قصة الاستعمار الإيطـالي لإرتريـا

بقلم الأستاذ: محي الدين علي  تأليف المناضل: محمد سعيد ناود - روائي، كاتب، مؤرخ ومؤسس وقائد حركة التحرير الإرترية

التلاحم الذي حدث بين حركة تحرير إرتريا وقوات التحرير الشعبية اثر انعقاد مؤتمر

(سدوحا عيلا) التاريخي منتصف العام 1970م تزامن مع صدور أول كتاب في التاريخ الإرتري الحديث ألا وهو (قصة الاستعمار الإيطالي لإرتريا) للمناضل محمد سعيد ناود مؤسس وقائد حركة التحرير الإرترية إلى حين تلاحمها مع قوات التحرير الشعبية.

وفي المقدمة التي تصدرت الطبعة الأولى منذ أربعة عقود كتب المناضل عثمان صالح سبي (المؤلف مناضل إرتري في سبيل حرية بلاده واستقلالها الوطني، وكان رئيسا لحركة التحرير الإرترية التي أسهمت في نشر الوعي السياسي بين جماهير إرتريا، قبل أن تندمج الحركة في تنظيم الجبهة مؤخرا).

ويضيف المناضل سبي: (إن الأخ ناود هو أول مواطن يقدم على تأليف كتاب عن تاريخ إرتريا ولو اختص بمرحلة معينة من التاريخ، نأمل كثيرا أن تمكنه الظروف من متابعة الكتابة عن التاريخ الإرتري خاصة وانه في طليعة الشباب المثقف الشغوف بالبحث في خفايا التاريخ، وكما نأمل أن تشجع هذه المبادرة مواطنين آخرين ممن يتمتعون بالكفاءة أن يحذوا حذوه وينقبوا عن تاريخ بلادهم في بطون الكتب والوثائق التي تزخر بها المكتبات الأثرية في استانبول والقاهرة وروما وباريس ولندن).

أما في مقدمة الطبعة الثانية التي صدرت من أسابيع والتي كانت تحت عنوان (مقدمة جديدة لكتاب قديم) يقول المناضل ناود انه عندما شرع في كتابة مؤلفه منذ أربعة عقود كان يدرك جيدا أن القضايا التي يجب تناولها في كتابه، هي من الضخامة والسعة بحيث لا يسعها هذا الكتيب بل تحتاج إلى مجلد ضخم، ومرد ذلك انه وفي تلك المرحلة وكغيره من الإرتريين كان مسكونا بهاجس الحرمان من الوطن بواسطة الاستعمار الإثيوبي والدوائر الدولية الداعمة له وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.

وتحت ذلك الهم والهاجس قام المؤلف بكتابته في تلك الفترة، وكان بمثابة صرخة مدوية من قبل الشعب الإرتري (بان لنا وطننا إرتريا وليس بمقدور أي جهة انتزاعه منا). ولدحض الادعاء الإثيوبي فقد تطرق المؤلف إلى أنماط الاستعمار الأجنبي الذي حل بإرتريا ودون أن يتجاوزها إلى إثيوبيا ابتدءا بالبرتقاليين، الأتراك، الخديوية المصرية، وأخيرا الاستعمار الإيطالي. وللمزيد من الحقائق لتأكيد ذلك فقد أورد المؤلف اتفاقيات الحدود بين إرتريا والسودان من جانب وبين إرتريا وإثيوبيا من جانب آخر والموقعة بين بريطانيا التي كانت تستعمر السودان وايطاليا التي كانت تستعمر إرتريا.

كما تطرق المؤلف لدوافع ايطاليا التي كانت وراء استعمارها لإرتريا وأول تلك الدوافع انتشار الجريمة والمجرمين في الأجزاء الجنوبية من ايطاليا، فظهور عصابات (المافيا) في صقلية و (الكامورا) في نابولي ودوروهما في عمليات السرقة والنهب وفرض الإتاوات على الأهالي الآمنين وممارستهما الابتزاز والقتل وحصولهما على الأموال من بعض الساسة المحليين، فكان كل ذلك عامل دفع باتجاه نفي هذه العصابات إلى أراضي خارج ايطاليا، كما يورد المؤلف سببا آخر للبحث عن المستعمرات من قبل ايطاليا وهو نفوذ أصحاب رؤوس الأموال الإيطاليين الذين كانوا يبحثون عن المزيد من الاستثمارات خارج بلادهم مما دفع بالحكومة الإيطالية البحث جديا عن إنشاء مستعمراتها.

