بلدة حرقيقو سجل حافل بالبطولات

تم أعداد هذه المادة من الأساتاذةحسن محمد سعد، عبدالقادر إدريس بشير، جابر إبراهيم درع، صالح محمد دفلة، محمد عمر انصرا

في الوقت الذي يحتفل الشعب الإرتري هذه الأيام بفرحة قدوم العالم الميلادي الجديد عام 2013م

فمن الضروري العودة قليلاً بالذاكرة إلي الوراء واستقاء الدروس والعبر من التضحيات الجسام التي خاضها هذا الشعب بكل شجاعة وثبات لتحقيق آماله في الحرية والإنعتاق من براثن المستعمر الإثيوبي الذي استباح كل شئ من أجل أن يحتفظ بإرتريا تحت سيطرته متمسكاً بمقولة "نريد إرتريا لا شعبها" حيث أرتكب العدو من أجل تحقيق أحلامه التوسعية هذه العديد من الجرائم بحق هذا الشعب الذي رفض الاستسلام وفضل الاستشهاد بدلاً من العيش ذليلاً تحت رحمته مهما كانت سطوته سواء في الريف أو الحضر.

وفي هذا السياق فإن العديد من القرى والمدن الإرترية أبلت بلاً حسناً في التصدي لجبروت العدو وطغيانه لاسيما في بداية انطلاق الكفاح المسلح وانتشار المد الثوري في عموم البلاد وفي مقدمة القرى والمدن التي كان لها دور بارز في دعم الثورة في مهدها واحتضان الثوار والاستبسال في مقاومة العدو نجد بلدة حرقيقو التي عرفت آنذاك بانحيازها قاطنيها مع خيار الشعب الإرتري في تصديه للهيمنة الإثيوبية. كان أهالي حرقيقو بالداخل والخارج منظمين في صفوف جبهة التحرير منذ النصف الأول من ستينيات القرن الماضي، ونتيجة للتعاون اللا محدود الذي أبدوه مع الثوار بالأموال والأنفس حقد نظام هيلي سلاسي علي أهالي حرقيقو، لذا كان حظهم كبيراً من الجرائم والمذابح التي ارتكبها العدو في كافة أصقاع البلاد.

لقد عاشت بلدة حرقيقو في الفترة من عام 1966م وحتى عام 1976م في جحيم دائم ففي تلك السنة أعلن نظام هيلي سلاسي حالة الطوارئ بالبلدة وبدأت المأساة والتي تمثلت في اكتشاف المخابرات الإثيوبية في ديسمبر عام 1966م مجموعة خلية جبهة التحرير الإرترية فرع (مصوع - حرقيقو) وهم:-

• صالح عبدالقادر بشير – رئيس الخلية،
محمود صالح سبي،
احمد شيخ إبراهيم فرس،
صالح جابر وراك،
عثمان بدوي عمريت،
عثمان سيد رمضان حسين،
عبدالله محمد سعيد صايغ،
• عبدالله محمد صايغ،

وحكموا بالسجن البعض منهم لمدة عشرة سنوات والبعض الأخر بالسجن لعشرين عاماً مع الأشغال الشاقة. أفرجت عنهم جبهة التحرير الإرترية بعد اقتحام الفدائيين لسجن سنبل بمدينة اسمرا عام 1975م.

في عام 1967م قتلت قوات العدو الإثيوبي محمود عثمان حبيب في مزرعته بأيروري وعلقت جثمانه الطاهر في حرقيقو لمدة ثلاثة أيام مدعين بأنهم قتلوا أحد جنود جبهة التحرير الإرترية.

في عام 1969م بداء العدو يحاصر البلدة بشدة حيث كانوا يجمعون الأهالي رجالاً ونساء وشيوخاً وأطفالاً لتعذيبهم تحت حرارة الشمس الحارقة من الساعة السادسة صباحاً حتي السادسة مساءاً وكان هذا العقاب الجماعي مبرره بأن أهالي حرقيقو يطعمون أبنائهم المقاتلين ويشجعونهم لالتحاق في صفوف الثورة، وقد ترتب من هذه الممارسات الإجرامية بحق شعبنا تعرض الكثير للمرض من جراء الجلوس الإجباري المستمر لساعات طويلة في حرارة الشمس نذكر منهم: الشيخ محمد جابر أرملي والشيخ سيد محمود سيد حسن والشيخ حجي عبد الله إدريس.

