بن زايد وأفورقي، أيهما يسبق الآخر؟

بقلم الأستاذ: عبدالرحيم عثمان

تنويه: هذا المقال كتبته بعد نقاش مطول مع شخصية سياسية تعمل من داخل النظام الإرتري، وكل التكهنات والمعلومات والتحليلات

الواردة فيه إنما هي لهذه الشخصية وبطلب منها وما أنا إلا ناقل أمين.

محمد بن زايد و أسياس أفورقي

في الشهور القليلة الماضية، كان ديكتاتور إرتريا إسياس أفورقي يعيش تحت ضغط متزايد ومعانات شديدة نتيجة لتدخلات وإملاءات مباشرة من محمد بن زايد الذي لم يكن ليقبل من أفورقي "صاحب اليد السفلى" بأقل من الخضوع الكامل، لم يكن أفورقي يملك أي خيار آخر غير الخضوع والتسليم بعد أن وضع نظامه تحت رحمة كتائب بن زايد المتمركزة في القاعدة العسكرية الإماراتية في عصب، طلب بن زايد من أفورقي أن يصدر تصريحا بإسم حكومته يتهم فيه الحكومة القطرية بتمويل وتسليح جماعات إرترية "إسلامية متطرفة" بالتنسيق مع حكومة البشير في السودان، وحتى اسم القائد المفترض لهذه المجموعات المتطرفة " الزعيم الديني المتشدد" محمد جمعة أبو الرشيد جاء بأوامر مباشرة من مكتب محمد بن زايد في أبوظبي، وعلى الرغم من معرفة أفورقي بأن وضع اسم الشيخ أبو الرشيد كقائد لمجموعات إرترية مسلحة سيحول الرواية برمتها إلى أضحوكة أمام الرأي العام الإرتري، إلا أن أفورقي لم يكن يملك حق الإعتراض أو اقتراح التعديلات، وهكذا مضت الأمور كما خطط لها محمد بن زايد وصدر التصريح عن حكومة أفورقي يتهم دولة قطر بدعم وتدريب مجموعات إرترية إسلامية متطرفة، علما بأن دولة قطر في عهد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، والد أمير قطر الحالي الشيخ تميم، هي الدولة الوحيدة التي مدت يدها لإسياس أفورقي في أحلك ظروف العزلة السياسية التي مرت على نظامه ونجحت الحكومة القطرية في تخليصه من لحظة الإنهيار الحرجة، ومن خلال غريزة التشبث بالبقاء أدرك أفورقي بأن إبداء أي اعتراض أو محاولة التسيُّب في تنفيذ أوامر بن زايد كفيلة بوضع نهاية مأساوية لنظامه السياسي، يعلم أفورقي أن محمد بن زايد لن يتردد في إرسال طائراته الحربية الرابضة في القاعدة الجوية في عصب لترتيب انقلاب عسكري ضد نظام أفورقي لا سيما وأن العشرات من الطيارين الذين ابتعثهم أفورقي للتدريب على أيدي الضباط الإماراتيين عادوا إلى العمل في قوات الدفاع الإرترية ويتمتعون بعلاقات جيدة مع الضباط الإماراتيين ويمكن أن يكونوا جزءا من أي تحرك للقضاء على نظام أفورقي.

ومما زاد من مخاوف أفورقي أن القوات الإماراتية المتمركزة في قاعدة عصب البحرية والجوية بدأت في الشهور الأخيرة في منع جنود أفورقي من الإقتراب من محيط القاعدة ووضعت محيطا جغرافيا واسعا حول تلك القاعدة ليس مسموحا الإقتراب منها من أي قوة من الجيش الإرتري، وأن مليشيات أفورقي لا يمكن أن تفكر بالإشتباك مع الإماراتيين لأن ميزان القوة الإماراتية في السواحل الإرترية أصبح خارج السيطرة.

