الفن الغنائي ودوره في النضال الإرتري - الجزء الثالث

بقلم الأستاذ: محمد شيخ موسى  المصدر: الجبهة نت

في هذا الجزء نتناول عباقرة الفن الشعبي ذوي التأثير المباشر والعميق الذين لهم حضور دائم

في وجدان الشعب الإرتري؛ ففي غنائهم حكم وأمثال ووصف مباشر وترميز غير مباشر وعرض جميل للصورة الفنية التي تمثل الفروسية والشجاعة والكرم والمروءة تلك الصفات يجسدونها في أغانيهم.

وهم كثر كل منهم ينطلق من قلب المأساة الإرترية ليصورها في حالة ابداعية فنية للمشهد النضالي بكل عنفوانه وتحديه، فهم شعراء وفنانين من فطرتهم، عركتهم الحياة ونأخذ منهم ثلاثة رموز:-

1. الفنان الراحل عبي عبدالله رحمه الله: فنان بفطرته وهو شاعر ومغن عرف كفنان شعبي في حفلات الأعراس في مدينته كرن التي تربى فيها. ومن خلال مدينته انتشرت أغانيه العاطفية لتصل كل المدن الإرترية إلي أن أصبح فنانا شعبيا معروفا سجل في الاذاعة. وأغانيه كانت تبث عبر البرنامج الاذاعي (سني ماسيام). ومع إنتشار الثورة في المدن والريف أصبح يغني أغان رمزية ثورية مثل أغنيته (ما لي امبل سلام حلفكينا) يقول البارحة رأيناك ولكن عبرت ولم تسلمي علينا كلام بليغ يقصد به الثورة إذا شاهد فدائيين من الثورة وهم في مهمه فدائية ويعرفهم تماما ابناء مدينته لكنهم لم ينشغلوا به فمضوا إلي حيث الهدف فاصبح يغنيهم اي يتغنى بالثورة كأنها فتاة يتغزل فيها يقول انت في بياضك تشبه النور مثل نور السيارات الذي يرى من مكان بعيد ونحن لم نراك فترة فشغلتي تفكيرنا فيك.

حب الفنان عبي رحمه الله الثورة (جبهة التحرير الإرترية) فغنى لها وتغنى بها بأجمل الاوصاف والخصال بأهدافها ومبادئها. فحبه للقائد حامد ادريس عواتي جعله يفرد له مكان خاصة في غنائه فيغني عواتي في وصف جميل فيقول حامد طلقته لا تطيش فهو يضرب في راس وفي القلب و اعابه الاستعمار وعيره بانه ظلوم كفور فشعبنا أقوى.

عبي عبدالله الفنان الشعبي المحبوب من لدن شعبه أبدع في غنائه لشعبه ولثورته فكلماته معبره سهلة تتدفق بكل سلاسة فهو شاعر قبل أن يكون فنان فأغانيه لا تصاحبها آلات موسيقية وهو تلقائي يغني مع إيقاع (الدلوكة) التي تضربها النساء وكوراله كل اصوات النساء يرددن معه وكل الجمهور يشارك ويتفاعل معه.

عبي كان فنانا سياسيا مخضرما كان له موقف واضح من الجبهة الشعبية أيام الثورة وكذلك في ظل الدولة ووقف من حكومة اسياس بالضد فكان عبي لا يرى فرقا بين حكم اسياس وحكم المستعمر ويذكر في أغنيته الشهيرة (بيلو ابينا) يرفض حكم المستعمر ويقول يا شعبنا الجبار قل لا للمستعمر وأعوانه فيردد كل الجماهير معه (ابينا ابينا) فكان الشعب يعشق أغانيه الهادفة المؤثرة ووقف الفنان الشعبي عبي بالضد من نظام اسياس ورئيسه وله مقطع شعري مرسل عنوانه

(من أنت وود من أنت ؟) يبدا مقطعه الشعري المتخصص في شخصية أسياس يقول له ”آنت من يا اسياس و ابن من حتى تكون بهذه الحالة أنت كنت رجل غير معروف الأب والنسب جندتك مخابرات العدو وأرسلتك الى الثورة لتفعل أفاعيلك ونحن صدقناك و أرسلناك لدورة العسكرية وجعلنا منك رجل لكن أنت رجل حقير جاسوس“ وجاهره وناضل بكل ما يملك ضد نظام اسياس بأفعاله وعمله واغانيه.

