سلسلة حلقات رواية انتحار على أنغام الموسيقى (القصة العاشرة) خيانة فتاة تحب الإهانة

المصدر: عزة برس  تأليف الكاتب والروائي: هاشم محمود

فتاة أقل ما توصف به أنها حمقاء، حتى وإن ادعت غير ذلك، فكل أجراس الإنذار تدق لها

رواية الانتحار على انغام الموسيقى

لتخطرها أنها في علاقة مريبة ومهينة وغير آدمية، لكنها تفاجئك بجملتها المخيبة لكل محاولات إنقاذها: أردت أن أغيِّب عقلي.

تلك حماقة بالفطرة وبالرغبة، فتظن أنها بذلك تدرك جيدًا ما تقوم به وما يلم بها، لكنها تريد أن تتعايش معه، ربما تحب القبح وتستمتع بالإهانة.

حاولت أن تخرس بتلك الجملة كل من همَّ بإنقاذها أو أضاء نور الكشاف لها، لكنها تصر على أن تطفئه أو أن تُبقي الأجراس صامتةً مع سبق الإصرار والترصد.

لا تعلم صديقتها مقدار تعقُّلها وحجم مراوغاتها، لكن ما توقنه أنها لا تمتلك شخصية محددة وواضحة الملامح، أو ربما تلك الصورة المهينة هي شخصيتها الحقيقية والتي لا ترغب في الاعتراف بها.

إيمان فتاة تدخل في علاقة غير متكافئة على الإطلاق، فعندما تخبرها بجنون ومجون هذا الشخص واستهتاره بها وبآدميتها، تصر على إيجاد المبررات والدوافع له بأنه شخص بائسٌ مسكين يتيم الأبوين، لم يجد من يحنو عليه، فتحاول أن تعيش دورها لدقيقة واحدة لتشعر برغبتك بأن تقذف رأسها في أقرب جدران أمامك ولا تتوقف إلى أن تتأكد من خروج هذا الغباء من رأسها.

ما علاقة الإهانة باليتم؟! كيف لفتاة أن تقبل السباب والعنف والتهديدات المستمرة بدافع العطف؟!

حاولت صديقتها مريم أن تتركها تفعل ما يحلو لها، لكنها لا تتحمل ضياعها، فتضيء لها النور في كل مرة، لعلها تنقذها لكنها تصر على السير في الظلام.

حياتها لا تستقيم سوى بأفلام الأكشن والرعب.

لا أحب الروتين، لا أحب الحياة المسالمة لأربعة وعشرين ساعة، أحب كثرة الأحداث وتدافعها.

لكن ما تتعرضين له إهانة.

لا ليست إهانة، هو نوع من العشم لا أكثر ولا أقل.

هي دائمًا تسرد المبررات غير المنطقية لعلاقتها غير السوية مع محمود، والغريب أنه عند تعرضها للإهانة يوميًا وبشكل دائم، تجدها تصرخ: لا أتحمل.. لا أتحمل! وما إن يمر يوم حتى تعود إليه مسرعة كأن شيئًا لم يكن.

ظنت مريم لبعض الوقت أن إيمان تحب الإهانة، وأن المشكلة عندها وليس عند الشخص المرتبطة به، ربما تحب العنف، والإهانة لكنها لا تريد أن تعترف بذلك، وإلا ما الذي أجبرها على الاستمرار في مثل تلك العلاقة؟!

بعد مرور أكثر من عامين في صراع دائم وتجاوزات لا يتحملها إنسان، وإهانات ما أنزل الله بها من سلطان، فالجميع يسمع بها وعنها، لكنها دائمًا تردد: هم يشعرون بالغيرة من ارتباطي به، كل الفتيات يتمنونه زوجًا لهن.

أصبحت إيمان ترى كل الفتيات غريمات لها، كلهن يردن أن يسرقن حبيبها، دون أن تكون هناك صفة وحيدة حقيقة وملموسة في هذا الشاب، فهو تملؤه العيوب من كل جانب، لا يوجد شيء عنده يشفع لشيء لتجعله تقبله، لكنها تجده فيه ذكورة لم تجدها من قبل.

ظنت إيمان أن عنفه قوة، وأنه الأنسب والأجدر بحمايتها من الجميع، ولم تعلم أنها أول من يوجه لها العنف والإهانة.

أحيانا تتساءل: لماذا هذه الفتاة المسكينة ترضخ لكل هذا، فلا وجود لسببٍ واحدٍ يجبرها على استمرار العلاقة، فالحب بريء من ذلك النوع من العلاقات، الحب يسقى بماء الاحترام.

زارته على غفلة في إحدى المرات، فوجدته يخرج امرأة من منزله بشكل مهين، لكن لم تكن الرؤية واضحة لمعرفة من هذه المرأة بسبب انقطاع الكهرباء عن المبنى بأكمله، لكنها سمعتها تردد: أنا أمك! عيب يا ابني!

صعقت إيمان مما سمعت، لكنها أنكرت الأمر على أذنيها، فهذه ليست أمه، فهي تعلم أن أمه تسكن في أقصى البلاد، فمن أتى بها في هذا اليوم؟!