وفي عام 1970م قامت السلطات الإثيوبية بحملة اعتقال أباء الذين التحق أبنائهم بالثورة حيث اعتقلوا كل من:-

خليفة محمد خليفة عبد الله والشيخ حجي عبد الله إدريس والشيخ طاهر عمر بادوري والشيخ عثمان عبد القادر والشيخ حسن الأمين والشيخ عثمان الأمين والشيخ إدريس الأمين وصالح عبد الله زبير والشيخ عثمان أفرحا والشيخ عثمان علي والشيخ محمود احمد يمني .. وآخرين. وقد قام جنود العدو بتعذيبهم بسجن حرقيقو ثم تم نقلهم إلي سجن دنقولو، وقد توفي من جراء ذلك التعذيب الخليفة محمد خليفة عبد الله أمام وخطيب حرقيقو بالسجن.

وفي عام 1973م ارتكبت قوات العدو جريمة بشعة بحق أهلنا تمثلت تلك الجريمة باختطاف الأبرياء من أبناء حرقيقو من بيوتهم ليلاً وفي وضح النهار وقتلهم ومن ضمن من اختطفوا ليلاً الشيخ إدريس محمود شكروك الذي داهمة قوات العدو منزله لاعتقاله وكان الزمن 13 رمضان والوقت بعد صلاة المغرب أما الشيخ عثمان سيد رمضان عثماني فقد تم أنزله من الحافلة وأختفي أثره، وكذلك تم اعتقال كل من الشيخ أب علي سراج (حماس) والشيخ حسين بركتا واحمد برولي وحسين أفرحا وحسب الله علوم وآخرين في نفس الفترة وهؤلاء المواطنين يعتبروا من المفقودين حتي يومنا هذا.

لقد ارتكبت تلك الجرائم علي يد كل من الكولونيل رقاسا والكولونيل كبدي والملازم بليلا الذين نشروا الرعب والخوف والقتل والتعذيب والنهب والسلب بلدتنا وشعبنا.. وعندما فشلت سياسة الترهيب والتهديد خطط العدو لجريمة أكبر من تلك الجرائم تمثلت في مذبحة يوم الأحد الموافق 6 أبريل 1975م، وفي تلك الليلة المشئومة وفي تمام الساعة الثالثة صباحاً كانت سيارات العدو تطفئ أنورها بعد أن وصلت منطقة عجيب ترجل منها جيش العدو الإثيوبي لمحاصرة البلدة والناس نيام والسكون مطبق من كل النواحي يقول شاهد عيان ممن نجوا بأعجوبة من تلك المذبحة (السيد يوسف سليمان ديني) يحكي لنا الشاهد ذكريات تلك الليلة المشئومة يقول " أنه سمع أصوات الطلقات نارية أيقظت الناس من نومهم وتأكد الجميع أن مصدرها هو الجيش الإثيوبي الذي كان في تلك اللحظة بدأ بمحاصرة البلدة وإطلاق النار علي شباب ذهبوا إلي أطراف البلدة للنوم بعد أن شاركوا في السيد محمد سعيد إبراهيم درع، لقد سقط هؤلاء الشباب شهداء جميعاً ما عدا وأحد منهم هو المرحوم حامد حجي أبو بكر الذي نجي من تلك المذبحة فر بعض الأهالي الذين وجدوا فرصة الهروب قبل أن يكمل جيش العدو الإثيوبي حصاره للبلدة. وبقي من بقي واعتقد الناس بأن مهمة جيش العدو الإثيوبي روتينية وبأنهم سوف يفتشون المنازل ويجمعون الأهالي في مكان وأحد ولهذا خرج بعض الأهالي إلي محطة أوتوبيس شركة حرقيقو لسفر في رحلة اعتيادية إلي مدينة مصوع لكن قوات العدو الإثيوبي أوقفت الحافلة الذي تحرك واقتادت الركاب إلي بستان الماس وأمرتهم بالنزول إلي البئر وأطلقت عليهم النار، ولم ينجي منهم سوي الميكانيكي دبساي قلاتي".

