تقوروبا الملحمة - الحلقة الثانية والأخيرة
بقلم الأستاذ: عبدالفتّاح ودّ الخليفة - المملكة المتحدة
أهميّة معركة (تقوروبا) فى مسيرة الثورة الإرترية.
أولا: لم تكن معركة مثل كلّ المعارك، يخوضها المتحاربون وجها لوجه.. أو من خلف الدفاعات، أو من داخل الخنادق والحفر، أومن فوق البيوت والقلاع كلّ المعارك تتطلّب الإستعداد ومعاينة المكان، و حططا ومجسمات، وتحديد طريق الإنسحاب، ودور الفريق الطبى، وتحديد مهام قوّة الإسناد، ومهام عيون المعركة والمخابرات، لم يكن كلّ ذالك ممكنا.. لأنه كان هناك جيشا إثيوبيا عرمرم يطارد فئة قليلة مؤمنة و الفرق كبيرا فى العدة والعتاد. أفراد قليلون يملكون بنادق عتيقة، وإيمان قوى وراسخ بعدالة القضية ملكو الحيلة بالرّغم من قلة الذّخيرة، إنتصبوا بشجاعة وواجهوا العدوّ فكانت (تقوروبا) ولكنّها كانت إثتثنائية وفريدة، وكانت باكورة عمل عسكري حقيقي بين الثورة والعدو، وسجّلت بأحرف من نور.
ثانيا: تأتى أهمية معركة (تقوروبا) فى أنّها جاءت فى وقت كان فيه الملك قد إنتصر ولو إلى حين فى معركة ضمّ إرتريا إلى إثيوبيا بدعم أمريكى وتخازل المجتمع الدّولى، وكانت قد أطلقت يد الملك، لذبحنا كيف ما شاء، وأين ماشاء، مذابح إقشعرّت لها الأبدان والأرواح، لا أحد يسأل ولا أحد يستفسر، لأنّ دمنا وأرضنا وأرواحنا كان يجب أن يكون مباحا، لأن الملك دفع مهر السّكوت من مالنا الحرّ فى (قرع) و(كانيو إستيشن)!!!
ويبدو هكذا كانت المعادلة الملك القاتل يسحق شعبه فى(وللّو) و(أوجادين) و(جمّا) و (أرّوسى) و(تقراى) ويقتل (منجستو نواى، وأخيه جرماى) فى أكبر ميدان فى أديس أببا، وبعد فترة وجيزة، يكون ذالك الميدان ميدانا لكلّ إفريقيا وتأسّس فيه جامعة لكلّ إفريقيا إلاّ (إرتريا) ولا حرج بل أحرار إرتريا يموتون فى السجون ومن وقع شهيدا يشنق فى الميادين العامة، (أحمد وللو) فى منصورة، ومحمد صالح فكاك (فكرس) فى كرن و (سعيد بشير) فى (عداقا حموس - أسمرا) و( قمحد إدريس) فى (حرقيقو) و (محمّد سعيد شمسى) فى مدينة ( قندع).
ولأن معركة (تقوروبا) كانت من العيار الثّقيل حينها والغير مألوف، كان يجب أن تعلّق جثث شهدائها فى كلّ بقاع ومدن إرتريا و على حسب هوى الملك الجائر ستّة فى (أغردات) وستّة فى (كرن) و ثلاث فى (بارنتو) وإثنين فى مدينة (هيكوتة)، لا أحد يسأل لأنها (حرب) أهلية أو أى مسمى آخر، لأنّ أسماء الأشياء يطلقها الأقوياء، والأهم من هذا كلّه لأن (أبو إفريقيا) حاميها وحراميها وراعى نهضتها، وحامى وحدتها القسريّة، ساهم فى إخماد حرب أهليّة أخرى، بعيدا عن (ولّو) و (تقراى) وبعيدا عن إرتريا، فى (الكنقو)، وفى أقاصى البحار فى (شبه الجزيرة الكورية) حيث شارك جيشه من ضمن قوات حفظ السلام فى معارك إنفصال إقليم (كاتنقا) الغنىّ بالمعادن فى جمهورية الكونقو).