فعبي للذين لا يعرفونه فنان متكامل فهو شاعر لا يكلف نفسه التفكير في ترتيب كلماته وإنما الكلمات والعبارات المعبرة تتدفق منه كمياه الشلال وهو فنان ملحن يلحن أغانيه بنفسه وكذلك هو صاحب نكته فريده لا يفكر كثيرا لتجميع النكتة فهو علي سجيته تنسل منه بكل اريحه وسريع البديهة لا تجده عبوسا بل تجده دائما باسما ألا رحمه الله فنان الشعب عبي عبدالله بقدر ما قدم لوطنه وشعبه.

صالح حامد جعيف2. الفنان صالح حامد ود جعيف هذا الرجل شاعر موهوب كما يقول (الاغريق). له ربات الشعر فهو شبيه بالشاعر العربي ابو الطيب المتنبي الذي اطلق عليه النقاد شاعر القومية العربية. القاسم المشترك بينهم هو المدح والهجاء فالشاعر الشعبي صالح ود جعيف له قدرات شعريه رهيبة موهوبة من الله سبحانه وتعالي فهو كان مقاتلا في جيش التحرير الإرتري غنى للشعب الإرتري ولأبطاله المقاتلين الذين ابلوا بلاء حسنا في معارك العدو فهو ملهم حاضر اللحظة. الشعر بكل أنواعه الذم والمدح والهجاء يتدفق منه كأنه نهر. واكب نضال الشعب الإرتري من وقت مبكر وتجول في البلاد طولا وعرضا فعرف الأرض والأنسان .فعندما يغني يضع الكلمة في مكانها حيث يرسم الصورة الفنية في خيال الانسان كأنها شريط صوري يحوي المشاهد يستمتع بها المستمع.

صالح ودجعيف فنان شعبي له قدره عجيبة قل من يجيدها غيره وهي حالة الوصف عندما يهجو الانسان أو يمدحه فعندما هجا الامبرطور هيلاسلاسي بالغ في وصفه ووصفه بأصعب الاوصاف وقال له أن الشعب الارتري شعب التضحيات والصمود لا يمكن أن يستعمره مثلك فهو قادر بأن يكسر القيد الذي لف في عنقه يقول (سمعنا وقمال إقلك انبل هلينا سنيت تحيس من تبل لوطنا لقباء فنقينا واكيت تحيس من تبل ناويام هلينا) اسمعنا أيها النتن صاحب القمل ننصحك نصيحة لوجه الله إذا داير خير أخرج من الوطن فللوطن سيادة وإذا لا فنحن لك بالمرصاد سنقاتلك قتال الأبطال وقتالنا يعرفه اباطرة اثيوبيا من قبلك. والفنان صالح ودجعيف يمتلك قدرة هائلة في الوصف العبيري والواقعي الطبيعي فغنى لشعب الارتري عن صفاته وخصائصه وكرمه وشجاعته وغنى عن ابطال جيش التحرير وكذلك هجى هجاء غريبا من أساء لنضال الشعب الارتري ومن تلاعب بأموال الثورة فوصفهم بصورة رمزية ساحرة واقعية ونبه الى خطورة من تسللوا.