تنتظر إيمان على الدرج حتى يعود سريان الكهرباء، ولا تسمع سوى: أنا آسفة يا ابني! لن أكرر الأمر ثانية!

تنزل المرأة من على الدرج، فتقع من على إحدى العتبات المكسورة لتحاول إيمان أن تأخذ بيدها، فتشكرها العجوز لكنها سرعان ما تبعد يدها عنها، فالكهرباء قد جاءت، ويبدو أن تلك الفتاة هي السبب في أن يقوم محمود بطردها من المنزل.

تتعجب إيمان من تصرف المرأة التي ظلت تردد: الله يلعنكم دنيا وأخرى! اتقوا الله!

• العجوز هي فعلًا والدته التي كانت ترجوه منذ بضع دقائق، لكن ترجوه على ماذا؟
• ولماذا أصر محمود على طردها؟
• وهل يعقل أن تكون هذه معاملة تليق بأم؟
• وما الجرم الذي اقترفته لكل ذلك؟
• حتى وإن فعلت فهي الأم وعلى الابن أن يطيعها ويعذرها إن أخطأت.. ما الأمر إذن؟

تلملِّم إيمان شتات نفسها، فهي تصر على معرفة الأمر لتذهب للطابق الرابع وتدق الجرس، ليجيب محمود:

اذهبي يا أمي لساعة واحدة ويمكنك أن تأتي بعدها.

ساعة واحدة!

تصر ايمان على الدق، وهو يتأفف من خلف الباب لكنها لا تتفوه بكلمة واحدة، فهي تريد أن تفهم ماذا يحدث؟ ولماذا فعل كل هذا بأمه؟!

يضطر رغمًا عنه أن يفتح الباب ليفاجأ بإيمان فيقول من هول المفاجأة: أنتِ! ماذا تريدين! لماذا أتيتِ الآن؟ لماذا لم تتصلي به؟ هل هناك شيء؟!

أمطرها بوابل من الأسئلة غير المنطقية دون أن يعطيها فرصة واحدة للإجابة، وهي فقط تنظر لعينيه تارة ولخلفه تارة أخرى، تريد أن تفهم ما يجري.

تسمع صوتًا يأتي من الداخل : يا محمود! كل هذا على الباب، أدخلها في الغرفة الثانية، لا داعي لتركها.

تصعق إيمان مما تسمع، تلقي بذراعه جانبًا، تدخل الغرفة مباشرة لتجد فتاة من فتيات الليل تجلس على مائدة ممتلئة بالطعام وبعض من المشروبات والأنوار الخافتة، فقد جاءت لتقضي ليلتها معه.

تصرخ إيمان ولا تدري ماذا تفعل سوى أن توجه اللكمات والضربات على وجهه وجسده، تصرخ بملء قوتها، كيف لك أن تفعل هذا؟ كيف لك أن تخونني؟ كيف لك أن تهين والدتك؟ أتفضل ذكورتك عن رجولتك؟

أمك أيها الحيوان! أمك!

وأنتِ هل حصلتِ على أجرك؟ هيا اذهبي.

يمسكها محمود بملء قوته:

اصمتى ولا تنطقي، صوتك أيقظ العمارة أيتها الغبية!

هل يهمك مظهرك؟ وماذا يساوي مظهرك أمام أمك؟ حتى تلك المرأة لم تزجرك عن وقاحتك مع أمك.. غدًا ما فعلته سيُفعل بك.

تترك إيمان كل ذلك، تتألم في صمت، تنزل الدرج مسرعة لتجد تلك العجوز مازالت تحت المنزل، تأخذها من يدها لتقص عليها قصة فتاة غبية جدًا لم تحب أن تسمع لأحد سوى نفسها، لتشعر المرأة أن إيمان تتحدث عن نفسها، لتقص عليها تلك العجوز قصة أم أفسدت ابنها، والآن تجني حصاد ما قدمته، فلم تعترض على طلب، بل نقلت ملكية منزلها إليه، والآن يخرجها منه بكل إهانة فقط لإرضاء متعة جنسية مع فتاة ليل، ضحى بتسعة أشهر من الحمل وعامين من الرضاعة وأكثر من 33 عامًا من التعليم والتربية لأجل متعة لا تتعدى نصف الساعة.

يبكيان ويضحكان، لا تعلم من منهما بحاجة للأخرى، هاتان المرأتان بحاجة لبعضهما البعضح فهدفهما الخلاص من ذلك الألم، إيمان تتخلص من ألم الخيانة والغباء، فلم تستمع أبدًا لرأي صديقتها مريم، بينما تلك العجوز أرادت من أن تغتسل من حصادها السيئ والتي لم تحتكم لرأي العقل والمنطق في أن تحمي نفسها من غدر ابنها، فضحت بممتلكاتها لأجله، والآن تعيش بين منازل أخواتها، لتردد على إيمان: هو يشبه والده كثيرًا، لا يملك في قلبة رحمةً.

تحمد إيمان ربها على الخلاص حتى وإن ضاع من عمرها عامان، لكن القدر أنقذها من زيجة شديدة العذاب وأبناء من نبت الشيطان.

Top
X

Right Click

No Right Click