حكومة إسياس أفورقي عشرون عاما من الحكم الدكتاتوري المتسلط - الحلقة الثانية

بقلم الأستاذ: جلال إبراهيم

(5) نظام الحكم الفردي وغياب المؤسسات: مما لا شك ولا جدال فيه إن إسياس هو الرئيس المطلق وإن الدستور معطل منذ المصادقة

عليه ولم تجري أي إنتخابات في البلاد والصحافة الحرة لا وجود لها على الإطلاق. بإختصار يمكن القول إن إرتريا دولة تفتقر إلى المؤسسات وحكم القانون وهناك أساليب مختلفة يتبعها إسياس لبسط سيطرته التامة على كل أجهزت الدولة وتسير إمورها على كافة المستويات كيف ما يراه نذكر منها ما يلي.

(5.1) إزدواجية الوزارات والإدارات:

في كثير من الأحيان هناك إزدواجية متعمدة لبعض صلاحيات الوزارات المختلفة. على سبيل المثال هناك إزدواجية بين عمل وزارة المالية ووزارة التنمية الوطنية بما يخص السياسات المالية للدولة، و بين وزارة الزراعة ووزارة الدفاع حيث تمتلك وزارة الدفاع مشروعات زراعية كبيرة في المنخفضات الغربية مثل ما تملك وزارة الزراعة، ولأسباب مماثلة بين وزارة الدفاع ووزارة البناء والتعمير، ومثال اخر هو إدارة الأقاليم حيث تقع إدارة الأقاليم الستة تحت حكم مدني و حكم عسكري مزدوج غير معروف المعالم.

بموجب التقسيم المدني للبلاد توجد في إرتريا ستة أقاليم يديركل منها حاكم مدني وإدارة مدنية، وفي نفس الوقت هناك تقسيم عسكري موازي للبلد حيث تقسم إرتريا إلى خمسة مناطق عسكرية تقع تحت الإدارة العسكرية لخمسة جنرالات في الجيش تتصل مسؤولياتهم مباشرة بمكتب إسياس وليس بوزارة الدفاع، والعلاقة بين الإدارة المدنية والإدارة العسكرية لكل أقليم ومنطقة عمليات عسكرية ليست واضحة مما يسبب نزاع مستمر في الصلاحيات والسطلة والمصلحة بين الحكام المدنين والعسكرين. وهذه الأزدواجية تمكن الرئيس من بسط سلطته على كافة الوزارات كيف ما شاء.

(5.2) مكتب الرئيس:

إن السلطة الحقيقية متمركزة في شخص الرئيس ومكتبه ومعاونيه مثل يماني قبري مسقل (مدير مكتب الرئيس)، وأبرها كاسا (مدير المخابرات)، وسيمون قبري دنقل (الأمن الداخلي)، وسابا هيلى (زوجة الرئيس ومسؤولة مكتب الإتصالات). وتعمل الوزارات وكأنها مكاتب فرعية لمكتب الرئيس والعمل في الوزارت لا يتعدى تنفيذ أوامر الرئيس وإتمام الأعمال الروتينية. وبما إن الوزارات لا تملك سلطة التصرف في ميزانياتها فإن السطلة الحقيقية للوزير لا وجود لها، وعلى كل وزير أن يستأذن الرئيس في كل كبيرة وصغيرة من عمل وزارته.

تركيز السلطة في مكتب الرئيس لم يكن أمر جديد ووليد الساعة بل هو إمتداد لهيمنة إسياس أفورقي على التنظيم عندما شغل منصب نائب السكرتير العام ثم السكرتير العام لتنظيم الشعبية منذ تأسيس التنظيم، فقد كان إسياس يدير أنشطة كل الوحدات المحاربة للجبهة الشعبية في الميدان من مكتبه ومقر إقامته في عَرَاقْ أو عَمْبَرْبَبْ بالساحل (وكان له أكثر من مقر واحد). كان إسياس يسيطر سيطرة كاملة على عمل التنظيم العسكري وغير العسكري من خلال شبكة كبيرة ومتطورة من أعضاء الحزب السري المخلصين له والقادة العسكرين والكوميسارات السياسين وأعضاء جهاز الأمن أو "حلوا ثورا" الذين نشرهم بعناية ودقة متناهية في كل الوحدات والكتائب والفرق المقاتلة والأقسام المختلفة، وهؤلاء الأفراد كان يختارهم بنفسه بدقة و يرقيهم إلى المناصب القيادية في الجيش الشعبي والأقسام والدوائر المختلفة، وكانوا يستمدون منه سلطاتهم المرهونة بولائهم المطلق له وكانوا يتمتعون بإمتيازات خاصة غير متوفرة لبقية المقاتلين.

سيطرته التامة على التنظيم كانت تمتد كذلك إلى المكاتب الخارجية ومن خلال المكاتب الخارجية كان يسيطر على المنظمات الجاهيرية في الخارج. وغير المسؤولين عن المكاتب الخارجية وممثلين التنظيم كانوا له مخبرين خصوصين يرفعون تقاريرهم إليه رأساً وكانوا هؤلاء الأفراد يختارهم شخصياً لعضوية الحزب السري وكانت قنوات إتصالهم معه مباشرة، وهؤلاء الأشخاص كان يسمح لهم بالسفر إلى الميدان من مواقع تواجدهم مرة واحدة في العام على الأقل لتقديم التقاريرعن عمل المكاتب والمنظمات الجماهيرية التي لعبت دوراً مهم في مساعدة التنظيم بالمال والعتاد والدعاية السياسية.

في داخل اليمدان كانت تصله التقارير التفصيلية عن عمل الوحدات المقاتلة بشكل يومي وكان من داخل مكان إقامته يتابع ويراقب عمل كل وحدة أو كتيبة مهما كانت صغيرة من خلال الإتصالات اللاسلكية اليومية وكان يرسل تعليماته وتوجيهاته المفصلة إلى كل الوحدات، وكان يساعده في هذا العمل فريق صغير من المساعدين المقربين.

