صوت ينسج أغنيات الماضي بخيوط الحاضر الفنان الشاب/ محمد إدريس عبدالله اشترانا

بقلم الإعلامي الأستاذ: محجوب حامد آدم - صحافي وكاتب ارتري

مساء السبت الرابع من مارس 2017 وفى قاعة معطم (عروبنا) بأسمرا ، حيث ضمخ المكان وهج ساطع

و حشد غفير ورائع من الأحباب و الأهل والأصدقاء ، فى إحتفائية مميزة لزواج الأخ الدبلوماسي/ إبراهيم إدريس.. شرف فضاء القاعة عدد كبير من كروانات وكناري الغناء الإرتري ، يتوسطهم شاب أسمر نحيل مزينا صدره ب (ربابة) مدوزنة على مزاج بهى ، جاء يحمل عدد من الأغنيات الجميلة والتى أبهر خلالها المشاركون فى المناسبة ، ما جعلني أشاهد بأم عيني عددا كبيرا منهم يتمايلون طربا أمام إختيارات هذا الشاب الجميل محمد إدريس عبدالله المعروف بـ (أشترانا).

فبالرغم من إستماعي له فى مشاركات ومناسبات عديدة إلا أنني أيضا كنت مبهورا أمام أداءه الجيد ، وطبقات صوته المريحة ، التى تجاوزت حدود الأذن لتتسلل نحو تلابيب النفوس و القلوب دون عناء ، ما يفصح عن تفجر الطاقة الكامنة داخله وإكتمال أدواته الفنية وصقل تجربته فى فترة وجيزة رغم حداثتها.

فى واحدة من إستراحات المناسبة وجدت نفسي وسط مجموعة من الإخوة كان حديثهم عن ذلك الشاب (أشترانا).. حديث نابع عن دهشة وإعجاب شكلتها لحظات إستماع خمنت أنها المرة الأولى ، لبعضهم ، وطبعا للإنطباع الأول وقع خاص فى النفس والذاكرة.. شدني حديثهم وتشجيعهم للمواهب الشابة التى تحتاج بكل صدق الي متابعة وتحفيز لتثبت إستمراريتها و يتسنى لها حجز مكانة خاصة فى ذلك الفضاء الواسع والكبير من الإبداع.. كما لكزني أحدهم قائلا: لما لا تكتب شيئا عن هذا الصوت الجميل..؟ ، فقلت فى نفسي.. نعم يجب أن أفعل شيئا ، فأنا أعرفه أكثر منهم ، وهو صوت يستحق أحرفي وإهتمامي.

الفنان (أشترانا) شاب مهذب وخلوق ربطتني به معرفة قديمة وهو فى سن مبكر قبل أن يتجاوز صوته حدود الملمات فى أركان الحارة مع أقرانه مدندنا لهم بروائع من كبار الفنانين ، ولأنه إبن حارتي – عد حباب - فى كرن كنت أستمع أحيانا وأنا عابر الي صخب هذه الملمات التى شكلت بداياته الفنية وألهمته السير بخطى واثقة على الدروب الأولى التى قادته نحو هذا النجاح المبهر.

إلتحق الفنان (أشترانا) بالدفعة السابعة لأداء واجب الخدمة الوطنية وهناك إنضم للفرق الفنية التابعة لقوات الدفاع مستفيدا من بداياته البسيطة والذاكرة التى تحفظ عددا كبيرا من الأغنيات.. فى مدينة عصب أتقن العزف على آلة الربابة ، لترتبط أوتارها بجمال البحر وعطاءه كلما جاء الحديث عن البدايات ، وصار مولعا بها يدندن كلما سنحت له الفرصة لكبار الفنانين ومشاركا أحيانا فى المناسبات التى تقيمها الفرق التابعة لقوات الدفاع.. فى عام 2004 تم تسريحه ليعود الي مدينة كرن محملا بتجربة جديدة أتاحت له التعرف على العديد من الثقافات التى يزخر بها الوطن ، بحكم التنقل من منطقة الي أخرى ، كما هو حال العمل الذى تفرضه ظروف المؤسسة العسكرية.

إنخرط الفنان (أشترانا) مع فرقة الإتحاد الوطني لشباب وطلبة إرتريا بإقليم عنسبا وعمل معهم على إنجاز العديد من البرامج الفنية والغنائية مستفيدا من التنوع الثقافى الموجود فى الفرقة والتى بالتأكيد تجسد كل أطياف الغناء الذى يشكل ثقافة سكان الإقليم ، ما يتيح أيضا التعرف على العديد من الإيقاعات والألحان والأصوات والتى تعمل بطريقة هادئة وغير مباشرة على إشباع الذاكرة السمعية.

