المناضل آدم محمد حامد قندفل قائد وسيرة حياة مليئة بالعطاء بلا حدود

بقلم الأستاذ: علي عافه إدريس - كاتب ومحلل سياسي ارتري

مواليد عام 1935م تقريبا بمنطقة شلاب بضواحي أغردات.

ختم القرآن الكريم بخلوة الشيخ إدريس نور موسى.

آدم محمد حامد قندفلحاول الالتحاق بالجيش الإنجليزي، ففي مدينة (أغردات) كانت توجد مجموعة من العاملين في الجيش الانجليزي تعمل على تجنيد الشباب الاريتري للعمل في الجيش الانجليزي وقد جندوا مجموعة كبيرة وكان المناضل قندفل من بينهم حيث تم إرسالهم إلى مدينة (القضارف) ولكن لم يتم قبوله لصغر سنه فأعادوه إلى مدينة (كسلا) ومنها عاد إلى أهله.

عام 1952م في فترة احتلال الانجليز لكلا البلدين أرتريا والسودان قام بمحاولة أخرى للانضمام للجيش الانجليزي وقد نجح هذه المرحلة وتم قبوله وعند تكون أول نواة للجيش السودان أصبح ضمن قوة دفاع السودان بارطة العرب الشرقية.

عندما نال السودان استقلاله من الانجليز اصدر أحد قادة الجيش وكان ضابط برتبة عقيد اسمه طلعت فريد قرار يقضي بعدم التجديد لأبناء البني عامر والاريتريين العاملين في الجيش فاخذ معظم الارتريين إجازة إلى أن تتضح الأمور وكان المناضل قندفل أحد هؤلاء فعاد لمدينة أغردات وهناك أثر مشاجرة مع أحد الأشخاص وضربه له بزجاجة في رأسه تم سجنه برفقة أحد زملاءه وهناك تعرضا للضرب من سجانيه.

وقد أثرت فيه عملية سجنه خاصةً وأنه كانت قد سبقتها عملية عدم التجديد له في الجيش السوداني الأمر الذي جعله يحس أنه أهين في السودان وأرتريا، وقد كانت تلك نقطة تحول في فكره وسلوكه في مقبل الأيام.

خرج من السجن بروح جديدة وتغير كامل في نظرته للأمور فقد ارتفع عنده الحس الوطني والشعور بفداحة الاستعمار ومرارته وأن يرضى بالعمل في بلدان الآخرين وهم لا يقبلون به.

بعد أن خرج من السجن عاد إلى السودان لاستلام مستحقاته باعتبار أنه قد تم إنهاء خدماته إلا أن التمرد الذي حدث في جنوب السودان جعل قيادة الجيش تأجل عملية الاستغناء وتقوم باستدعاء الجميع لهذا ذهب إلى جنوب السودان ضمن الفرقة الموزعة في منطقة (توريت)، وهناك بدأ لأول مرة يتابع الاذعات المختلفة ويقرأ الجرائد، ووقتذاك كانت كل وسائل الإعلام تتحدث عن الثورات في إفريقيا وأمريكا الجنوبية فزاد اهتمامه بتلك الثورات.

وفي توريت قبل أن يكمل فترته الثانية عام 1957م تعرض لحادث انقلاب سيارة وكسرت ساقه فأرسل للخرطوم للعلاج وهناك تلقى العلاج إلا أن أوراقه التي تحدد مدى صلاحيته للعمل بالجيش تأخرت لفترة طويلة، لهذا ذهب للقضارف والتقى بالكثير من الشباب الارتري وكان يتحدث معهم عن ما تعانيه أرتريا وما ستعانيه أكثر في الفترة القادمة وعن ضرورة قيام الثورة وأنه سيقوم بثورة.

عاد لكسلا لمتابعة أوراقه فقابل الشهيد طاهر سالم وتعرف به وقد عرفه هو على مجموعة من الشباب الاريتريين، هم الحاج إسماعيل ومحمد نور فريح وإدريس محمد حاج وعمر ازاز وعمر دامر وتبع تلك المعرفة بينهم جلسات طويلة كانوا يتحدثون فيها عن الأوضاع في أرتريا وخرجوا منها باتفاق بضرورة التفكير في عمل شيء وأطلقوا على مجموعتهم اسم (مجموعة المواطنة).

