هبرو قلعة الأحرار وشهيد الوحدة حليب ستي - الجزء الثالث والأخير

بقلم الأستاذ: عبدالفتّاح ودّ الخليفة - كاتب ومؤرخ إرتري، المملكة المتّحدة

ولأن فى حديث (هبرو) لا زال بقية عدتُ للمناضل المخضرم (محمّد سعيد مفلس) إن كان هناك

أحمد إبراهيم نفع حليب ستي 3ما يريد إضافته من حديث تنشيط الذّكر و الذّاكرة حول (هبرو) و كلّ ما علق بها من تأريخ وأحداث.

قال: "نعم الأنّنا مررنا على (هبرو) وبعضا من أبطالها فيجب ذكر حادثة قرية (سُقر) فى هذه القرية من بلاد (عد تكليس) وفى خريف عام 1966 أتت فصيلة من (جيش التحرير) تطلب العشاء وما كان من أهل القرية إلاّ التلبية وعمل الواجب كعادتهم دائما وظهر لاحقا أنّ مجموعة من الجنود أصابها وباء التسمّم لأنّه بطريقة ما كان قد وصل السم إلى (عشاء الجنود) وفى الأيام المقبلة أتت إلى القرية فصيلة أخرى وطالبت أهل القرية بتسليم من وضع السّم فى العشاء فى غضون أسبوع، وإنقضى الزمن ولم تسلم قرية (سُقر) الجانى، فأمر قائد الفصيلة بإطلاق النّار على سكّان القرية فإستشهد من أهل القرية 13 نفسا وكان من ضمن الشهداء زّوارا وفدوا من القرى المجاورة مثل (سرقون) و(ألقعتا) و (مزرت)".

قلتُ للمناضل (مفلس) ولماذا لم تسلم القرية المجرم وتبرّئ نفسها إن كانت تعرفه؟ وهل هو من القرية ؟.

قال المناضل (مفلس): "أهل القرية لم يكن لهم دليل على الجانى ولكنهم شكّوا فى رجل من نفس القرية كان يسكن فى مدينة (كرن) حضر نفس الليلة وشارك فى إحضار الطعام ولكنه إختفى فى نفس الليلة".

قلت: ولماذا لم يذكروا هذه القرائن ويتركوا أمر التصرف والتحرّى للجبهة وجهازها الأمنى للمواصلة فى ما تبقى من إجراءات لازمة؟.

قال المناضل (مفلس) "لا أدرى ولكنها حادثة من تعقيدات ذالك الزمن ويستدرك (مفلس) ليقول: "كنت قد حضرت إلى المنطقة بعد شهرين من الحادثة وسألتُ الأهالى نفس السّؤال قال لى البعض يومها خافوا أهل القرية أن تطلب منهم الجبهة إحضار الجانى وهو داخل مدينة كرن ولذالك إمتنعوا عن ذكر قرائن الحادث".

المحرّر: هذه هى الثورة وهذا جزءٌ من تأريخها، ليس كلّه إنتصارات بل فيه من الإنكسارات ما يدمى القلب، من لم تحرقه نيران الجيش الإثيوبى خنقه لهيب الثورة، ومن قتل نفسه فقد ظلمها وإرتكب موبقة ولكن ظلم الثورة السّبّاق والقاهر أجبر البعض على قتل الرّوح المتعبة. ولا أدرى كم سوف ننتظر لإتصاف الأبرياء ضحايا الثورة، لتنام أرواحهم هادئة مطمئنة فى قبورها. قلت للمناضل (مفلس): هل هناك شيئ ما تريد ذكره قبل الختام ؟.

قال: نعم قلتُ: اليوم يومك قل ما تريده للتدوين !!.

محمّد سعيد مفلسقال: "هناك حادثة أخرى حصلت فى (دقى أتآتبا - عد تكليس) فى منتصف عام 1971 من هذه القرية فتحت فصيلة من جيش التحرير الإرتريى نيرانها على جيش من الـ (كماندوس) وإنسحبت تاركة القرية فى مواجهة الـ (كماندوس) فما كان من الـ (كماندوس) إلا أن قتلوا كلّ سكان القرية وأحرقو أكواخها وصادف وجود فصيلة من (قوات التحرير الشعبة) فى المنطقة فبعد هدوء النيران، جاءت للتفقد ووارت الجثث وكان من ضمن الشهداء خالى (محمود نصر الدين) ناظر قبيلة (عد تكليس) الملقب والمعروف بـ (موت حرّى) وتعنى (لا يهاب الموت) أو (يختار الموت من الذلة) إستشهد ومعه كامل أسرته وإثنين من شقيقاتى وأبناءهن وهنا كان لبعض مناضلى الجبهة الدور فى إطلاق إشاعة بأن الناظر (موت حرّى) منع القرية من الخروج وجعلهم طعما لرصاص العدو وهذا طبعا هراء وكذب لا ينطلى على أحد وكان عدد الشهداء مائة شهيد".

