ملف حراك رئيس الوزراء الأثيوبي تفكيك الصورة الكاملة لفهم تأثيرها على قضية الشعب الأرتري

بقلم الأستاذ: علي عافه إدريس - كاتب ومحلل سياسي ارتري

فكرت في إعداد هذا الملف منذ الأيام الأولى لحراك أبي أحمد، لكن في كل مرة كنت أفكر بالبدء كنت أجد أن هناك جانب من الجوانب

أستقبال أسياس أفورقي في إثيوبيا

لا يزال غامضاً بالنسبي لي، ورغم أن أمر الغموض في بعض الجزئيات لازال مستمراً بدرجةٍ أقل من قبل إلا أنني أؤمن بالمشاركة الأمينة بقدر ما تجيد به إمكانياتي المتواضعة، لهذا حزمت أمري في أن أشرع في ترتيب ما تجمع لديّ وأحوله لملف رغبة مني في أن تكتمل بعض الصور الناقصة بالمناقشات الجادة، ولا يفوتني هنا أن أوجه الشكر لكل الأخوة الذين جمعتني بهم جلسات نقاش فقد كان لنقاشاتهم تأثير كبير في توضيح بعض الصور الغامضة وفي جمع بعض المعلومات التي كانت غير معروفة لديّ.

إذا أردنا أن ننفهم حراك رئيس الوزراء الأثيوبي الدكتور أبي أحمد يجب النظر إليه ضمن الصورة الكلية ولنفعل ذلك يجب أن نحدد كل الأطراف التي تؤثر وتتأثر بهذا الحراك ثم نتحدث عن كيفية تأثير تلك الجهة إيجابا أم سلباً وسأرتب تلك الجهات من الأقل تأثير للأكثر تأثيرا وهي كالآتي: السودان ـ دول الخليج العربي ـ مصر ـ الصين ـ الولايات المتحدة الأمريكية ـ أرتريا ـ أثيوبيا، ثم ختم الملف بأهم الخلاصات التي تخص الشأن الأرتري.

أولا - السودان:

علاقة السودان بإثيوبيا علاقة قديمة وتمتد في التاريخ وما يميز تلك العلاقة أنها علاقة متأرجحة صعودا وهبوطا، وما يهمنا منها الفترة التي سبقت مجيء أبي أحمد حيث كانت العلاقة في أعظم لحظات تقاربها ووصلت لدرجة التنسيق في كل شيء ومشاركة الجانبين في كل أمر يخص الآخر لدرجة مشاركة قوات سودانية في القوات المكلفة بحراسة سد النهضة الأثيوبي بالإضافة لتنسيق المواقف فيما يخص سد النهضة، وقد وجدت السودان وأثيوبيا نفسيهما مضطرتين لهذا التقارب وهذا التنسيق، فالعداء المصري للسودان ودعمها لحركة العدل والمساواة والذي ثبت بالدليل القاطع عندما غنم الجيش السودان آليات وعربات عسكرية مصرية من حركة العدل والمساواة بالإضافة للتواجد المصري في أرتريا عبر مجموعة كبيرة من المدربين العسكريين والذي من خلاله أرسلت مصر رسالتين للجانبين السوداني والأثيوبي، فالرسالة للسودان كانت ها نحن أصبحنا أقرب مما تتوقعون ويمكننا مرة أخرى استغلال حركة العدل والمساواة بصورة أنجع من ذي قبل لأن الحركة متواجدة في أرتريا عبر وحداتها العسكرية أو حتى تحريك أرتريا لزعزعت أمن السودان، أما الرسالة لأثيوبيا فكانت نحن أصبحنا على مرمى حجر من سد النهضة، كما أن للسودان علاقة وثيقة مع السعودية والإمارات لهذا أرسلت قواتها البرية لليمن دعما لهما تحت مبرر حماية المقدسات الاسلامية لكنه كان مقابل الدعم الاقتصادي وكذلك حتى يتوسطا لدى أمريكا و يساعدها في رفع العقوبات الاقتصادية عنها وكذلك رفعها من قائمة الدول الداعمة للإرهاب فنجحا في رفع العقوبات الاقتصادية عنها وبقت في قائمة الدول الداعمة للإرهاب لتكبيلها ومنعها من الانسحاب من التحالف العربي والضغط عليها في عدم إقامة علاقات قوية مع كل من تركيا وقطر.

لهذا أول زيارة لأبى أحمد كانت للسودان ورغم تغليفها بحل المشاكل الحدودية العالقة وحل مشكلة المزارع الموزعة بين البلدين وتوقيع اتفاقية ثنائية بشأن ميناء بورتسودان إلا أنها بشكل واضح كانت من أجل طمأنت السودان أن كل تحركاته التي سيقوم بها بعد زيارة السودان ليست موجهة للعلاقة السودانية الأثيوبية وستظل العلاقة قائمة بكل زخمها الذي كان في عهد ديسالن، كما أن مباركة السودان للمبادرة ومشاركته السفارة الارترية في الاحتفال بيوم الشهداء الأرتري كلها مؤشرات من جانب السودان أنها قبلت تطمينات أبى أحمد، رغم أن السودان ليس بيده أوراق قوية لكنه بإمكانه إحياء ورقة سد النهضة للضغط عبرها وهذا أمر مستبعد على الأقل في هذه الفترة لهذا أمامه إلا القبول ومراقبة الموقف بروية والتحرك وقت الإحساس بالخطر.

ثانياً - دول الخليج العربي:

يحكم تحرك دول الخليج العربي في منطقة القرن الأفريقي ثلاثة قضايا أساسية أولها بحثها المستمر عن دور إقليمي ودولي تنفذه لصالح الولايات المتحدة الأمريكية وبمباركتها وهذا ما تنفذه دولتي الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية لهذا كان الدعم القوي للمعارضة السورية ثم التوقف عن ذلك بأوامر أمريكية وهكذا كان التواجد العسكري في دول القرن الأفريقي (أرتريا ـ الصومال) واليمن، وثاني القضايا صراعها البيني خاصة بين دولتي الإمارات والسعودية من جهة وقطر من جهة أخرى، وثالث القضايا تحقيق المكاسب الاقتصادية من خلال التواجد في المناطق الحيوية، كالتواجد الاقتصادي في كل من جيبوتي وشمال الصومال وأثيوبيا ولهذا لدول الخليج استثمارات ضخمة في أثيوبيا موزعة على النحو التالي:-

قطر: لديها استثمارات تقدر بـ 500 مليون دولار في أثيوبيا بالإضافة إلى كثير من الاتفاقيات الموقعة بينها وبين أثيوبيا في عهد ديسالن وقبل أن يتم تفعيل تنفيذ تلك الاتفاقيات استقال ديسالن.