فى العام 1962 عاد هذ الجيش الإثيوبى من هناك وبعد أن سرق ونهب وإستباح أعراض وأموال النّاس عاد منتصرا ومنتشيا، وكانت أعداد مقدرة من هذا الجيش قبيل المعركة كانت قدإستقرّت فى (أسمرا) و (ماى حبار) و (إمباتكلا) لحراسة الطّريق الحيوى (بين أسمرا ومصوّع) وفى (أغردات) و (كرن) و(هيكوتة) القريبة من معاقل الثّوار و إعتقد الملك إنّ هذا الجيش الّذى إنتصر على الثاّئر (باتريس لوممبا) سوف ينتصر على القلّة المؤمنة فى إرتريا سريعا وينتهى أمرها إلى الأبد، ولذالك حركهم من مدينة هيكوتة بتأريخ 15 مارس 1964، ولتكون المنازلة على بعد حمسة وعشرون كيلومترا منها وفى قرية (تقوروبا) وجبلها فى منطقة (ساوى)... لتكون النّتيجة هلاك 84 ضابطا وصف ضابط وجندى من الإثيوبيين، وأصابة 22 آخرون بجروح خطيرة لقى بعضهم على إثرها حتفهم.
ثالثا: هى أكبر معركة تخاض بعد إستشهاد القائد (عواتى) وبالرغم من تأثير إستشهاد القائد على الثورة والثوار الذين أخفوا خبر إستشهاده.
رابعا: كان يعتقد الكثيرون أن لا أحدا يستطيع التّجرّأ على الملك وجيشه ويصمد فى مواجهته، لأنه أسد (يهوزا) وأبو إفريقيا وجيشه لا يقهر، ولكن معركة (تقوروبا) أعطت مؤشّرا على أنّ {جيش أسد يهودا المغرور مهزوم لا محالة وهزمته فعلا.
خامسا: وتأتى أهمية معركة (تقوروبا) فى أنّها إحدى أهمّ المعارك التى هزمت (الملك) وكانت معركة بداية التغيير فى إثيوبيا نفسها كيف؟؟؟
يقول عضو الدّرق من أصل إرترى الرّائد شرطة (مكئيل قبرى نقوس) فى لقاء مع صحيفة (عدوليس) فى الثمانينيات: هذا الجيش العائد من حرب الكوريتين، والكونقو (كاتنقا) كان منذ عودته يطالب بالتعويضات التى دفعت له من الأمم المتحدة، لأنه كانت قد تسربت أنباء بأن الجنرالات و(الألقاوراشات)(1) وحواشى الفساد كانت قد سفسفت التعويضات تلك، وبعد طول إنتظار لمعرفة مصير التعويضات، دعت لجنة (جنود كوريا والكنقو) بالتمرّد فكانت بداية التمرّد على الملك والمُلك الجائر وإستمرّ التمرّد حتّى أتى بالعسكر حكّاما وهكذا لاحقت لعنة تقوروربا (الملك) حتى أسقطته وتوارى بعد حكم دام لأكثر من 45 عاما أباد فيه جزء غير يسير من شعبه، وقتل الألوف من شعبنا الإرترى الأعزل وأحرق قراه ومزارعه.
سادسا: تعتبر معركة (تقوروبا) أول مواجهة مع الجيش الإثيوبى، النّظامى بعد فشل (قوات) الـ (فلد فورس) فى حسم الثورة.
سابعا: من باب تدوين التأريخ هى المعركة الميداينة رقم (8) فى تأريخ المواجهة بين جيش التحرير الإرترى والعدوّ الإثيوبى حيث سبقتها معركة (أومال) (كارمرويت) خاضها القائد (عواتى) بتأريخ 1 سبتمبر 1961 وهي المعركة التي أعلن فيها إنطلاق الشرارة الأولى للكفاح المسلح من أجل إستعادة حق شعبنا في الحرية وقد دارت في يوم 1961/9/1م والقي فيها القبض على المناضل بيرق محمد بيرق والذي كان أول أسير من الثورة وحكم عليه بالإعدام ثم خفض للمؤبد وقد أستشهد في سجن سمبل تحت وطأت التعذيب عام 1969.
1) معركة اومال الثانية أو تسمّى (أومال هتريت) فى يوم 20 سبتمبر 1961 وأستشهد فيها المناضل الشهيد (عبدُ محمد فايد) وهو أول شهيد للثورة الإرترية المسلحة.
2) معركة (آمنايت القاش) فى يوم 15 نوفيمبر1961واسر فيها المناضل الشهيد همد ايرا.
3) معركة (هناق هنجر) فى فبراير 1962 :وقد هزم فيها العدوّ شرّ هزيمة.
