العلم في الدول النامية: تحطيم العِلم في إريتريا

بقلم الأستاذ: شانتا بارلي المصدر: مستقبل العلوم في العالم

في وقت مبكر من هذا العام، قطعت إريتريا شريان الحياة العلمية القديم قدم الدولة الأفريقية نفسها تقريبًا.

فقد قطع مختبر الصحة الوطنية في أسمرة العلاقات طويلة الأمد مع كلية طب جامعة واشنطن بسانت لويس، ميسوري، متخليا ربما عن عديد من المكاسب التي حققتها البلاد بمجال الصحة العامة. يقول أسيفاو جيبريكيدان، المناضل الإريتري السابق الذي يرأس الآن برنامج الصحة العامة بجامعة تورو في «مير آيلاند» في كاليفورنيا: «لقد وفرت سانت لويس كل شيء: الأطباء الأمريكيين، والخبرة، والكيميائيات، والمواد». ويردف: «الآن انتهى كل شيء».

إريتريا بلد فقير، يبلغ تعداد سكانه 3 ملايين نسمة، تقع بمنطقة القرن الأفريقي (انظر: «الركن المضطرب»)، ليست لها شهرة علمية.. فهي تحتل الترتيب 177 من أصل 187 بلدًا في مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية. وتحتل المرتبة الأخيرة من حيث حرية الصحافة، وهي الدولة الثامنة الأكثر عسكرة في العالم. وقد قدرت منظمة الصحة العالمية في 2004 أن هناك 5 أطباء فقط لكل 100 ألف نسمة في البلاد.

وإزاء هذا التراجع المحبط، كانت المشاركات البحثية الطبية في البلاد تشكل مصدرا واعدا يدعو إلى الفخر والاعتزاز. فقد تم بناء أول كلية للطب في إريتريا عام 2003، بمساعدة علماء «الجامعة المركزية» بلاس فياس في سانتا كلارا، جمهورية كوبا. وبعد أن أسهمت الجامعات الأمريكية في تأسيس برامج تدريب للدراسات العليا والأبحاث في مجالات كل من طب الأطفال والجراحة وأمراض النساء والتوليد في الكلية، تمكّن علماء الطب الإريتريون من نشر نتائج دراساتهم وأبحاثهم لأول مرة في المجلات العالمية المُحكّمَة؛ وتحسنت الصحة العامة. في عام 1991، حلّت اللعنة على إريتريا بوصول معدّل وفيات الأمهات إلى أعلى مستوياته في العالم، 14 حالة وفاة لكل ألف ولادة. وفي عام 2010، كانت إريتريا على المسار الصحيح لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية في خفض هذا المعدل بنسبة 75% بحلول عام 2015.

لقد اتخذ التقدّم العلمي في إريتريا الآن اتجاهًا معاكسًا، حسب قول عدد من العلماء والأطباء في المنفى. وردًّا على الانتقادات المتزايدة للأمم المتحدة والولايات المتحدة المتعلقة بسجلّ حقوق الإنسان في البلاد، قام الرئيس الإريتري أسياس أفورقي بقطع المشاركات مع جميع الجامعات الأمريكية، بحسب جيبريكيدان، الذي يضيف: «لقد أصبح كل ما عملت إريتريا بجدّ لتحقيقه على المحك».

يقول جون أبينك، عالم الأنثروبولوجيا بجامعة أمستردام الحرة، إن هذه الإجراءات ستكون لها آثار سلبية واسعة النطاق «على نظام التعليم»، وعلى «هجرة العقول» المستمرة بين المتعلمين إلى المراعي الأكثر خضرة وحرية، وعلى إضعاف «التعاون العلمي الدولي». ويتابع أبينك قائلا إن إريتريا هي إحدى الدول القليلة في أفريقيا التي فشلت في احتضان الحرية العلمية؛ إنها «خارج السياق الزمني للتوجهات العالمية».

كانت إريتريا مستعمرة إيطالية سابقة، لكن الأمم المتحدة سلمتها إلى إثيوبيا بعد الحرب العالمية الثانية. وفي عام 1961، بدأت إريتريا القتال، طلبًا لاستقلالها في حرب استمرت ثلاثة عقود: فالولايات المتحدة زودت إثيوبيا بالعتاد والمال، لكن المتمردين بقيادة أفويرقي و«الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا» صمدوا وانتصروا.