إنها تلك المركزية في ممارسة السلطة التي برع في الإمساك بكل خيوطها لسنين عديدة ما يتبعه اليوم لتسير إمور الدولة ويمكن أن يقال إن نجاحه في السيطرة الكاملة على السطة للأربعين سنة الماضية يدل على مهارته الإدارية. ويقول الكاتب إسماعيل علي عمر عن مهارة إسياس القيادية كما نقله عنه الكاتب صالح يونس.

"وإنها شهادة على المقدرة الشخصية (لإسياس) يصعب تصديقها لفرد واحد جلب الجبهة الشعبية إلى حيز الوجود، وهو نفس الرجل الذي تخطى بها السنوات المضطربة من الكفاح من أجل الاستقلال، ونفس الرجل لا يزال زعيمها الوحيد حتى يومنا هذا!"

وعليه لا يمكن أن يستهان به وبقدراته الإدارية وحنكته وإنه إنسان ماهر وحاذق بالرغم من قساوته وإخفاقاته الكثيرة وعقده النفسية.

(5.3) إذدواجية الصلاحيات:

في داخل حكومة إسياس هناك إذدواجية متعمدة في الصلاحيات بين الوزارات المختلفة، مثلاً بين وزارة المالية ووزارة التنمية الوطنية، بين وزارة الرزاعة ووزارة الدفاع، بين وزارة الدفاع ووزارة الحكومات المحلية. بعض المشاريع تكون مقسمة بين وزارتين ولا يعرف بالضبط أي من الوزارتين تكون مسؤولة عن أي نوع من المشاريع. مثلاُ هناك بعض الكليات الحرفية التي تشرف عليها وزارة الدفاع بينما تكون وزارة التعليم المسؤولة عن المناهج وهيئة التدريس وهذا الوضع يخلق إشكالية في الإدارة والمراقبة والأمثلة كثيرة.

(5.4) غياب المعاملات الرسمية:

المعاملات الرسمية في ظل أي حكومة قائمة تعني العمل تحت القانون وتسير إمور الدولة وفق أنظمة و تعليمات وإجرأت وقوانين رسمية ومعلنة ومحددة تستمد شرعيتها من الدستور الوطني للبلاد وتكون معروفة للكل الحاكم والمحكوم على السواء. ولكن في إرتريا المعاملات الرسمية غائبة تماماً في كل أعمال الحكومة وتصرفاتها، وتخدع للنزوات الشخصية للرئيس ورجال السلطة المنفذين في حكومته.

في غياب القانون لا يعرف المواطن حقوقه وواجباته، والمصالح الحكومية التي تقدم الخدمات للمواطنين تتفشى فيها المحسوبية والرشاوي بشكل رهيب. وإنه من الإمور العادية أن ترى أن خدمات عامة بعينها تقدم لبعض الأفراد وتمنع للأخرين ومثال لذلك الرخص التجارية، رخص الإستيراد التجارية، تأشيرات الخروج وإستئجار العقارات من الحكومة. فالرخصة التي منعت لإبراهيم تجدها وقد سُمحت لأبرهام. توزيع الأراضي للزراعة أو لبناء السكن مثال أخر حيث توزع الأراضي على المستوطنين الجدد في المنخفضات بينما يمنع توزيع الأراضي في المرتفعات الكبساوية.

بيوت السكن في المدن والتي تمتلكها الحكومة تنزع من فرد ما ويرمى به وعائلته في العراء وتعطى لفرد أخر، وكذلك المؤسسات التجارية تنزع من واحد لتعطى لأخر والأمثلة كثيرة يصعب حصرها لكثرتها وإنتشارها.

وظاهرة اخرى متفشية في الدوائر الحكومية في إرتريا هي المعاملات الشفهية، وكثيراً ما يرفض المسؤول إعطاء الأوامر كتابياً لتجنب المسؤولية ما لم تصله كتابياً من السطات العليا.

(5.5) غياب الميزانية العامة للدولة:

مما هو معروف عن الحكومة الإرترية هو عدم وجود ميزانية سنوية معروفة ومعلنة لها مثل أي حكومة أخرى، وفي خلال العشرين سنة المنصرمة لم تعلن الحكومة الإرترية عن أي ميزانية. ومن جراء الضبابية المفتعلة والمتعمدة تدار الإمور المالية للحكومة من مكتب الرئيس مباشرتاً وهو الشخص الوحيد الذي يقرر مصروفات كل وزارة ومصلحة حكومية، وإن الوزارات تقدم طلبات الصرف المالية مهما كانت ضئيلة إلى مكتب الرئيس ولا يملك أي وزير أو مسؤول في الحكومة سلطة التصرف في الإمور المالية لوزارته أو مصلحته، وهذه تشمل حتى المصروفات الأساسية مثل تذاكر السفر وبدل السفر وغيرها التي هي من الإمور العادية لتسير إمور الوزارة أو المصلحة. والدعوات لحضور المؤتمرات الدولية للوزير أو معاونيه أو وكيل الوزارة أو لخبراء الوزارة لا يتم قبولها إلا ًّ وقد تحصل الوزير المعني الإذن من مكتب الرئيس.

أما المشاريع الإنمائية لكل وزارة فيقررها الرئيس ويكون هو المشرف عليها وهناك أوقات كثيرة يقوم فيها الرئيس بالزيارات التفقدية للمشاريع المختلفة في غياب الوزير المعني.

