهر ما يتجاوز حصة مصر المقررة في اتفاقية تقسيم مياه النهر القديمة( ).

ترفض مصر على الدوام الدعاوي الاثيوبية فيما يخص مشروع "توشكا". وتؤكد أن أراضي المشروع ستروي من المياه الجوفية ومن الفائض الناتج عن التوفير في مصارف المياه الأخرى. كما ترى مصر أن المشاريع الاثيوبية لبناء سدود على منابع نهر النيل في اثيوبيا هي مشاريع غير واقعية اقتصادياً وجيولوجياً، وأنها في حقيقتها تعكس محاولات لبعض الجهات ومنها الإسرائيلية والأمريكية التي تستهدف الضغط على مصر وتهددها. كما ترفض مصر فوق ذلك كله أمن مسألة المياه ومياه النيل بشكل خاص وهي أكثر مسائل أمنها القومي حساسية. وهي مستعدة للذهاب إلى أبعد مدى ضد كل من يهدد أمنها المائي. أما التوتر المصري الاثيوبي فهو يرتبط بجزء آخر من موقف مصر وسياستها الإفريقية. ففي حين تسعى القاهرة إلى إعادة وإحلال السلام في الصومال من خلال العمل على إعادة توحيد هذا البلد العربي المميز، فإن اثيوبيا تجد كما يبدو مصلحتها في إبقاء الوضع الصومالي على ما هو عليه. وسبب ذلك أن الصومال المعافى سيطالب اثيوبيا بـ "أوغادين" الإقليم المحتل من قبلها.

هنا اصطدمت السياستان المصرية والاثيوبية بشكل واضح عندما عملت أديس أبابا على تخريب الجهود المصرية لعقد مؤتمر وطني صومالي للمصالحة، وإعادة بناء الحكومة المركزية في مقديشو.

في ظل هذه المعطيات كان من الطبيعي جداً أن تتعاطف القاهرة مع ارتريا وان تجد فيها أداة مناسبة لدعم السياسات المصرية تجاه منطقة القرن الإفريقي، وتجاه التهديد الاثيوبي. ثم إن القاهرة لعبت دوراً هاماً في إصلاح العلاقات الليبية الارترية وبذلك تكون مصر مهدت لارتريا دعم ليبي عسكري.

الموقف السعودي:

إن العلاقات السعودية الارترية الودية ظاهراً هي أيضاً إحدى الملامح الثابتة للصورة السياسية في القرن الإفريقي والبحر الأحمر.

تأتي هذه العلاقة في إطار الدعم السعودي القديم للثورة الارترية. كما أنها تأتي في إطار استخدام ارتريا للضغط على السودان واليمن سوية. وهما الدولتان العربيتان اللتان تتسم علاقاتهما دائماً بالتوتر وأحياناً بالهدوء إلا أن الجو دائماً مشحون بالتوترات. وهناك تقارير تشير إلى أن مساهمة سعودية بارزه في صفقات إعادة التسلح الارترية الأخيرة.

يقابل التعاطف المصري ـ الليبي ـ السعودي مع ارتريا خوف يمني سوداني متزايد من التوجهات الارترية العدوانية وتعاطف مع اثيوبيا إن ارتريا التي تلقت حركة الثورة فيها دعماً حاسماً من السودان وعلى اختلاف ظروف السودان وخاصة في المرحلة الأخيرة من قتالها ضد نظام الرئيس الماركسي "منغستوهيلا مريام". فقد تحولت ارتريا إلى مقر رئيسي للمعارضة السودانية المسلحة والسياسية ثم إلى قاعدة انطلاق لهذه المعارضة.

وهناك الكثير من السودانيين يرون في النظام الارتري وعلى رأسه الرئيس أفورقي المهدد الأكبر للأمن القومي السوداني. وهناك مؤشرات متزايدة على أن اثيوبيا التي اتسمت علاقاتها بالسودان بالتوتر لمدة عامين تسعى الآن لمد الجسور بينها وبين السودان. إن اثيوبيا قد مدت أول جسر بينها وبين السودان بأن قامت بطرد قوات المعارضة السودانية من أراضيها الذين توجهوا من هنا إلى ارتريا. ومما لا شك فيه أن الموقف اليمني من الحرب في القرن الإفريقي يشابه إلى حد بعيد الموقف السوداني. فاليمن تربطها علاقات وثيقة مع السودان بل كانت هي أيضاً عرضة "للصبينة والطيش" السياسي والعسكري الارتري الذي تمثل بقيام النظام "الأفورقي" باحتلال جزر حنيش اليمنية العربية في البحر الأحمر.

إن استمرار الخلافات بين السعودية واليمن، وإن خفت بعد ترسيم الحدود يضع صنعاء في موقع أقرب إلى دعم الموقف الاثيوبي من الحرب الاثيوبية الارترية.

إن احتمالات اتساع نطاق الاختراق الإسرائيلي في كل من اثيوبيا وارتريا سوف يحدث، لأن الحرب الاثيوبية الارترية التي تغذيها أمريكا وإسرائيل وبعض الدول الاستعمارية في واد والأنظمة العربية المجتمعة ظاهراً والمتطاحنة فعلاً في وادٍ آخر. ومما لا شك فيه أن استمرار الصراع بين التوأم في ظل تردي الوضع العربي سيفتح مجالات أوسع للاختراق والهيمنة الإسرائيلية ويحبط المحاولات العربية المستمرة منذ سنوات لاحتواء هذا الاختراق. وإن العرب يحتاجون إلى تطوير مواقفهم إلى موقف واحد تجاه ما يجري بين الدولتين اثيوبيا وارتريا.

الى اللقاء... فى الحلقة القادمة

Top
X

Right Click

No Right Click