لم يكن أمام أفورقي إلا التفكير في خطة بديلة للتخلص من المخاطر الكبيرة التي حاصرت نظامه السياسي جراء وضع يده في يد محمد بن زايد المعروف بتهوره الشديد ومغامراته الخطيرة وسطوته على معظم الأنظمة الإقليمية، الحقيقة المرة التي واجهت أفورقي عند بداية تفكيره في التخلص من عبئ محمد بن زايد هي عدم وجود أي قوة إقليمية تملك القدرة والرغبة للتحرك من أجل حماية نظامه إذا ما قرر بن زايد القضاء عليه حيث يمكن لمحمد بن زايد أن يرتب انقلابا عسكريا في أمسية واحدة يزيح به أفورقي عن سدة الحكم، فكل القوى الإقليمية تقريبا (قطر وإيران وتركيا والسودان واليمن وليبيا - القذافي) أفرغت جيوبها في دعم ومساندة نظام أفورقي ولكنها عادت خائبة بعد أن ملأ أفورقي خزائنه من خيراتها ثم مسح شاربه الكثيف وأبرز لها بطاقة الطرد الحمراء في لحظة لم تكن تتوقع منه فيها إلا الوفاء والمروءة السياسية، وعلى هذا جُبِلَ الرجل فهذا عهده منذ أن تسلل إلى صفوف الثورة الإرترية عام 1967م شريدا تائها فقيرا لا يملك قوت يومه فتفضل عليه قادة الثورة واحتضنوه ومنحوه فرصة لم يكن يحلم بمثلها حيث أرسلوه فورا إلى الصين في دورة تأهيلية لمدة عام كامل لينقلب عليهم لاحقا ويكافئهم بالتصفيات الجسدية والإعدامات والتهجير والإبادة.

كانت حالة التوتر المزمن بين إرتريا وإثيوبيا همًّا ثقيلا يؤرق مضاجع المجتمع الدولي لا سيما الدول التي تضررت من أفواج اللاجئين الإرتريين الفارين من نظام السخرة والعبودية الذي فرضه إسياس أفورقي على إرتريا ، بالإضافة إلى تلك الدول التي تنظر إلى إثيوبيا بإعتبارها مركز الثقل الديني المسيحي في إفريقيا، وكان مجلس الكنائس العالمي مشغولا على نحو خاص بحالة اللاحرب واللاسلم بين الدولتين، سيما وأن كلا النظامين الحاكمين في إرتريا وإثيوبيا صعدا إلى السلطة بمباركة ودعم كبيرين من مجلس الكنائس العالمي، وقد قدم مجلس الكنائس العالمي لكل من الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا والجبهة الشعبية لتحرير تجراي دعما ماديا سخيا مكنهما من هزيمة نظام منجستوا هيلي ماريام الماركسي.

ومواصلة للكثير من المجهودات السرية التأبوي بذلها في هذا الصدد قام مجلس الكنائس العالمي بإرسال وفد عالي المستوى إلى إرتريا في زيارة أطلق عليها "زيارة تضامنية" وتباحث الوفد مع المسؤولين في الحكومة الإرترية "سلطات الدولة" كما أجرى لقاءات مكثفة مع رجال الدين من الكنيسة الأرثوذوكسية وقضى أسبوعا كاملا في أسمرا 22-28 سبتمبر 2017م، وأعطت زيارة الوفد الديني دفعة إيجابية قوية في اتجاه ترطيب الأجواء السياسية المشحونة بين البلدين وشكلت ركيزة أساسية بنيت عليها لاحقا خطوات عملية شجعت الأطراف الإقليمية الأخرى للدفع بإتجاه تطبيع العلاقات السياسية بين البلدين.

لم يكن أفورقي بحاجة إلى القبول بوساطة مجلس الكنائس العالمي في عام 2017م لأن حالة اللاحرب واللاسلم بين نظامه وإثيوبيا كانت مبررا جيدا لإستمرار القبضة الأمنية والقمع السياسي وخنق الحريات السياسية وتعطيل الدستور في إرتريا، علاوة على ذلك، فإن قبوله بوساطة مجلس الكنائس العالمي كان سيضر بصورته كرئيس "علماني" لدولة إرتريا.