السعودية: لديها استثمارات ضخمة تقدر بثلاثة مليارات ضمن مشروع الأمن الغذائي السعودي، منذ عهد الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز و كان يدير تلك الاستثمارات رجل الأعمال السعودي الأثيوبي حسين العمودي المعتقل حاليا في السعودية.

الإمارات: كانت لديها سابقاً استثمارات تقدر بمليار دولار في أثيوبيا وتم الوعد بتعلية سقفها بعد زيارة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد الأخيرة بمبلغ مليارين دولار لتصبح ثلاثة مليارات بالإضافة لوديعة في البنك المركزي الاثيوبي بمبلغ مليار دولار لتغطية عجز البنك المركزي الاثيوبي من العملات الصعبة، كما أن الإمارات كانت قد استأجرت ميناء عصب الأرتري لمدة طويلة تضاربت المعلومات في تحديد مدتها وكذلك استلمت إدارة ميناء جيبوتي قبل أن يحدث الخلاف بين الحكومتين وهكذا حدث أيضا مع الحكومة الصومالية وقبل ذلك بسنوات في عهد الرئيس علي عبدالله صالح كانت قد استأجرت ميناء عدن، وحسب ما يذهب إليه المحللون في قراءة الاهتمام الإماراتي بموانئ المنطقة أنها تفعل ذلك خوفا من أن ينهض أحد هذه الموانئ حتى لا يكون بديل لميناء جبل علي في الإمارات فهذه الموانئ في مسارات طبيعية عكس ميناء جبل علي الذين يتطلب الدخول للخليج العربي للوصول إليه خاصة فيما يخص سفن التزود بالوقود والصيانة و يستثنى من ذلك ميناء عصب إذا ما تم تفعيله لصالح الجانب الأثيوبي فهي بهذا تستفيد منه دون أن يكون له أثر على ميناء جبل علي وهذا الأمر هو أحد أسباب الاهتمام الإماراتي بالعلاقة الأرترية الاثيوبية واهتمام أثيوبيا بالدور السعودي الإماراتي وبالتالي هناك ثلاثة أبعاد مهمة تدفع الإمارات وشريكتها السعودية للاهتمام بالمنطقة.

1. البعد الاستراتيجي ولعب دور الوكيل للولايات المتحدة الأمريكية عبر قفل الباب أمام القوى الأخرى للتواجد بالمنطقة وتحجيم القوى المتواجدة حالياً مثل الصين وتركيا.

2. البعد الاقتصادي عبر التواجد الاستثماري في القرن الأفريقي وتحجيم الدور القطري والتركي فيها.

3. البعد التنظيمي للمنطقة عبر صفقة القرن حيث حماية الدور الأساسي لمصر فيها من خلال حماية النظام ومنع عودة الإسلاميون عبر تخفيف الضغط عليه من قبل أثيوبيا من خلال حل مشكلة سد النهضة الأثيوبي.

ثالثا - مصر:

العلاقة المصرية الأثيوبية علاقة قديمة تتمحور حول النيل بشكل أساسي وبدرجة بسيطة في الرابط العقدي الذي يربط مسيحي البلدين حيث ينتميان للمذهب الأردثوكسي وقد ظهرت بين البلدين في السنوات الأخيرة حالة شد وجذب نتيجة شروع أثيوبيا في بناء سد النهضة و تضارب الموقفين الأثيوبي والمصري، فأثيوبيا لازالت تصر على أنه لا يؤثر على حصتي مصر والسودان من المياه بينما الموقف المصري يرى أنه سيوثر عليها بشكل كبير وأن الحد الأدنى للقبول بالسد هو أن توافق أثيوبيا على ثلاثة شروط، وهي أن يستغرق ملأ السد عشرة سنوات وأن يتم الاتفاق على كيفية تشغيل السد وفترات التشغيل الدورية، وأن تشارك الدول الثلاثة (أثيوبيا ـ مصر ـ السودان) في إدارة السد، وأثيوبيا رفضت مدة العشرة سنوات وكذلك المشاركة في الإدارة بحجة أنه أمر يتعلق بالسيادة، وقد كانت حالة الشد بينها وبين أثيوبيا عالية جداً في عهد ديسالن لدرجة أن مصر صرحت أنها ستستخدم كل الوسائل لإيقاف بناء السد وقد فهم من ذلك أنها يمكن أن تستخدم الحل العسكري خاصة وأنه قد تبع ذلك تحرك في الأرض عبر تواجد المدربين العسكريين المصريين في أرتريا، لهذا كان يجب على أبى أحمد زيارتها وتهدئة الأمور معها من ناحية وكسب ود الإمارات والسعودية من ناحية أخرى، وظاهريا لم يعط أبي أحمد مصر أي شيء يذكر لكننا نجهل إن كانت هناك اتفاقات غير معلنة جعلت مصر تطمئن لأن عمليات الشد والجذب خاصة من الجانب المصري قد توقفت وحل بدلا عنها التغزل في حراك أبي أحمد.

رابعاً - الصين:

العلاقة الصينية مع الدول الأفريقية بدأت بعد الحرب العالمية الثانية وفي البدء اتخذت من الأيديولوجيا الشيوعية وشعاراتها البراقة حول مناهضة الاستعمار الغربي وتحرير الإنسان الأفريقي مدخلا وضمن هذا الفهم كان تدريب دفعات من جيش التحرير الأرتري في العام 1965م وما بعده، لكن هذه الأداة تغيرت مع بدء الحقبة ما بعد ماو، وحل محلها كسب ود الأفارقة من خلال الاستثمار في مشاريع البني التحتية وتقديم القروض الميسرة والهبات، خصوصاً مع صعود الصين اقتصادياً وتراكم الأموال في خزائنها.

