مرحلة الاعتراف بالمرارات خطاب الرئس المنتظر والنهاية المؤلمة

بقلم المناضل الأستاذ: أحمد صالح القيسي - قيادي سابق بجبهة الشعبية لتحرير إرتريا

من غرائب وعجائب الامور.... ان توقع اتفاقية سلام بين دولتين جارتين، بعد حرب ضروس وعشرات الالاف

كاريكاتير أسياس أفورقي

من القتلى والجرحى، ويحتفل ب الانجاز في اكثر من عاصمة، ولم يتبقى من هذ الكرنفال سوى جائزة نوبل لفرسان السلام تماشيا مع ما عهدناه فى عالمنا هذا. ولكن على النقيض... فان الذين يعنيهم السلام وتبعات هذا السلام… في حيرة ومتابعة من قناة تليفزيونية الى اخرى ومن اذاعة الى اخرى. بحثا عن هذا السلام، الذى ولد بلا ملامح ولاطعم او رائحة.

فقط ما برز بشكل جلي لهذا السلام.. وبشكل صارخ.. يمكن تلخيصه في الاتي:-

1. جاءت مبادرة القبول بترسيم الحدود وقرارات التحكيم، بعد ارهاصات عنيفه وغضب عارم في الشارع الاثيوبي، حول السلطة واحتكارها من قبل اقلية، وفساد مستشري انعكس على احوال ومعيشة الغالبية من افراد الشعب. رفع شعارات المساواة بين العرقيات الاثينية من ناحية، والتاكيد على الوطنية الاثيوبية في تناقض واضح. يعكس حجم المشاكل المزمنة، والمستوطنة تاريخيا دون معالجة موضوعية وعلمية في المجتمع الاثيوبي.

2. حقيقة الامرلم يكون الغضب الشعبي معيارا يمكن الاعتماد عليه كا مقياس اساسي للتغيير السياسي الذي جرى. بل الصراع المحتدم داخل دهاليز السلطة والاتلاف الجبهوي للجبهة الحاكمة، ومن سخريات السياسة في اثيوبيا، فان التحالف كان قائما اصلا على كوكتيل من احزاب سياسية ذات قاعدة اجتماعية اساسها الانتماء العرقي للمجموعات العرقية. وذلك كا تعبير للمشاركة والديمقراطية وهى لعبة قديمة في عالمنا الثالث، تتكرر باشكال مختلفة، ولكنها في نهاية الامرتعبير عن فشل جميع المشاريع السياسية في بناء الشخصية الوطنية.

3. كان الصراع في هرم السلطة في اثيوبيا يحتدم بين فرقاء التحالف حاملا تعبيرين اساسيين الاول الخروج من هيمنة القومية التجراوية وتصور نخبتها الحاكمة لشكل الحكم في اثيوبيا، والثاني اعادة صياغة التحالفات وفق التمثيل العرقي في هرم السلطة الممثل في الحزب الحاكم، وكان ذلك يمثل استجابة للشارع وغليانه، وحين رجحت الكفة لغير صالح التجراي ومن معهم، كان التسليم بضرورة تسليم القيادة للاغلبية الارومية ومن يمثلها في هرم السلطة، ولم يكن من خياراخر سوى ان يتصدرالموقع الدكتور/ أبي احمد، فالرجل كان مؤهلا اصلا من عدة نواحي:-

اولها: اسم اسلامي وعقيدة انجيلية لتيار مسيطر حاليا في الولايات المتحدة،

وثانيا: رجل امن من طراز رفيع خدم النظام وخبر دهاليز الحكم وتناقضاته.

4. في هذا الاطار السياسي للصراع في اثيوبيا، لم تكن القوى الدولية الفاعلة بعيدة عن ما يجري وكانت حساباتها قائمة على ما يجري في الاقليم بكامله.. اشبه ب اعادة صياغة وترتيب الاوضاع بما يخدام الاهداف البعيدة لهذه القوى كمثال:-

• امن البحر الاحمر،
• صفقة القرن للقضية الفلسطينية،
• تطويق ايران
ونفوذها،
• الحد من التواجد والنفوذ الصيني،
• حسم حرب اليمن لصالح
هذا المشروع.

وغيرها من العوائق التي قد تقف عقبة امام الهدف الاستراتيجي. الغريب والجديد في الموضوع هو دمج القرن الافريقي مع الشرق العربي كاكتلة واحدة لمفهوم التحولات الجيوسياسية. لذا يجب ان لا نستغرب ان تلعب دول الخليج ولاسيما السعودية والامارات كا عرابين اساسيين للسلام الاثيوبي .. الارتري، وتبني مشاريع اقتصادية واشراف مباشر على المؤانئ المطلة على البحر الاحمر وباب المندب.

5. اذا مشروع ما يسمى بالسلام.. هو المدخل لمشروع اوسع واكبر، الغرض منه اعادة ترتيب جيوسياسي للمنطقة بما يؤمن مصالح اطراف دولية.. واقليمة. وليس الغرض منه ما ينتظره اصحاب النوايا الطيبة، باننا على ابواب مرحلة جديدة تنهي زمنا طويلا من حروب ومجاعات وتهجير، والدليل القاطع على ذلك ان المواضيع من القضايا المزمنة في هذه المنطقة لم يتم حتى تناولها نهيك عن وضع حلول لها... فالخلاف الحدودي وهو عنوان السلام، اصبح شيئ من الماضي، بل اضاف الرئيس معلومة جديدة بان مناطق الخلاف الحدودي لم تكن السبب في الحرب.. وماسيها. ولم يوضح ماهو السبب الحقيقي. في اكبر مهزلة قام بها سيادته في مكاشفة شعبه حول ماجرى... ويجري.

