قعزو كاب ناقفة ناب ناقفة - الرحلة من نقفة والى نقفة - الجزء السابع عشر

ترجمة انتقائية الأستاذ: إبراهيم محمدنور حاج - ملبورن، استراليا  تأليف الدكتور: تخستي فقادو

بدأت المعارك لتحرير مصوع في صبيحة 19-12-1977

ومن جانبنا كجهاز طبي كنا قد اكملنا كافة الاستعدادات لإستقبال الجرحى...

قعزو كاب ناقفة ناب ناقفة   الرحلة من نقفة والى نقفة

وحتى ذلك الحين صعدنا الى التلال المحيطة لتفقد سير المعارك عن بعد... ولم يمض طويلا حتى بدأ تدفق اعداد الجرحى... ومما ساعد على سهولة نقل الجرحى من ساحة المعركة الى عيادة الجراحة كانت حالة الطقس حيث كانت السماء ملبدة بالغيوم فضلا عن تساقط الرذاذ... وقد استمرت المعارك الشرسة لمدة خمسة ايام دون انقطاع... فالبرغم من ان محاولات العدو لفتح طريق اسمرا كانت شرسة... إلا انها لم تكن بالحجم والاصابات الخطيرة التي واجهناها في معارك تحرير مصوع.

في اليوم الخامس كانت المعارك قد شارفت على الإنتهاء.. في ذلك اليوم صعدت الى التل حيث يوجد راديو الاتصالات... وكان الهدف الاتصال بصيدلية توزيع الادوية الطبية في فلفل... لطلب المزيد من المواد الطبية التي شارفت على النفاذ.

وفي حوالي الساعة السادسة مساء كنت اتابع عبر الراديو الوحدات التي كانت تهجم من الجنوب اي من اتجاه حرقيقو وعجيب..وهذا المكان يبعد حوالي 12 كيلومترات عن مصوع.

وفي تلك الاثناء تناما الى مسامعنا وقائد الكتيبة يوجه جنوده قائلا "بالقرب منكم في الوادي... هناك بعض افراد الكمندوس.. وبعد ان تقضو عليهم واصلو طريقكم... فليس امامهم سوى الهروب بإتجاه الشجيرات القصيرة... حاولو انجاز المهمة قبل حلول الليل".

وقد كان كل مقاتل وكل وحدة يتنقلان من موقع الى آخر بكل شجاعة وبمبادرات ذاتية... ودون الانتظار الى توجيهات.. وهم يطاردون العدو الى داخل المدينة لم يتوقفو لحظة واحدة في انتظار المؤن والذخيرة.. بل كانو يسلحون انفسهم بما كان يتركه العدو خلفه اثناء الهروب.. وهكذا حتى وصلو الى عداقا... ولكن وبالرغم من التفان والصمود والشجاعة إلا اننا لم نتمكن من اجتياز سقالة قطان وسالينا.

في الاساس الهدف من عملية سالينا (حقول الملح) كان لتضييق حبل المشنقة حول عنق جيش العدو... ومن اجل ذلك كان على المقاتلين اجتياز حقول الملح للوصول الى القاعدة البحرية المتواجدة في جزيرة قرار... والسيطرة على القاعدة البحرية بدوره سيساعد على تضييق الخناق على القوات الاثيوبية المتمركزة في كل من جزيرتي مصوع وطوالوت اللتين يربط بينهن جسر.

ولااستطيع ان اقول هنا بأنه كانت لنا دفاعات قائمة ومحصنة... فقد كان انتشارنا يبداء من مدخل سقالة قطان (سينما عايدا) شمالا... ومن حقول الملح وحتى قرقسم غربا.. فكنسية القديس ميكائيل التي دمرتها الطائرات كانت خلف مواقعنا.

والمسافة بين مواقعنا والقاعدة البحرية ومستشفى قرار... لم تكن تتجاوز كيلومترا واحدا فقط... وفي المساحة الواقعة بيننا وبين العدو كانت تنتشر حقول الاملاح.