بالنسبة للرواتب الشهرية لموظفين الحكومة فليس هناك نظام معروف تتبعه الحكومة لتقرير سلم المرتبات فتجد مثلا خريج الثانوية في منصب المدير العام للمصلحة تيقاضى أربعة ألف نقفة ويعمل تحته خريج الجامعة براتب ألفين نقفة. وفي مثل هذه الحالات تلعب المحسوبيات دور كبير في الحصول على الوظيفة والترقي فيها.

(5.6) أسطورة سياسة الإعتماد على الذات:

كانت أجهزت دعاية الجبهة الشعبية تكرر الأكذوبة بأن الشعبية لم تتلقى أي معونات خارجية وإن ما تم إنجازه في الميدان كان بشق الأنفس أو كما تعودوا أن يقولوا "بظفرنا" ولها نفس المعني باللغة العربية ومعناها " بأظافرنا" يعني أن ما صنعناه وما أنجزناه كان من عمل أيدينا، ولكن الحقيقة تقول غير ذلك. فقد كانت الجبهة الشعبية تجد الدعم المادي غير المحدود من المنظمات الإنسانية الغربية والمنظمات الكنائيسة وبصفة خاصة من الدول الإسكندنافية وكندا. في هذا الصدد كتب ولديسوس عمَّار (كما نقله عنه صالح يونس) في موقع عواتي: "خلال النصف الثاني من الثمانينات كانت الجبهة الشعبية تتمتع بدعم سخي من العديد من المنظمات (الغربية) غير الحكومية وكانت تجذبهم للتنظيم فعالية وكفاءة مختلف المؤسسات التابعة للجبهة الشعبية بما في ذلك هيئة الإغاثة. ومع ذلك، فإنه لا يمكن إنكار أن بعض المؤسسات والأفراد الآخرين في الغرب قُدمت لهم الجبهة الشعبية وقبلوها لا بوصفها "الحركة الإسلامية الانفصالية" ولكن نسخة أخرى من الحنين إلى "الجزيرة المسيحية" (المقصود هنا إثيوبيا المسيحية) التي شهرتها القديمة وأسمها كان قد تم لطخه من قبل الديكتاتور الماركسي الزائف المروج للحرب (المقصود هنا منقستو هيلي ماريام) والوجه القبيح للمجاعات التي في الأساس كانت من صنع الإنسان".

وبعد الإستقلال لا زالت حكومة إسياس تدعي إنها تنتهج سياسة الإعتماد على الذات وتقول إن سياستها تعارض تقبل المساعدات الخارجية والإعتماد عليها في التنمية الوطنية. ولكن حقيقة الأوضاع الإرترية بما يخص المساعدات الخارجية تشير إلى غير ذلك. فقد أصدر مؤخراً موقع "نيشن ماستر دت كوم" (nationmaster.com) بعض الإحصائيات التى تضع إرتريا على رأس قائمة الدول المنتفعة من المساعدات الخارجية حيث يصل إجماع المساعدات الخارجية التي تتقبلها دولة إرتريا نسبة 29% من الناتج القومي وهناك دولتان فقط تتحصلان على نسبة أكبر من إرتريا من المساعدات الخارجية من مجموع 120 دولة وهذه الدول هي دولة ساوتومي وبرينسيبي التي تتحصل على نسبة 75.2% وغيني بيساوا التي تتحصل على 37.3% تليهما إرتريا (29%) ثم سراليون التي طحنتها الحرب تتحصل على نسبة 28.7% من نسبة الناتج القومي. وتصل قيمة المساعدات التي تلقتها من الدول الإوروبية وعلى رأسها النرويج لعام 2010 م 122 مليون يورو (164.7 مليون دولار)، والمانحين الأخرين للمساعدات الخارجية هم منظمات الأمم المتحدة مثل الـ UNDP وبعض المنظمات الكنيسية والمدنية الغربية والصين وإيران ودولة الأمارات العربية المتحدة ودولة قطر والجماهيرية الليبية وبنوك التنمية مثل البنك العالمي وبنك التنمية الأفريقي وبنك التنمية العربي، ولكن الحكومة لا تعلن عن مصادر التمويل في كل إعلاناتها عن أعمال البنية التحتية التي تقوم بها مثل مد الطرق وبناء السدود الصغيرة وإستصلاح الأراضي ومد شبكة المياه وبرامج الإستيطان وغيره. وحتى سيارة إسياس أفورقي الـ "بي إم دبليو" هي هبة من العقيد معمر القذافي والسيارت اللاندكروزر ذات الدفع الرباعيى التي يستعملها الرئيس والوزراء كلها هبات من الخارج ومن الدول العربية الصديقة.

دعاية حكومة إسياس أن إرتريا لا تتقبل المساعدات الخارجية على الإطلاق أصبحت شبه حقيقة مقبولة من كثرة تكرارها، ومن عادة الحكومة أن تعلن عن إنجازات المشاريع المختلفة وكأنها تمت بالمجهود الذاتي للدولة ولكن بالفعل كلها تُمول من المساعدات الخارجية، وإن سياسة الإعتماد على الذات المعلنة لا تتوافق والحقائق المتوفرة عن حقيقة دور المساعدات الخارجية في تمويل إعمال التنمية في إرتريا. وكما هو معروف أن زيارات إسياس لليبيا ولدولة قطر لطلب المعونة المالية ذادت على أكثر من ستة رحلات في السنة الواحدة في العام المنصرم. الصين هي الدولة الأخرى التي تقوم بالمساعدة في مجال الصحة حيث بنت عدد من المستشفيات في اسمرا ومندفرا وبارنتو وعلى الأقل كلية واحدة في عدي قيح.