كانت لحركة التحرير مؤهلات مميزة.. فقد «كان يقودها 29 طبيبا»، بحسب جيبريكيدان، الذي كان مسؤولا عن الخدمات الطبية بالجبهة الشعبية لتحرير إريتريا. ويذكر جيبريكيدان إنه «لم يكن هناك في أي وقت من الأوقات أي حركة تمرد أخرى تضم هذا العدد من المثقفين». وحتى أفويرقي نفسه تخلى عن درجة بكالوريوس الهندسة؛ ليقود المعركة.

وهناك أكاديمي آخر، هو مليس سِيُوم، الذي كان صيدلانيا بمستشفى إثيوبي لدى اندلاع الحرب. وبهدوء، سرق ما قيمته 140 ألف دولار أمريكي من المضادات الحيوية، والمناظير والشفرات الجراحية والسماعات الطبية وسلمها للمقاتلين الإريتريين من أجل الحرية، كما ذكرت الصحافية ميشيلا رونج في كتاب بعنوان: «لم أفعلها لأجلك» I Didn’t Do It For You (إصدار: هاربر كولينز، 2005). أصبح سيوم عضوًا مهمًّا بالجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، وعلّم الجنود إجراء اختبارات الدم وإعداد أطباق بتري (لزراعة الخلايا مخبريا) في مستشفى يمتد على مسافة 5 كيلومترات طولا وهو محفور في جانب وادٍ صخري، وهو المستشفى المعروف بكونه «أطول مستشفى في العالم». بعد زيارة في عام 1987، كتب طبيب بريطاني1 مشيدًا بالمعايير الرائعة للرعاية في المستشفى: طن واحد من المضادات الحيوية التي يتم تصنيعها في جهاز خاص يوميا؛ طبيب يجري عمليات إعادة بناء الوجه، ومبتوري الأطراف يلعبون كرة السلة.

الصراع على السلطة:

في عام 1993، بعد انتهاء الحرب وحصول إريتريا على استقلالها، انتخب أفويرقي رئيسا من قبل الجمعية الوطنية التي كانت تتألف بمعظمها من أعضاء سابقين بجيشه الثوري. وقد وعد بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في إريتريا، ووَضْع قانون للصحافة ودستور جديد، في غضون أربع سنوات. دعم سيوم الرئيس أفويرقي بحماس شديد وعُيـّن، في المقابل، مديرا لمختبر الصحة الوطنية المرموق، الذي كانت معظم الاختبارات الإكلينيكية في البلاد تجرى فيه، وعمل على تطوير علاجات للأمراض.

وعقب تعرضه لمحاولة اغتيال فاشلة في عام 1996، أجلّ الرئيس الانتخابات لأجل غير مسمى، ورفض تطبيق الدستور الذي كانت صياغته قد انتهت. وفي عام 1998، غزا إثيوبيا؛ مما تسبب في حرب مذلّة، استمرت عامين، وأسفرت عن مقتل أكثر من 60 ألفًا من الإريتريين، وفقدان مؤقت لربع مساحة إريتريا. تراجعت شعبية أفويرقي، وغادر عديد من العلماء الذين ساعدوا في إعادة إعمار البلاد إلى الخارج.

في 3 أكتوبر 2000، قرر بعضهم استخدام صداقته مع أفويرقي، لإقناعه بإجراء انتخابات، أو بالتنحي. قام جيبريكيدان و12 عالما ومتخصصا آخرين ممن شارك عدد كبير منهم في صياغة الدستور الجديد، بكتابة رسالة إلى الرئيس من فندق عقدوا فيه اجتماعهم في برلين.

كتبت المجموعة: «يرى الكثير من أعضاء الأسرة الدولية، ومن بينهم إخواننا الأفريقيون، أن الحكومة الإريترية وقيادتها عدوانية وغير مسؤولة»، في محاولة لحثّ أفويرقي على تنفيذ الدستور، وإجراء انتخابات ديمقراطية حرة، وإطلاق سراح الأعداد المتزايد من الناس الذين سجنهم نظامه. وتابعوا «نحن نحثـّكم بكل إخلاص على اغتنام هذه اللحظة من الأزمة، وتحويلها إلى فرصة لاستعادة سمعتكم كزعيم، بعد أن حصلتم عليها بكثير من الجهد والتعب». بعد أربعة أيام من وصول الرسالة إلى أفويرقي، تم تسريبها إلى الصحافة، ليشتعل أول نقاش عام بين الناس حول القيادة.