وفى هذا الصّدد كتب الأستاذ / أحمد طاهر بادورى ساردا أحداث (دقّى إتأتبا) فى كتابه (إرتريا رحلة فى الذاكرة والصفحات 169-171 مايلى:-

مذبحة دقّى - (عنسبا):

عندما كانت وفود الجانب الأول تتقاطر إلى مكان المؤتمر (إمبهرا) عرف العدوّ تحركنا وأقرب الظنّ أنّ مخابرات العدوّ فى مدينة (نقفا) علمت بذالك، قبل أنعقاد المؤتمر بيومين تحركت وحدات من جيش العدوّ (طور سراويت وكماندوس) من مدينة (كرن) عن طريق (وادى عنسبا - أزرقت) ووصلت إلى منطقة (هبرو طليم) وعسكرت فى مدرسة (هبرو طليم) ولربما فى إنتظار معرفة مكان إنعقاد المؤتمر حتى تفاجئنا ونحن مؤتمرون، ولكن وحداتنا التى رافقت المؤتمرون لحراسة الموقع وجدت معلومات من الشعب، الذى علم بأمرهم وسارع فى أيصال الخبر إلينا فتقرر على الفور تأجيل موعد إنعقاد المؤتمر لعدة أيام لحين جلاء القوات المعادية من المنطقة، فحاصرت قواتنا المنطقة أو المدرسة التى عسكر فيها العدوّ (مدرسة هبرو طليم) ليلا وعند بزوغ الفجر باغتناهم بهجوم مكثف، وبوابل من النيران من كل ناحية وإستمرت المعركة حتى غروب الشمس، ولكن العدوّ لم يتزحزح من موقعه، فإستمرت المعركة لليوم الثانى حيث لحقت به خسائر كبيرة، وقبل إنقضاء اليوم الثانى من المعركة مرت سرية كاملة من (جبهة تحرير إرتريا) فدعوناهم للإشتراك معنا فى المعركة، ولكن نائب قائد السرية نسيت إسمه رفض الإشتراك فى المعركة، وهنا أقول شهادة للتأريخ وهذا حقّه علىّ فى هذه الذكرى، كان قائد السّريّة المناضل/ حامد مزرت وهو من أبناء المنطقة نفسها، فعندما سمع برفض نائبه الإشتراك فى المعركة أتى بنفسه إلى المكان مسرعا وقاد سريّته بنفسه ودخل المعركة من إتّجاه آخر، فألحقنا بالعدوّ خسائر أخرى جسيمة وجرح المناضل/ حامد مزرت الشّجاع فى يده اليسرى وفى المساء عرف قائد معركتنا وكان العم المناضل الشيخ / إبراهيم إدريس والذى كان معروفا بـ (إبراهيم منجوس) وهو من الرعيل الأول، فلاحظ أنّ العدوّ بدأ يتقهقر تدريجيا ويستعدّ للهروب من ساحة المعركة بإتّجاه (وادى عنسبا) الذى أتى منه تحت جنح الظلام، ربّما لأن خسائره كانت كبيرة أو أنّ قيادته فى كرن لم تكن قادرة على مدّه بتعزيزات أو نجدة أخرى.

كانت قرية صغيرة تسمى (دجى عنسبا) فى الطريق الذى أتى منه العدوّ الإثيوبى وسوف يسلكه نحو (أزرقت) فى طريق عودته مهزوما إلى مدينة (كرن) فسارع العم إبراهيم بإرسال ثلاثة أفراد إنتقاهم من بين المقاتلين القدامى قد إختارنا لنذهب إلى القرية لنخلى السكان مؤقتا من وجه العدوّ الجريح لئلاّ يصب جام غضبه وحنقه عليهم، مثل تلك الأعمال إشتهر بها العدوّ وخاصة بعد كلّ هزيمة وخسائر تلحق به.