ومن المفيد هنا التذكير بأن القيادة الصينية بدأت هذه المحاولات في بداية الأمر عبر التعاون الثنائي الهادئ، ثم طورتها لاحقاً عبر التعاون الجماعي في إطار ما أطلق عليه "منتدى التعاون الصيني الأفريقي" وتنطلق الصين في ذلك من منطلقين الأول أن أفريقيا سوق استهلاكي واعد للسلع الصينية الرخيصة، أما الثاني أنها منبع ثروات اقتصادية هائلة تحتاجها الصين في العقود المقبلة لمواصلة صعودها الاقتصادي، وضمن هذا الفهم كان التوغل الصيني في أثيوبيا يضمن لها النفوذ والسيطرة علي قطاعات اقتصادية عديدة، وأوراق ضغط كثيرة وقوية سواء عبر الاستفادة من الثقل والتأثير الأثيوبي في أفريقيا وكذلك على الحد من التوغل الفرنسي في القارة الأفريقية، أو علي مصر من خلال الحصة المائية لها التي تأتيها من أثيوبيا لضمان تسهيلات المرور من خلال قناة السويس، كما أن تواجدها في أثيوبيا وربطها اقتصاديا بها يتيح لها فيما لو تغيرت العلاقات السودانية أو الجنوب سودانية معها أن تكون قريبة من السودان الذي تملك 80% من نفطه وكذلك قريبة من جنوب السودان حيث استثماراتها الضخمة هناك وبالتالي سهولة التأثير والضغط عليه من خلال هذا القرب، لهذا كله حشدت في الآونة الأخيرة جهدها الاقتصادي في أثيوبيا.

كما أن الصين في الأعوام الأخيرة دخلت بمسار آخر هو المسار العسكري عبر المساهمة في قوات حفظ السلام داخل القارة الأفريقية بقوة عسكرية قوامها 4000 جندي صيني بالإضافة إلى قاعدة عسكرية بحرية في جيبوتي بحجة توفير الدعم اللوجستي لجنودها في قوات حفظ السلام.

فالصين في عهد سيطرة التقراي كانت تعتبر أثيوبيا حليفا إستراتيجيا ؛بالإضافة إلي الدور السياسي الذي تقوم به أثيوبيا والذي يعد مفتاحا لدخول الصين إلي القارة الإفريقية في حين كانت أثيوبيا في عهد التقراي تعتبر الصين حليفا بسبب سياسية المنح والقروض التي تتبعها الصين وكذلك الرابط الأيدلوجي الذي يربط الجبهة الشعبية لتحرير تقراي والصين الماوية ولهذا كانت ترى أن النموذج الصيني نموذج يحتذي به، و العلاقات الصينية الإثيوبية استطاعت أن تغرد بعيدا، وأن تقدم مثالا إفريقيا فريدا علي الشراكة الحقيقية بعيدا عن الوصاية أو التبعية ويمكن أن تحتذي به بقية الدول الأفريقية لهذا أصبح الأمر مقلقا جدا للولايات المتحدة الأمريكية، وبعد أن قضى الرئيس الأمريكي ترامب عام كامل في ترتيب بيته الداخلي بالإضافة لمعالجة بعض القضايا الخارجية العاجلة ها هو يتفرغ لاستعادة نفوذ أمريكا واحتواء التنين الصيني الذي ظل يتمدد بخطوات بطيئة لكنها مدروسة.
ونعتقد أن أول عمليات الاحتواء في منطقة القرن الأفريقي وباب المندب للصين قد بدأت من خلال الحراك الأخير.

خامساً - الولايات المتحدة الأمريكية:

أهمية القرن الأفريقي ومضيق باب المندب ليست وليدة اليوم، فقد كانت منذ قديم الزمان محط أنظار القوى والإمبراطوريات المهيمنة والولايات المتحدة الأمريكية ليست استثناء من تلك القوى باعتبارها قوى كبرى مهيمنة، فهي تُوليه أهمية إستراتيجية كبرى لهذا كانت دائما حاضرة سواء بوجودها المباشر على الأرض عبر أكبر قواعد اتصالاتها خارج أمريكا بالعاصمة الارترية أسمرا في العقود السابقة قبل أن تحول مراكز اتصالاتها لأساطيلها التي تجوب بحار العالم أو عبر وكلاءها، فالمنطقة منطقة نفوذ لها فيكفي للتدليل على أهمية باب المندب أن نذكر أن 70% من إمدادات الطاقة (البترول والغاز) تمر عبره.

فظهور لاعبين جدد في المنطقة مثل تركيا والصين وبالأخص الصين التي تمددت اقتصاديا وعسكريا بصورة كبيرة وأقلق تمددها الولايات المتحدة الأمريكية مستغلة حالة الانكماش التي حدثت في عهد الرؤساء الأمريكيين الليبراليين، ففي هذا الوقت الصين تكاد تسيطر اقتصاديا على أثيوبيا وجيبوتي عبر استثماراتها، كما أن لها استثمارات ضخمة في جنوب السودان والسودان و لديها قاعدة عسكرية في جيبوتي بحجة توفير الدعم اللوجستي لجنودها في قوات حفظ السلام البالغ عددهم أربعة آلاف جندي، وأن كل إستراتيجيتها في وصول بضائعها إلى أفريقيا تم ربطها بالخط البحري الواصل بين الموانئ الباكستانية في بحر العرب و التي تصلها البضائع الصينية عبر خط السكة حديد الحديثة الذي أنشأته بينها وبين باكستان ونقل المواد الخام من أفريقيا بنفس الخط إلى الأراضي الصينية.
إن الخلافات الصينية- الأمريكية في قضايا عديدة حول العالم هي تجليات للتنافس بين قوة عالمية صاعدة وقوة أخرى مهيمنة يتقلص دورها ببطء يوما بعد يوم، وتتمظهر تلك الخلافات العميقة في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي وشبه الجزيرة الكورية، ونزاعاتهما التجارية التي لا تهدأ.

واضح أن الولايات المتحدة في عهد ترامب بعد أن قضى أكثر من سنة منذ انتخابه في أعادة ترتيب البيت الأمريكي قد تفرغ أخيرا للقضايا الإستراتيجية.

هناك عوامل تصب في مصلحة أمريكا وأخرى ليس في صالحها فالتي في صالحها:-

• أن الصين تعرف جيدا الفارق في القوة بينها وبين أمريكا بدقة متناهية لهذا لا توصل الأمور لنقطة التصادم وتسعى دائما لتفادي الاصطدام والانسحاب من المواجهة وأمريكا في عهد ترامب تحولت لثور هائج.

• أمريكا معروفة لدى دول المنطقة ولديها مريديها وأتباعها المرتبطون بها باستمرار وهم جاهزون للعب الأدوار التي ترسمها لهم.

• أمريكا لها تاريخها الطويل في المنطقة و لديها معرفة قوية بتفاصيل المنطقة التي من خلالها تستطيع التأثير على الأنظمة الحاكمة فيها، لهذا تخشاها تلك الأنظمة وتسعى لكسب ودها وتحمي مصالحها.