(5.7) إحتكار المعلومات:

المعلومات (information) في نظام الشعبية تعتبر أسرار يجب المحافظة عليها وعليه ليست متوفرة ومتداولة وتقنن على حسب الطلب ومدي قرب الفرد الذي يتحصل عليها من مراكز القرار ومن الذي يمتلكها، وبالمعلومات هنا ليس المقصود أسرار الدولة ولكن المعلومات العادية التي تخص عمل المصالح الحكومية والتي يجب أن يعرفها الشعب. فعلى سبيل المثال في أعوام النضال البحث عن المعلومة أو محاولة التحصل عليها كان يكلف المرء حياته. والمعلومة قد تكون عن شيء عادي جداً، مثلا ً يسأل الواحد بعفوية "أين ذهب الرفيق فلان؟" وللتو يكون السائل عرضة للإشتباه والشك، ويكون مراقب من قبل اجهزت الأمن ويقبض عليه لأتفه الإمور لأنه يكون مشكوك في ولائه، وأن البحث عن المعلومة يساوي البحث عن الموت.

يقول بيطروس سلمون في مقابلة له مع الكاتب الأمريكي دان كونيل في عام 2001 م إن التنظيم كان يتحصل على أموال كثيرة في منتصف الثمانينات ولكن بما إنه كان ممنوعا منعا باتاً السؤال عن مصادرالأموال كذلك كان ممنوعا السؤال عن كيفية توظيفها وقال لا أحد يعلم ماذا حصل لتلك الأموال وكيف صُرفت وأين توجد إذا كانت لا زالت في خزينة التنظيم أو في خزينة الدولة أو حُولت إلى حسابات إسياس الخاصة.

المعلومات والإحصائيات العامة مثل ميزانية الدولة، الناتج القومي، ديون الدولة، ميزان المدفوعات والعجز فيه، نسبة نمو الإقتصاد، نسبة التضخم، إحتياط الدولة من العملة الصعبة، حجم الواردات والصادرات، قيمة التجارة الخارجية، قيمة التجارة الداخلية، تعداد السكان، إحصائيات التعليم والعمل ونسبة البطالة وغيرها من المعلومات التي تهم المواطنين كلها تعتبر من أسرار الدولة ولا يعلن عن أي منها. حتى الترقيات الحكومية لا تعلن في الإعلام.

تمنع الحكومة كذلك المواطن من التحصل على المعلومة المتوفرة من خارج البلد مثل الجرائد والمجلات والكتب والمطبوعات الأخرى وتراقب إتصالات الإنترنت والهاتف الجوال من قبل الأجهزة الأمنية وكثيراً من الأوقات يتم إيقافها. على سبيل المثال أن نسبة المنتفعين من خدمات الإنترنت والهاتف الجوال في إرتريا هي من أدنى المعدلات في أفريقيا وتصل إلى حوالي 1.5% من مجموع السكان وأكثر المنتفعين هم من أعضاء الحزب.

(5.8) العمل في الخفاء والترقيات غير المعلنة:

كما ذُكر انفا أن حكومة إسياس لا تتبع المعاملات الرسمية في أي من أعاملها واحد الأمثلة على ذلك يخص الترقيات الحكومية المهمة مثل تعين الوزراء وحكام الأقاليم والسفراء وكبار ضباط الجيش وإعفائهم من مناصبهم. من عادة الحكومة أنها لا تعلن عن أي ترقية حكومية وفي الغالب يظهر الوزير في الإعلام بوصف ورتبة جديدة أو يظهر الحاكم الأقليمي مثلا في منصب السفير وبالعكس. والأمثلة على ذلك كثيرة، ويقال أن بعض المسؤولين يعرفوا عن إعفائهم من مناصبهم أو نقلهم إلى مناصب جديدة من خلال نشرات التلفزيون أو الراديو ولا تصلهم أي رسائل رسمية بخصوص ذلك وبالذات إذا كانوا من المغضوبين عليهم.

بصفة عامة أن حكومة إسياس لا تعمل بالرسائل الرسمية والتي تحمل أرقام وأختام وبروتوكولات رسمية حتى يتسن تحديدها في المراسلات الرسمية، وتغلب الأوامر والتعاليم الشفيهة على المكتوبة والموثقة وعليه يكون سهلاً للحكومة أن تنفي إصدار أي تعليمات بخصوص أمر ما والتنصل عن المسؤولية ولوم الأخرين.

(5.9) التجميد:

وتعرف بلغة التقرنية بالـ "مِدِسْكَالْ" وتقارب في معناها كلمة المعوق في اللغة العربية. والتجميد هو أسلوب للعقاب منقول من نظام الحزب الشيوعي الصيني في عهد ماوسي تونج لكبار رجال الحزب والدولة الذين يخرجون من الخط العام للحزب أو يشك في ولائهم لزعيم الحزب. وعندما يشك الزعيم أن شخص ما مهما علا شأنه بداء يُظهر علامات الإستقلالية مثلاً بطرح أسئلة معينة في الإجتماعات أو إنتقادات سياسات معينة في المجالس العامة أو حتى الخاصة أو إظهار عدم الرضا بأي شكل كان يكون الشخص معرض للتجميد.

تبداء عملية التجميد بأن يعين شخص أخر في منصب الشخص المغضوب علية وفي الغالب تصله رسالة شفهية على الهاتف مثلا ًمن مكتب الرئيس أن يسلم مسؤولياته والسيارة التي بحوزته للشخص المعين الجديد في مكانه وإنه سوف يوظف في وظيفة أخرى في القريب وأن يترقب وصول التعليمات بالوظيفة الجديدة، ويتنظر ويطول إنتظاره ولا تصله أي تعليمات، ولكن في ذات الوقت يسمح له أن يتحصل على راتبه الشهري ويُترك بين الرجاء والخوف.