6. نحن امام وضع سياسي مختلف جذريا عما سبقه في العقود الماضية، ليس في ارترياء بل الاقليم برمته، وامام صنف جديد من السياسيين، وتصريحاتهم وخطابهم السياسي الذي يضعك في حيرة حول مايجري. فانسمع عن عصر جديد للقرن الافريقي.. وان هناك مشروع كنفدرالية القرن، في الوقت الذي تشاهد ان امكانية تماسك اي بلد من هذه البلدان قد اصبح في مهب الريح، فما يحدث في اثيوبيا في الوقت الحالي من تناحر عرقي هو مقدمة لعاصفة هوجاء قادمة وعلى عجل. والصومال الذى عانى طويلا هو اقرب الى البحث عن معجزة الاهية كى يعود الى زمنه القديم، اما ارترياء فقد ضاع كل شئ او هكذا يبدوا في الافق، وهذه ليست اوهام نابعة عن يأس طارئ، بل ما نراه امامنا من نزوح... وانهيار معنوي ناتج عن انعدام اي امل للتغيير، وهناك حقيقتان يجب التركيز عليهما وقد يصلا الى حد الجريمة في حق هذا الشعب:-

الاولى: ان ما جري على مدى سنوات الاستقلال في حق هذا الشعب والبلد... وبطريقة ممنهجة جدا، اوصل قناعة شبه كاملة بان ما حدث ويحدث ليس انعكاس للدولة الفاشلة، بل ان مقومات وشروط دولة وكيان لا يتوفران لهذا البلد. مما يوحي العودة بالزمن لما طرح ابان الخمسينات من تقسيم وتوزيعها بين السودان واثيوبيا.

الثانية: تهتك النسيج الاجتماعي للمجتمع الارتري، لم يشهد التاريخ الارتري في تاريخه الطويل وفي ظروف معقدة، ان شهد هذا
التمزق الاحتماعي في الدخل والخارج بسبب سياسات النظام وان مافرضه تاريخ الكفاح المسلح من حقائق في بناء الشخصية الوطنية.. وتاكيدالهوية الوطنية... وتجاوز المورؤث الاجتماعي عبر المعاناة الجماعية، وتم بنائها طوبة... طوبة، واستغل النظام قصور الوعي عند قطاع واسع من الشعب لترسيخ نهجه الذي نراه الان، هذا ما يجب ان نعيه في تصوري... وبالرغم من تحفظاتي التى اشهر بها بين
حين واخر حول... موزايك المعارضة وخطابها السياسي، بانها تفتقر الى الرشد السياسي، ومحكومة بخطاب سياسي ضحل.

اقول بصراحة بان هذا الحكم على المعارضة فيه الكثير من الاجحاف والتجني، فالسؤال الموضوعى هو اى نوع من الجماهير تمتلك هذه المعارضات واي نوع من الوعي يحكم هذه الجماهير حتى تفرض معارضة سياسية على قد مقام النظام وتكون نده... بحق... كل ما فعلته المعارضة ان استجابت للوعى السائد والمفاهيم. اعتقادا منها ان هذا التجاوب هو الطريقة الفعالة في حشد الجماهير ضد النظام.

وفي اعتقادي ان هذا الوهم والتعلق به قد كلف الشعب الارتري كثيرا... فما ان جاءت عاصفة السلام.. حتى اطاحت بكل هذه الاوهام وسقطت ورقة التوت.

لذا لا عجب ان يتحدث رئيس النظام بتلك اللغة في لقائه وهو يعتقد ان المستمعون له ماهم الا غوغاء لا غير. هذه الحقيقة المرة... التى يجب ان نستخلصها من هذا اللقاء... ومن باب توسيع دائرة الصورة لهذا اللقاء. لقد كنت في زمن ما احد الذين يقومون باجراء لقاء مع الامين العام ومساعده، واحد الذين يضعوا الاسئلة والنقاش حولها وضرورة ربطها بحقائق وتساؤلات اللحظة، وفي مقارنة بسيطة
بين الماضي وبين هذا اللقاء واهمية الحدث حول السلام والاستحقاقات.. صعقت بحق.

أولاً: مدى الاستهزاء بالشعب ومطالبه باستحقاقات هذا السلام المزعزم.

وثانيا: ان الرجل جاء من خلال الحاح الشلة المحيطة به حسب ما قيل وانه منذ البداية لم يكن مستعدا.

واخيرا وفي قمة المسخرة... ان اخواننا الذين اجرو اللقاء رتبت لهم الاسئلة بدقة... بينما تولى حسم التساؤلات في سياق الاجابة على سؤالاخر وبكل تبجح... ذكر الدستور... والسجناء... والديمقراطية... والمشاركة وحسمها بتعالي ان الذين يثيرون هذه المسائل ماهم الا مدعين بالمعرفة وهم اجهل البشر... وعناصر انتهازية لا تستحق حتى الرد عليها.

شئ محزن بحق... ان تكون النهاية هكذا... ليس فى اكاذيبه... وتعاليه... وغروره... ولكن الخلاصة ملخصها: ضعوا شهدائكم... وجرحاكم... ومشرديكم في اصقاع العالم.. في ارشيف التاريخ.. وليكن الله معهم اما نحن فاسائرون حيث يجب ان نكون... والاجابة منا نحن... الى اين سائرون الى حيث تمنى لنا... ام الى ما يجب ان نكون تمسكا بعهد شهدائنا وتاريخنا.

لقد حان الوقت... للاجابة والمراجعة... اما السير على النمط القديم.. فلا داعى لكل هذا النزيف الدامي ولنبحث في شؤننا الخاصة.

حسبنا الله ونعم الوكيل... ودحنكم.

Top
X

Right Click

No Right Click