أما العوامل التي ليست في صالح أمريكا:-

• الحكومة الصينية هي من تملك تلك الاستثمارات والشركات المستثمرة وبالتالي توجه استثماراتها حيث تستطيع التأثير والسيطرة بعيدا عن جدوى الاستثمارات من عدمها وكثيرا ما تكتفي بالأرباح الضئيلة بعكس الولايات المتحدة التي تعتمد على توجيه الشركات الخاصة الكبرى والتي يكون الربح المادي هدفها الأساسي وإذا لم تكن هناك أرباح مغرية قد تفشل في توجيه الشركات لهذا كثيرا ما تفشل في السيطرة الاقتصادية.

• الصين لا تتدخل في شؤون الدول التي تستثمر فيها بشكل مباشر وإنما تفعل ذلك عبر سيطرتها الاقتصادية وتترك الأمر لتقديرات حكومة الدولة المستثمر فيها لأهمية الصين ودعم مواقفها الدولية، بينما أمريكا أول شيء تفعله هو السيطرة السياسية والتوجيه المباشر لحكومتها، لهذا الجميع يفضل الصين.

قبل ختام هذه الفقرة عن الولايات المتحدة الأمريكية هناك الكثير من التأثيرات الأمريكية المباشرة أو غير المباشرة في حراك أبي أحمد، فيكفي للتدليل على ذلك ما صرح به السفير الأمريكي في أثيوبيا لصحيفة أدس أستاندرد والرحلة التي قام بها على عجل إلى مقلي عاصمة التقراي عندما تداعى قادة وكوادر الجبهة الشعبية لتحرير تقراي للاجتماع هناك لتشاور حول الموقف الذي يجب اتخاذه ضد الإجراءات التي أصبحت تستهدفهم من قبل الرئيس أبي أحمد، فواضح أنه لم يرد أن يخربوا بردات فعلهم ترتيبات الولايات المتحدة للمنطقة.

وكذلك علينا تخمين دور الولايات المتحدة في مجيء أبي أحمد وهذا ما سيتضح عند الحديث في فقرة أثيوبيا وكيف وصل أبي أحمد لسدة الحكم خاصة في عملية التحالف غير المتوقع الذي حدث بين الامهرا الأرومو فليس بعيدا أن يكون الأمريكان حاضرون فيه وكذلك هم حضور بشكل وآخر في حراكه الأخير فالأيادي الأمريكية حاضرة بشكل كبير، وهي كذلك حاضرة في هرولة أسياس أفورقي فبماذا وعدوه يا ترى ؟

سادساً - أرتريا:

قبل الحديث عن أرتريا باعتبارها أحد أكبر المؤثرين في نجاح الحراك الأخير يجب تثبيت بعض النقاط المهمة التي ستؤثر في قراءتنا وهي كالآتي:-

• أن الحرب الأرترية الأثيوبية كانت مجرد مظهر من مظاهر الخلاف العميق الذي وصلت إليه العلاقة الثنائية بين الجبهة الشعبية لتحرير أرتريا والجبهة الشعبية لتحرير تقراي الحاكمتين في كلا البلدين فأسياس الذي كان يحلم ويسعى للفيدرالية بين البلدين لاعتقاده أنه من سيقودها أصطدم بخيارات الجبهة الشعبية لتحرير تقراي (الوياني) التي أخذت تؤسس للحكم الأثيوبي الخاص بها وأكبر تلك الصدامات كانت الفيدرالية الأثنية التي أسست لها الوياني والتي بخرت أحلام أسياس في قيادة البلدين وكان بإمكانه التنازل من تلك الأحلام لكنه كان يعتقد جازما أن الفيدرالية الأثنية ستؤثر عليه وعلى نظام حكمه لهذا حاول إثناءهم عن هذا الخيار وخوفهم من مغبة هذا الإجراء تارة ناصحا وأخرى متوعدا، وعندما تعنتوا بدأت من قبل أسياس ونظامه عملية ضرب كل الاتفاقات التي وقعت بين البلدين بداية بنقض الاتفاقات الخاصة بالموانئ الأرترية، ثم التجارة الحدودية خاصة تجارة البن وإعادة تصديره من أرتريا و وقتئذ وصلت فيه أرتريا لمرتبة متقدمة في قائمة الدول المصدرة له الأمر الذي جعل الحكومة الأثيوبية تحتج بشدة لإيقاف عمليات تصدير البن الخاص بها عبر أرتريا وتحذر من مغبة ذلك، و انتهاءً بإصدار العملة الأرترية خلافا للمتفق عليه بين الدولتين وما تبع ذلك من عملية المضاربة على العملة الأثيوبية، ثم القشة التي قصمت ظهر البعير عبر افتعال معركة بادمي التي راح ضحيتها عدد كبير من الجيش الأثيوبي.

• مسألة ترسيم الحدود مسألة طرحها الكثيرون من أقطاب الجبهة الشعبية لتحرير أرتريا مبكرا على أن تتم قبل الاستفتاء والذي استهون بها وميع الأمر، لأمر في نفسه هو أسياس.

• أن أسياس ونظامه هو من بدأ باستخدام السلاح في الحرب الأرترية الأثيوبية لاعتقاده أن بإمكانه تأديب الوياني وفي مخيلته تلك المساعدة المهمة التي قدمها لهم في بداية التحرير عندما دخل الجيش الأرتري لأديس أبابا، وقد أقرت حكومة أسياس بذلك في المحكمة لهذا جاء الحكم في ابتعاد الجيش الأرتري من الحدود مسافة خمسة وعشرون كيلو متر ولم يحدث ذلك للجيش الأثيوبي، ولولا الحكم الذي صدر من المحكمة بتبعية بادمي لأرتريا لتحمل أسياس وحكومته التعويضات الخاصة بالجيش الأثيوبي.

• بعيدا عن العاطفة الوطنية أن النظام الأرتري كان قد خسر حرب السنتين وحدث ذلك عندما توغلت القوات الأثيوبية في الأراضي الأرترية ووصلت إلى دقي أمحري على بعد خمسة عشر كيلومتر من أسمرا بالإضافة لتوغلها عبر إقليم قاش بركة ووصولها لمشارف عدردي التي تبعد كيلومترات قليلة عن مدينة كرن، كما أن مؤشر الهزيمة كان واضحا من خلال الأمر الذي صدر للجيش الأرتري الذي كان يقاتل في جبهة عصب بالانسحاب والجميع لازال يتذكر حادثة الرفض الشهيرة من قبل قائد جبهة عصب بتنفيذ الانسحاب وكذلك والصمود العجائبي الذي صمدته تلك الوحدات، ويضاف لمؤشرات الهزيمة الأمر الذي صدر لقادة كل الوحدات العسكرية بالاستعداد للانسحاب لمنطقة الساحل، قبل أن تفاجئ أثيوبيا الجميع بالانسحاب من الأراضي الأرترية في خطوة لم تكن مفهومة وفسرها البعض حينها أن أمر انسحاب الجيش الأثيوبي من الأراضي الأرترية قد صدر من الولايات المتحدة الأمريكية بناء على فهم استراتيجي خاص بها وتجنبا لحدوث فراغ في السلطة حتى لا تتحول أرتريا إلى صومال أخرى.