يقول شاهد عيان ممن نجوا بأعجوبة من تلك المذبحة (السيد جابر إبراهيم درع) يحكي لنا الشاهد الثاني ذكريات تلك الليلة المشئومة يقول "أن في صباح يوم 5 أبريل 1975م وبعد شروق الشمس بدأت البوارج الحربية الإثيوبية تتجه صوب مرسي حرقيقو، كما بدأت مدرعات العدو وناقلات الجنود والشاحنات العسكرية تتأهب لدخول للبلدة، كما بدأ الجنود يتوجهون نحو البلدة من المواقع التي كانوا مرابطين فيها خلال الليل، وخلال ساعة تم تطويق البلدة من كل النحوي وبدأ جنود العدو يرتكبون المجزرة في كل منزل دخلت إليه قواتهم، وبعد ساعات بدأت قوات العدو الإثيوبي البلدة براً وبحرا بعد خلفت الخراب والدمار والنهب والقتل بالبلدة، بدأت تسمع صرخات الأمهات والأرامل تسمع من كل أركان البلدة الحزينة وجثث الشهداء توجد في المنازل والطرقات أن تلك المذبحة لم يسلم منها إلا من كتب الله له العمر، لقد كان ذلك اليوم يوماً قاسياً لا يمحي من ذاكرة أهالي حرقيقو مهما طال الزمن".

يقول شاهد عيان ممن نجوا بأعجوبة من تلك المذبحة (الأستاذ عبدالقادر إدريس بشير) يحكي لنا الشاهد الثاني ذكريات تلك الليلة المشئومة يقول" كانت الساعة الثالثة صباحاً تقريباً من يوم الأحد 1975/4/5م عندما أغظتني والدتي من النوم (وهي تقول لي هناك أطلاق نار كثيف) إلا أنني كنت في نوم عميق ورددت أنه خيالك يا والدتي ولم تمر دقائق قليلة حيث سمعت أطلاق نار كثيف فهرولت يدي تحت وسادتي لألمم المنشورات التي استلمتها من مقاتلي قوات التحرير الشعبية في تلك الفترة وهم المناضلين عثمان سعيد كراس واحمد عمر اللذان سجلوا لي زيارة عمل تنظيمية يوم السبت 1975/4/4م جاؤ للمنزل في تمام الساعة التاسعة مساءاً وسهرنا في النقاش حتي منتصف الليل وودعتهم، ولم أتمكن من قراءة تلك المنشورات وتركتها تحت وسادتي لقرائها في اليوم التالي لأنه يوم إجازة فهرولت يدي كما قلت تحت الوسادة وأخذت المنشورات وحفرت حفرة مسرعاً لدفن تلك المنشورات، قام والدي لأداء صلاة الفجر ومن تلك الساعة وحتى التاسعة صباحاً كان في صلاته وتسبيحه وقراءته للقرآن.

أما بعض من أهالي حرقيقو بعد ما سمعوا الطلاقات النارية الأولي فرو إلي طريق الساحل إلي أيروري وقدم وربتو، والبعض الأخر هرب عن طريق أم سيد حليمة أما معظم أهالي حرقيقو فقد صبروا في منازلهم. أصبح الصبح ولا زلنا نسمع طلقات نارية من أسلحة خفيفة، واعتقدت بأن هذه الطلقات كانت تطلق لفتح بعض المنازل التي لم يوجد بها أناس، لأن البعض من أهالي حرقيقو لجوء إلي السودان والبعض فضل السكن في عداقة، إلا أن هذه كانت تطلق علي الأبرياء العزل لقتلهم وهذا ما تبين لي بعد أنتهاء المذبحة.

في تمام الساعة العاشرة صباحاً تقريباً دخل إلي درأنا ضابط من ضباط الجيش الإثيوبي، ومعه سبعة من الجنود، وهو يتطاير شرراً وجسمه يرتعد ومتعطش للقتل ويريد أن يري مزيد من دماء الأبرياء فأخذ المذيع الذي كنت الذي كنت أستمع فيه إلي برنامج باللغة الامهرية فأخذ المذياع ولطم به الأرض وقال لي بالأمهرية "اشتريت هذا المذياع لتستمع علي الإذاعات العربية" فرديت إليه لا يا سيدي أسمع فيه إذاعة أديس أبابا، ولحسن حظي المذياع كان يغني بالأمهرية وهو ملتطم في الأرض فنظر للمذياع وسمعه يغني بالأمهرية، فأمر أحد جنوده السبعة وهو يقول له خذه ونفذ عليه، ففكرة بأنهم سوف يضربونني ضرباً مبرحاً بالعصي لأنن رأيت مع أحد الجنود عصا، فقلت له أنني مدرس وأخرجت له بطاقتي، إلا أنه رد علي "بالنهار مدرس وبالليل ثائر" فرددت عليه (لا أنا مدرس وليس ثائر)، وبدو الجنود يقلبون البيت عاليه سأفله يكسرون الأواني والأدوات بالمنزل ومزقوا سجادة كانت بالمنزل ووصفوا الصورة التي كانت بالمسجد بمسجد في سوريا.

