اجتياح أرتريا... هل بدأ العد التنازلي؟

بقلم الأستاذ: أبو بكر حامد كهّال - روائي وكاتب إرتري

لا تستغرب قارئي الكريم إذا ما قلت لك أن إطلاق الإشاعات بوجود قوات مصرية مجحفلة في قاعدة "ساوا" العسكرية الأرترية تهدد

أو تستهدف السودان وأمنه، جاءت تحديدا من تحت رأس الأجهزة الاستخباراتية الأثيوبية والسودانية.

الحرب الإثيوبية الإريترية

فإن من نسج خيوط تلك الفرية "التآمرية" واتهم فيها أرتريا بالعمل على زعزعة أمن واستقرار السودان الشقيق، ودسها على ألسنة تلك القنوات "الفالصو" هما الطرفان السوداني والأثيوبي ولا أحد غيرهما. والغرض الأساسي من هذه الإشاعات هو محاولة تقديم مسوغات يراد منها أن تكون معقولة ومقبولة لدى الرأي العام المحلي والدولي لتبرير نقل كل تلك الأعداد الهائلة من وحدات القوات المسلحة السودانية وقوات "الدعم السريع / الجنجويد" بكل تلك الأسلحة والعربات والدبابات والأفراد من مناطق عملياتها في الغرب السوداني للمرابطة على الحدود مع أرتريا دون أن تثير الريبة والشكوك.

لقد مرّت تلك القوات تحت غطاء سلسلة من الأكاذيب التي لا أساس لها من الصحة، وأن هذه الأكاذيب "المصنعة" أوصلت قوات الدعم السريع دون إثارة أسئلة تذكر عن مغزى تحركاتها، لأن الإشاعات قفلت على باب الـ (سين جيم) بابه، وصورت أمر تواجد قوات مصرية كحقيقة واقعة، وأن هذه القوات ذاهبة لصدها، وبذا تكون قد أخفيت الأهداف الحقيقية لهذا التموضع تحت طبقات الأكاذيب إياها.

ولكن لماذا، كل هذا ؟ الإجابة يطول شرحها، ولكن.. وللتذكير.. إنه:

أولاً: لا يمكن لقوات مصرية أن تتواجد في أي بقعة من أرتريا، لأن دولتنا هذه للأسف ترزح تحت عقوبات أممية، في المقدمة منها حظر توريد السلاح وفق قرار مجلس الأمن رقم 1907 لعام 2009م . وبهذا يصعب على مصر تجاهل القرار، لأنها لو فعلت فهذا يعني إنها وضعت نفسها في مواجهة منظومة الأمم المتحدة وقرارات مجلسها الأمني، والمؤكد ان مصر لن تقدم على خطوة تضعها في موضع خرق للقرارات الأممية.

ثانيا: فيما يتعلق بالتأليفات والمزاعم في أن أرتريا تؤوي مجموعات معارضة سودانية تخطط للعبث بالأمن السوداني . هذه أيضاً مردود عليها فأرتريا حتى لو أرادت فعل ذلك فإن الأمكانيات لا تساعدها؛ ووفق المنطق فأرتريا التي هي في حالة حرب مستمرة مع أثيوبيا لا تفتح على نفسها جبهة حربية أخرى مع دولة جارة في حجم السودان وأهميته.
وبناء على ما تقدم فإن كافة الدفوعات التي يتعلل بها المسؤولون في السودان الشقيق حول الأزمة مع أرتريا لا تصمد أمام أسئلة المنطق أو منطق الأسئلة !

نعود ونسأل - لماذا كل هذا ؟

بالطبع من يستطيع الإجابة على هكذا تساؤل هم أولئك الذين يقفون وراء تحريك دولاب الأحداث، ومن قاموا بصنع الإشاعات وخلقوا حالات توتر في عموم منطقة شرق أفريقيا والبحر الأحمر.
ونحن هنا عندما نتحدث سيكون حديثاً في الإطار الذي نفهم ونقرأ به الأحداث ومساراتها، ولا نقول بصحتها كلها فهناك دائماً تلك المنطقة الرمادية التي لا تمكن المرء (مهما أعتقد في نفسه الفطحلة) من الإمساك بكل عناصر وجزئيات الصورة.