كما يكشف الكتاب الدور الذي لعبه المبشرون والشركات التجارية كمقدمة للمستعمرين، وكمثال له الدور الذي لعبه (الأب سابيتو) وشركة (روباطينوا للملاحة البحرية) كمقدمة للاستعمار الإيطالي في إرتريا عندما قام هذا المبشر بشراء قطعة ارض صغيرة والتي تحولت في النهاية إلى موقع قدم لايطاليا في (عصب) بتاريخ 1896/11/15م ومنها انطلقت ايطاليا بعد ذلك بجيوشها لتحتل كل الشاطىء الإرتري ومصوع ثم الانطلاق إلى الأراضي الداخلية.

ويتناول المؤلف مخازي الاستعمار والتي ابشعها تجارة الرقيق في إفريقيا، وكيف كانت مصائر شعوب هذه القارة تتقرر في العواصم الأوربية بل ويتم تقاسمها دون أن يكون لهذه الشعوب علم بذلك أو يؤخذ رأيها.

ويقول المؤلف انه ومنذ عقدين على تحرير إرتريا كان قد ذكر في مقدمة الطبعة الأولى من الكتاب ما تقوم به إثيوبيا من جرائم بحق الشعب الإرتري وهي نفس الجرائم التي ارتكبها المستعمرون بحقها وحق غيرها من الشعوب الأخرى مذكرا بالعبارة التي أوردها في تلك الآونة في مقدمة الطبعة الأولى (ولكن مهلا إثيوبيا فسيأتي اليوم الذي نكتب فيه قصة الاستعمار الإثيوبي لإرتريا).

ويكرر الدعوة التي أطلقها في حينه ومنذ عقود أربعة حول عدم وجود مصادر تاريخية تتعلق بكل مراحل التاريخ الإرتري، والقليل الذي كتب لا يعطي الصورة الكاملة عن التاريخ الإرتري، وضرورة استنفار كل الجهود من اجل التوثيق والتسجيل والتدوين، قائلا انه اخذ على عاتقه منذ تلك الفترة البحث والكتابة حيث أصدر عددا من الكتب تتناول بعض من التاريخ الإرتري وعلاقة إرتريا بدول الجوار، إضافة إلى كتابته حول سير عدد من الأبطال خاصة أبطال المقاومة ضد الاستعمار الإيطالي أمثال عبدا لله بلال وعلي محمد عثمان في دنكاليا، وكنتيباي حامد حسن في الساحل، وبهتة حقوس في الهضبة الإرترية، مضيفا إن جل هذه المجهودات في الكتابة المتواضعة تأتي دحضا للافتراءات الإثيوبية وتعليما وتنويرا لشبابنا ودفعا لجيلنا الحاضر وتراثا ونبراسا لأجيالنا القادمة التي وجدت وطنا حرا ومستقلا.

ومن أهم العناوين التي تضمنها الكتاب

• مشروع مانشيني لالتقاط مفاتيح البحر الأبيض المتوسط في البحر الأحمر.
• قناة السويس وأثرها على النشاط الإيطالي.
• مهمة الأب (سابيتو) في ساحل البحر الأحمر الغربي.
• أصول السيادة العثمانية في ساحل البحر الأحمر الغربي.
• محاولات دعم حقوق السيادة العثمانية المصرية.
• مصر ونزول الطليان في عصب.
• تأسيس مستعمرة مصوع.
• توغل ايطاليا في الأراضي الداخلية.
• الحدود بين إرتريا والسودان.
• الحدود بين إرتريا وإثيوبيا.

مما لاشك فيه تعتبر هذه الطبعة إضافة حقيقية للمكتبة الإرترية التي تفتقد إلى هذه النوعية من الكتابات وتأتي في ظرف نحن أحوج ما نكون فيه لمزيد من التعرف والإطلاع على خلفيتنا التاريخية وتراثنا الحضاري من اجل تمليك الحقائق لأجيالنا وشبابنا الناهض الذي يخطوا نحو المستقبل بخطى حثيثة وهو يتسلح ببطولات الآباء والأجداد من اجل ترسيخ بناء وطن يسود فيه الرخاء والتقدم. متمنين في الوقت نفسه أن تكون مساهمة المؤلف حافزا ودافعا لمثقفينا من اجل البحث والكتابة والتسجيل. بقى أن أشير إلى أن المناضل ناود هو بصدد نشر عدد من الكتب التالية في الفترة القادمة وهي على التوالي:-

• شخصيات ورموز إرترية.
• يومياته ومذكراته في الثورة الإرترية.
• شاهد على بعض عصره.
• تاريخ الطريقة الختمية في اريتريا.

Top
X

Right Click

No Right Click