أوراق إرترية

بقلم الأستاذ: محمود أحمد لوبينت - شاعر وفنان وكاتب ارترى  المصدر: عدوليس

لا تهبني ألْفَ قصرٍ في المنافي انني أهوى بلادي ألْفُ روضٍ وحسانٍ في إغترابي

محْضُ قيدٍ وجليدِ رقيب من نوسو عندما كنا صغارا كنا نطلق على أحد المدرسين "استاذ من نوسو" وذلك للسخرية منه والاستخفاف به و بامكانياته المحدودة وشهادته التي لا نعلم من أين ومتى حصل عليها، فهو - في نظرنا - الذي نصب نفسه استاذا، ولا يستحق لقب الاستاذ.. وفي الشأن الارتري - بكل أشكاله - العديد من الاشخاص الذين نصبواأنفسهم رقباء ومارسوا الرقابة على الفن والشعر والتاريخ والتراث.

ومن بينهم (الرقيب التنظيمي - والرقيب القبلي - والرقيب العائلي - والرقيب الروحي - والرقيب العرقي ..الخ) ولكل من هؤلاء أسبابه واهدافه و مخاوفه واطماعه... فلا عجب اذا عين نفسه رقيبا أو نصب شخصه قاضيا في محكمة خاصة به وحده ليحكم بما يريد، معتقدا انه مفوض من جهات عليا أو مرسل العناية الالهية لحماية عقول الناس من الاباطيل والاكاذيب والبدع والضلال وغير ذلك من الاسباب والقناعات الخاصة به وحده.

ورقيب من نوسو لا يدرك جسامة الخطأ الذي يرتكبه تجاه الحقيقة والتاريخ والامانة العلمية والمتلقي - قارئا كان أم مستمعا - والمؤلف/ المصدر، ولا يهمه اذا ضلل من يجيئ من بعده أو حجب عنه معلومة مهمة، فالاهم عنده هو اظهار ما يتفق وقناعاته أو مصلحته، وحجب ما يعتقد انه يسيئ الى أى شيء يربطه به انتماء أو صلة من أى نوع.

وعندما اتناول هذه النماذج سأكرر نفسي، مستعينا بما سبق وان نشرته في موقع النهضة، وقد يعتبر البعض هذا دليل افلاس، وعدم القدرة على الكتابة في مواضيع جديدة.. فاذا كان هذا هو رأى غالبية القراء الكرام، فانا على استعداد لاشهار افلاسي وهجر الكتابة كلية.. أخطأت لذلك أعتذر عندما كتبت "المختصر في تاريخ الجبر" استعنت بعدة مراجع منها أطروحة دكتوراه عنوانها "ارتريا بناء أمة" تقدم بها "رديئ برخت" الى جامعة ابسالا بالسويد.

وساءني ما ذكره الباحث عن "التجار الجبر" وتعاملهم مع زبائنهم المسيحيين بالربا الفاحش، وكان المصدر الذي استقى منه هذه "المعلومة " كتاب "ارتريا مستعمرة في مرحلة انتقال " للسير كيندي ترافاسكيس - الذي يعد شاهد عيان عاصر الأحداث التي مرت بها ارتريا ابان الحكم البريطاني، وراقب التطورات السياسية عن كثب وعرف خفاياها.

وكان طبيعيا أن أعود الى كتاب ترافاسكيس الذي تكفلت بترجمته ونشره بالعربية قوات التحرير الشعبية.. فماذا وجدت ؟

لم أجد نصا صريحا وواضحا يؤكد هذا الاتهام الجائر، فكتبت ما يلي: "ويوهمنا رديئ" بانه استقى هذه المعلومة - عن تعامل التجار المسلمين مع زبائنهم المسيحيين بالربا الفاحش - من ترافسكس، بينما هذا الأخير بريئ من ذلك.. يقول ترافسكيس ما يلي: شعور الرعب من الطليان نما بصورة خاصة في صفوف "الأنتليجنسيا" الذين كانوا على علاقة مباشرة مع الطليان. لكن كرههم للمسلمين العرب والجبرتة لم يكن بأقل، وشاركتهم الطبقة العاملة هذا الحقد. وجاء الكره هذا نتيجة الخوف والحسد.

فالتجار المسلمون تمكنوا من تكديس ارباح طائلةخلال السنوات الأولى للإحتلال البريطاني، بسبب ارتفاع الاسعار وقلة البضاعة. وكان من الجور بنظرهم أن يسمح للعرب الإثراء على حساب الارتريين كما بدى من غير المقبول ان يثري الجبرتيون المنبوذون على حساب المسيحيين المتفوقين عليهم.