كما أن لهذه الفرقة الفنية جولات داخل الإقليم ومشاركات خارجه خصوصا فى المناسبات الوطنية والمهرجانات والذى يأتي فى أولويتها مهرجان إرتريا ومهرجان الشباب ب (ساوا). وهذا يفتح نافذة للفنانين الجدد يمكن الإطلال من خلالها الي الجمهور ، وأيضا نوافذ أخرى للعمل مع شعراء وملحنين ومنتجين.

أحب (أشترانا) كل ما هو منتمي للتراث من أغاني وحكايات وقد عكف على التفتيش والتنقيب على أغنيات التجري فى الكثير من المناطق ، خصوصا أيام مهرجان إرتريا برفقة صديقيه الشاعر الشاب/ همد بركاي والشاعر والمغني/ آدم هقر.. عشق مفردات وألحان ود أمير وترجم هذا العشق على أوتار ربابته حيث ردد أغنياته فى الكثير من المناسبات ، كما تأثر بالفنان الكبير و المجدد/ إبراهيم محمد على قورت وربطته به صحبة جميلة كانت زادا ومعينا فى مسيرته وأستاذا لا يبخل عليه بالنصح والإرشاد والتعضيد فى عدد من أغنياته الخاصة.. كما إهتدى الفنان (أشترانا) أثناء تنقيبه فى معالجة بعض من أغنيات الفنان (عبي عبدالله) فنيا ، ساكبا عليها شيئا من عصارة جهده لتدخل هذه الأغنيات الي جوقة الأوركسترا والتوزيع الموسيقي مع الإحتفاظ بصفاتها اللحنية الأولى ، وهو جهد يستحق الإشادة والتقدير، إستطاع من خلاله أن يكسب الكثير من قلوب الناس.

والفنان (عبي عبدالله) هو طبعا فنان شعبي معروف ، ذاع صيته فى ستينيات القرن الماضي واضعا بصمة خاصة فى سماء كرن بأغنياته العاطفية الصادقة ، وبفرقة عمادها صوته الشجي ومفرداته البسيطة الغارقة فى الجمال وإيقاعات (الدلوكة) وبعض (الشيالة) من البنات ذات الأصوات الجميلة.. هذا فقط كان كاف فى تلك الفترة من الزمان لإنتاج كل هذا الكم الرائع من الأغنيات ، والذى يعتبر حديقة خلفية يستريح فيها غناء اليوم من تعب المشاوير الطويلة.

وهو نمط يشبه الي حد كبير ما يعرف ب (أغاني الحقيبة) فى تاريخ الغناء السوداني. لكنه معروف فى أوساط التراث الغنائي الإرتري ، وقد شاع هذا النوع من الغناء فى كرن وضواحيها عند قومية (البلين) ، إذ يعرف بإسم (جفرا chefra) كما يشترك معهم بعض من قومية التجري المتواجدين فى نفس المحيط الجغرافي (بيجوك) و (منسع) ، بذات الإسم (جفرا) وهو تلاقح طبيعي يحدث بحكم التقارب والنشاطات المشتركة.

يحاول الفنان (أشترانا) رسم طريق خاص به يسعى من خلاله جاهدا لتنفيذ أعمال جديدة تحمل إسمه من حيث الكلمات والألحان فى تجربة تعتبر ناضجة إذا نظرنا اليها بعين فاحصة كأغنيتي (دونك) و (سفلال) اللتين وجدتا قبولا وترحيبا شديدين فى الوسط الغنائي ، إضافة الي الأعمال الوطنية الجميلة مثل (هلينا إقلكي إرتريا - حناتو سب أمانا - قبنانا) وغيرها من الأغنيات.. أما بخصوص الأغنية المصورة (الفيديو كليب) فهو بصدد إكمال الإعداد لإصدار أغنية (معابيت) والتى سيتم تصوير كل فصولها فى مدينة كرن ، وهى التجربة الأولى التى يخوضها فى مجال ( الفيديو كليب).

 

• الإ سم: محجوب حامد آدم

• اعلامي وكاتب ارتري،

• رئيس اتحاد الكتاب الاريتريين بالمهجر،

• المسئول الإعلامي لجائزة محمد سعيد ناود للقصة القصيرة،

• عضو اللجنة الاستشارية للاتحاد العربي الافريقي للتكامل الاقتصادي والتعاون المشترك،

• منتج ومقدم برامج سابق بالتلفزيون الاريتري،

• محرر سابق بالملحق الثقافي لصحيفة ارتريا الحديثة،

• شاعر وقاص ومهتم بثقافات منطقة القرن الأفريقي،

• صدر له ديوان شعر باسم "أندلسية العينين" عن دار النخبة للطباعة والنشر والتوزيع عام ٢٠٢٠،

• يعمل كصحفي مستقل.

Top
X

Right Click

No Right Click