عاشق ارتريا - للشاعر الارتري احمد سيد محمد سعد هاشم

بقلم الأستاذةعبير صالح

رأيي أن أجمل الكتب وأكثرها إثارة للفضول والدهشة، هو الكتاب الذي تعثر عليه فجأة بدون أي توقعات

أو توصيات أو علم مسبق عنه أو عن كاتبه، وهذا ما حصل معي مع "عاشق إرتريا"، فمن حسن الحظ أني نويت قضاء يومي في مكتبة الجامعة بعد طول غياب عنها، وكان اهتمامي البحث عن كتب تاريخية لكن في مناطق أخرى بعيدة عن إفريقيا، ووقعت عيني على هذا الجمال بالصدفة، ولمحبتي لإريتريا وشعبها الطيب تصفحته من باب الفضول و "إيش ممكن اكتشفه" في كتاب قديم اصفرت أوراقه وتساقطت ؟، إضافةً أنه يحكي عن مكان لأول مرة أعلم أن له كُتّاب عاشوا فيه (باستثناء حجي جابر لا علم لي بأي أدب إريتري)، والأجمل من كل ذلك هو تاريخ نشره في 1980م، يعني كنز حقيقي اكتشفته اليوم، وصنع يومي وأسعدني بشكل كبير.

من هو أحمد سعد ؟

• هو كاتب وأديب إريتري ولد في "حرقيقو" 1945، ودرس الابتدائية والإعدادية فيها، ثم انتقل لـ "أسمرة" العاصمة لإكمال تعليمه الثانوي في مدرسة "الجالية العربية"، لينتقل بعدها للقاهرة لدراسة الهندسة ومتخرجًا منها في 1976، وانتقل بعدها للعمل في ليبيا، وتوفي بحادث سير فيها في 1978.

• كتب عدد من القصائد الأدبية نُشرت بعضها في "مجلة الثورة"، وقليل منها نُشر في صحف عربية، و كتب ثلاث مسرحيات تتناول الشأن الإريتري وثورته و أوضاعه الإنسانية المترتبة على ذلك، واحدة من مسرحياته تلك يمكن اعتبارها عملًا كاملًا، وهي باكورة تجاربه الأدبية تحت عنوان "من أجل إريتريا" في 1970، ومُثلّت من قبل "اتحاد الطلبة الإريتريين" في القاهرة عام 1975.

قال صاحبي: متى نعود إلى الميدان ؟

مللتُ جلسة المقاهي
كرهتُ غربتي
و أخشى رحلة النسيان

في هذا الكتاب الصغير - الذي تبلغ صفحاته 179 صفحة - والذي طُبع ونُشر من قِبل "الإعلام الخارجي" لجبهة التحرير الشعبية الإريترية؛ وذلك بهدف تعريف القارئ العربي بالأدب الثوري الإريتري، والتعريف بذلك المكان الغني بتاريخه ومشاعره وإنسانيته كذلك.

يتضمن الكتاب مقدمة بسيطة عن الأدب الإريتري، وعن أسباب تغيبه عن الساحة الأدبية العالمية (والإقليمية) بشكل كبير، فكما يذكر أن ذلك عائد لتعاقب الاستعمار وتغلغله في الثقافة الإريترية لعقود طويلة، وفي فترات النهوض الثقافي العربي (بداية الستينيات ومابعدها) كان الشعب الإريتري منشغلًا بثورته ضد الاستعمار، وانشغل بعدها بحروب أهلية طاحنة فرّقت الإخوة، وهجّرت الأبناء، وأدمت قلوب الأمهات والآباء.

بعد ذلك يستعرض بشكل سريع بعض المحاولات الأدبية الإريترية، والتي لم يتبقَ منها - حتى وقت صدور الكتاب - سوى كاتبنا الشاعري والثوري المناضل: أحمد سعد، وينتقل بعضها لأدبه (القصائد والمسرحيات).

"كل من عاش غريبًا طاويًا جرح الفراق
سوف يلقى بالديار.. فيضَ حبٍ و حنان"

"لا تهبني ألفَ قصرٍ في المنافي..
إنني أهوى بلادي
ألفُ روضٍ وحسان في اغترابي..
محض قيدٍ و جليد"

أحمد سعد، ماذا يمكن القول عنه بناءً على ما قرأته له هنا ؟ حقيقة أشعر بأني مهما ذكرت لن أنصفه حقه ولن أستطيع شرح ما أحدثته كلماته في نفسي، دمعت عيني أكثر من مرة برفقته، وابتسمتُ في قصائده الوطنية بصدق، رشيق اللغة، سلس الأسلوب والتراكيب، غزير الصور والمخيلة، صادق في حُبّهِ لقضيته ولأرضه، يلمس مشاعرك برقتّه وهمومه وحزنه وأمله بغد مشرق، ثوري مناضل لآخر قطرة في دمه (وقلمه)، والمحزن أن الاستقلال - الذي تحقق بداية التسعينيات - لم يشهده بطلنا المناضل، وكان يرقد وقتها بسلام في مثواه الأخير.

"يا بلادي.. أنتِ فجرٌ يتجلى في كياني
أنتِ معى لوجودي ويقيني
فوداعًا يا بلادي، و اذكريني
حين ذُبْتُ في هواكِ.. قتلوني"

صحيح أني أحُبّ الإريتريين ولستُ منهم، وصحيحٌ أني أملك معلومات متناثرة عن هذه الأرض وعن بعض تاريخها، ونضالها، لغتها، وبعض تقاليدها المحببة للقلب، إضافة لرفقتي لبعض أبناءها الودودين، وصحيحٌ أني زرتها قبل سنوات واستمتعتُ أيما متعة في عاصمتها، لكن قراءة هذا الكتاب تعادل كل ذلك، فالمعرفة الحقيقية بشعب أو بأرض لن تكتمل إلا بالتعرف على أدبه وإرثه الثقافي.

لمن يستطيع الوصول لهذا الكتاب سأقول عنه توصية، ولمن يملكه سأقول لك أنت تملكُ كنزًا قلّ أن يشاركك فيه أحد؛ لذا حافظ عليه.

Top
X

Right Click

No Right Click