في ظل الضغوط والمطالب المتزايدة من قبل محمد بن زايد "الملحاح الشرس" وجد أفورقي نفسه محاصر في وحل لا يمكن الإستمرار فيه ولا يمكن التراجع عنه بنفس القدر، لأن أي إشارة بالتردد في تنفيذ الأوامر من قبل أفورقي كانت تعني نهاية مأساوية لنظامه لأن المعادلة التي اعتمدها بن زايد منذ صعود نجمه السياسي وازدياد وزنه الإقليمي هي الولاء المطلق أو العداء المطلق، وبينما كان أفورقي يترقب خائفا مما تحمله الأيام لنظامه تحت رحمة بن زايد فإذا به يفاجأ بهدية تهبط عليه من السماء، لقد قبلت إثيوبيا تطبيق قرارات لجنة التحكيم الدولية القاضية بإنسحاب إثيوبيا من المناطق الإرترية بما في ذلك منطقة بادمي واستعدادها لإعادة العلاقات مع إرتريا، ولم يكن الوسيط الذي رتب لهذه الصفقة أحدٌ آخر غير محمد بن زايد، ولا أحد يمكنه التكهن بالدوافع الحقيقية التي ساقت محمد بن زايد إلى هذه المغامرة غير المحسوبة، لم يكن أفورقي مهتما بأمر بادمي ولا بالسيادة الوطنية الإرترية عليها، وسوف تثبت الأيام بأن انسحاب الجيش الإثيوبي من بادمي ليس من أولويات نظام إسياس أفورقي كما أن رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد آبي أحمد يتمتع بدهاء سياسي واضح وسوف يعمل على تجاهل ملف الإنسحاب الإثيوبي من بادمي والتركيز في تطبيع العلاقات والحصول على مكاسب مجانية من نظام أفورقي لأن أبي أحمد لا يريد إحراق مراكب العودة والتصالح مع رفقائه في الجبهة الشعبية لتحرير تجراي التي لا زالت تملك الكثير من كروت اللعبة السياسية في إثيوبيا، اهتمام أسياس أفورقي منصب بشكل شبه حصري على كيفية جلب قوة عسكرية يمكنها أن تزيح محمد بن زايد عن كاهله وتطرده من القواعد الجوية والبحرية في عصب بعد أن أكمل مهمته بتأهيل كل المرافق العسكرية الإستراتيجية في عصب، وإثيوبيا هي القوة الوحيدة القادرة على طرد بن زايد بالقوة العسكرية القاهرة نظرا لقربها الجغرافي وقوتها العسكرية الضاربة، ولا بد من الإشارة إلى أن أسياس أفورقي يفكر كأمبراطور مسكون بجشع التوسع والسيطرة ويختزن رغبة دفينة في جعل السواحل الغربية للبحر الأحمر خالصة للإمبراطورية الحبشية وهو ما يستلزم طرد السكان الأصليين لهذه السواحل وغالبيتهم العظمى تتألف من البجا والعفر والبني عامر والرشايدة وغيرهم وقد قطع أفورقي شوطا كبيرا في تحقيق هذه المهمة خلال ما يقرب من ثلاثة عقود قضاها في حكم إرتريا.

إن الأقدار التأريخية التي وضعت الدكتور آبي أحمد على رأس هرم السلطة السياسية في إثيوبيا هي ذات الأقدار التي وضعت الكرة في ملعبه ليقرر في الوقت القاتل إما الإنحياز إلى إسياس أفورقي وهو ما يستوجب إجبار القوات الإماراتية على مغادرة السواحل الإرترية ومن ثم الحصول على مكافآت وإمتيازات كبيرة وتسهيلات من نظام أفورقي أو ربما الإنحياز إلى أموال بن زايد وهو ما يستدعي التفكير في كيفية التخلص من إسياس أفورقي واستبداله بأحد معاونيه وهو في الغالب عسكري مقرب من إسياس أفورقي يكون أداة طيعة بيد إثيوبيا ومن خلفها محمد بن زايد، أما أن يستمر محمد بن زايد بالتواجد بقواته في عصب ويستمر إسياس أفورقي في حكم إرتريا فهو أمر مشكوك فيه ومشكوك فيه بقوة.

إن المواجهة بين أسياس أفورقي ومحمد بن زايد هي مسألة حتمية، والسؤال هو متى تحدث هذه المواجهة؟ وأيهما يسبق الآخر، ولا شك في أن الخاسر بينهما هو من يتأخر أو يتردد في تسديد الضربة الأولى، إلا أن هناك رغبة مشتركة لدى كل من بن زايد وإسياس أفورقي يمكن أن تؤجل المواجهة بينهما، ألا وهي رغبتهما في التخلص من نظام عمر البشير في السوادان إما بتدبير إنقلاب عسكري أو بخلق فوضى تؤدي إلى حرب أهلية تشل قدرة الدولة السودانية على التأثير في مجريات الأحداث في السواحل الغربية للبحر الأحمر لفترة طويلة.

Top
X

Right Click

No Right Click