وطلبوا من والدتي وأختي وجدتي وعماتي الوقوف ووصفوهم بأنهم ينتموا للعرب بسبب بيضاء بشرتهن، ولطموا أخي محمد علي وكسروا نظارته الطبية، ووصفوه بالعربي، حيث لم تكن له بطاقة شخصية لصغر سنه، وأخيراً خرجوا من المنزل، حتي ذلك الحين لم نكن أعلم بأن هذا الجيش الإثيوبي الغاشم الذي أتي إلي بلدتنا حرقيقو بأنه بداء من الوهلة الأولي يقتل الأبرياء من نساء وشيوخ وأطفال، وبعد خروج جيش العدو الإثيوبي الوحشي من حرقيقو في تمام الساعة الثانية عشر ونصف تقريباً بداء الأهالي بالبكاء وطلب النجدة ممن بقوا من الجيران، وبدا الناس يتفقدون أقاربهم وذويهم وجيرانهم، اتجهت بعد المذبحة ذهبت إلي منزل الأستاذ عثمان إبراهيم بشير وبعد الاطمئنان عليه اتجهت إلي السوق وسمعت صراخ وأنا أمر أمام مسجد ضرهاوي وفي أثناء مروري بالمكان شاهدت أربعة قتلي وكان المنظر مرعباً فاكتشفت بأن عدد القتلى والضحايا كبير جداً، فتوجهت للبيت إذ أفواجي بخبر مقتل زوج شقيقتي علي صالح خيار، وكانت زوجته معنا بالمنزل لأنها كانت قد وضعت طفلة لا يتجاوز عمرها أربعين يوماً. وقد قتل الأخ علي مع مجموعة أنزلت من الباص الذي كان متجهاً لمدينة مصوع وقتلوهم بعد أن أمرهم الدخول لبئر الماس ونجا شخص واحد فقط".

كان حصيلة تلك المذبحة 183 شهيد من رجال ونساء وشباب لا لشيء ارتكبوه بل لكونهم إرتريين رفضوا الركوع للاستعمار الإثيوبي الغاشم. وأثر تلك المذبحة الشنيعة بدأ أهالي حرقيقو يدفنوا شهداء في مقبرة باب قدو بصورة جماعية.
وغادرة الأسر إلي ضواحي قدم وعقمبسا، وبعد الأسر قادرة إلي الأراضي المحررة في شمال الساحل.

أما الأغلبية بقت في الريف القريب من بلدة حرقيقو حتي تستوضح الأمور ثم تعود إلي البلدة من جديد ؟، وبالفعل وبعد ستة أشهر عادت تلك الأسر من جديد لحرقيقو، وبدأت تمارس حياتها من جديد رغم كل الجراح، وعادت الأمور رويدا رويدا تعود إلي سابق عهدها،وبدأت المدرسة تفتح أبوابها لطلاب والمقاهي والمطاعم والدكاكين تعمل من جديد وبدأت خطوط المواصلات البرية بدأ نشاطها من وإلي مصوع تستأنف نشاطها، ولكن هذه العودة لم تريح سلطات الاحتلال، لأنها كانت تتوقع بعد هذه المجزرة هجرة أهالي حرقيقو إلي المجهول كما حدث في العديد من القرى الإرترية في عام 1967م لقري عد إبراهيم وعد عمر في إقليم بركة وقري قمهوت وعسوس في إقليم سمهر، ولكن أهالي بلدة حرقيقو صمدوا في بلدتهم ولم يتركها سوي القليل من الأهالي.