صدرت دعوة إلى هذه المجموعة ـ التي أصبحت تعرف باسم مجموعة الـ13 (G-13) ـ وكانت الدعوة مفاجئة لأعضائها، بالقدوم إلى إريتريا لإجراء مناقشات مع أفويرقي. في وقت لاحق، كتب أحد الأعضاء، محمد خير، أنه كان عصبيا، ويخشى أن تكون الدعوة فخا، لكنهم قبلوا الدعوة وطاروا إلى إريتريا. وبعد انتظار دام عدة أيام، وافق الرئيس على رؤيتهم. رافق جنود أفويرقي هؤلاء الأكاديميين إلى مكتب الرئيس، حيث وبخهم أفويرقي على تسريب هذه الرسالة إلى وسائل الإعلام ـ وهو ما نفوا حدوثه ـ ووصفهم بالخونة. وتمت مرافقة المجموعة أيضا في طريق العودة إلى المطار. ومنذ ذلك الوقت، لم يعد أي من أعضائها إلى إريتريا، ومعظمهم يشغل حاليا مناصب مرموقة بالجامعات الأمريكية. يقول أحدهم، هيلا ديباس، الذي يشغل حاليا مركز رئيس معهد الصحة العالمية في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو: «من حسن الحظ أننا هربنا».

ورغم فشل ذلك الالتماس في التأثير على الرئيس، إلا أنه شجع آخرين على انتقاده علنا للمرة الأولى. ففي يوليه 2001، قام سمري كيسيت رئيس اتحاد الطلبة في جامعة أسمرة ـ المؤسسة الوحيدة للتعليم العالي في إريتريا ـ بتوجيه انتقاد للحكومة بسبب الحدّ من الحرية الأكاديمية. وألقي القبض عليه، ووضع في زنزانة انفرادية، مما تسبب في إطلاق أعمال شغب بالجامعة. وعندما طلبت الحكومة من الطلاب تقديم المزيد من الخدمة الوطنية، إضافة إلى الـ18 شهرا المطلوبة من جميع الرجال والنساء، لم يستجيبوا أو يحضروا. وللانتقام منهم، تم الزجّ بجميع الطلاب في حافلات، وسيقوا إلى منخفض دناكيل (عفار) بجنوب إريتريا، واحد من أكثر الأماكن حرارة على الأرض، لبناء الطرق. وهناك توفي طالبان بسبب شدة الحرارة.

القمع:

بعد شهر، أطلق أفويرقي أكبر حملة قمع حتى الآن، فأغلق جميع وسائل الإعلام الخاصة، وألقى بعشرة صحفيين في السجن، وسجن أحد عشر سياسيا طالبوا بإجراء انتخابات. وكثير منهم رفاق سلاح قدامى. كما بدأ في تفكيك جامعة أسمرة.

«ما الذي يمكن أن يبرر قتل الجامعة الوحيدة التي يمكنها تخريج الطلاب الذين يمكن قبولهم في الجامعات الخارجية؟» سؤال يطرحه عالم إريتري يعيش خارج البلاد ويرغب في عدم الكشف عن هويته، حفاظا على سلامة أسرته في إريتريا. «الهدف ببساطة هو منع الطلاب من التجمع والوجود في مكان واحد، حيث يمكنهم التكاتف للانتفاض»، بحسب ديباس. وبدلا من الجامعة، قامت الحكومة ببناء عدد من الكليات الصغيرة، بحجة أنها ستكون متاحة أكثر للطلاب.

ورغم أن إريتريا فقدت جامعتها، إلا أنها ما زالت مستمرة في تحقيق التقدم في مجال الطب. ففي عام 1997، كسبت البلاد وزير الصحة السابق صالح مكي، الذي ساعد على تطوير مشاركات مع جامعات أمريكية مهمة، بما فيها جامعة جورج واشنطن بالعاصمة الأمريكية، وجامعة واشنطن في سانت لويس، وجامعة كولومبيا في نيويورك، وجامعة ستوني بروك في نيويورك، وجامعة كاليفورنيا في بيركلي. وبقدوم الخبراء إلى إريتريا، ساعدت هذه المشاركات البلاد على اجتياز مراحل كبيرة في المسارات العلمية والصحية العامة؛ فامتدت حملة التحصين ضد شلل الأطفال لتغطي 95% من جميع الأطفال البالغ عمرهم سنة واحدة، وتمكنت من القضاء على المرض. واستمرت حملة مكافحة الملاريا بين عامي 2000 و2004، وتمكنت من تخفيض معدلات المرض والوفيات بنسبة 84% و40% على التوالي.