إذن كانت عملية سالينا تقتضي اننا نسير على الوحل (الفخ) المتمثل في حقول الاملاح... ثم ايجاد موطئ قدم داخل القاعدة البحرية ودحر قواته... ومن ثم تدمير الجيش الاثيوبي داخل مصوع.

وهنا لابد من الإشارة انه كان من الصعب جدا اجتياح مصوع عن طريق سقالة قطان وطوالوت... لان العدو هناك كان قد وضع متاريس ومدافع قادرة على عرقلة اي تحرك من اتجاه سينما عايدة.

ففي تلك الليلة المشؤمة...كانت العربات تنقل الينا الجرحى من سالينا دون توقف.

كانت هناك امور كثيرة تميز جرحى معارك سالينا عن جرحى المعارك الأخرى... الملاحظ ان جميع الحرحى كانو يرتدون القمصان والشورتات... وحذاء الشدة كان مربوط بحبال مطاطية.. وكانت سيقانهم مغطاة بضمادات... وشعورهم قد اصابها الجفاف وملفلفة.. وجلودهم ناشفة نتيحة الاملاح.

اما سبب ربط حذاء الشدة بالحبال كان لكي تلصق الشدة في القدم ولا تسقط في البحر اثناء الركض.

وقد واجهنا صعوبة في خلع ملابسهم اثناء العلاج لانها قد التصقت بأجسامهم بسبب الدماء والاملاح.

وانا اتفقد احوال الجرحى واقوم بعملية تقييم درجات الاصابات وفرز الحالات الخطرة... اقتربت مني الممرضة برهانا وهمست في إذني بأن هناك عدد تسع حالات خطرة تستدعي اجراء العمليات على وجه السرعة.. وبعد قليل ارتفع العدد الى 15... وتصاعد العدد بتلك السرعة كان مصدر قلق لي.

وعليه بدأنا إجراء العمليات حوالي الساعة العاشرة ليلا... وظللنا نجري العمليات على مدار الساعة دون توقف... وعودة الى سير المعارك، فحسب مارواه لنا الجرحى، فالقوات التي شاركت في معركة سالينا كان اللوائين 4 و 70.

وقد بدأت الاشكالية عندما بدأ المقاتلون دخلو حقول انتاج الملح... ففي هذه الأثناء قام العدو بفتح الانابيب التي تغذي الحقول بمياه البحر واغراقها والماقاتلين لازالو في وسط الحقول... حاول المقاتلون المضي قدما... ولكن التقدم اصبح صعب للغاية.

فبينما كانو يواجهون ارتفاع منسوب المياه التي كانت تعيق تحركهم، من جانب آخر كانت قنابل العدو تتساقط فوق رؤوسهم.

وبعد ان تأكد استحالة تنفيذ المهمة، لم يكن للمقاتلين من خيار سوى الانسحاب، وهم يحملون على اكتافهم رفاقهم الجرحى.

مايحز في النفس، ان عددا كبيرا من رفاقنا الذين سقطوا شهداء في سالينا "حقول الملح" لم يجدو مراسيم الوداع والدفن الذي يليق بهم... ولكن عزائنا انه ربما كان هناك الحاح من قبل البحر انها تنال شرف الاحتفاظ بالجثامين الطاهرة لتلك الكوكبة من الشهداء... بل وربما يظل ذلك ضريحا وعامل جذب لملاحم اخرى في اعوام قادمة لتحرير هذه المدينة العريقة.. مرة والى الابد... تعتبر عملية سالينا فريدة من نوعها في تاريخ الكفاح المسلح الارتري.

ملاحظة من المترجم:

الكاتب هو طبيب وبالتالي قد طغى على سرده التفاصيل الدقيقة في الجانب الطبي والعمليات الجراحية التي واكبت الجانب العسكري.

وحتى حديثه عن سير المعارك كان مصدره المقاتلين الجرحى... ولا يمكن اعتبارها انها الصورة الكاملة لسير المعارك.. فلو كان الكاتب مسؤل عسكري او سياسي لربما كانت الصورة اوضح... واشمل... فأنا من جانبي لم اتعمق كثيرا في التفاصيل الطبية... بل ركزت على الجانب العسكري.

نواصل... في الجزء القادم

Top
X

Right Click

No Right Click