سلسلة قضايا بسيطة و مهمة 5-10

بقلم الأستاذ: علي عافه إدريس - كاتب ومحلل سياسي ارتري

نريد الإنسان الذي يبدأ من الممكنات لتغيير واقعه!!! إنسان الانتظار الأول وإنسان الواجب وإنسان الانتظار الثاني والإنسان النصف!!!

المفكر مالك بن نبي في كتابه شروط النهضة يتحدث عن أربعة مراحل كثيرا ما تمر على المجتمع وتنتج أشخاص أصحاب مواصفات خاصة على النحو الآتي.

أولاً - إنسان الانتظار الأول:

وهو يشرح كيف تخلفت النهضة في الجزائر، فيقول في سنة 1924م، كان التصوف المشوش وليس التصوف الإسلامي الأصيل يسود الساحة الجزائرية و كان جوهره الأساسي إن الإنسان إذا أمسك بسبحة وسبح كثيرا تحدث كرامات تغير كل الأمور للأفضل لهذا ليس عليه بذل جهد إلا في التسبيح، وهذا الأمر عطل التاريخ بتعطيل فاعلية الإنسان بميلاد "إنسان الانتظار الأول" منتظر الكرامات.

ثانياً - إنسان الواجب:

يواصل ويقول بدأت في تلك اللحظة التاريخية نفسها حركة نهضة علمية يقودها مجموعة من العلماء ليقولوا لهذا الإنسان إن فاعلية الاستخلاف في الأرض هي أساسا قضية فاعلية الإنسان، وفاعلية الإنسان تبدأ من وجود إنسان الواجب.

وفي وصفه لإنسان الواجب يقول إنسان الواجب هو الإنسان الذي يبدأ من الممكنات في تغيير واقعه، وهو إنسان يتحرك باستمرار لانجاز الأعمال التي يستطيع إنجازها دون أن ينتظر أن يكون هناك مقابل، ودون أن ينتظر أن يقوم الآخرين بتأدية ما عليهم من واجب، فقيام المرأة الفقيرة بغسل ملابس أطفالها وعدم تركهم وسخين بحجة أنهم فقراء أو أن ملابسهم قديمة، فقدم الملابس لا تمنع أن تكون نظيفة ولو قامت بما يليها من واجب لعذرت فيما لا تستطيع، وكذلك سكان شارع ما يقومون بتنظيفه دون انتظار الآخرين ليقوموا بذلك وهكذا صيانة المدارس والمستشفيات وكل الأماكن العامة كلٍ فيما يليه.

ذاك الإنسان الجزائري في تلك اللحظة التاريخية تحرك بعد أن وصله خطاب العلماء والدعاة وبدأت تباشير النهضة تتحرك بسلاسة وخطوات واضحة لأنه قد وجد إنسان الواجب.

ثالثاً - إنسان الانتظار الثاني:
تنبه الفرنسيون أن ظهور إنسان الواجب وما يقوم به سيشكل خطر عليهم في المستقبل ففاعلية إنسان الواجب مقلقة في المدى البعيد لأنه ذاك الواجب يتدرج إلى أن يصل لمرحلة إخراجهم من الجزائر، لهذا أصبحت لجانهم تمر على القرى والمناطق الصغيرة ويخبرونهم ليس عليهم أن يتعبوا أنفسهم، فقط عليهم اختيار ممثليهم وهم بمساعدة الحكومة من سينجزون كل هذه الأعمال على أحسن وجه ممكن، وهكذا بدأت مرحلة اختيار الممثلين ومعه بدأت مرحلة الانتظار لمّ سينجزه الذين تم اختيارهم وعملية انتظار الدورة الثانية لتغيير الممثلين لعدم انجازهم ما وعدوا بانجازه، وهكذا هم دائما في انتظار الدورة الأخرى والذي أختلف في أمر الانتظار هذه المرة أن في الانتظار الأول كان الإنسان الجزائري يحمل سبحة وينتظر كرامة وفي الانتظار الثاني يحمل ورقة تصويت وينتظر المعجزة التي سيحدثها النائب.

رابعاً - إنسان النصف:

وهو إنسان تنتجه مرحلة الانتظار الثاني، حيث يفقد الإنسان الفاعلية بشكل كامل مع طول فترة الانتظار، لهذا عندما يذهب ليتعلم لا يكون هدفه التعلم إنما الحصول على الشهادة بأي أسلوب، وعندما يذهب للعمل لا يكون هدفه تأدية واجبه و تقديم الخدمات التي يتلقى أجر مقابلها إنما تمضيت الوقت إلى أن ينتهي الدوام ثم يذهب لبيته، وبهذا ضرب المجتمع في أهم مفاصله لدرجة أنه عجز عن أي حركة تجعله يتقدم خطوة إلى الأمام.

خلاصة:
يجب إيجاد إنسان الواجب، وهو إنسان مبادر يقوم بمسؤولياته تجاه نفسه وأهله ومجتمعه، ويبادر بالإصلاح والتطوير، ووجود إنسان الواجب يعتبر بداية ونقطة الارتكاز للتحرك وسلوك درب النهضة والنهوض وهو من باستطاعته وحده الحصول على الحقوق ونزعها، بينما كل الأصناف الأخرى مع الوقت تتحول لإنسان الحقوق الذي يطالب الآخرين القيام بواجباتهم بينما هو يتفرغ للمطالبة بحقوقه دون أن يقوم بواجبه فلا يتحصل على حقوق ويواصل انتظاره للحصول عليها لأن مجتمعه قد مات منذ مدة عندما كثر أمثاله.
ولو نظرنا في خارطتنا المجتمعية نكاد لا نجد إلا إنسان الحقوق بكل أصنافه الثلاثة (إنسان الانتظار الأول.. إنسان الانتظار الثاني.. إنسان النصف) وكلهم يطالبون بأن يؤدي الآخرون واجباتهم ويلومونهم على تقصيرهم مثل ذلك الذي يقول المعارضة ما نافعة لأنها غير فاعلة وغير موحدة ويوجه ذلك أيضا للمجتمع بأشكال مختلفة، فهو في الحقيقة يطالبهم بأداء واجباتها لتخليصه مما هو فيه، بينما ينسى واجباته ويتقاعس عن أي جهد مهما كان ضئيلا.

وختاماً نسأل الله أن يجعلنا من صنف إنسان الواجب وأن يوفقنا في مسعانا في إيجاد إنسان الواجب لأنه مخرجنا الوحيد.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

Top
X

Right Click

No Right Click