يقول شاهد عيان ممن نجوا بأعجوبة من مذبحة الثانية الجمعة 1976/12/31م (الأستاذ عبد القادر إدريس بشير) يحكي لنا هذا الشاهد عن ذكريات ذلك النهار المشئوم حيث يقول" في يوم الجمعة 31 ديسمبر 1976م نفذت عملية ضرب محطة الوقود في منطقة عجيب التي توجد في الطريق بين مصوع - حرقيقو وهي أقرب مسافة إلي مدينة مصوع من بلدة حرقيقو، قذفت بالمدافع من قبل مناضلي من قوات التحرير الشعبية سابقاً واشتعلت النيران في خزانات الوقود بالمحطة، بعد سماع ضربات المدافع، وفورا سماع الأهالي لضربات المدافع فر بعض أهالي حرقيقو إلي ريف قدم إلا أن الأغلبية العظمي من أهالي حرقيقو صمدت في بيوتها.

من ضمن من بقوا مدرسين مدرسة حرقيقو الذين ذهبوا إلي المدرسة إلا أنهم لم يجدوا الطلبة في المدرسة حيث كانوا يدرسوا يوم الجمعة حتي الساعة العاشرة والنصف وبعدها تكون لهم إجازة لصلاة الجمعة، ونظراً لعدم وجود الطلاب توجه المدرسين إلي سوق حرقيقو لشرب الشاهى في قهوة عثمان علي قعدر ومن بين هؤلاء المدرسين الذين كانوا بالقهوة في ذلك اليوم الأستاذ صالح جعفر كراني والأستاذ بخيت إدريس شنقباي والأستاذ عثمان محمد شلال وأنا عبد القادر إدريس بشير كما جلس مع في تلك الجلسة السيد محمد محمود كيكيا وهو حالياً موجود في مدينة جدة، وبعد احتساء الشاهى أعتذر لهم الأستاذ صالح جعفر كراني ليذهب إلي منزله لأن زوجته حاملة وبأنه سوف يذبح لها صدقة لأنها في شهرها التاسع، ثم بعد ذلك قام كل من الأستاذ بخيت وبعده الأستاذ عثمان شلال وبقيت أنا والأخ محمد محمود كيكيا فطرحت عليه أن نذهب منطقة عردي لنستطلع عن قرب ما جري من حريق في محطة عجيب فوفق الأخ محمد وذهبنا معاً حتي وصلنا إلي منزل صالح تينو سمعنا صوت سيارة قادمة فاعتقدت بأنها صوت حافلة حرقيقو للركاب وفرحت كثيراً لسماعي لهذا الصوت إلا أننا فوجنا بقدوم عربات الجيش الإثيوبي بحملة بالجنود ومدججين بالسلاح فاختبائنا في منزل صالح تينو حتي تمر قافلة جنود العدو، وإذ بها تتوقف في مكتب إدارة بلدة حرقيقو حيث كان بالمكتب كل من السيدين عبد القادر جابر قولاي مدير بلدة حرقيقو ونائب حرقيقو عبد الكريم محمد نائب، فانتهزنا فرصة توقف القافلة ذهبنا مسرعين إلي سوق حرقيقو حيث وجدنا الناس في حالة فزع وهرج ومرج، وفي هذا الإثناء سمعنا طلاقات نارية وبدأ الأهالي بالفرار إلي طريق الساحل إلي قدم، أما أنا عندما وصلت إلي منزل مكي عاقه وكان معي محمد باري وأبن أخيه لا ذكر أسمه نحن الثلاثة شاهدنا جنود جيش العدو بالقرب منا أخبئانا في مطبخ دار مكي عاقه المبني من القش لأننا لم نتمكن من الخروج من حرقيقو، لأن جيش العد الإثيوبي كان قد أغلق الطريق المودية إلي قدم جلسنا نحن الثلاثة في ذلك المطبخ القديم والمكشوف والذي تستطيع تنظر عبره من يأتي إليك من بعيد، وفي هذه اللحظة بدأ جيش العدو القتل والذبح والحرق والنهب، ونحن نسمع صرخات الأطفال والنساء وهم يقتلون، وسمعنا صراخ شديد وشاهدنا حريق كان هذا الحريق منزل الخليفة احمد شوم طروم حيث أغلق عليهم جنود العدو الإثيوبي باب المنزل وحرقوا المنزل وبداخله عشرة أشخاص كان ضمن هؤلاء الشيخ الكبير صالح إدريس شيخاي الذي كان يتجاوز عمره لأكثر من تسعين عاماً آنذاك، وكنا أثناء وجودنا في مطبخ مكي عاقه نسمع تحركات جيش العدو أثناء دخولهم إلي منزل علي عثمان كيكيا وهم يقولون لبعضهم (أقتلوا هذا الرجل المسن، وفي هذا الأثناء طرحت علي الأخ محمد عمر باري فكرة أن نحرق جزء من ذلك المطبخ القديم علي نفسنا حتي لا يأتي جنود العدو إليه إلا أن الأخ محمد عمر رفض الفكرة، وأنا بدوري لم أصر عليها.