• ومن ضمن القضايا التي يجب معرفتها أن المفاوضات السرية مع الجانب الأثيوبي بشأن ترسيم الحدود بعكس ما كان يردده أسياس وإعلامه قد أنكشف مؤخراً أنها لم تتوقف طيلة الوقت وقد ذكر لي أحد الأصدقاء الذي يجيد الأمهرية أنه قد قرأ بأحد الموقع الأثيوبية أن المفاوضات التي تجري حاليا بين البلدين هي الجولة الثانية والستون أي أنه قد سبقتها واحد ستون جولة لم تثمر، كما أن السفير الأمريكي في لقاء مطول له مع أديس أستاندرد قد ذكر أن أمريكا شجعت إجراء محادثات بين أرتريا وأثيوبيا و أن اجتماع قد عقد في وزارة الخارجية الأمريكية بحضور وفد أرتري مكون من وزير الخارجية الأرتري عثمان صالح ومستشار الرئيس يمانى مونكي مع رئيس الوزراء الأثيوبي السابق ديسالن وهنا يجب الانتباه أن أسياس ما كان يرفضه في العلن كان يمارسه في الخفاء.

• نقطة أخيرة مهمة أن أسياس ما كان يرفضه ويتشدق به طيلة السنوات التي تلت توقيع اتفاقية الجزائر وهو رفض التفاوض مع أثيوبيا قبل الانسحاب من بادمي قد لحس كل تشدقاته في 20 يونيو الماضي عندما وافق على إرسال وفد رفيع المستوى إلى أديس أبابا وبالفعل وصل الوفد لأثيوبيا، فهل سبق وصول هذا الوفد انسحاب أثيوبي من بادمي، لا لم يحدث أي شيء من هذا إنما حدثت هرولة على خلاف ما كنا نتوقع زيارة من أبي أحمد لأرتريا تبعتها زيارة من أسياس لأثيوبيا ومهرجانات واحتفالات منقطعة النظير لذر الرماد في العيون، وهو فعل عادةً ما يفعله أسياس مراهناً على ذاكرتنا الخربة.

ما هي الأوراق التي تملكها أرتريا ؟

في الحقيقة أرتريا لا تملك الكثير من الأوراق لكن ما تملكه مؤثر فهي تملك ورقة التأزيم المستمر للعلاقة مع أثيوبيا وأثيوبيا محتاجة للاستقرار الجاذب للاستثمارات الخارجية، وهذا ما سوف لن يتحقق لها إذا لم تحل المشكلة مع أرتريا.
كما أن أرتريا تؤثر في أمن واستقرار الصومال عبر دعم حركة الشباب الإسلامي الصومالي نكاية بأثيوبيا التي تتأثر بشكل كبير بعدم استقرار الصومال ويتأثر دورها في الصومال باعتبارها لأعب أساسي به.

ماذا سيستفيد النظام الحاكم في ارتريا من إحلال السلام بينه وبين النظام الأثيوبي أو بماذا سيتمسك حتى يحل السلام ؟

للنظام الأرتري أربعة قضايا مهمة سيسعى لتحقيقها من هذه الصفقة وأعتقد أنه سينجح في تحقيقها لأن العملية برمتها تتم تحت الرعاية الأمريكية:-

• رفع العقوبات الاقتصادية الدولية عن كاهل نظامه.

• منع وصول ملف انتهاكات حقوق الإنسان الأرتري إلى مجلس الأمن.

• الحصول على دعم اقتصادي مجزي من دولتي الإمارات والسعودية التي يهمها تحقق السلام وعودة العلاقات بين النظامين والعلاقة الاقتصادية على وجه الخصوص.

• إعادة فتح التجارة الارترية الحدودية مع كل من السودان وأثيوبيا حتى يسترد النظام عافيته فالنظام الارتري قد دأب على التطفل على اقتصاديات الدول المجاورة، وهو يعلي من شأن التجارة الحدودية لأنها تجنبه صرف العملات الصعبة.

نقطة أخيرة هي لب الصراع، هل ستنسحب أثيوبيا من الأراضي الأرترية المحتلة:

أثيوبيا سوف لن تنسحب من الأراضي الأرترية لكن النظامين قد يلجأن لحل الترسيم عبر الخرائط لأن هناك واقعاً مختلفاً قد حدث الأرض على طول الحدود التي تتجاوز الألف كيلو متر، فمسافة الخمسة وعشرون كيلو التي ابتعدها الجيش الأرتري بأمر المحكمة بعيدا عن بادمي قد ملئت معظمها بالسكان الأثيوبيين الذين تم تسليحهم وتقف وراءهم الجبهة الشعبية لتحرير تقراي وليس في مقدور أبي أحمد ترحيلهم لأن جبهة تقراي قد اعتبرتهم خط أحمر وأبي أحمد أضعف من أن يقتحم هذا الخط خشية أن ينفجر الوضع الداخلي، وأسياس هو الآخر لا يريد أن يضيع الفرصة التي أتته من السماء و التي أظهرته كبطل منتصرا على أبناء عمومته على الأقل داخليا، لهذا ورد ترسيم الحدود بشكل خجول في النقطة الثالثة من الاتفاق الأرتري الأثيوبي دون ذكر أي انسحاب للقوات الأثيوبية أو إجلاء السكان، و هما إن لم يتركاها معلقة سيفكران في حل مبتكر يحفظ لهما انتصارهما وربما كان ذاك الحل المبتكر كما ورد على لسان الباحث في الشؤون الأثيوبية "عبدا" عندما ذكر في برنامج سيناريوهات أنهما ربما يلجأن لمنح الجنسية المشتركة لسكان تلك المناطق المُوطن فيها.