فقد إختارنى العم (إبراهيم) من بين المرسلين لإقناع أعيان القرية لإبعاد سكانها جميعا، وكان عددهم لا يتجاوز الـ 100 من الرجال والنساء والأطفال، فأبلغنا الشيخ الكبير المسؤول عنهم أن يبتعدوا هذه الليلة فقط من القرية مع جميع أسرهم ويلجأون إلى الضواحى التى لجأ إليها أهل (هبرو طليم) خلف خطوطنا، ولكن الشيخ الكبير رفض طلبنا ولم يقتنع بما حذّرناه منه قائلا لنا: "نحن معروفون لدّى الجيش والحكومة الإثيوبية حيث لنا أعياننا فى مدينة (كرن) ولن يحصل لنا مكروه يا أبنائى نحن نعرف كيف نتعامل مع هذا العدوّ الإثيوبى، فقد مرّوا من هنا ولم يلحقوا بنا أذى فتطمّنوا" قلت: ياوالدى العزيز: هذا جيش مهزوم وجريح ولا يميّز بيننا وبينكم وسوف يصبّ جام غضبه عليكم بلا رحمة، وترجيناه لوقت طويل، ولكنه أسقط رجاءنا بكا تعالى وغرور، عدنا مهوزمى المعنويات إلى قائدنا وأبلغناه بما حصل، وكان الوقت قد فات وبين ذهابنا وعودتنا كان الجيش الإثيوبى المهزوم بدأ بالهروب ووصل مشارف القرية المنكوبة وكانت المأساة، عندما بلغ الجيش الإثيوبى القرية فى الصباح الباكر، خرج أهل القرية جميعهم يتقدمهم الشيخ الكبير ليستقبلوا الجيش الإثيوبى بالزّغاريد وما لديهم من زاد وماء رافعين علم إثيوبيا، فجمعهم قائد الجيش فى مكان واحد أمام قريتهم وفتح عليهم نيران الرّشّاشات فأبادهم عن بكرة أبيهم وأضرم النّار فى القرية الصغيرة، وأسرع ذالك الجبان هاربا بإتجاه (وادى عنسبا)إلى مدينة (كرن) وعندما بلغت وحداتنا القرية بعد شروق الشّمس للنجدة وإسعاف من تبقّى كان كلّ شيئ قد إنتهى، مذبحة مروّعة تقشعرّ لها الأبدان، عندما عدت للقرية ومعى المناضل/ محمّد محمود (دكتور عداى) رأيت بأمّ عينى أطفالا وقد غُرست حراب بنادق الـ (إم. ون) م - واحد الأمريكية فى أجسادهم اليانعة وسمّرتها على الأرض، وبقيت تلك الحراب فى أجسادهم حيث صعب عليهم إنتزاعها فتركوها شاهدا على الجريمة البشعة، كان لأول مرة أشاهد وكنت قد سمعتُ عن مذابح مماثلة أُرتكبت على طول إرتريا وعرضها دون أن يستنكرها أحد أو تتحدث عنها الصحافة الحرة أو منظمات حقوق الإنسان، كما يسمّونها الآن فى هذا العالم الظالم، هكذا رأيت بأمّ عينى شعبا مسالم يذبح كالخراف بدم بارد.

عدت للمناضل المخضرم محمد سعيد مفلس لأروى له رواية الأستاذ المناضل/ أحمد طاهر بادورى فأعقب المناضل مفلس بالآتى:
"أولا المنطقة هى منطقة جبهجية وكان يتواجد فيها جنود الجبهة بكثرة والتّأريخ يذكر كثير من معارك جرت فى تلك المنطقة كانت بين الجيش الإثيوبى وجيش التحرير الإرترى، وأنا شخصيا لا أذكر معارك قادتها (قوات التحرير الشعبية) فى تلك المنطقة وفى تلك الأزمنة، أما يوم مذبحة قرية أو دقّى (إتأتبا) مع قدوم الجيش الإثيوبى ومروره بالقرية كانت هناك فصيلة من جيش التحرير الإرترى كان قائدها يحاول إقناع أهل القرية للخروج بأرواحهم حتّى يمرّ جيش العدوّ فى طريقه مهزوما إلى (أزرقت) و (كرن) ولكن مع قدوم الجيش الإثيوبى أمر القائد بفتح النيران عليه من مرتفع كانت متمركزة فيه الفصيلة مقابل (دقّى إتْأتْبا) وتلك خطيئة كبرى وقد تكون تسببت فى المذبحة".

وهذه هى الجزء الأخير... من حديث (هبرو قلعة الأحرار) شكرى للمناضلين (إبراهيم قدم) و (محمّد سعيد مفلس) والشكر مضاعف لموقع (عدوليس) على النشر.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click