لكن الأسوأ لم يكن بوسع المسيحيين الارتريين الحصول على قروض الا من العرب الجبرتيين وذلك بسبب فقرهم، فازدادت ديونهم لمدينيهم المسلمين، وراحوا يفقدون املاكهم، لهذا كانوا يخافون التجار المسلمين، وغالبا ما كان يولد عندهم الفزع والحسد وكذلك الكره حيالهم.

"صفحة 93 وقلت عن رديئ برخت انه: تنقصة المصداقية والموضوعية والفهم الصحيح لحقيقة الصراع المسيحي - الإسلامي في ارتريا.. وبعد فترة اتصل بي الصديق "برهان علي" ولفت انتباهي الى أن "ترافاسكيس أورد فعلا المعلومة المتعلقة بالتعامل بالربا الفاحش في كتابه المنشور بالانجليزية".

لكن يبدو انه تم التصرف في الترجمة العربية.. بالالغاء أو التحوير.. فأوقعك المسئول عن هذا التصرف - غير المسئول - في خطأ لا يغتفر.

ترى من الذي تصرف بهذه الطريقة غير الأمينة ؟

أهو المترجم ؟

والمترجم خائن كما يقول الايطاليون.. أم هو القائد الشهيد عثمان صالح سبي رئيس التنظيم - والاعلامي الكبير بحق - الذي راجع الترجمة العربية وكتب مقدمة الكتاب ؟

أو هو شخص ثالث ربما طلب منه مراجعة الكتاب وساءه أن يقال عن المسلمين الارتريين انهم تعاملوا في فترة من الفترات بالربا الفاحش ؟

لا أدري.. لكنني أخطأت - عن غير قصد - في حق شخص ما، واتهمته بالتزوير والتقول على الآخرين.. لذا لزم الاعتذار.. والحق على رقيب من نوسو.

الرقيب التنظيمي والشاعر أحمد محمد سعد لم يسلم المرحوم الشاعر/ أحمد محمد سعد من شر أعمال "الرقيب التنظيمي" فبعد وفاته في حادث سيارة بليبيا (في عام 1978م) قرر تنظيم قوات التحرير الشعبية نشر اعماله الادبية.

ولكن اتضح فيما بعد ان "الرقيب التنظيمي" اختار 30 قصيدة من بين أوراق المرحوم لنشرها ولم يذكر في مقدمة الكتاب عدد القصائد المهملة (علما بان قصيدة واحدة تكرر طبعها مرتين و بعنوانين مختلفين: "عندما يعلو صوت الوطن" و "لو تقرأين مشاعري" ولا أعرف سبب عدم اختيار قصيدة "يا شعبنا المغوار" رغم انها من قصائده الجميلة والمعبرة.. والاكثر انتشارا بسبب تحويلها الى نشيد من الحان وغناء الفنان عثمان عبد الرحيم.

ولم تنشر قصيدة "الأمير" التي كتبها المرحوم عندما كان طالبا بجامعة القاهرة، وذلك في الفترة التي بلغ فيها الخلاف بين قوات التحرير الشعبية وجبهة التحرير الارترية ذروته.. وبما ان شاعرنا التزم بخط جبهة التحرير الارترية، وأبدى معارضته لقوات التحرير الشعبية وانتقد نهجها بوضوح، كان طبيعيا أن تفسر قصيدته على انها "نقد مباشر لشخص الزعيم/ عثمان صالح سبي" أى الأمير الذي قال عنه: لن أغني للأمير عائمًا فوقَ الحريرْ لم يرق لبعض الجهلة من المسئولين عن التنظيم في القاهرة أن يخرج شاعرمن حرقيقو (قرية الزعيم عثمان سبي) عن اجماع أبناء المنطقة، وان يقف في الجانب الآخر، متحديا لهم ولسلطانهم، ولم يتقبلوا قصيدته أو يحاولوا فهمها بل اعتبروها اهانة لزعيمهم وسخرية منهم ومن تنظيمهم، فلجأوا مع الاسف الشديد الى تشويه سمعته بين الطلبة الارتريين واتهموه بالالحاد (؟؟؟) وعندما فشلت مساعيهم لجأوا الى "استعداء السلطات المصرية والاستقواء بجهاز الاستخبارات" فرفعوا تقريرا يتهمونه فيه زورا وبهتانا بانه "شيوعي" !!! قاتلهم الله.. وكانت النتيجة أن اعتقلته السلطات المصرية، وتم التحقيق معه - وتعذيبه - مما أدى الى اصابته بانهيار عصبي.

لكن شاعرنا لم يتزحزح من موقفه قيد أنملة.. سوف أمضي طالما الحقُ سلاحي سوف أبقـَى حاملاً وجـهَ الصباحِِ أرفضُ الظلمَ البغيضْ أرفضُ الزيفَ وألوانَ الخـداعِ قد صحوتُ يا رفاقي وصحا الفكــر نقياً في كفاحي ومضى يواصل مسيرته النضاليه بكل ثبات.. وتخرج من كلية الزراعة جامعة القاهرة عام 1976م، وتوفى في حادث سيارة في ليبيا عام 1978م. لكني أعتقد ان "الوشاة" الذين حددهم لي بالاسم هم القتلة الحقيقيين.

