تأملات في واقع المعارضة الإرترية

بقلم الأستاذ: صلاح ياسين

المتتبع لمجريات الأمور في ساحة العمل الإرتري المقاوم يلاحظ:

1.  اننا في الغالب منشغلين بالتفاعل مع الأحداث بدلا من صناعتها. مثلا: الجدال المستمر حول اي مبادرة او عمل يقوم به احدنا (منظمة، شخص ...الخ) او التشكيك في هكذا عمل، عوضا عن التركيز فيما يمكن ان نفعله نحن وترك الأمور للمنافسة بين البرامج، هذا اذا تعذر التعاون.

2. التفاعل نفسه تغلب عليه العاطفة والتسرع في الأحكام بدلا من القراءة الموضوعية الجادة للبرامج والمواقف.

3. كما تتسم تفاعلاتنا او انفعالاتنا هذه، في جزء كبير منها بأنها موسمية/عابرة أو قصيرة الأمد. فما ان تظهر قضية جديدة، نترك ما كنا بصدده ونتجه بكل حواسنا وطاقاتنا صوب الحدث الجديد. وهذا دليل على غياب التفكير الاستراتيجي بعيد الأمد.

4. ويتسبب هذا النهج في ان تكون احكامنا مبنية على ما هو آني ولا تأخذ في الاعتبار المنظور الأطول. مثال على ذلك: اذا اختلف الواحد منا مع شخص (او تنظيم) ما حول موقف معين، لا يتردد في اصدار الحكم عليه وادانته ومعاداته ...الخ، ولا يعير اهتماما لباقي مواقف ذلك الشخص او التنظيم التي قد يتفق معه فيها، او لمجمل تجربته او تأريخه.

5. فحتى لو اتفقت معك في 70 في المئة من القضايا واختلفنا حول 30 او حتى 20 في المئة فقط، تطغى القضايا المختلف اليها الى درجة اننا نعجز عن التعاون او العمل سويا في ما نتفق حوله. وهذا ما يسمونه العجز في ادارة الخلافات.

(ومن الأمثلة الحية على بعض ما قيل: فمن منا لا يذكر عندما كانت حركات وسكنات منظمة سدري - حديثة الظهور حينها - هي الشغل الشاغل للجميع، وكان يتم مهاجمتها واتهامها بكل ما هو شنيع. وتكرر السيناريو نفسه مع رابطة المنخفضات الإرترية التي وصل الأمر فيها الي حد اصدار البيانات ضدها. والغريب في الأمر ان بعض من مورس ضدهم الهجوم غير المبرر في السابق تجدهم يمارسونه على الآخرين في وقت لاحق - والعكس صحيح. فهل تعلمنا من هذه التجارب ؟)

احد اهم المشاهد المتكررة في ساحة المعارضة الإرترية هو الإنقسام او الطلاق التنظيمي اثر حدوث خلاف ما داخل تنظيم سياسي او منظمة مدنية. بالطبع اذا كان الخلاف يتمثل في تبلور رؤى سياسية او فكرية متبايىة الى حد كبير داخل الجسم التنظيمي الواحد، قد يصبح الإفتراق هو المخرج المنطقي الوحيد. ولكن هل ينطبق هذا في حالات الإنقسام التي شهدتها ساحة العمل الإرتري المعارض في العقدين الأخيرين ؟ او حتى في معظمها ؟

شخصيا لا اعتقد ان الحالات التي شهدناها كانت ناتجة عن بروز تباينات قكرية او سياسية صعُب التوفيق بينها. فلماذا اذًا هذا العدد الكبير من حالات الطلاق التنظيمي حتى في اوساط اصغر الأجسام السياسية والمدنية وأكثرها تجانسا والتي في الأساس تكونت بسبب تطابق رؤية اعضائها واتفاقهم على اهداف وبرامج محددة بل وشديدة الخصوصية في احيان كثيرة (بمعنى ان المنضويين تحت مظلة منظمة سياسية او مدنية من هذه المنظمات هم بلا ادنى شك الأقرب لبعضهم البعض سياسيا وفكريا ؟) ولماذا لا يرى هؤلاء الذين يشعرون بأن طروحاتهم ليست هي الطاغية في اروقة التنظيم الذي ينتمون اليه او يجدون انفسهم في وقت من الأوقات في موقع الأقلية داخل ذلك التنظيم بديلا آخر سوى الإنفصال عنه ؟ ما الذي يدفع مجموعة معينة بالإنسلاخ كليا عن اطار تنظيمي هو الأقرب الى رؤاها من بين كل الأطر الأخرى في الساحة ؟

ربما يكون السبب (او احد الأسباب على الأقل) عدم التمرس او القدرة على ادارة الخلافات. وأحد ملامح هذا الضعف هو اننا لم نتجاوز بعد النموذج التنظيمي او المؤسسي الوحيد الذي عرفته تنظيمات الثورة الإرترية ابان فترة الكفاح المسلح وكذالك حزب الجبهة الشعبية بعد الإستقلال، وهو المركزية السياسية والتنظيمية.

طبعا لكل حالة من حالات الإنقسام هذه ظروفها وملابساتها الخاصة. ولكن فلنقل انها تتراوح ما بين: (أ) انعدام أي مساحة للتعبير عن طروحاتك او مواقفك التي تختلف عن طروحات ومواقف الأغلبية (وهو وضع قد يصبح فيه الإفتراق مبرراً)، و (ب) عدم الأحتمال لكونك في موقع الأقلية ولقلة تأثيرك داخل الإطار الذي تنتمي اليه، وذلك بالرغم من توفر المساحة لك للتعبير عن طرحك (قلة الصبر والمثابرة السياسية).

فهل من امكانية لنموذج تنظيمي او لممارسة تنظيمية تسمح بتباين في الطروحات داخل الجسم التنظيمي الواحد (في اطار الأهداف المتفق عليها)، بل والتنافس، بدرجة تقنع الأقلية بعدم الإنقسام لدي اقل خلاف او اختلاف ؟ صيغة توفر امكانية التداول بين الطروحات المختلفة داخل الإطار الواحد وفي سبيل تحقيق الأهداف نفسها ؟

في الحقيقة، ليس هذا بالأمر الجديد او بعيد المنال. فالأحزاب السياسية في معظم انحاء العالم تتيح المنافسة داخلها بين برامج وطروحات مختلفة تتبارى للتأثير على البرنامج العام للحزب و تأخذ نصيبها من النجاح.

الخلاصة: التعرف على بعض الأسباب التي تعيق العمل المشترك ومحاولة تجنتها او التقليل منها يمكن ان يساعد على تحسين ادائنا وتسريع وتيرة نضالنا.

Top
X

Right Click

No Right Click