سابعاً - أثيوبيا:

من خلال سرد تأثيرات الدول التي لها علاقة بالحراك الاثيوبي تكون قد وضحت صورة العلاقات الخارجية الاثيوبية والعوائق التي تقابلها، لهذا في تناولنا لأثيوبيا هنا سنركز على الوضع الأثيوبي الداخلي على النحو الآتي:-

أولاً: كيف وصل الرئيس أبى أحمد لمنصب رئيس الوزراء ؟

لمعرفة ذلك لابد من نبذة عن مؤسسات الحكم في أثيوبيا وآلية عملها، فالجبهة الثورية الشعبية لشعوب أثيوبيا الحاكمة (الأهودق) مجلسها الحاكم يتكون من 180 عضو مقسمة بالتساوي على الأحزاب الأربعة المكونة لها و التي كل منها تمثل قومية عدا تكتل الجنوب الذي يمثل مجموعة قوميات الجنوب وعددها (56) قومية وكل حزب مشارك في الإتلاف الحاكم له (45) عضو في مجلس الإتلاف الحاكم وهذه الأحزاب الأربعة هي:-

• حركة أرومو الديمقراطية الشعبية.
• حركة أمهرا الوطنية الديمقراطية.
• الحركة الشعبية الديمقراطية الأثيوبية لشعوب جنوب أثيوبيا.
• الجبهة الشعبية لتحرير تقراي.

والإتلاف الحاكم المكون من (180) عضو له مكتب تنفيذي مكون من (36) عضو بواقع تسعة أعضاء لكل حزب ويتولى رئاسة المكتب التنفيذي للإهودق من يتم انتخابه لاحقا رئيسا للوزراء لهذا رئيسه الحالي هو السيد/ أبي أحمد.

آلية انتخاب رئيس الوزراء:

يتم انتخاب رئيس الوزراء من قبل أعضاء مجلس الإتلاف الحاكم المكون من أربعة أحزاب ديمقراطياً ثم يعرض الترشيح على البرلمان الفيدرالي لأخذ موافقته.

الشروط التي يجب أن تتوفر في الشخص حتى يتبوأ منصب رئيس الوزراء:-

• أن يكون حزبه عضواً في الإتلاف الحاكم (الأهودق) المكون من الأحزاب الأربعة سالفة الذكر.
• أن يكون رئيساً لحزبه.
• أن يكون عضواً يمثل حزبه في مجلس الإتلاف الحاكم المكون من (180) عضواً.
• أن يكون عضواً في البرلمان الفيدرالي.

كيف أصبح أبي أحمد رئيساً للوزراء ؟

بعد استقالة رئيس الوزراء السابق ديسالن حدث تنسيق بين الامهرا و الأرومو أن يدعموا مرشح واحد من الأرومو لرئاسة الوزراء (الأرجح أن هذا التنسيق تم بمساعدة أمريكية)، وفي تلك اللحظات السيد/ أبي أحمد لم يكن رئيس لحزبه حركة أرومو الديمقراطية الشعبية، كما أن رئيس حزب الأرومو لم يكن عضواً في البرلمان لهذا كلاهما لا تنطبق عليه الشروط لكن الشرط غير المتحقق لدى أبي أحمد كان بالإمكان تحقيقه، لهذا الحزب أجرى تعديل في مكتبه التنفيذي وأصبح أبي أحمد رئيساً له وبذلك حقق الشروط الأربعة وترشح لمنصب رئيس الوزراء يدعمه الأرومو والأمهرا ومجموع أصواتهما (90) صوتاً حيث أن لكل منهما (45) عضوا في الإتلاف الحاكم وفي الجهة المقابلة من شركائهما في الإتلاف كان هناك تنسيق بين الجبهة الشعبية لتحرير تقراي و الحركة الشعبية الديمقراطية الأثيوبية لشعوب جنوب أثيوبيا لدعم مرشح الأخيرة لرئاسة الوزراء ولكلاهما (90) صوتاً.

قدم كل حزب من الأحزاب الأربعة مرشحه لرئاسة الوزراء فأصبح هناك أربعة مرشحون، وقبل إدلاء أعضاء مجلس الحكم الإتلافي بأصواتهم أنسحب مرشح الامهرا السيد/ دمّغي مكنن حسين حاكم إقليم الامهرا والنائب الحالي لأبي أحمد، فتبقى ثلاثة مرشحون وجرى التصويت وكانت نتيجته على النحو التالي:-

• مرشح حركة أرومو الديمقراطية الشعبية أبي أحمد علي (108) صوت.
• مرشح الحركة الشعبية الديمقراطية الأثيوبية لشعوب جنوب أثيوبيا سفراو شقطي (59) صوت.
• مرشح الجبهة الشعبية لتحرير تقراي دكتور دبرظيون قبرمكئيل (2) صوت (كان قد تم ترشيحه للتمويه).
• الممتنعون عن التصويت (8) أعضاء، كلهم من الجبهة الشعبية لتحرير تقراي.
• المتغيبون (3) أعضاء، كلهم من الجبهة الشعبية لتحرير تقراي.

وبقراءة هذه النتيجة نستخلص الأتي:-

• السيد/ أبي أحمد تحصل على أصوات حزبه كاملة وعددها (45) صوتاً، وتحصل كذلك على أصوات حزب الامهرا كاملة وعددها (45) صوتاً بالإضافة لعدد (18) صوتاً من حركة شعوب جنوب أثيوبيا.

• استفاد أبي أحمد من المشكلات الداخلية لكلا المجموعتين اللتين كانتا تنسقان مع بعضهما وهما مجموعة تقراي ومجموعة شعوب جنوب أثيوبيا حيث أن ثمانية عشر عضواً من أعضاء مجموعة شعوب جنوب أثيوبيا منحوا أصواتهم لأبي أحمد، وأحد عشر عضوا من مجموعة التقراي قدموا له خدمة غير مباشرة عندما أمتنع ثمانية منهم عن التصويت وثلاثة تغيبوا عن حضور التصويت وهم يعلمون تأثير الأصوات حساس جدا بحكم تساوي ما تملكه كل مجموعة.

بعد فوز أبي أحمد كمرشح للإتلاف الحاكم عرض ترشيحه على البرلمان الفيدرالي والذي عضويته تمثل كل فسيفساء القوميات الأثيوبية بحسب التعداد السكاني لكل قومية وقد عرض الترشيح على البرلمان فوافق عليه وأصبح رئيساً، علما أن إجمالي عضوية البرلمان الفيدرالي (547) عضو تفاصيلهم على النحو التالي:-

أولاً: الأحزاب المشاركة في الإتلاف الحاكم (502) عضواً مفصلة كالتالي:-

• الأرومو.. (180) عضو.
• الأمهرا.. (138) عضو.
• قوميات شعوب جنوب أثيوبيا وعددها 56 قومية (123) عضو.
• التجراي.. (38) عضو.
• أعضاء البرلمان الذين يمثلون الإتلاف الحاكم (23) عضواً.