4) معركة (بلا قندا) 30-03 1962 وتلك كانت المعركة الأخيرة للشهيد (عواتى) حيث إستشهد بعدها رحمه الله.
5) معركة عنسبا وإستشهد فيها نائب القائد الشهيد القائد (محمد إدريس حاج) ليخلفه المناضل (بابكر محمد إدريس) ليستشهد هو أيضا على فراشه بالملاريا وكان قد سبقهم فى الشهادة القائد (عواتى) فى خريف عام 1962.
6) و معركة (باب جنقرين) وعمليّة (هيكوته) الفدائية الجريئة.
قائد المعركة:
قاد المعركة الشهيد (محمد على إدريس - أبو رجيلة) ولد فى قرية (أندراييب) فى أعالى بركا شمالا من مدينة (أغرادات) فى عام 1923 لوالده إدريس حاج محمد كان وهو صغير تنازعه مواصلة الدراسة بعد إكمال القران والعسكرية لأنه تربى على الفروسية وركوب الخيل وأيضا كانت تعجبه حركات العسكر الطليان وهم يمرون بقريته، إنّها الأقدار وليس هروبا من الطليان بدأ فى رحلة البحث عن العلم فوصل كسلا عام 1938 وهو إبن 15 ربيعا وتجول بين خلاوى القرآن فيها وفى العام 1939 وإثر هجوم خاطف سيطر الطليان على المدينة وجاء معهم (عواتى) مسؤولا فى المخابرات العسكرية وعندما أخرجهم منها الأنجليز فى يوليو –أغسطس 1940 أخذه الإانجليز عنوة فى التجنيد وهو إبن 17 ربيعا، إرادة الكبار هى التى أرسلت (ابو رجيلة) إلى الجيش الإنجليزى والقائد (عواتى) فى الجيش الإيطالى فحقّا كانوا فى طرفى النقيض فى معركة لا جمل لهم فيها ولا ناقة، بل هى محكّ عملىّ رسّخ فى ذهنى القائذين العمل على تحرير الأرض والإنسان فى إرتريا الوطن. ونفس التجربة تكررت فى الكثيرين من جنود الطليان والإنجليز مثل القائد حشال عثمان فى جيش الإنجليز، ووالده (عثمان يعقوب حشال) فى جيش الطليان.
شارك القائد (أبو رجيلة) فى حرب الإنجليز والطليان والألمان فى العلمين، وطبرق، وطرابلس وبن غازى وكلّ صحارى ليبيا،عاد منتصرا من هناك مع الجنرال (مونتقمورى) على (ثعلب الصّحراء) الجنرال الألمانى (رومل)... ولكنّه أيضا من باب النوافل إنتصر على إخوة له من عساكر الطليان (الإرتريين)
إنضم لعواتى ومعه 12 جنديا من قوة دفاع السودان (وأرتت العرب الشرقية) فى 27 فيراير 1962 إلتخقوا بالقائد فى قرية (أبو حشيلا شكّور) القريبة من (تقوروبا) كما سلف وإستشهد فى يوم السبت 30 مارس 2010.
كلمة أخيرة:
هذا هو (جيش التحرير فى البدايات) هل يستعيد (الجيش الوطنى الإرترى) اليوم تلك الأمجاد ويكون جيشا حرا يحمى البلاد والعباد ويصون سيادة وأراضى إرتريا..؟؟
الإجابة هى نعم على جيشنا الوطنى الحرّ تعقد الآمال والأحلام أن ينقذ أرضه وشعبه من عبودية الـ (هقدف) وإنه لقادر على ذالك مع العزيمة وقوّة الإرادة بإذن الله وكسر القبضة الحديدية للـ (هقدف) و(فورتو - يناير 2013) كانت محطة من محطات الإنفكاك من عبادة الفرد وعدم الإذعان و الإستسلام، لأفكار حزبية أو جهوية فجيشنا الإرترى اليوم جيشا وطنيا بكلّ الإرتريين وولكلّ الإرتريين وسوف يخطف يوما زمام المبادرة ليوقف النزيف الوطنى.
هامش:
1- القاوراشات: هى كلمة أمحراوية مفردها (ألقاوراش) وهى كلمة مركبة من جزئئين (ألقا) تعنى = التاج ووراش = هى نفس الكلمة العربية وارث أو وريث والكلمة على بعضها تعنى وريث أو وارث التاج أو وارث العرش وهذا الإسم المنصب لا يقبل الجمع لأن وريث العرش هو واحد دائما ولكننى جمعتها مجازا.