في أثناء تواصله مع مجموعة المواطنة وصلت أوراقه و قد أوصى الطبيب المعالج بإحالته للمعاش، فذهب إلى أرتريا بعد أن أخبر مجموعة المواطنة أنه ذاهب لغرض دراسة الأوضاع هناك.

بعد عودته لأرتريا أخذ في تحريض الجماهير الإرترية ضد المستعمر الإثيوبي وكان يكتب عبارات تحريضية على الجدران والسيارات وأماكن تجمع المواطنين وأشهر عبارة كان يكرر كتابتها على الجدران حرر بلادك أيها الشعب الارتري وليسقط الاستعمار.

قد ألقي عليه القبض عام 1958م من قبل الأمن وأودع السجن لاتهامه بالكتابة على الجدران واثارة المتاعب والتحريض على العصيان، وتعرض في السجن للتعذيب والاستجوابات المتتالية بحثا عن من دفعه لهذا العمل، وكانوا يقولون له : هذا عمل كبير لا يقوم به شخص لوحده يجب ان تعترف بأسماء الذين دفعوك للقيام بهذا العمل، ولما طالت فترة سجنه وزاد التعذيب الذي كان يتعرض له بشكل يومي، فكر في حيلة ادعاء الجنون وقد نجح في ذلك وتم اطلاق سراحه لأنهم اقتنعوا بجنونه.

وبعد خروجه من السجن بدأ يتخير التجمعات الكبيرة ويطالبهم بالمناداة بالحرية وسقوط الاستعمار مستغلا اعتقاد الحكومة أنه مجنون إلى أن كشف هذا التمثيل ضابط في البوليس الاثيوبي يدعى محمد صالح سبه وقال له دعك من هذا التمثيل فعرف أن تمثيله قد كشف فغادر إرتريا متجها إلى السودان، وهناك في كسلا اجتمع بمجموعة المواطنة وشرح لهم أحداث رحلته إلى أرتريا وناقش معهم ضرورة القيام بعمل ما يعيدوا به الموازين لطبيعتها وقد أمن الجميع على ذلك وخرج الاجتماع دون اتخاذ قرار محدد في هذه الناحية.

وفي نفس الفترة تواصل أيضا مع مجموعة من الشباب الارتري ودعاهم لاجتماع في منزل المناضل محمد سعيد أبوعابلة (في حلة جديد) وبلغ العدد اكثر من خمسين شاب منهم المناضلين محمد سعيد أبوعابلة و ابراهيم ليمان و محمد أكد و حامد يوسف وفي الاجتماع طرح عليهم فكرة القيام بثورة ضد المستعمر الاثيوبي وقد كانت حماستهم واستبشارهم بسماع هذا الاقتراح كبيرا وعلي الفور قسمهم الي قسمين:

قسم يقوم بجمع التبرعات لصالح الثورة والقسم الاخر أفراده يتسلحون بالسلاح الابيض لمهاجمة معسكر القوات الأثيوبية بمدينه (تسني) لغرض الحصول على السلاح، ثم عاد إلى أرتريا لترتيب عملية اقتحام معسكر تسني الذي كان يتواجد به فقط خمسة وعشرون جنديا وضابطا، وهناك استطاع التواصل مع مهندس المولد الكهربائي للمدينة وأتفق معه على قطع الكهرباء يوم الأحد حيث يكون الجنود في حالة سكر وعربدة فعاد لمجموعته فوجد أن المجموعة قد تبعثرت فقد أخبرهم أحد الأشخاص أن آدم قندفل مجنون وقد كان مسجون في أرتريا وأطلق سراحه لأنهم اكتشفوا أنه مجنون، الأمر الذي أغضبه كثيرا وجعله يتعارك مع الشخص الذي قال ذلك.

وفي كسلا كذلك التقى بـ (مجموعة المواطنة) وقد انضم إليها شخصين آخرين من الذين كانوا في الجيش السودان، وشرح لهم ما قام به من بداية عام 1957م وحتي لحظة لقاءه بهم واتفقوا علي حتمية النضال من اجل تحرير ارتريا، وقررت المجموعة البدء في العمل من هذه اللحظة فاعتبروا مجموعتهم أول خلية ومقرها كسلا وسموها (مجموعة التحرير) بعدها بدأ ينشط أكثر في العمل على تجنيد الشباب وحثهم على الثورة فعاد متخفيا إلى مدينة (تسني) وقام بتجنيد بعض الارتريين العاملين في البوليس الأثيوبي على ان يلتحقوا بمجموعة التحرير في اقرب فرصة ثم عاد إلي كسلا.