إلى هنا وصلت عزيزي القارئ إلى ما أريد أن أشركك فيه من معلومات، وهي حتى الآن ليست كثيرة، ولكنها كافية جداً لوضعنا في صورة ما يحدث.

في الأيام القليلة الماضية تم التفاهم على رسم صورة لخطة حربية سودانية أثيوبية مشتركة تستهدف جارتهما الصغرى أرتريا ذات الـ 5 ملايين نسمة، ويعيش ثلثهم تقريبا في الخارج، مع ملاحظة أن سكان السودان وأثيوبيا معاً يتجاوز عتبة الـ 110 مليون نسمة.

لإنجاز الآتي:-

1. إسقاط النظام الأرتري المتهم بالتحالف مع مصر والسعودية والإمارات.

2. تنصيب حكومة تابعة تكون بلا حول ولا قوة.

3. على المدى الطويل تعيد أثبوبيا احتلال أرتريا وبذا تكون عادت لامتلاك الموانيء الأرترية في البحر الأحمروهو مطمحها القديم الجديد.

4. إذا فشل أمر احتلال أثيوبيا لإرتريا قد يصار إلي تقسيم البلد بين مرتفعات تذهب لأثيوبيا ومنخفضات يذهب للسودان (مشروع إنجليزي قديم كان يهدف تقسيم أرتريا دينياً).

5. إذا فشل ما تقدم يتم إدخال إرتريا في دوامة مشكلات داخلية أكثر مما تعانيها الآن وهو الأمر الذي سعت إليه مجموعة وياني تقراي الحاكم في أثيوبيا الآن.

وبالعودة إلي خطة الغزو فأن اللمسات الأخيرة وضعت عليها بالعاصمة السودانية الخرطوم ، في إطار من التكتم الشديد، وبالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الأثيوبي للسودان في الثالث عشر من الشهر الجاري، وقبلها في أديس أبابا فترة زيارة رئيس هيئة الأركان السودانية الفريق عماد الدين مصطفي عدوي، من قبل عسكريين اثيوبيين وسودانيين بمشاركة أطر سياسية عليا من الجانبين. وقد ظلت الخطة رهن المداولة منذ نحو السنة تقريبا، وكانت تعرض باستمرار على السلطات العليا.

وإذا ما جرت الرياح مطواعة لأشرعة رغبات البلدين فإننا سنشهد مغامرة عدوانية ثنائية ستعاني من تبعاتها منطقة القرن الأفريقي التي لا تنقصها الحروب التي تنشأ أحياناً على "ما فيش" وتستمر لسنوات طويلة لتقود في النهاية الى تفكك الدول كما حدث للسوادن الحبيب بفصل جنوبه العزيز، ولولا هذا الفصل لما شهدنا أزمة خبز ولا أزمات "زفت" ومنها ذلك النوع الذي تعبد به الشوارع.

لا تزال التعزيزات العسكرية السودانية تصل إلى الحدود مع أرتريا، إضافة إلى الضخ الإعلامي الرهيب لشيطنة أرتريا، ليس هذا وحسب، بل وصلت تعزيزات أثيوبية ضخمة لترابط بدورها على الحدود الأرترية السودانية، وليس على الحدود الأرترية الأثيوبية، الذي ستندلع فيه الحرب بدورها إذا ما أشتعلت وهذا عنصر جديد في الخطة، مما يدفعنا للاعتقاد بأن خطة الاجتياح جاهزة، وإذا ما وقع الأمر، فلابد أن يكون قبل موسم الأمطار القادم، قبل حضور الجنرال "سيول" والجنرال "خيران" بن طافحة.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click