يجد الشخص المجمد نفسه بدون عمل ويكون خارج دائرة القرار ولا يعرف بالضبط إذا كان سيُترك مجمداً أو يكون عرضة للإعتقال ويُترك مع هواجسه، وفي بعض الأحيان يكون مراقب من قبل جهاز الأمن. في بعض الحالات يتعمدوا رجال الأمن أن يجعلوه يعلم إنه مراقب، ومع مرور الوقت تقل مقابلاته الإجتماعية وينفض من حوله أصدقائه ومعارفه لأنهم من جانبهم يخافوا من أن تلصق بهم أي تهمة بمصادقة شخص مجمد. ويستمر الحال على هذا المنوال لعدة شهور وفي بعض الأحيان لسنوات. ويفقد الشخص المجمد هيبته ومكانته الإجتماعية وإحترام الناس له.

وفي خلال فترة التجميد يختلف رد فعل الاشخاص المجمدين من شخص إلى أخر، فنهاك من يجد فيها فرصة للعودة إلى ماضيه ولتجديد أواصر الصداقات القديمة والإهتمام بإسرته والإبتعاد من السياسة كلياً، وهناك من يدخل في دوامة من الإنطواء والكأبة والتي بدورها قد تقوده إلى الإدمان. والأمثلة كثيرة عن الشخصيات التي تعرضت لعملية التجميد في فترات متفرقة منهم الوزير والحاكم والمدير والعسكري.

وخلال فترة التجميد يحاول الشخص المجمد أن يقابل الرئيس ليستعطفه أو يشرح له أوضاعه أو يستغفر عن ذنوبه ولكن تغلق جميع الأبواب أمامه، ويحاول الوساطات من قبل معارفه وأصدقائه ليتشفعوا له عند الرئيس. في بعض الحالات قد تنجح هذه الوساطات ويصفح عنه ويرجع الشخص إلى منصب جديد ربما يكون على درجة متدنية من منصبه السابق وعليه ان يثبت ولائه ويتسلق سلم السلطة ببطئ من جديد، وقد تأخذ العملية عدة سنوات. وفي المقابل هناك من يرفض الخنوع ويرفض التوسل والإستعطاف ويقطع علاقته بالرئيس والتنظيم وفي البعض الأحيان ينهي إنتمائه بالتنظيم. مثل هذا الشخص قد يسمح له بالهجرة خارج إرتريا أو العيش في الداخل بأمان كمواطن عادي ولكن إذا كان مشكوك في حياده بعد التجميد والطرد من التنظيم قد تواجهه صعوبات وفي غالب الأحيان يكون السجن نهايتها.

(5.10) الإعتقلات والسجن بدون المحاكمة:

الإعتقال التعسفي هو واحد من أكثر الإنتهاكات التي تُرتكب في إرتريا والأمثلة على ذلك كثيرة جداً سوف نوردها في فقرات مختلفة. وتطال الإعتقالات كل فئات المجتمع بمختلف إنتمائته العقيدية والأثنية وكانت بدايتها بعد التحرير مباشرة عندما إعتقلت أجهزت الأمن 151 من المعلمين المسلمين وأئمة المساجد والقضاة ثم تلتها حملات مكثفة في فترات متفرقة. مثال أخر هو إعتقال بعض المقاتلين بعد المظاهرات التي قاموا بها في 20 مايو 1993م إحتجاجا على قرار الحكومة بعدم صرف الرواتب لهم، والحملات المنظمة ضد أهل المنخفضات بما يخص إنتزاع الأراضي وإعتقال الشباب تحت ظروف قاسية في معسكرات متفرقة منها ويعا وساوا وعدي أبيتو وما سراو وغيرها.

(5.11) تهميش دور المتعلمين ومحاربة المؤسسات التعليمية:

إلتحق إسياس بجبهة التحرير في عام 1966 م وكان وقتها طالب في السنة الثانية في كلية الهندسة في جامعة هيلي سلاسي لاحقا جامعة أديس أبابا. ويقولوا من عاصروه في الجامعة من إنه إلتحق بالجبهة بعد رسوبه في إمتحانات السنة الثانية وكان من نظام الجامعة أن من يرسب لم يكن يسمح له الإستمرار في الدراسة بل كان يجبر أن ينسحب من الجامعة ويكون بإمكانه تقديم طلب جديد للإلتحاق بالجامعة بعد فترة دراسية كاملة يمضيها خارج الجامعة وإذا وجد القبول كان يعطى فرصة أخيرة لإعادة المواد التي رسب فيها. وكان الرسوب يعدو وسمة عار كبيرة بين أوساط الطلبة الإرترين ومن لم يحالفه الحظ ويطرد من الجامعة لأسباب أكاديمية كان يتوارى عن الأنظار تماما ويقولوا هذا ما حصل لإسياس. عند رسوبه في الجامعة ترك إسياس أثيوبيا وإلتحق بالجبهة ومنذ ذلك الحين وعنده حقد وكراهية دفينة ضد المتعلمين والمؤسسات التعليمية وعقدة مزمنة بكل ما يتصل بالتعليم الجامعي، وهذه السلوكيات كانت واضحة في تعامله مع المتعلمين عبر السنين وظهرت جلية في تعامله مع الجامعة في إسمرا.

كانت كراهية المتعلمين ظاهرة كبيرة في أوساط الجبهة الشعبية وأن الخط الواضح للشعبية كان يقول بالتقرنية "مِهُورْ تـَبَلا َظـَايْ" ومعناها (الإنسان) "المتعلم إنتهازي". وعندما يلتحق الفرد المتعلم بتنظيم الشعبية كان تمارس ضده جميع صنوف الإذلال والإحتقار حتى تكسر هيبته والكثرين من المتعلمين إنتهت حياتهم نهاية مأساوية داخل التنظيم من جراء سياسات التميز ضددهم، وكانت هذه السياسة تجعل من الجهل والتجهيل صفات مطلوبة وحميدة في داخل التنظيم وكانت السطلة في معظم الأحوال في أيادي الذين لم يصيبوا أي قسط من التعليم والذين كانوا يطلق عليهم الـ "جقوار دانقا" وعرَّفهم الكاتب عبدالفتاح ود الخليفة ".. بالكمندوس والفلاّحين السزّج يطلق عليهم بالتقرنية (ظجّار دانقوا) وتعنى فيمــا تعنى (مشعر السّاقين) والقصد منهــا فلاح وأمّى وليس بإبن مدينة غير متحضّروجلّ الكمندوس كــانو من هؤلاء..".