ثانيا: الأحزاب خارج الإتلاف الحاكم (45) عضوا تفاصيلها كالآتي:-

• حزب الشعب الصومالي الديمقراطي الأثيوبي (أوغادين) (24) عضواً.
• حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي (بني شانقول) (9) أعضاء.
• الحزب الوطني الديمقراطي العفري (8) أعضاء.
• الحركة الديمقراطية الشعبية لغامبيلا (3) أعضاء.
• حزب لم يتسن لي معرفه اسمه (1) عضو.

المستفاد من تتبع عملية انتخاب السيد/ أبي أحمد:

• من خلال معرفة المؤسسات التي خلقتها الجبهة الشعبية لتحرير تجراي وحلفاءها في الإتلاف وآليات العمل التي أوجدتها لها يمكن معرفة إلى أي مدى اجتهدوا في عدم الإقصاء بشكل عملي وحقيقي، وهو بالتأكيد جهد يشكرون عليه دون أن يعني ذلك الانحياز لجانبهم.

• في ظل المؤسسات التي عرفناها والآليات التي تتبعناها من خلال تتبعنا لعملية انتخاب السيد/ أبي أحمد الحديث عن احتكار التقراي للسلطة وإقصاء المجموعات الأخرى هو مجرد هروب من الإرث السلبي المتراكم خلال السبعة والعشرون عاماً الماضية فعلى الأقل الرئيس أبي أحمد وكل المشاركون في الإتلاف الحاكم هم في الحقيقة مشاركون بشكل فعلي في كل ذلك الإرث الإيجابي منه والسلبي فأبي أحمد شخصيا كان رئيسا للاستخبارات العسكرية وكان وزيراً في حكومة ديسالن.

• بمعرفة كل القوى المشاركة في الإتلاف الحاكم ومعرفة الأعداد التي مثلت بها تلك القوى داخل المؤسسات الحاكمة يمكن الاستنتاج أن سيطرة التجراي كانت بآليات وتحالفات ديمقراطية وليس بجبروت السلطة وهذا أمر يحمد لهم وعند التقييم يجب أخذه في الاعتبار.

أخيراً قراءة مسارات حراك أبي أحمد بعد تسلمه لمهامه:

عندما استلم أبي أحمد مهامه كانت أمامه أربعة قضايا داخلية مهمة وأساسية على النحو التالي:-

• القضية الأولى: تفريغ الاحتقان الداخلي، لهذا كانت جولاته الداخلية وتواصله مع كل المجموعات العرقية وإطلاق سراح المعتقلين و وعده بالإصلاحات وقد حقق حتى الآن نجاحات كبيرة في هذا المضمار لكنها نجاحات مؤقتة إن لم تقرن في المستقبل القريب بالعمل والإنجاز على الأرض ومواصلة نفس النهج.

• القضية الثانية: ترتيب البيت الداخلي لحزبه حركة أرومو الديمقراطية الشعبية الذي أصبح يفقد جماهيره لصالح الأحزاب الأرومية الأخرى حيث كان متهماً أنه حزب موالي للتجراي ومستعد لبيع قضايا الأرومو للتجراي لهذا كان عليه إظهار معاداة تقراي وهو أمر ذو حدين قد يكون وبالا عليه.

• القضية الثالثة: توطيد نظام حكمه.. حيث شرع في تفكيك الدولة العميقة بإزاحة قائدي الجيش والأمن الداخلي وبعض الجيوب التي يعتقد بخطرها على نظامه ورافقت عملية إعفاء قائدي الجيش والأمن الداخلي تعبئة غير مبررة عن محاربة الفساد والهيمنة لأنه تم تصوير الأمر وكأن ذاك الفساد والهيمنة المقصود به رجالات الوياني وكان بإمكانه أن يفعل ذلك دون أن يخلق عداء معهم خاصة وأن جزء غير قليل من أعضاء الوياني المهمين وعدد كبير من كوادر الوياني يؤازرنه الأمر الذي أعطاه حد أدنى من الأمان، متناسيا أنهم أصحاب اليد العليا في إنشاء النظام الفيدرالي الذي كانت إحدى ثمراته وصوله شخصيا ليكون الرجل الأول في أثيوبيا كما أنهم شركاؤه في الإتلاف الحاكم وسيستمرون شركاء له في الأيام المقبلة، كما أنه يسعى لتصفير كل مشاكل أثيوبيا مع دول الجوار فمن باب أولى أن لا يخلق عداء داخلي تكون له عواقبه الوخيمة مع القوى الشريكة له دون أن يعني ذلك التوقف عن الإصلاح، فقد أصبحت لخطاباته ولقاءاته تأثيرها السلبي على تلك العلاقة المهمة لأثيوبيا، فالطامة الكبرى أن المواطن الأثيوبي البسيط أصبح يتلقفها على أنها حرب على التقراي، فتعبئة الشارع بهذه الطريقة ستكون له آثاره على الاستقرار الداخلي ويكون الخاسر الأكبر فيها الشعب الأثيوبي وأبي أحمد شخصياً فما يسعى لتحقيقه يحتاج لاستقرار.

• القضية الرابعة: إخراج الاقتصاد الأثيوبي من حالة الاختناق الذي يعيشها، من المعلوم بالضرورة أن التنمية في إطارها الداخلي تحتاج لاستقرار ومتى ما فقد الاستقرار فقدت التنمية، ولان أثيوبيا تحتاج لاستثمارات ضخمة حتى ينمو اقتصادها بحكم المساحة الكبيرة وعدد السكان الضخم لهذا لابد من جذب المستثمرين إليها، ولجذب المستثمرين لابد من خلق استقرار مع كل دول الإقليم التي تؤثر على ذاك الاستقرار، لهذا كانت جولته لتصفير المشاكل العالقة بين أثيوبيا ودول الإقليم كلٍ على حدة، مستعينا بالجهود الأمريكية والخليجية، بداية بزيارته للسودان وانتهاءً بزيارة أرتريا وبينهما زيارة جيبوتي والصومال ثم السعودية والإمارات ومصر.

هل سينجح أبي أحمد ؟؟؟

في الحقيقة نجاح أبي أحمد من وجهة نظري مرهون بتحقيق ثلاثة قضايا:-

القضية الأولى: العلاقة مع الجبهة الشعبية لتحرير تجراي (الوياني) شريكة حزب أبي أحمد في الإتلاف الحاكم (الإهودق) فبعد صعوده قد أصاب تلك العلاقة شرخ كبير نتيجة استخدامه لهم كشماعة علق عليها كل أسباب الفشل في الوقت أنه وحزبه كانا مشاركان لهم في كل صغيرة كبيرة، وإعادة الثقة بينه وبين التجراي أمر يحتاج لتوازنات دقيقة فإذا أرضى التجراي فقد الزخم والقواعد الواسعة التي تدعمه وإذا خسر التجراي نقل المعركة إلى داخل الإتلاف الحاكم الذي هو رمانة التوازن للنظام السياسي الأثيوبي، كما أنه سيواجه صعوبة كبيرة في تصفية الدولة العميقة وقد يقول قائل إنه استطاع أن يطيح بأكبر رأسين في الدولة العميقة (رئيس الأركان والأمن الداخلي) فقد استطاع فعل ذلك لأن الكثير من قادة التجراي وكوادرهم قد أعطوه الضوء الأخضر ولكن الآن بعد حملته وتعبئة الشارع ضد التجراي بصفة عامة فالأمر قد أختلف وبالتأكيد سيجد مقاومة شرسة من التجراي وهي متحدة لأنه صراع وجود.

