الكونفدرالية بشروط إرترية

بقلم الدكتور: عبدالله الجبرتي

ليس أمام المعارضة الارترية اليوم إلا تقديم المشهيات للدكتور أبي أحمد، ليضعها في حواره الآني وحساباته المستقبلية،

المعارضة الإرترية ٢٧ عاما

إن تم انتخابه مرة أخري في الإنتخابات الإثيوبية القادمة رئيسا للوزراء. ليس للدكتور أبي فقط بل للإثيوبيين عامة، فالأحداث المتسارعة في الإقليم الأفريقي وجواره الاقليم العربي، تجبر المعارضة أولا لفرز أكوامها وصناعة لوبياتها بصياغة تحالفات حديثة مواكبة، تختلف في تقنياتها وتكتيكها واستراتيجياتها عن ما سبق. فلا مكان لمجاملة شلليات العشرة والخمسة أفراد التي كانت تعيش في علي أكتاف الوياني وتعرقل مسيرة المعارضة والمجلس.

إن التردد والحيرة التي لازمت المعارضة خلال الأيام الفائتة بعد قبول دكتور عبي أحمد لاتفاقية الجزائر بدون شروط مسبقة، وانتظارها رد فعل أسياس افورقي، لتعلق علي مجريات الاحداث مستفيدة مما كانت تظنه رد فعل غير مواكب من اسياس. زاد من ربكتها وتلعثمها في البيانات الضعيفة التي أصدرتها بعض تنظيمات المعارضة.

وقد كانت عيدية أبو الحارث هي أقوي وأفضل رسالة وبيان حتي اليوم بين المعارضات المترددة، فقد اختار موقعه مبكرا، وهو خيار وموقع له فوائده في المستقبل القريب، والبعيد لتنظيم أبو الحارث، إن كان لديه متعلقات سياسية تتناسب و العيدية.

إن خيار دكتور أبي القبول بمخرجات اتفاقية الجزائر، هو خيار قديم للمجموعة الحاكمة في أثيوبيا، وهو واحد من خيارات الولايات المتحدة لطرق إدارة القرن الأفريقي. إضافة الي أن إثيوبيا لم ترضي باستخدام الموانئ الارترية دون موافقتها، وان كان لموانئ ارتريا ثمنا يمكن دفعه مقابلها فهي الأحق به، وهي علي استعداد للحفاظ علي مصالح الأطراف الاقليمية والدولية. لذلك فدول الاقليم العربي المستفيدة من موانئ ارتريا ظلت تدفع المقابل لأثيوبيا عدة مرات منذ وصولها الي إرتريا. لذلك قام دكتور عبي باقتحام هذا الملف بجرأة أكبر من سلفه. ثم إن قبول أسياس لهذه المبادرة أيضا ليس قرارا منفردا، فالإقليم العربي المجاور، له يد بارزة في تحقيق وتحريك هذا الملف لدي الإدارة الأمريكية الجديدة، رغبة منه في تحقيق مصلحة أكبر في صراع المضايق الذي يعيشه مع إيران. وقد حددت زيارة نائب وزير الخارجية الأمريكي للبلدين طريقة لعب كل الأطراف، من يدفع، ومن يقبل و متي يحدث كل ذلك.

لقد وقفت الولايات المتحدة دائما مع أثيوبيا منذ الانتداب البريطاني علي ارتريا، وحاولت جاهدة موافقتها في كل محاولاتها لابتلاع ارتريا والوصول الي البحر الأحمر سلما وحربا، وهاهو التاريخ يعيد نفسه علي الارتريين. فما هي الخطوات التي يمكن أن تجنب الإرتريين دفع الثمن مرة أخري. فأثيوبيا اليوم تريد عبر الدبلوماسية والرومانسية تحقيق ما عجزت عنه بالحرب والخديعة. وليس لنا أن ننسي أن الأرومو و الأمهرا في المجموعة الحاكمة، لم يكونوا موافقين علي منح الإرتريين حق تقرير مصيرهم.