وفي إرتريا المستقلة يوجد معظم هؤلاء في مناسب المسؤولية وبصفة خاصة في داخل الجيش، ولم تتغير نظرة إسياس الإذدرائية إلى الشريحة المتعلمة بل بالعكس حاول طمس دورهم في داخل التنظيم وخارجه وظهرت هذه العقلية جلية في معاملته لجامعة أسمرا وهئية التدريس والطلبة فيها.

مباشرة بعد التحرير في عام 1994م بأمر من إسياس طرد رئيس الجامعة وحينها كانالرئيس الدكتور أرايا ظقاي 34 من أعضاء هيئة التدريس في جامعة أسمرا بحجج مختلفة من بينها إنهم لم يكونوا موهلين مع العلم أن غالبيتهم كانوا من حملة الشهادات العليا وأثر ذلك إغلقت الجامعة لبعض الوقت. في ذلك الوقت إعتقد معظم الناس أن رئيس الجامعة الدكتور أرايا ظقاي هو المسؤول عن طرد المعلمين وإتهمه الناس بسوء الإدارة ولكن لم يكن هو غير منفذ لأوامر إسياس الذي إلتزم بالصمت حيال القرار وترك أرايا ظقاي يتحمل اللوم وهذه واحدة من صفات إسياس.

علاقة إسياس بالجامعة لم تكن علاقة طيبة وهذا يكون واضحاً من كثرة الإدارين الذين تعاقبوا عليها في فترة وجيزة، فبعد التحرير عين عندي برهان ولدي قيورقيس (عضو اللجنة المركزية) رئيس الجامعة ثم تلاه بعد سنتين دكتور أراريا ظقاي الذي خلفه دكتور ولدآب إسحاق، وهرب ولدآب إلى الخارج بعد عدة سنوات في المنصب ومحاولات بائسة وطموح كبير لتولي منصب الوزير كما يتهمه الكثيرين من معارفه. الشيء الأخر هو أن إسياس لم يحضر ابداً حفل التخرج في الجامعة ولم يزور حرم الجامعة أبداًً.

وعلى مر السنين سأت علاقة الحكومة بطلبة الجامعة وظهر عصيان الطلبة للعلن في عام 2001 م عندما قاموا بالإحتجاج على برنامج خدمة الحصاد الخريفي (52)، وأعتقلت الحكومة رئيس إتحاد الطلبة سمري كستي في يوليو 2001 م وعدد كبير من الطلبة وزجت بهم في سجن ويعا ومات منهم إثنين على الأقل في السجن. لاحقا هرب سمري خستي من السجن إلى إثيوبيا بعدما تعاون معه أحد حراسه في السجن والذي هرب معه إلى إثيوبيا ويقال إنه كان من قريته أو من منطقته (53).

بعد المواجهة مع الطلبة أصدر إسياس أوامره بإغلاق الجامعة وتوزيع كلياتها في المدن المختلفة ونقل معهد العلوم والهندسة إلى ماي نفحي، وكلية الآداب إلى عدي قيح، وكلية التجارة والإدارة إلى مندفرا، وكلية الزراعة إلى حملمالو، و كلية الدراسات البحرية إلى مصوع، ولم يبقى في أسمرا سوى كلية الطب، وأُغلقت الجامعة نهائيا في عام 2006 م وتحولت كلياتها المشتتة إلى كليات شبه عسكرية يقوم على إدارتها ضباط في الجيش، وهرب رئيسها ولدآب إسحاق إلى الغرب.

(5.12) عدم الإقرار بالخطاء وتحمل المسؤولية ونكران الحقائق والصمت المتعمد:

من عادة وسمات نظام الشعبية عدم الإعتراف بالخطاء وتحمل المسؤولية مهما كان الخطاء ضئلاً وصغيراً وغير مهم، وفي كل مقابلاته الإعلاميةعلى مر السنين لم يعترف إسياس أفورقي ولو مرة واحدة بأي خطاء في رسم السياسة أو في التخطيط أو في التنفيذ والأمثلة كثيرة. ويصاحب عدم الإعتراف بالخطاء سياسة النكران وضرب الحائط بكل الحقائق الماثلة والظاهرة للعيان، وعلى سبيل المثال إنه ينكر وجود المقاومة الإرترية وينكر أزمات الحكومة الداخلية وينكر رفقاء الثورة ودورهم في النضال وينكر مشاكله مع الدول المجاورة وخير مثال على ذلك مقابلة صحفية أجراها مع صحيفة الوطن القطرية في 12 أكتوبر 2010م ترجمها موقع عواتي للإنجليزية (المقال الأصلي غير متوفر في أرشيف الجريدة) نكر فيها بشدة وجود أي مشكلة مع جيبوتي وطلب من الصحفي مراجعة أمير قطر إذا كانت هناك أي مشكلة بالرغم من إن دولة قطر كانت تقوم بالوساطة بين الطرفين في ذلك الحين.

ومثال أخر هو عندما سألته صحفية من فضائية الجزيرة عن هروب فريق كرة القدم الإرتري في كينيا في ديسمبر 2009م رد عليها قائلاً "لم أسمع بهذا الخبر قبل اليوم" بالرغم من أن الخبر تناقلته وسائل الإعلام الأفريقية والعالمية بكل تفاصيله.

