مذبحة ميسيام التذكير بتضحيات منسية

بقلم الأستاذ: علي عبدالعليم 

الدافع للتذكير بالمذبحة: إن المذابح البشعة التي ارتكبها الاستعمار الإثيوبي بحق شعبنا،

والخراب والدمار الذي ألحقه بقرانا ومدننا ينبغي أن تظل ذكراها حية في نفوسنا وينبغي أن نورثها أبناءنا ليعلموا أن الاستقلال لم يأتي على طبق من ذهب، بل وراءه أرتال من الشهداء وجيش من معاقي الحرب وألوف من اللاجئين والنازحين وخراب ودمار طال الريف والمدن، فيما عرف بسياسة الأرض المحروقة، والتي لم تشهد الإنسانية المعاصرة مثيلا لها إلا في عهد النازية.. ومن بين تلك المذابح سيئة الذكر: مذبحة ميسيام التي نحن بصدد ذكراها الـ(41) والذي يصادف اليوم 2011/8/6م.

الدافع الثاني: أن أهل ميسيام عاتبون على الإعلام الارتري (حكومة ومعارضة)، وعلى الأقلام الوطنية أن لا تتناول هذه المذبحة ولا تتطرق لها حتى عند الاستشهاد بفظائع الاستعمار الإثيوبي في حين تذكر المذابح الأخرى !. فهذا النظام الدكتاتوري وعرفناه !. فما بال إخواننا المنادين  بوحدة التراب والشعب الارتري والمدافعين عن حقوق القوميات والمهمشين، لا ينوهوا بتضحيات الهوامش التي يخشى أن تكون وقودا لمخططات عدم الاستقرار وتفتيت الوطن!؟.

أما الدافع الثالث: فلاعتبارات إسلامية وأخرى خاصة تدفعني أن أسهم في التذكير بتضحيات أهل هذه البلدة الطيبة الذين كانوا من أوائل المنخرطين في صفوف الثورة من أهل المرتفعات، في الوقت الذي كان فيه مواطنيهم المسيحيين جزء من آلة القهر والتدمير الإثيوبية، ولم ينفكوا عن المناداة بـ(إثيوبيا أو الموت) !. 

موقع ميسيام:

تقع ميسيام في الجانب الغربي لإقليم سرايي على سلسلة جبال قوللو سراي الشاهقة، في الركن الشمالي الغربي منها، حيث تقع ضمن إقليم دمبلاس، ويحدها من الشمال الشرقي قرية لبان بإقليم حماسين، و شمالا منصورة ببركا لعال، أما غربا فمجموعة جبال تتداخل مع جبال البازا.  

وتمتد أراضي ميسيام إلى داخل إقليم بركا، مما جعلها في تداخل ايجابي مع إقليمين، ومصالح تربطها بهما معا، كما كانت تدفع ضرائب وعوائد إلى حاضرتي الإقليمين بكل من مندفرا وأغردات.

التكوين الأول لميسيام:

تكونت ميسيام من هجرات متتالية للمسلمين (الجبرته) من إقليم دمبلاس، نتيجة لاستبداد حاكم دمبلاس أجمات سمري، الذي بلغ به الطغيان أن طلب من المسلمين عدم العمل يوم الأحد تقديسا لمكانته في نصرانيتهم، وطلب منهم كذلك دفع أتاوات للكنيسة.. وسار سيرة هطي يوهنس والراس ألولا، وأباطرة الحبشة الصليبيين الذين رفعوا لواء التنصير القسري (كستنوا).. وحصلت ضغوط كثيفة ومعاكسات من المجتمع النصراني انتهكت وكبلت حرية المسلمين في ممارسة عباداتهم وحياتهم وفق عقيدتهم فلم يكن أمامهم من خيار إلا الهجرة واعتزال الكفر، فانحاز المسلمون من قرى دمبلاس السبع إلى المنطقة التي عرفت فيما بعد بميسيام، لأنهم نفروا في بنائها وهم صيام في مثل هذا الشهر الكريم، فاتفقوا أن يسموها (ميسيام)، بأحيائها السبع (شوعتي ماي بيت)، ولكل منها بئر ماء لسقياه وبهائمه ولا يشاركه فيه إلا حلفائه من الجوار المسلم أو من يسمح لهم من النصارى العابرين. 