إذا لابد للمعارضة من تقديم مبادرة وحل وسط ومناسب لكل الأطراف الدولية و الإقليمية ثم المحلية. فارتريا ذات الموقع الجيوسياسي المهم لدول الإقليم والقوة العظمي في العالم، لن تستطيع العيش منفردة بسلام بعيدة عن تأثيرات هذه القوة. وما تعيشه منذ خروج المستعمر الإيطالي حتي اليوم، هو نتيجة لأطماع دول الإقليم والدول العظمي، إضافة الي عدم تمكن الارتريين من طرح خيارات تحافظ علي حقوقهم ومصالح دول الإقليم والدول العظمي. وقد آن الأوان اليوم لتقديم أطروحات ارترية من جانب المعارضة الارترية التي تمثل فكريا معظم الشعب الارتري، الي جانب الأطروحات التي سيحاور بها النظام الارتري، لتكون خيارا مطروحا وبديلا محتملا للقوة الإقليمية والدولية.

إن البحر الأحمر هو حلم إثيوبيا القديم والمتجدد، و سلام واستقرار إقليم البحر الأحمر هو رغبة القوي الإقليمية والدولية، ويعيش الارتريون منذ ستين عاما أزمة ومأساة عدم تفاعلهم السليم مع هذه الرغبات والقوة التي ترغب فيها. فلماذا لا يتقدم الأرتريون خطوة نحو الآخرين ؟ بدلا من حياة اللجوء والبؤس التي لن تنتهي إلا بتقديم التنازلات المعقولة للأطراف الأخري. وخيار كونفدرالية القرن الأفريقي هو الطرح الذي تقدمه أثيوبيا الحديثة منذ سقوط النظام الشيوعي، وهو الخطوة الثانية التي تقدمتها حركات الشعوب والقوميات الاثيوبية، بعد الخطوة الأولي الكبيرة بقبول منح أرتريا حق تقرير المصير بعد ثلاثة سنوات من سقوط نظام منغستو، وقد كانت خطوة أساسية لصناعة الثقة بين مكونات القرن الأفريقي للعودة للكونفدرالية. وهذه الخطوة التي لا يحتسبها الارتريون عادة معارضة شعب ونظام لانهم يفكرون بالعاطفة وليس بالقانون الدولي الذي يحكم حياة الدول. ثم إن أثيوبيا اليوم بدأت تحاول إزالة بعض الشكوك والمخاوف التي كانت تراود الإرتريين نظاما ومعارضة، من سيطرة الوياني علي معظم قرارات النظام الأثيوبي الحاكم، وهو ما شجع النظام الإرتري لقبول المبادرة حتي اليوم.

لقد غفلت المعارضة في خضم تناوشها وخلافاتها الداخلية، وحياتها التكتيكية، وضع أسس للتعايش المستقبلي مع النظام الأثيوبي ودول الإقليم والقوة الدولية، ووضعها كخيارات إستراتيجية تبني عليها تعاونها الآني والمستقبلي مع دول الإقليم والقوة الدولية. وهو ما كان سيحدد لهذه الدول موضع المعارضة، أو مصلحة الشعب الارتري، ومساحات الحوار والتلاقي في كل محاولات إعادة تنظيم القرن الأفريقي. وهو ما يمكن صياغته الآن وطرحه خلال هذه الفرصة التي تطل برأسها علي إرتريا والإقليم. إن محاولة طرح كونفيدرالية بشروط ارترية اليوم هو الخيار الذي سيقدم الكثير لارتريين ويفرضهم كخيار ثاني ضاغط للنظام، ثم اعتراف ضمني ونوعي من القوة الإقليمية والدولية، ربما يدفعهم للطلب من أسياس تقديم بعض التنازلات لتحقيق بعض المشاركة الديموقراطية، أو تخفيف وطأة الدكتاتورية علي الشعب الارتري، كبداية لحل مشكلات الشعب الارتري. إذا فاليحدد الارتريون شعبا ومعارضة شروطهم للكونفدرالية التي يريدون، أو فليسكتوا الي الابد.

Top
X

Right Click

No Right Click