ويظهر إسياس في المقابلة وهو ينكر كل شيء. ينكر تدخله في الصومال وفي السودان في الجنوب وفي دارفور وفي الشرق وعلاقته بإيران وعلاقته بإسرائيل. وفي النهاية ختم المقابلة بإتهام الصحفية بنشر الأكاذيب والشائعات ورفض رفضاً باتاً أي دور له في المشاكل التي أصبحت فيها إرتريا طرفاً مشاكسا مثل الحرب في الصومال والسودان على سبيل المثال وأعلن "إن إرتريا في وضع أفضل من إثيوبيا والسودان ونيجيريا"، بل وقال بالحرف الواحد "إن إرتريا تقف في الدرجة الأولى من بين كل الدول الأفريقية."

وفي مقابلة صحفية أخرى عندما سأله المذيع عن مسير الصحفي المعتقل فسها هيلي الملقب "جشوا" قال بالحرف الواحد "أنا لا أعرف من يكون فسها هيلي" وعندما أصر الصحفي وسأله إذا كان يعرف مكان وجوده قال إسياس "كيف أخبرك عن مكان وجود شخص لا أعرفه ؟ " مع العلم إن جشوا كان من الصحفين المعروفين في أسمرا والذين أمر إسياس بإعتقالهم في سبتمبر 2001م.

وفي الأوقات الأخرى عندما يصعب عليه نكران الحقيقة أوالحادثة يتبنى سياسة السكوت المتعمد والتجاهل التام للحدث أو القضية، ومن أقوالهم المأثورة " تِمْ مَريظْنَا" ومعناها "إخترنا التم" والـ "تِمْ" بلغة التقرنية وكذلك بلغة التقري معناها "السكوت المطبق"، وإسياس وكوادره يستعملوا هذا التعبير في حالات الضيق وعندما لا يجدوا ما يقولوه لتبرير عمل ما.

ومن عادات الشعبية الأخرى ورئيسها إسياس هو عدم تحمل المسؤولية حيث قال الكاتب صالح يونس في مقال له تحت العنوان "لغة الحكام الإستبدادين" إن ذلك يظهر جليا حتى على لغتهم، فبدل من القول "إن الدجاجة عبرت الطريق" ويشير ذلكبوضوح إلى تحمل الدجاجة مسؤولية عبور الطريق يفضلوا القول "إن الدجاجة لم تعبر الطريق ولكن الطريق عُبر من قبل الدجاجة" والدجاجة غير مسؤولة عن عبور الطريق والأمثلة كثيرة وبعضها مضحك وسخيف.

(5.13) الوعود الكاذبة والغش المتعمد:

من عادة إسياس الكذب والغش المتعمد وإن الأمثلة على ذلك كثيرة سوف نورد بعض منها هنا:-

• أعطى وعود متكررة عن تفعيل الدستور وإجراء الإنتخابات ولم يوفي ولو بواحدة منها.

• أعلن في عام 1992 م إن الإقتصاد سوف يكون إقتصاد حر وسوف ينظم على موديل سنغافور وبعد 18 عاماَ ليس هناك أي إقتصاد يذكر وبأي موديل كان ناهيك من أن يكون على موديل سنغافور.

• أعلن في منتصف التسعينات أن الحكومة سوف تفتح كليات وجامعات جديدة وبعد 15 عاما لم تفتح أي كلية أو جامعة جديدة بالعكس أغلق الجامعة الوحيدة التي ورثها من حكومة الدرق.

• أعلن في 2002 م إن حملة "الوارساي يكألو" سوف تنتهي في خلال عامين من إعلانها والحكومة سوف تدفع للمنتسبين مراتب شهرية والحملة لازالت مستمرة بعد تسعة سنوات من إعلانها وبدون دفع أي رواتب.

• في 2005 م أعلن إن النقص في العملة الصعبة سوف يحل في خلال عام وتوجد إرتريا اليوم في دائقة مالية تظهر في تقنين المحروقات البترولية ونقص شديد في المواد الغذائية.

• يعلن في بداية كل عام أو في مناسبات التحرير السنوية أن النقص في المواد الغذائية على وشك الحل الدائم ولا زالت المجاعة متفشية في البلاد بشكل رهيب.

• أعلن في بداية 2011 م إن الحكومة سوف تبداء في بناء وحدات سكنية لتخفيف أزمة السكن وإنتصفت العام وليس ما يوحي بأن هناك أي حركة في ذلك الإتجاه.

(5.14) تجويع الشعب المتعمد:

إن إنتاج إرتريا من حاجتها الغذائية لا يتعدي الـ 60% وهذا في أحسن المواسم ولكن في مواسم الجفاف والقحط قد يتدنى ذلك إلى 20-30% ويأتي الباقي من دول الجوار وبالذات السودان وإثيوبيا، وفي السنين القريبة الماضية من المساعدات الغذائية الأمريكية. على سبيل المثال كانت إرتريا منذ الإستقلال وحتى سنة 2005م تستلم من مساعدات الذرة الأمريكية ما يقارب 150 الف طن من القمح سنويا وهذا يقارب حوالي ثلث الكنتال للشخص الواحد في السنة، ولكن في عام 2005م رفضت حكومة إسياس تقبل مساعدات القمح مما نتج عنه حالة صعبة من الجوع في الستة سنوات الماضية، وليس هناك أي سبب وجيه لرفض المعونات الغذائية سوى سياسة التجويع المتعمد التي تنتهجها الحكومة حتى يكون في مقدورها تلجيم الشعب.