قتلة الطهر والنقاء، والبراءة والصفاء، والحس المرهف والابداع، والقدرة على استشراف المستقبل.. يقول أحمد سعد في احدى قصائده: يا بلادي أنت فجـــرٌ يتجلى في كياني أنت معنىً لوجـــــودي ويقيني فوداعا يا بلادي وأذكـــــــــــريني حينَ ذبْتُ في هواكِ قتلــــــــوني قتلــــــــوني أجل قتلوه ظلما وافكا، لأنه أحب وطنه وذاب في هواه... عندما يتحول الرقيب التنظيمي الى جزار (مع الاعتذار لمتكل أبيت) وأغرب ما قام به "الرقيب التنظيمي" هو انه أجرى "بعض التشذيب على حوار مسرحية (طريق البطل) دون المس بالمضمون" حسب زعمه (صفحة 97) في المقدمة التي كتبها عن ثلاث مسرحيات ألفها احمد سعد و هى (من أجل ارتريا) و (رياح العمر) و (طريق البطل - التي لم يكمل شاعرنا كتابتها).

وقال الرقيب - لا فض فوه - كان أحمد سعد سيقوم بنفس العمل لو اتيح له الانتهاء من كتابتها كاملة. ما شاء الله !!

هذا الرقيب نسيج وحده بلا جدال، يعلم دواخل الناس ونواياهم.. وهو خبير بكل الكتاب والمؤلفين سواء كانوا عربا أو أجانب، لذلك نراه يلغي القاعدة الذهبية التي تنص على ان (آفة الحكم التعميم) فيدعي - لكى يبرر العمل غير الامين الذي قام به - ان "جميع الكتاب يعودون الى الصقل والتشذيب بعد الانتهاء من كتابة مؤلفاتهم، خاصة في المسرح". الله الله!!!

وباسم التشذيب والصقل، عدل "الرقيب التنظيمي" وبدل، وتصرف في "عمل ادبي" لا يخصه. وحرم الكاتب من حقه في ان يقدم عمله بعض وفاته، كما هو دون اجراء اية تعديلات (حتى لو كانت هناك أغلاط املائية أو أخطاء لغوية) وحرمنا من قراءة "النص الاصلي" الذي كتبه المرحوم. وساق لنا اعذارا واهية وقبيحة لتبرير جريمته النكراء. ولا ادري اذا كان هذا الرقيب "ارتريا" أم "عربيا" كان يتعاون مع مكتب بيروت.

لكنني واثق من انه لا يعرف شيئا عن التأليف المسرحي، والا لما قال: "أجرى بعض التشذيب على حوار مسرحية (طريق البطل) دون المس بالمضمون" لآن الحـــوار هو الحجر الاساس في البناء المسرحي، اذا غيرته غيرت المضمون كله.

رحم الله شاعرنا... فقد غضب مني لانني غيرت كلمة واحدة فقط في احدى قصائده، وتفجر غضبا ايضا عندما غير الفنان ادريس محمد علي بعض الكلمات في قصيدتين من تأليفه (انظر أوراق ارترية (7) وبعد وفاته جاء من يغير حوار مسرحيته ويزعم ان تشذيبه هذا لم يمس المضمون.

والسؤال الذي يحيرني الان هو: كم قصيدة ومسرحية كتبها الشاعر أحمد سعد حجبها الرقيب التنظيمي وحرمها من الانتشار ؟

لا أعرف... لكن الذي أذكره ان الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا، نشرت قصيدة "الأمير" في أحد أعداد مجلة "عدوليس" التي كانت تصدرها من باريس.. فهل من أمل في الحصول عليها وعلى غيرها من قصائد المرحوم الشاعر أحمد محمد سعد التي لم تنشر في "عاشق ارتريا" عام 1980م ومن ثم نشرها في المواقع الالكترونية كخطوة أولى ؟

اضاءة يا رفيقي لا تسلني كيف أحيا في البعادِ وأعاني ما أعاني قد صنعتُ من دجى المنفى صباحاً وانتفاضاً للجهادِ قد عرفت ُ قدرَ حبي لبلادي ها أنا اليومَ أغني رُغْمَ آلامِ البعادِ قد صَحتْ فيَّ الأماني وصحا العزمُ شديداً حول هاتيك المهادِ لا تهبني ألْفَ قصرٍ في المنافي انني أهوى بلادي ألْفُ روضٍ وحسانٍ في إغترابي محْضُ قيدٍ وجليدِ محضُ قيدٍ وجليدِ أحمد محمد سعد.

Top
X

Right Click

No Right Click