مارثون المصالحة في القرن الأفريقي ماذا يمكن أن يحقق؟

بقلم الأستاذ: عبدالوهاب رشيد - مقديشو المصدر: مقديشو أون لاين

ربما تخفى على كثير من المحللين حقيقة أو كنه ماراثون المصالحة التي تجري في أيامنا هذه بمنطقة القرن الأفريقي

قمة ثلاثية إريترية إثيوبية صومالية

والتي بدأها رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد والذي كان يوم يبدأها مضطرا للمصالحة مع إريتريا التي بفضلها وصل إلى سدة الحكم بعكس ما كان متوقعا للدولة العميقة في إثيوبيا.

والمعلوم أن إريتريا بحكم جيرانها لإثيوبيا كانت وراء القلاقل وعدم الإستقرار التي كانت تعاني منها الأخيرة في الفترة التي سبقت إستلام أبي أحمد للسلطة في أديس أبابا, كانت ورائها إريتريا بالتعاون مع جهات خارجية "مصر على وجه التحديد بسبب خلافاتها مع إثيوبيا على بناء سد النهضة".

إن رئيس الوزراء أبي أحمد علي "مسيحي من أب مسلم" كان على رأس الهرم في قوميته أو قبيلته الأرومو ويعلم بقدر ما كان مطلعا على مجريات الأمور عن كثب, المدى الخطير الذي يمكن أن تضر به إريتريا وأنه لن يستقر له قرار سياسي على الكرسي الساخن, ما لم يتصالح معها فورا ولذلك خاطر بالتنازل لها عن منطقة بادمي التي خاض من أجلها الطرفان في عام 1998م حربا ضروسا شابت له الولدان وسقط بسببها حوالي مائة ألف قتيل من الجانبين وأعداد تفوق الخيال من الجرحى, وكانت مسألة حياة أو موت بالنسبة لقومية التجراي التي كانت ولا زالت تؤمن بأنها صاحبة الأرض الحقيقية في تلك المنطقة الضيقة التي يقول البعض إنها لم تكن تستحق كل تلك الدماء التي سالت من أجلها, لكن السياسة الملعونة تجعل العاقل الحليم سفيها في بعض الأحيان وتبرر كل حماقة في سبيلها.

غير أن أبي أحمد تذرع في إعلان تنازله التاريخي بأن رئيس الوزراء الأثيوبي الأسبق مليس زناوي والذي كان شبه مقدس عند التجراي إن لم يكن عند الغالبية العظمى من الإثيوبيين, بأنه هو الذي تنازل عنها لصالح إريتريا ووقع لها قبل وفاته والأوراق الموقعة بيده موجودة بالدرج في مكتبي وهذا الكلام هو الذي لم تستطع أن تتجاوزه قومية التجراي ودولتهم العميقة في إثيوبيا وإلا لما كان الأمر مر مرور الكرام كما شاهدنا جميعا.

تلك حقائق لا يمكن لأحد أن ينكرها بيد أن تحرك رئيس الوزراء الأثيوبي السريع وغير العابئ بنتائج خطوته تلك في الاتجاه الذي كانت تطمع إليه إريتريا أعطاها حافزا لم تحلم به ويمكن أن تخرج بفضله عن العزلة الدولية وأزمة العقوبات التي أنهكتها طويلا وأصابتها بما يشبه الشلل التام وجعلها كيانا منبوذا إقليميا ودوليا.ولذلك فإنه من الواضح لمتابعي خفايا وتطورات المنطقة بدقة, يدركون أن إريتريا لن تدخر جهدا من أجل المصالحة مع جارتها جيبوتي مما يعطي أملا في رفع العقوبات عنها وهو أمر بديهي كان ينتظره الجميع ولا سبيل غير تلك المصالحة أمام الرئيس أسياس أفورقي لعودته إلى حظيرة المجتمع الدولي.

ولا شك أنه يشعر بسعادة بالغة وهو يرى إمكانية تحقيق هذا الحلم مرة أخرى الذي كان حتى أمس القريب شبه مستحيل, ولن يضيعها هذه المرة على ما يبدو, بعيدا عن كل إملاء خارجي وبدون شروط مسبقة.

ذلك أن إستعادة منطقة بادمي التي كانت تمثل تحديا يستحق كل التضحيات بالنسبة للرئيس أفورقي ويمكن أن يفسر به البعض أنه تركيع وإنتصار على قوة عظمى مجازا "إثيوبيا" صاحبة الفوق مائة مليون نسمة مقارنة بدولة مثل ارتيريا الصغيرة وصاحبة الخمسة ملايين نسمة حسب إحصائيات العام 2016م, "خمسة ملايين نسمة لكن كلهم محاربون شرسون من الدرجة الأولى" يستاهل/يستحق التنازل عن كل أمر سواها خاصة إذا كان الأمر في حجم جبل دوميرة في الحدود بينها وبين جيبوتي, وأرخبيل دوميرة في البحر الأحمر ومادام يرضي تنازلا مثل هذا ليس دولة جيبوتي وحدها وإنما المجتمع الدولي والأمم المتحدة التي فرضت عليها بصورة مباشرة عقوبات وطالبتها في نفس الوقت بالإنسحاب من تلك المناطق إثر إحتلالها لها في عام 2017م.

الأمر الباعث للأمل بأن تشمل رياح المصالحة لجميع دول منطقة القرن الأفريقي هو النوايا الحسنة التي أبدتها إريتريا بالمبادرة لإبتعاث وفد رفيع المستوى برفقة وزراء خارجية الصومال وإثيوبيا والإستقبال الممتاز الذي لقيه الوفد من الحكومة الجيبوتية بدأ من وزير الخارجية محمود علي يوسف وإنتهاء بالرئيس إسماعيل عمر جيله الذي تقول بعض المصادر بأنه إتصل هاتفيا وبتنسيق مسبق مع قادة الدول الثلاثة "الصومال إريتريا وإثيوبيا" أثناء إجتماعهم في أسمرا وأبدى حسن نيته وإستعداده للانخراط في جهود المصالحة الجماعية بالمنطقة وإحلال السلام بين دولته وبين جارتها إريتريا بالمفاوضات والطرق السلمية وهي خطوة إيجابية تلقفها على الفور الرئيس الإرتيري بالارتياح وتوجها بإرسال وزير خارجيته للقاء القادة الجيبوتيين وتبشيرهم بأن الرياح آتية إليهم بما يشتهون.

فإذا كان رئيس الوزراء أبي أحمد مضطرا للمصالحة مع إريتريا والتنازل عن بادمي, فإن الرئيس أسياس مضطر أيضا للمصالحة مع جيبوتي والتنازل لها عن كل ما إسمه دوميرة فإن ذلك يصب في صالح تحقيق المصالحة وإنجازها في هذا الظرف المصيري الذي إتجه فيه الجميع نحو المصالحة والتعايش السلمي, وطي صفحة الماضي بكل ما فيها من مرارات.

Top
X

Right Click

No Right Click