3حامد عبدالله عنجه 1‎‎. الفنان والشاعر: حامد عبدالله فنان مبدع غزير الشعر ذي الكلمة الهادفة. كلماته شاعرية رقيقة مليئة بالاحاسيس عبقري. وغنى الثراث أغانيه خالدة في سفر التراث الوطني نشأ في جو ريفي نقي الهمه الشعر والفن البديع تأثر بالبيئة التي عاش فيها منذ صباه انعكس في اغانيه. فغنى للفروسية والشجاعة للبقر واصحابها. إن حب البقر ضارب في جذور تراث البني عامر وفي سبيلها ينزلوا أهوال معاركها ومشقاتها يتبعوها ليلا ونهارا لا يناموا اذا لم تشبع وتنام هي فهي المال والولد فيقول فيقول فيها (من إلا ديب بحر كلئ عمل ولالي اذنبتا لولالي كما بلاي عساري) يقول من هنا للبحر يومين وليلة تمشي الابقار حتى تصل البحر وهي البقر لا يهمها تلعب بذيولها عندما تشبع وصاحبها لا يأكل ولا يشرب حتى تشبع الابقار ويقول في مقطع اخر صاحبك يابقر (انافيت) لا يتمتع بحياته يموت قبل يومه ويترك فراشه وزوجته لغيره وهو يموت من أجلها ويسرد سرد بطولي تقشعر له الأبدان الشباب الذبن ماتوا (بعلكي وانافيت يقطرى سنيتو اقل طرو لحدقا عرقي ولا كشيتو).

فعندما يغنى بالدوبيت الأبقار واصحابها يكون في جو تراثي خاص له طقوس شاعرية فنية تعيش عطر ذكريات البطولة والفروسية والرجولة فوصف تلك البطولات في الدوبيت يهيج المشاعر والعواطف فلل من يستمع لها. فحامد فنان التراث ورجل التراث يتمثل التراث في شخصه في لبسه وهيئته له معجبيه ومحبيه.

غنى الفنان حامد عبدالله للارض والانسان والثورة غني لثورة وابطالها بدأ من القائد حامد ادريس عواتي الف باء النضال الارتري فقال (ود عواتي ودفايدوم اتوردت سوراتك ياريت طانح وعلك اقل ترى ابعنتاتك ولاد لقلوم ولدت ايترهو مرباتك) إنت ياود عواتي ودفايدوم موردك لا يرده إنسان غيرك أي غريب ياريت لوكنت حاضر لترى بعينك النصر.

الفنان حامد عبدالله غنى للثورة والثوار لبسالتهم شجاعتهم نضالاتهم وسط هدير القنابل والرشاش المغني ساعة الهجوم عندما يباغتون العدو الغريب .الفنان حامد عبدالله اول من كرمه نضال الجمل وقرنه بنضال الشهيد عواتي رمزا لثورة عندما قال (مثل عواتي نوضولتو قمل لأب حويتو) هو كان مكان السيارة والدبابة وهو كان بريد الثورة السريع.

غنى للشعب ولرموز الثورة في اقدامهم وشجاعتهم وتفانيهم أبطال جيش التحرير وصف ثباتهم ساعة الهجوم كيف يقدلوا وسط الباروت والنار أن النار تنكسر أمام زحفهم نحو الموت لهذا أغانيه أصبحت شحنة الصمود الاسطوري للمقاتل الارتري.

كذلك الفنان حامد عبدالله فنان عاطفي رومانسي اشتهر بأغانيه الغزلية العاطفية التي تهز الوجدان.

في كلماته (يهي سراي أف حليب مالي ولا حلبي) وقوله (اورمو لحوك لحلي توعل أب مركبه كم جيش سودان صفا وكم جبهة انتبه)، (شنبوب للعالياي اب لبي قيس شيدلي لعيدباي) يتغزل في محبوبته ايتها (سراي) اي الدواء هي دواؤه من كل مرض الم به (اف حليب) ذات الاسنان البيضاء هي ماله وداره وقوله الفتاة التي يغنيها راقد علي جانبها متزنه جميلة وكذلك يقول ذات الشلوخ الثلاثة هي التي سلبت قلبي والشلوخ له مكانه خاصة في جمال المرأة وهو مصدر الهام الشعراء.

نواصل... في الجزء القادم

Top
X

Right Click

No Right Click