بعد فترة حضر إليهم من مدينة اغردات الشهيد إبراهيم داوود وعبدالله ادريس عبدالله، وعقدا اجتماعا مع (مجموعة التحرير) واتفقا مع المجموعة على سحب إبراهيم سلطان وإدريس محمد آدم من ارتريا للحفاظ على حياتيهما خشية الغدر بهما من قبل الاثيوبيين ولتمثيل الشعب الارتري في المحافل الدولية والمناداة بحق الشعب الارتري و تم تكليف المناضل عبدالله ادريس ترتيب أمر خروج إبراهيم سلطان من مدينة كرن وتكليف الشهيد ابراهيم داؤود بترتيب خروج إدريس محمد آدم من مدينة اغردات، وقد نجحا في مهمتيهما وتم استقبالهم ونقلهم بسيارة تاكسي من قرية عد أقلوب إلى كسلا ثم إلى الخرطوم التي غادراها إلى القاهرة.

وقبل سفرهم الي القاهرة التقى الشيخين سلطان وإدريس بثلاثة من الشباب الارتريين هم:-

• حامد إبراهيم طمبار ،
عبدالله إدريس ديغول ،
محمد إدريس كلباي .

وناقشوا معهم الأوضاع الأرترية. وعندما ابدا الشباب الثلاثة رغبتهم في تفجير ثورة رد عليهم الزعيم ابراهيم سلطان قائلا: اذهبوا الى كسلا وقابلوا شخص يدعى آدم قندفل وبالفعل ذهبوا إلى كسلا والتقوا به وكان الأمر مفرحاً بالنسبة له لأنه قد وجد فيهم نفس حماسه.

في عام 1959م بدأ هو ورفاقه الثلاثة:-

• حامد إبراهيم طمبار ،
عبدالله إدريس ديغول ،
محمد إدريس كلباي ،

في البحث عن أسلحة لإعلان الثورة فكروا خلالها كثيرا في مهاجمة بعض النقاط والاستيلاء على أسلحة حراسها إلا أنه في كل مرة كانت تواجههم عوائق تمنعهم من تنفيذ خططهم.

في نفس العام 1959م التقى هو وزملاءه:-

• حامد إبراهيم طمبار ،
عبدالله إدريس ديغول ،
محمد إدريس كلباي ،
 

بالقائد الشهيد حامد إدريس عواتي وطلبوا منه إعلان الكفاح المسلح مقدمين أنفسهم جنودا لثورة الشعب، ولم تنجح محاولاتهم لدفع عواتي لإعلان الثورة.

عام 1959م التزم كغيره من الشباب بحركة تحرير أرتريا، ولاحقا اتخذ منها موقفا سلبيا كمعظم الارتريين بعد ظهور جبهة التحرير الارترية في الأفق.

سافر إلى تسني في 1961/7/25م وهناك قابل أحد العناصر الوطنية الذي كان يعمل في البوليس الارتري فأخبره أن يذهب إلى حيث يوجد حامد عواتي ويخبره أن أمراً قد صدر بالقبض عليه، وهو في الطريق لعواتي علم أن الخبر قد وصل إليه وغادر قريته.

وعند إعلان الكفاح في 1961/9/1م التحق بالقائد عواتي ورفاقه وحضر معه كل المعارك عدا معركة أدال معركة الرصاصة الأولى وبعد معركة أمنيت التي أسر فيها الشهيد محمد ايرا وتأزم الوضع و لجوء عواتي ورفاقه إلى الجبال لتفادي الحملة التي قام بها الاثيوبين، كلفه القائد عواتي بإبلاغ مجموعة العسكريين المتواجدين في كسلا وبالفعل ذهب لكسلا وعاد ومعه عشرة من العسكريين وذلك في 1962/2/17م.

كان مصدر ثقة القائد حامد عودتي الذي كان يقول لن تضيع ثورة فيها رجال من أمثال آدم قندفل.

كان آدم قندفل الأشهر من بين قادة الفدائيين للعمليات الفدائية النوعية التي قادها و شارك فيها.