استقلال ميسيام عن حاكم دمبلاس:

بعد أن تأسست ميسيام بهجرة المسلمين إليها فرارا بدينهم إلى الله، كان أول حاكم لها منها عليها هو عبد القادر حالفا، ثم تلاه آدم قانقول ثم شيخ داود والذي جمع بين السلطتين الزمنية والروحية.. ولما كانت ميسيام ضمن إقليم دمبلاس كان ظل حاكم الإقليم ممتد إليها، وضمن سلطانه لذلك عندما طلب الاستعمار الايطالي من الأهالي تجريد حملات لمكافحة الجراد، ودرء خطره عن الزراعة والغطاء النباتي.. أمر مسليني دمبلاس أجمات سمري من ميسيام استنفار (50) رجلا لحملة محاربة الجراد، وبعث معهم (5) فقط من النصارى، وهكذا عند كل تجريدة لمدة أسبوع؟.

وعندما مر بالمنطقة الحاكم الايطالي ليتفقد سير مكافحة الجراد، سأل قائد المجموعة من ميسيام (حجي حميد) عن عددهم أجاب بخمسين رجلا، وكم عدد النصارى قال له خمسة. وتساءل الحاكم الايطالي فقيل له هكذا منذ بدء الحملات، يريد مسليني سمري من المسلمين أن يفنوا بفعل الحمى والأوبئة.. في تحيز صليبي وحقد دفين.

وبعد أن تحرت سلطات الاستعمار الايطالي في الأمر، ووضح لها جليا التحيز الفاضح والظلم البين من حاكم دمبلاس ضد المسلمين، فما كان منها إلا أن قررت الاعتراف بسلطات تحاكمية لميسيام منفصلة عن سلطات حاكم دمبلاس الظالم، ولم يعد يتحاكم المسلمون بعدئذ في جميع قضاياهم إلا إلى حكام من أنفسهم نصبوهم بالتراضي والشورى.. ويستأنفون إلى المركز في مندفرا، وهكذا أصبح أول مسليني من أبنائها شيخ أحمد بن شيخ داود، ومنهم مسليني ياسين عبد الرحمن الذي استشهد في مذبحة ميسيام المشئومة.

ترسيم حدود ميسيام:

عمدت سلطات الاحتلال الايطالي إلى ترسيم حدود ميسيام البلدة والمراعي، على خارطة واضحة المعالم، وذلك منعا للنزاع مع المحيط النصراني، إذ تعتبر ميسيام جزيرة مسلمة في محيط نصراني؟.

وباعترافات موثقة بالصوت والصورة من زعامات النصارى من القرى المجاورة لميسيام، أكدوا: أن ميسيام أرضكم أنتم المسلمين، وأنتم أخوة لنا في الجوار، ولا رحم بيننا. (من شريط فيديو سجله الأخ عبدالغني محمدنور للمنطقة بعد التحرير).

الجبهة الشعبية تهدد بتوزيع أراضي ميسيام:

أرسلت الجبهة الشعبية إلى أبناء ميسيام بكسلا طالبة منهم العودة إلى ميسيام، وإلا فان حكومة الشعبية ستعمل على توزيع أراضي ميسيام على الجوار (النصراني طبعا). بحجة أن الأرض للدولة توزعها على من تشاء ؟.

وكان رد أبناء ميسيام أننا سنعود من رهق اللجوء متى ما رأينا الظرف مواتيا، بإذن الله، وان ارض ميسيام أرض وقف إسلامي ليس لكم حق التصرف فيها، وحدود أرض ميسيام مرسومة على خارطة معتمدة من سلطات الاستعمار الايطالي مع ميلاد ارتريا، تثبت أحقية المسلمين في أرض ميسيام، أرض الهجرة، وموئل الأحرار، وأبرزوا لهم  الخريطة، فكانت المفاجأة الملجمة للجبهة الشعبية.

برغم ذلك فان حكومة (الشعبية) لم ترعوي وأوعزت لقرية جارة لميسيام (حديش عدي) أن ينزحوا إلي أطراف أرض ميسيام ليستولوا عليها بوضع اليد، والأمر الواقع، واستقرت مجموعة منهم بالفعل هناك وبنوا كنيسة على أرض هجرة المسلمين، الموقوفة لهم بتضحيات الأجداد.. وغدا سيدعون ملكيتها. أليس هذا صورة من صور التغيير الديمغرافي الذي تشهده أراضي المسلمين على يد حكومة (الجبهة الشعبية) الطائفية.