خرج بعض من أفراد جيش العدو من منزل علي عثمان كيكيا، ودخلوا إلي منزل مكي عاقه الذي نحن في مطبخه المكشوف للأنظار وهم يقولن لبعضهم نأخذ هذه المعزة التي كانت تأكل بقرب الدار. وفي هذا الأثناء إذ طل أحد جنود العدو علي باب المطبخ الذي كنا نحن مختبئين فيه ونظر إلينا عن كثب تم تراجع وأنضم إلي مجموعته التي كانت تتأهب للرحيل بالسيارة العسكرية التي كانت تطلق لهم سفارتها للرحيل ورحلوا.

إذ علي عثمان كيكيا يقول وهو لا يبعد منزله عن المكان الذي كنا فيه مختبئين لأكثر عشرين متراً يقول "أخرجوا لقد رحلوا" وكلامه كان يقصد به السيدين سليمان صالح شيخاي وإبراهيم طيواي (قيح) اللذان كانا مختبئين تحت القش في منزله سمعنا حديثهم فقلت للأخ محمد عمر باري لننضم إليهم فقالي لي أن الباخرة الحربية سوف تطلق علينا النار إذ تحركنا، لكنني هذه المرة لم أوافقه الرأي وتركته مع أبن أخيه، وانضممت إلي جماعة علي عثمان كيكيا وسليمان شيخاي وإبراهيم طيواي ولم أمكث معهم أكثر منصف ساعة حتي رأيت مجموعة من شباب تتجه للخروج تجاه قدم من حرقيقو تركت المجموعة التي كنت معها وذهبت لتفقد دارنا حيث وجد سبعة منزل من دارنا رماداً حيث خرجت من دارنا مسرعاً للهرب إلي منطقة قدم شاهدت شخص مقتول بطلق ناري في رأسه بالقرب من دارنا وتملكني الخوف والرعب من هول منظر الشخص المقتول، وأثناء مرور بالساحل رأيت قتلي من شيوخ وأطفال ونساء أذكر من ضمن من عرفتهم عبده سيد احمد وحسين قعلاي ومحمود لوبينت وعطيه علامة وكثيرين من نساء وأطفال واتجهت وحيداً إلي منطقة أيروري، وعندما رواء أهالي أيروري شخص قادم من حرقيقو خرجوا من مخابئهم، إذ بالبواخر الحربية الإثيوبية بدأت بطلاق النار تجاههم وتجاهي فتخبئنا منهم، وأخيراً وصلت أيروري في تمام الساعة الثالثة بعد الظهر فاستقبلوني الأهالي بالماء وهم يسألونني عن ما جري قلت لهم حدثت إبادة جماعية للبلدة، وفي تمام الساعة الخامسة مساء تحركوا أهالي أيروري وقدم إلي حرقيقو لدفن الشهداء في مقابر جماعية في مقبرة باب قدو، وأصبحت حرقيقو مدينة أشباح خالية من البشر لسنوات عديدة. أما أنا فقد كتب الله لي العمر والحمد والإنسان لا يموت لا بجله".

أن سجل بلدة حرقيقو في مقاومة العدو وتحديه يعد سجل ناصع يضاف إلي سجلات القرى والمدن الإرترية والمدن الإرترية الأخرى التي وقفت بصلابة أمام ممارسات المستعمر وجبروته خرج العدو الإثيوبي صاغراً يجرر أذيال الهزيمة والعار.

أن توريث هذا التاريخ للأجيال يتطلب توثيق هذه الأحداث مباشرة من ذاكرة أولئك الذين عاصروا تفاصليها حتي تعم الفائدة.

Top
X

Right Click

No Right Click