في عام 2003، كان هايلي مِزجيبي، الذي كان جراحًا بجامعة جورج واشنطن في ذلك الوقت، يمثل جزءًا من مجموعة من الأطباء الذين ساعدوا في إعداد كلية طب أوروتّا في إريتريا. وانتقل مِزجيبي إلى البلاد لإدارة هذا التعاون، وانضمت إليه ماري پولان، التي كانت تسافر بانتظام، آتية من قسم التوليد وأمراض النساء بجامعة كولومبيا، وغيرها من الأطباء والجراحين الأمريكيين الذين عملوا لعلاج وتدريب الإريتريين. وفي عام 2009، تخرجت أول دفعة من الأطباء من كلية أوروتا، وكان عددهم تسعة وثلاثين طبيبا. يقول جاك لادنسن، وهو طبيب يعمل في جامعة واشنطن: «كان الأمر غير عادي تمامًا». وفجأة، وفي يوم واحد، ارتفع عدد الأطباء في إريتريا بنسبة 30%».

قصة نجاح:

في الوقت نفسه، كانت الاختبارات والبحوث الإكلينيكية تنطلق في مختبر الصحة الوطني. في عام 1998، كان اختبار الدم الوحيد المتاح في إريتريا يتم إجراؤه بجهاز واحد. وقام علماء جامعة واشنطن بوضع معدات جديدة في المختبر، وتدريب فنيي المختبرات على إجراء سلسلة من الاختبارات الكيميائية، بما في ذلك اختبار «هيموجلوبين A1C» لمرض السكري، واختبار اضطراب الغدة الدرقية الوظيفي. كما أطلقوا أيضا برنامجا وطنيا لإدارة مرض السكري، ومشروعا بحثيا مديدا لقياس نجاحه. وفي عام 2007، وجد قادة المشروع2 أن هذا البرنامج قد أسهم بشكل ملحوظ في تحسين طرق إدارة مرض السكري في إريتريا. واشترك لادنسن وسيوم وغيرهما في تأليف ورقة بحثية3 تظهر أن الجودة العامة للاختبارات الكيميائية المرضية التي تجرى بالمختبر الوطني تقف على قدم المساواة مع تلك التي يتم إجراؤها بجامعة واشنطن. «لقد تم إنشاء نظام بسيط، ولكنه مستدام للمختبر الوطني في إريتريا، تلك الدولة النامية»، حسبما جاء في الورقة.

وخارج المجال الطبي، كان الوضع أقل ازدهارا، إذ قام ريتشارد ريد، وهو مؤرخ في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية (SOAS) في لندن، بزيارة معهد إريتريا للتكنولوجيا في «ماي نفحي»، الذي يعتبر أحد الكليات غير المعتمدة بعد إغلاق جامعة أسمرة. وقيل له إن الطلاب الذين غشوا في الامتحانات، أو لم يحضروا محاضراتهم، سُجنوا في الموقع. كان صف التدريب العسكري إلزاميا بين الرابعة والسابعة صباحا، وكان الطلاب الممتعضون يرسلون إلى حفر الخنادق للتخصص في «علم الحفر»، بحسب ريد.

لم يستمر أي نجاح في العلوم والطب طويلا. ففي عام 2008، ودون أي تفسير، أزيح مكي من منصبه كوزير للصحة، إلى جانب منصبه كمنسق للمشاركة العلمية الأمريكية الإريترية، واعتقل رئيس قسم أمراض الأطفال في كلية أوروتا بسبب آرائه الدينية. وفي عام 2011، أمر أفويرقي جميع العلماء القادمين من جامعة جورج واشنطن ـ بمن فيهم مزجيبي ـ بمغادرة البلاد.

في بداية عام 2012، قطع أفويرقي المشاركة بين المختبر الوطني وجامعة واشنطن في سانت لويس. وذكر عدد من الأشخاص، الذين يرغبون في عدم الكشف عن هويتهم، خشية اتخاذ إجراءات انتقامية ضد أصدقائهم وأقاربهم، أن سيوم ـ مدير المختبر ـ قد «جُمـِّد»، وهذا مصطلح إريتري يعني تجريد الموظفين الحكوميين من ألقابهم ومهامهم، مع منعهم من السفر وممارسة وظائفهم الأخرى؛ بغرض إسكاتهم. اتصلت مجلة «نيتشر Nature» بالمسؤولين في الحكومة الإريترية وبسفارتيها في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا مرارا وتكرارا عن طريق الهاتف والبريد الإلكتروني؛ للرد على هذه الادعاءات، لكنها لم تتلق أي جواب حتى وقت الإرسال للنشر.