ما تمتاز به ميسيام:

أن أهم ما تمتاز به ميسيام أنها أسست من أول يوم على الإسلام، فاستمدت قوانينها (حقي) من الشريعة الإسلامية فالخمر محرمة ويعاقب عليها والاختلاط بين الجنسين ممنوع، ويحتكم الزوجان الى الشريعة عند الخلاف، فلا تخرج الزوجة من منزل الزوجية فهي (قال شريعة) يعني بنت الشريعة ويحكم بينهما أي رجل مسلم فهو حكم عادل مادام حكمه يصدر وفق أحكام الشريعة الغراء.

إن المساحة لا تكفي لتعداد كل ما تمتاز به ميسيام، ولكني سأركز على أهم ما تمتاز به وهو العناية الفائقة بالتعليم القرآني وتدريس علومه الشريفة، فاشتهر في مضمار (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) أشياخ أجلاء فاض علمهم الى باقي المدن الارترية وعلى رأسها العاصمة أسمرا (ومن من سكان أسمرا لا يذكر شيخ عبده إبراهيم). ومنهم شيخ عبد الله إيمان، وشيخ الأمين وشيخ محمد سعيد، وشيخ محمد أمان عبد الله، وشيخ عثمان (مرّوق)، وشيخ عبد العليم عبد الله، وشيخ ياسين وهبي.. والقائمة تطول. 

وانتشرت الخلاوى وتعددت حلقات تحفيظ القرآن الكريم حتى بلغت (80) حلقة على رأس كل منها شيخ مقرئ وعلى رأس المقرئين شيخ البلدة، ويطلق عليه أيضا (قاضي عدي)، وأشهر من شغل هذا المنصب شيخ داود وابنه القاضي المخضرم حجي أحمد، والذي كان كذلك قاضيا بمندفرا، وله قصة مشهورة مع تجار عدي خاله الذين ردعهم بحكم أوقف احتكارهم واستغلالهم للمواطنين، فشكوه الى الحاكم البريطاني في أسمرا والذي طلب من المفتي إعفاء القاضي حجي أحمد، ولكن المفتي إبراهيم المختار، رحمه الله، لم يستجيب لطلب الحاكم، ورد عليه بأن القاضي أحمد من أفضل القضاة ولا أجد ما يحملني على إعفائه.. رحمهم الله جميعا كانوا صلبين في الحق لا يخشون في الله لومة لائم.

ومن العادات التي انفردت بها ميسيام وتعكس مدى العناية التي أولتها للقرآن الكريم أن لا تصير البنت الى عش الزوجية قبل أن تختم القرآن الكريم. فختم القرآن كاملا كان شرطا لازما لتزويج البنت.

كما أن هناك صورة من صور التكافل والمتمثلة في استقبال أسر ميسيام لأبناء المسلمين من طلبة العلم من خارجها بين ظهرانيهم وتحت رعايتهم، وتوفير الإعاشة والسكنى لهم.. حيث لم تكن الداخليات معروفة في ذلك الحين. وقد ساعد في ذلك الثروة الحيوانية الكبيرة، والمحاصيل الزراعية الوفيرة.

وللاهتمام الكبير الذي أعطته ميسيام للتعليم القرآني والعلم الشرعي، سميت بـ (مصر الصغيرة) تيمنا بمصر المحروسة، مصر الأزهر، التي تشد إليها الرحال طلبا للعلم، وكذلك الحال لميسيام حيث يشد إليها طلبة العلم الرحال، وينتشر من تعلم فيها لتحفيظ القرآن وتدريس علومه في شتى البقاع.

ومن صور الترابط وبذل الحماية والدفاع عن الأرض والعرض، ما نراه عند هجوم عصابات الشفته، أو اختطافهم لأحد أبناء ميسيام، أو نهب بقره أو أي من ثروته الحيوانية، أو التعدي على الأراضي الزراعية.. هذا التماسك والتصدي الجرئ للشفتة أرغم سلطات الاحتلال الإثيوبي على أن تسمح لميسيام بامتلاك السلاح الناري لحماية نفسها، الأمر الذي كانت تحرمه عليها من قبل وتسمح به للنصارى فقط ؟.