سياسة التجويع المتعمد ضد الشعب هي واحدة من سياسات أفورقي التي يصعب تصديقها وهدفها هو أن يغرق الشعب في الصراع على لقمة العيش ويكون كل هم المواطن تأمين لقمة العيش لأسرته، وفي مثل ذلك الوضع تستولي غريزة الإستمرار في الحياة على حياة الفرد ويكون مثل الحيوان يمضي يومه وهو يجري ويلهث وراء لقمة العيش وهذا لونمن ألوان الإستضعاف وبالتالي لا يهتم المرء بالشؤون السياسية والفكرية وبدون وعي يتخلى الشعب عن القيم والأخلاق والمبادئ ويكون الفرد مسلوب الإرادة وفاقد العظيمة. وهذا واضح في شوارع أسمرا مثلا حيث ترى الرجال وقد أنهكتهم الحياة يتحركون ببطئ وعيونهم شاردة ودنك الحياة ظاهر في ملابسهم الرثة واجسامهم النحيلة ومثلهم الكثيرين في المصالح والمكاتب الحكومية.

منعت الحكومة بيع المواد الإستهلاكية الأساسية مثل الذرة والقمح والدقيق والخبز والزيت والعدس والسكر والشاي والبن في البقالات والدكاكين الخاصة وتقوم الحكومة بتقنينها من خلال التعاونيات التابعة لمؤسسة البحر الأحمر التي يطلق عليها "رِتْعَاوِي دكان" بلغة التقرنية ومعناها "الدكان المنصف" وكاتب في موقع "أسنا" كتب يقول يطلق عليها كذلك "دكان حِدْرِي" ومعناها "دكان الأمانة" ولكن الجمهور المغلوب على أمره قلب ذلك إلى "دكان حِدْرُو" ومعناها "دكان المبيت" لأن الأطفال يبيتون ليلتهم في صفوف طويلة أمام هذه الدكاكين المتواجدة في الأحياء السكنية (57a)، ويكون المواطن تحت رحمة الحكومة للحصول على إحتياجاته الغذائية الأساسية حيث يصطف المواطنين أمام التعاونيات لساعات طويلة ومنذ الساعات المبكرة من الصباح. وقد إرتفعت أسعار المواد الغذائية من جراء تلك السياسات إلى مستويات غير معقولة (57b).

تلعب الحكومة لعبة القط والفار مع المواطنين بما يخص المواد الإستهلاكية. فمثلاً تُنزل في دكاكين التعاونيات كميات من السكر وتبداء في توزيعها بكميات فوق التي تسمح بها في الأوقات الأخرى ويكون السكر حديث المدينة لثلاثة أو أربعة أيام، ثم يختفي السكر فجأة وتنتشر إشاعة في المدينة عن الذرة مثلا وإنه سوف تكون الذرة متوفر في الأسبوع القادم ثم تُكذب الإشاعة ويعيش الشعب لأسبوع وأسبوعين يتتبع أخبار الذرة وهكذا تعيش الجماهير في حالة من عدم الإستقرار بين الخوف والرجاء ويكون هم المواطن كيفية الحصول على قوت أولاده اليومي.

ويمنع نقل المواد الغذائية بين المدن المختلفة وبين المدن والقري ومن وجد بحوزته أي كمية من المواد المغذائية مثل الذرة مثلا مهما كانت ضيلة تكون عرضة للمصادرة وصاحبها للإعتقال. وكذلك يمنع إستيراد المواد الغذائية من السودان أو إثيوبيا وجراء ذلك تكثر تجارة التهريب عبر الحدود والتي ينتفع منها ضباط الجيش، وتُمنع منظمات الإغاثة من توزيع مساعدات المواد التموينية وقد فقدت الكثير منها رخصة العمل في إرتريا. ونفس القانون ينطبق على الؤسسات الدينية.

واحدة من الحيل التي حاول المواطنين إتباعها لتخفيف المعانات هو طلب المعونة من الأقارب الذين يعيشون في السعودية والدول الغربية بإرسال كميات من الأرز والدقيق والسكر والشاي والمكرونة والباستا الإيطالي عبر البريد أو من خلال فرع الشحن لمؤسسة البحر الأحمر. وكان ذلك يساعد الناس لتخفيف الحوجة لبعض الوقت وفي المناسبات مثل حفلات الزواج أو المأتم أو في الأعياد ولكن عندما رأت الحكومة أن ذلك أصبح يخفف من معانات الناس صدر أمر حكومي بمنع إرسال المساعدات الغذائية للأفراد من السعودية والدول الغربية.

سياسة التجويع هذه هي نفس السياسة التي كانت متبعة في الميدان قبل التحرير في داخل تنظيم الشعبية بين أوساط المقاتلين وكان التنظيم يتَّبع برنامج تقشف شديد القسوة وكان الطعام يقنن حتى عندما كانت المساعدات الغذائية تصل بكميات كبيرة من المنظمات الإنسانية الغربية ومن دول الجوار. والهدف من السياسة كان تجويع المقاتلين وممارسات الضغط الجسدي والمعنوي عليهم وحتى هم في ظروف الحرب.

وفي عملية مماثلة كما كان يحصل في الميدان بين المقاتلين فرضت الحكومة سياسة التجويع في إرتريا المستقلة والتي تعاني الجماهير فيها من حالة تجويع متعمدة فرضت عليها من قبل الحكومة حتى تشغل الناس من التفكيرعن السياسة.

(5.15) لوم أمريكا والغرب:

كلمة "قضية مفتعلة" يستعملها إسياس في كل مقابلاته للتنكر للقضايا التي يتسبب في تفجيرها ويلوم الغرب وبصفة خاصة الولايات المتحدة ويقول "إن هذه قضايا مفتعلة تسببها أمريكا لزعزعة أمن وإستقرار المنطقة" ويجد في هذه الإدعأت الكاذبة ملاذ من إخفاقاته وسياساته الفاشلة.

Top
X

Right Click

No Right Click