في 1962/7/12م وإثيوبيا تستعد وتحشد الإعلام المحلي والعالمي في أغردات لتعلن أن إرتريا إقليم تابع نفذ آدم قندفل العملية الفدائية الجريئة في الاحتفال الذي نظم لحاكم ارتريا وممثل الإمبراطور وكان الحضور فيه من كبار رجال الدولة الإثيوبية وتوابعهم من الارتريين والعملية خطط لها القائد الشهيد سعيد حسين، وقد كانت لتلك العملية الفدائية صدى عالميا واسعا حيث صادف حدوثها عقد مؤتمر القمة الأفريقية في أديس أبابا ومن تلك العملية أصبح المقاتلون ثوارا بدلا من شفتا و مجموعة خارجة عن واسفرت عن قتل اربعين شخصا من بينهم كبار رجالات الدولة والبرلمانيين.

في عام 1963م ظهرت في الساحة مشكلة كبيرة وخطيرة وهي مشكلة السلاح التي وضعت الثورة في مفترق طرق، وبدأ الخوف من ضياعها خاصة الخوف من تفرق المقاتلين لعدم توفر الأسلحة. وكان الأمر خطيرا نسبة لحداثة الثورة فظهر الارتباك واضحا في كيفية تدبير السلاح، وهنا أيضا كان لقندفل كلمة حيث نفذ تلك العملية الفدائية النوعية و الجريئة التي اقتحم فيها مركز شرطة هيكوتا وغنم منه خمسون قطعة سلاح آلي ومدفع رشاش فتسلحت وحدات جيش التحرير الارتري، وأيضا تلك العملية كانت سببا معركة في تقوربا التاريخية لاحقا حيث أخذ العدو الإثيوبي القرار بإدخال الجيش في معركة القضاء على الثورة الوليدة، وقد جرح في تلك في تلك المعركة في رجله بعد أن تخلف وهو يعلق العلم الأرتري في سارية المركز بدلا عن العلم الأثيوبي.

عند تقسيم المناطق العسكرية كلف بمهمة مسؤول الفدائيين في المنطقة الأولى.

شارك في كل المؤتمرات العسكرية لجيش التحرير الارتري.

سافر للقاهرة للعلاج من أثر الإصابة التي لحقت به في عملية هيكوتا وبعد تلقي العلاج، طلب منه البقاء هناك إلا أنه رفض وكان يقول دائما جملته المعروفة (النضال مكانه الميدان).

بعد عودته من مصر صدم بواقع الجبهة وصراع قيادات المناطق فيما بينها، فانضم إلى ما عرف بثورة الجنود لتصحيح مسار الثورة وكان من نتائجها عقد مؤتمر أدوبحا التاريخي الذي وحد جيش التحرير الأرتري تحت قيادة واحدة.

شارك في المؤتمر الوطني الأول لجبهة التحرير الارترية عام 1971م وأنتخب عضوا في اللجنة التنفيذية لجبهة التحرير الارترية.

بعد إتباع نظام الوحدات الإدارية كلف بمهمة مسؤول الوحدة الإدارية رقم (2) بركا لعال.

عارض بشدة الحرب الأهلية، كما تصدى للأفكار الدخيلة التي عصفت بجبهة التحرير الارترية الأمر الذي جعله في احتكاك مباشر مع من كانوا يغذون الحرب الأهلية وكذلك الذي كانوا يتبنوا تلك الأفكار الدخيلة، ورغم محاربته ومحاولة النيل منه إلا أنه لم يتراجع وظل متمسكا بالمبادئ ومؤمن بعدالة القضية.

دافع عن الشهداء وأسرهم، والمناضلين الذين شوهت صورهم، فأصبح صوته مزعجا للكثيرين خاصة وهو من المؤسسين مما جعل لصوته صدى واسع بين المناضلين الأمر الذي زاد من مخاوف البعض الذي سعى لإسكاته.

أرادت مشيئة الله أن يكون حاضرا لتحقق الحلم واستقلال أرتريا وقام برفع بندقية القائد حامد عواتي التي كانت بحوزته في الاستفتاء عام 1993م.

بعد الاستقلال بثلاثة سنوات وتحديدا في 1996/4/6م بعد أن أدى دوره كاملاً، لبى نداء ربه بروح طاهرة وجسدا ملئ بثقوب الرصاص، و وري جثمانه الطاهر الثرى بمدينة كسلا.

Top
X

Right Click

No Right Click