العلاقة الطيبة بالجوار المسلم:

إن موقع ميسيام في دمبلاس - كما أسلفنا - كموقع الجزيرة من البحر، والبحر هنا هو المحيط النصراني، وأقرب جوار مسلم لميسيام هو بلدة منصورة ببركا لعال.

وترتبط ميسيام بمنصورة بعلاقات واسعة وجيدة، توجت بالمصاهرة وامتزاج الدماء.. وعززها التبادل التجاري، حيث يجلب تجار منصورة قماش الدمور والملح والدوم والسعف.. ويشترون الغلال والبهائم والعرديب وخيوط القطن.. الخ.

وأنصع صور العلاقة تلك، هي التوأمة التي كانت تجمع بين أسر ميسيام وأسر أصحاب البهائم من منصورة والذين يدفعون حيواناتهم للرعي في مراعي ميسيام الغنية، وتوفر كل أسرة توأم من ميسيام الاحتياجات الغذائية والمأوى لتوأمتها من أسر منصورة.. وعند سفر أو نزوح أحد أفراد الأسرة الى منصورة لشراء حاجيات أو بيع بهائم هناك، أو حتى للإقامة، فان الأسرة التوأم من منصورة تكرم وفادته ومثواه.

ومن المعروف أن منصورة ضمت عددا كبيرا من النازحين من ميسيام وكان لهم حي باسمهم في منصورة اشتهر بمسجده وخلوته القرآنية.. وقد قام مشايخهم بتعليم أبناء منصورة القرآن الكريم والعلوم الشرعية، من أمثال الشيخ عبد العليم عبد الله والشيخ آدم نور، كما اشتهر منهم بالمديح والصوت الرخيم الشيخ عثمان عبد الله، الذي كان يمدح الرسول بالتجرنية بجانب العربية.

رقي الحس الوطني والمشاركة المبكرة في الثورة الارترية:

يمتاز أهل ميسيام بحس وطني رفيع، كحال الجبرته عموما، فكان لهم النصيب الوافر في الحركة الوطنية نضالا ومقاومة ضد المستعمر الأوروبي والإثيوبي.. تحضرني هنا مقولة الزعيم الشهيد عبد القادر كبيري، قالها رفضا للانضمام إلى إثيوبيا، (كيف لنا أن نكون جزءا من دولة كهنوتية متخلفة، مضطهدة لإخواننا المسلمين).. ذلك أن نظام هيلي سيلاسي كان قائما على الأساطير والخرافات وعلى الصليبية الاقصائية.

المهم أن أبناء ميسيام كانوا منخرطين في النضال السياسي إبان فترة تقرير المصير، وكانوا يشكلون حيثما وجدوا رأس الرمح في العملية السياسية، ونذكر منهم على سبيل المثال: القاضي حجي أحمد، وسليمان حميد، ومحمد ياسين بلاتا، وسليمان عبده كحسو، وعثمان عبد الله،..

وعند اندلاع الثورة الارترية كان أبناء ميسيام من أوائل المنضمين الى صفوفها، فشهد عام 1963م خروج أول كوكبة من المناضلين من أبناء ميسيام عددها (15) شابا، ثم تلتها كوكبة أخرى من (20) شابا في العام التالي، وهكذا لبى أبناء ميسيام نداء الوطن جماعات ووحدانا.. وكان أداء المناضلين من أبناء ميسيام مشهودا، فكانوا مقاتلين أشاوس وفدائيين جسورين، وقيادات ميدانية محنكة، وفي سبيل التحرير الوطني قدمت ميسيام خيرة أبنائها، وامتزجت دماء شهدائها بدماء شهداء باقي أنحاء الوطن، تجسيدا لوحدة التراب وعدالة القضية، وتحقيقا لتطلعات شعبنا في الحرية والكرامة والاستقلال.

ونذكر من شهداء ميسيام من أجل التحرير: عبدالحميد داود (استشهد بالساحل الشمالي عام 1968م). ومحمد طاهر جعفر وإيمان محمود والشقيقين محمد نقوس وجمال شقة، وعلي حجي وهب ربي، وناصر قانقول، وعلى حروي وإيمان بهتا وأبناء العمومة وهب ربي ومحمد برهان يعبيو، ونورحسين رزقي.. ومن الفدائيين عبدالقادر منجوس، وعبدالرازق كحسو، وعبدالحفيظ عبدالرحيم، ومحمود سليمان عبدالقادر، والذي كان ضمن الذين اختطفوا طائرة الاحتلال بمطار فرانكفورت.. وأرتال من الشهداء موثقة أسماءهم وتواريخ وأماكن استشهادهم في قائمة سلمني أهل ميسيام نسخة منها.