القضية الثانية: العلاقة مع الامهرا ممثلة في حركة أمهرا الوطنية الديمقراطية التي يرأسها دمغي مكنن حسين، فمن المعروف أن الأرومو و الامهرا يشكلان قطبا العداء التاريخي في أثيوبيا وأنهما كان طيلة السبعة وعشرون عاماً الماضية أعضاء في الإتلاف الحاكم (الإهودق) ولكل منهما أصوات متساوية مع التجراي ومع هذا لم يتحالفا، وإذا واصلا تحالفهما هل سيرضى الامهرا أن يبقوا في الدرجة الثانية.

القضية الثالثة: العلاقة مع أرتريا التي تحفها الكثير من عوامل الفشل إذا نجحت هل سيُوفق أبي أحمد أن لا تكون على حساب جيران أثيوبيا الآخرين مثل السودان و جيبوتي التي تلقفت سريعا الرسالة وذهب رئيسها لحضور تنصيب أردوغان وما يحمله ذلك من رسائل وهل التحالفات الجديدة المتوقعة ستجعل جهود أبي أحمد كمن ينفخ في قربة مثقوبة.

تأثير حراك أبي أحمد على الشعب الأرتري ومقاومته:

المقاومة الأرترية لنظام أسياس أفورقي توسعت في الأعوام الأخيرة لتشمل معظم أبناء الشعب الارتري، إلا أن جل هذه القطاعات غير منتظمة في أطر منظمة لمقاومته، ويستثنى من ذلك العاملون في منظمات حقوق الإنسان الأرترية فهم منظمون إلى حدٍ ما، والجزء الآخر الأكثر تنظيما من تلك المقاومة هي التنظيمات السياسية التي تمثل قطاعات لا بأس بها من الشعب الأرتري، وحراك أبي أحمد مضر جدا بهذه المقاومة فهو يفقدها أوراق أساسية و يمد النظام بأسباب الحياة.

سلبيات حراك أبي أحمد بالنسبة للشعب الأرتري ومقاومته:

• أسياس ونظامه كان ينازع الروح عندما مُدت إليه يد أبي أحمد، فهو كان محاصرا دوليا و دوره هامشي في المنظمات الدولية وكذلك محاصرا إقليميا من دول جواره واليد التي امتدت إليه أنعشت به الحياة.

• طلب أبي أحمد أن يكون سفيرا للنظام الأرتري للسعي في رفع العقوبات الدولية ومنع ملف حقوق الإنسان من الوصول إلى مجلس الأمن وهذه أكبر الأضرار التي سيرتكبها أبي أحمد في حق الشعب الأرتري، وبعيدا عن أبي أحمد الولايات ستفعل ذلك لأنها المحرك الرئيسي لهذا التقارب وغالبا هذا هو الطعم الذي تم سحب أسياس به للقبول لدرجة أنه تنازل عن شرط الانسحاب من بادمي قبل بدء أي مفاوضات مع أثيوبيا وسيقبل أن يبقى الوضع على حاله وأن يتم الترسم عبر الخرائط.

• كذلك سيدعم أسياس ماديا دعماً مجزياً من الإمارات لأنها تعتقد أنها هي التي جعلته يوافق على التصالح مع أثيوبيا وستدب الحياة بكل تفاصيلها في جسم نظامه المهترئ، فالإمارات كانت منذ البداية متشوقة أن يكون لها دورا ويظهرها كدولة حريصة على السلام، وربما يكون قد قبض الثمن عند زيارته الأخيرة التي قام بها إلى أبوظبي.

• وفر أبي أحمد الأرضية ليستفيد منها النظام الأرتري في الداخل والخارج عبر تصويره أنه قد أنتصر في حربه مع أثيوبيا، وعلق كل أسباب الفشل على الوياني.

• أول الأخبار السيئة الواردة من أثيوبيا من مفوضية اللاجئين التابعة للحكومة الأثيوبية بشأن اللاجئين الارتريين في أثيوبيا ومطالبتهم بالتوقيع على فورم الاعتذار (تعسا) للحكومة الأرترية لتسهيل عملية إعادتهم لإرتريا وبموجب هذا التصرف سيكون اللاجئون بين كفي كماشة النظام الأثيوبي من جهة الذي يسعى لإرضاء أسياس بكل ما أوتي من قوة وبين نار أسياس التي هربوا منها لرمضاء أثيوبيا.

• في المرحلة القادمة ستفقد تنظيمات المعارضة الإرترية المتواجدة في أثيوبيا فرصة ذلك التواجد فأول أمر سيطلبه أسياس إن لم يكن قد طلبه من قبل أن تغادر تلك التنظيمات الإرترية المعارضة لنظامه الأراضي الأثيوبية وبلا شك سيوافق أبي أحمد فهو قد يتنازل عن ما هو أكبر من المعارضة الأرترية في سبيل أن يحافظ على علاقة جيدة مع النظام الأرتري فهو الآخر فرح جدا بهذه العلاقة التي أظهرته كبطل للسلام.

الإيجابيات المتوقعة:

• إن كان هناك أمر إيجابي قد حدث للشعب الأرتري سيكون خروج المعارضة الارترية من أثيوبيا التي كانت تسعى دائما لتقليم أظافرها عبر تقسيمها وجعلها تدور في حلقة مفرغة، لهذا الخروج من أثيوبيا رحمة لها وجعلها تعيش تحت ضغط كبير وسيدفعها لإبداع حلولها التي ستبهر الجميع.

• الأمر الايجابي الآخر انكشاف الكثير ممن كانوا يدعون معارضة النظام عندما سال لعابهم فسقطوا في أول اختبار، وأن تخلوا صفوف المعارضة من هؤلاء يعد أمر إيجابي لكن المشكلة تكمن في أن لا يقبل بهم أسياس ويجدوا من يحتضنهم مرة ثانية في صفوف المعارضة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

Top
X

Right Click

No Right Click