يقول جيبريكيدان إن قطع العلاقات قد يكون رد فعل عنيفا ضد الولايات المتحدة والأمم المتحدة، بسبب انتقادهما لسجل أفويرقي في انتهاك حقوق الإنسان. وفي عام 2009، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على إريتريا، لدعمها المتمردين الإسلاميين في الصومال. جاء في برقية أرسلها السفير الأمريكي رونالد مكمولين، وحظيت بتغطية إعلامية مكثفة، ونشرت لاحقًا ضمن وثائق ويكيليكس، أن «السجون الإريترية مكتظة بنزلائها، وأن الديكتاتور الذي يحكم البلاد باقٍ على قسوته وتحدّيه». وفي يوليو، عيّن مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة مقررا خاصا للتحقيق في تقارير تتعلق بانتهاكات الحقوق من جانب السلطات الإريترية، وسط قصص تتحدث عن حبس أفويرقي لمنتقديه انفراديًّا في حاويات الشحن.

يقول برهاني جبريهيويت، عالم المناعة الإريتري بجامعة ستوني بروك، إن عدم ثقة أفويرقي في الدعم والمساعدات الأجنبية لإريتريا أمر مفهوم.. فالولايات المتحدة، في نهاية المطاف، دعمت إثيوبيا خلال حرب الاستقلال. ويتابع: «لا يمكنك أن تعوق شخصًا، ثم تتهمه بالعرج». «كل ما يحلم به الرئيس هو جعل إريتريا أمة مزدهرة معتمدة على نفسها، وتعيش بسلام مع ذاتها ومع جيرانها وبقية دول العالم».

البعض الآخر أقل تعاطفًا. يقول جيبريكيدان إن «أفويرقي يتحول إلى شخصية مجنونة بالشك بشكل متزايد»، فهو «يعتقد أن الأطباء الأمريكيين الذين يأتون لإنقاذ حياة الإريتريين هم في واقع الأمر عملاء في المخابرات المركزية الأمريكية».

يقول أبينك: «لقد دمّر أفويرقي فعلا الحرية الفكرية في إريتريا. ولا يمكن القيام بأي بحث أكاديمي مستقل في أي مجال». ويخلص إلى أن البحوث الأساسية «أو ما تبقى منها» تتعرض الآن لضغوط لمتابعة قضايا «عملية» ذات تطبيقات وفوائد فورية للتنمية.

ومع ذلك.. ما زال بعض العلماء فخورين بالتقدم الذي حققته إريتريا. فقد كتب أنديماريم جبريمايكل، عميد كلية الطب في جامعة أوروتا، في رسالة بالبريد الإلكتروني أنه يهدف إلى خلق «جوّ يتمكن فيه الأفراد من تطوير قدراتهم الفكرية»، مضيفا أنه يأمل أن يُخرّج 150 طبيبًا إضافيا؛ ليضع البلاد في مستوى المعايير الدولية. وسيكون ذلك تحديا كبيرا. لقد بقي بكلية طب أوروتّا سبعة أساتذة طب أجانب فقط، جميعهم كوبيون.

بعد قضاء عام في الحبس الانفرادي، تمكن كيسيتي رئيس اتحاد الطلبة من الهرب مع حارسه إلى إثيوبيا، ومن هناك إلى الولايات المتحدة. يقول كيسيتي: «لقد مشينا لمدة ستة أيام وليال، ولم يبقنا على قيد الحياة إلا بعض البسكويت».

ويرى كيسيتي أن هناك احتمالا ضئيلا للتغيير، ويشعر بالقنوط من مستقبل بلاده؛ ويتابع قائلاً: «لم يقتصر اضطهاد الحكومة على العلماء فقط، بل وصل إلى العلم نفسه». ويعتبر التعاون الدولي «مضيعة للموارد والطاقة»، لأن أفويرقي لن يتردد في إخراج العلماء الأجانب، مهما كانت درجة أهميتهم لتنمية إريتريا. كما أن الشائعات حول إمكانية إعادة فتح جامعة أسمرة هذا العام تبدو غير معقولة، ويضيف: «ومن الأفضل القول إن الحياة الأكاديمية قد ماتت».

Top
X

Right Click

No Right Click