مذبحة ميسيام:

كرد فعل من سلطات الاستعمار الإثيوبي على التحاق عدد كبير من أبناء ميسيام بالثورة الارترية المسلحة، ونضالهم المشهود، وفدائيتهم الجسورة، وفعاليتهم الكبيرة، وتفانيهم المخلص.. قام جيش الاحتلال الإثيوبي (الطور) مدعوما بوحدات من (الكوماندوس)؟. وبعد أن أغرى صدورهم على ميسيام من منطلق الحسد والحقد الطائفي، والغبن الصليبي، إحدى القرى المجاورة لميسيام، طمعا في أرضها الغنية، بعد أن تكون قد استأصلت شأفتها ومحتها من الوجود، سياسة الأرض المحروقة.. قام (الطور) و(الكوماندوس) في يوم 1970/8/6م بهجوم بربري وحشي على ميسيام، فطفقا قتلا وسحلا للرجال العزل، ودمارا وتخريبا للمنازل، وكل ما تقع عليه أعينهم، ونهبا للثروة الحيوانية الكبيرة.

فكانت مذبحة أقل ما توصف به أنها وحشية فلم يكتفي جنود الاحتلال بإطلاق الرصاص بل أرووا تعطشهم للدماء بذبح الرجال العزل من الوريد الى الوريد، وأحالوا البلدة الى خراب والى ساحة حرب تضج بالأشلاء والمزع، وخلفوا وراءهم النيران وهي تلتهم البلدة والمحاصيل الزراعية.

فلم ينجوا من المذبحة من رجال البلدة إلا الجرحى الذين ظنوهم موتى، أو من كان في المزارع أو في سفر، فكانت تصفية جسدية لا تبقي ولا تذر من رجل على أرض ميسيام، حتى لا يكونوا وقودا للثورة، وليكونوا عظة لغيرهم . أما نساء ميسيام الطاهرات فكان الطامعون في الأرض ينتظرون أن يسبوهن ويجعلونهن رقيق أرض ومحظيات ؟

إن الأنفس العزيزة التي أزهقت في تلك المذبحة والدماء الغالية التي سالت وآلاف البهائم التي نهبت والدمار الشامل الذي لحق بالمنازل والآلام النفسية التي أصابت أهل ميسيام حيثما وجدوا.. كل ذلك دفعته ميسيام أرض الهجرة مهرا للاستقلال وفجر الحرية، وكضريبة مستحقة للوطن الغالي، ألا تستحق بعد هذا كله أن تحتل حيزا في ذاكرة الوطن، وأن تذكر بتقدير واعتزاز مع الذين قدموا التضحيات والغالي والنفيس من أجل استقلال الوطن وتحرير التراب ؟؟

بعد المذبحة الوحشية لم يسدل الستار على ميسيام بل هب أبناءها من كل صوب وحدب لإعادة اعمارها ونذكر بالإجلال والتقدير أول ثلاثة عشر رجلا قدموا للقيام بهذه المهمة الوطنية مخلفين وراءهم حياة الدعة والراحة من مختلف المدن، مما يدلل على عمق الوفاء وصدق الانتماء إلى هذه الأرض الطيبة.

وقبل الختام:

التحية لأهلنا في ميسيام وهم يتمسكون بأرض الأجداد ولا تلين لهم قناة أمام الطامعين ولا ترمش لهم جفن من تهديدات الطائفيين، ولا يخفق لهم قلب خشية من الاستهداف الشوفيني لنظام الجبهة الشعبية الدكتاتوري الاقصائي، والتحية كذلك لأهل ميسيام في الشتات وهم يغالبون التذويب ويحشدون جهودهم لتعمير أرضهم وتوفير ما يستطيعون من خدمات مناهضة لسياسات التغيير الديمغرافي، وتمسكا بأرض الهجرة ميسيام.

وفي الختام:

إن قوى التغيير الديمقراطي مطالبة، خاصة الإعلام الوطني بمختلف وسائله، بالتعريف بين أجزاء الوطن، وتبيان المشتركات والقواسم الوطنية التي تشد كل أجزاء الوطن بعضه ببعض، وكذلك عكس المظالم التاريخية والحالية للقوميات والمهمشين، لا بغرض إيغار الصدور وتأجيج الثورة في النفوس والتمرد، ولكن بغرض رد المظالم وتصحيح الأوضاع، والانتقال بالوطن المعافى إلى الاستقرار والسلام الاجتماعي والتنمية المتوازنة، ولا يتأتي ذلك إلا بعد رمي النظام الدكتاتوري الطائفي إلى مذبلة التاريخ، وإحلال البديل الديمقراطي الذي يرتضيه الشعب ولا يقصي أحدا.

• المعلومات  مستقاة من شريط فيديو (جزأين) عن ميسيام سجل بعد التحرير بواسطة الأخ/ عبدالغني محمدنور وآخرين، بالإضافة إلى إفادات شفهية عن تاريخ المنطقة، وقوائم الشهداء والخسائر المادية من بهائم ومحصولات زراعية ومقدارها وأسماء ملاكها.. وذلك من أفواه مشايخ وأعيان ميسيام بمدينة كسلا.

بتاريخ 1970/8/6م تم هجوم العدو الإثيوبي لقرية ميسيام... بجيش كبير واستشهد فيها 38 (ثمانية وثلاثون) شهيدا، وعدد 4 منهم نجوا من المذبحة.

شهداء مذبحة ميسيام:
1. الشهيد/ محمود حجي سعيد
2. الشهيد/ محمد برهان عبد السلام
3. الشهيد/ عبدالبارى عبدالرشيد
4. الشهيدة/ لم لم عبد النبى (حرقت داخل البيت)
5. الشهيدة/ سعدى ابراهيم (حرقت داخل البيت)
6. الشهيدة/ خديجة سراج (حرقت داخل البيت)
7. الشهيد/ نور حسين يوسف
8. الشهيد/ برهي بهتا حقوص
9. الشهيد/ الشيح نور احمد رزقى
10. الشهيد/ الشيخ عبدالقادر محمد باريو
11. الشهيد/ ياسين عبدالقادر
12. الشهيد/ حسن فرح
13. الشهيد/ محلام دسو
14. الشهيد/ نور حسين احمد عبه
15. الشهيد/ الشيخ محمد درار
16. الشهيد/ الشيخ آدم درار
17. الشهيد/ الحاج محمد برهان
18. اشهيد/ فرج سراج عبده
19. الشهيد/ حقوص سراج عبده
20. الشهيد/ ابراهيم موسى
21. اشهيد/ حسن ابراهيم
22. الشهيد/ الشيخ ياسين اسماعيل (امام جامع)
23. الشهيد/ ياسين محمد طاهر
24. الشهيد/ عبده ياسين برتوع
25. الشهيد/ احمد فتورارى
26. الشهيد/ الشيخ حسين طه نور
27. الشهيد/ طاهر عبدالحكيم
28. الشهيد/ الشيخ احمد الدين عبدالله
29. الشهيد/ حمدو عبد الرحمن فتورارى عبد الحى
30. الشهيد/ عبدالعليم شيخ عثمان
31. الشهيد/ ياسين عبدارحمن فتورارى
32. الشهيد/ الشيخ محمد زين محمود
33. الشهيد/ محمد قيتا محمد زين
34. الشيخ/ عبدالرحيم عبدالكافى
35. الشهيد/ محمد حجى بهتا
36. الشهيد/ يوسف حجى بهتا
37. الشهيد/ وهب ربى عبدالرحمن
38. الشهيد/ نور حسين معروف

الأشخاص الأربعة الذين نجوا من الموت هم:
1. ابراهيم حقوص
2. امان عبده محمد
3. حسن احمد
4. احمد عبدالرحيم

خسائر مذبحة ميسيام:
الحريق: جميع البيوت (ميسيام) بالممتلكات.
العدد: 450 رأس من الأبقار، 350 رأس من الحمير و 300 رأس من ألأغنام.
وتقدر الخسائر المادية (الخسائر للبهائم والممتلكات) بالملايين من الدولارات الإثيوبية.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click