أرتريا والسودان الى أين فى ظل الصراع الاقليمى؟

بقلم الأستاذ: أحمد نقاش - كاتب وباحث فى شؤون القرن الافريقى

منذ انبلاج ثورات الربيع العربى تعيش منطقة الشرق الاوسط صراع شديد المخاض وتحالفات غريبة

الاطوار وتقاطع مصالح فى حالات وانعدامها فى حالات اخرى مما جعل التحالفات الاستراتيجية مهزوزة ومضطربة فى قمة مستوياتها الدولية والاقليمية.

انعكاسا لهذه الازمات الاقليمية توحولت سواحل القرن الافريقى الى قواعد دول متناقضة المصالح والاطماع وفى مقدمتها السواحل الارترية. هذا كله ينذر بأن منطقة القرن الافريقى ستكون فى المنظور القريب منطقة صراع حيوى لكل من يريد السيطرة على الشرق الاوسط بما فيها من الثروات المرئية والمخفية.

فى هذا السياق نشاهد هذه الايام تصارع الاحداث بشكل لم يسبق لها مثيل، وخاصة فى منطقة القرن الافريقى وعقب تطور الاحداث فى اليمن وقيام التحالف العربى بقيادة المملكة العربية السعودية، دخل كل من السودان وارتريا ضمن هذا التحالف لحسم معركة اليمن. وابتاعت الامارات العربية المتحدة ميناء عصب الارترى لاغراضها العسكرية والاقتصادية. الا ان صمود الحوثى فى اليمن، وبروز خلاف خليجى بين دول الحصار ودولة قطر خلط اوراق اللعبة من جديد وادخل المنطقة فى محاور جديدة. ثم جاء الاتفاق المصرى السعودى حول حدودهما البحرية التى تنازلت مصر بموجبها عن جزريتى (تيران وصنافير) واعتراف السعودية ضمنا بتبعيت حلايب وشلاتين لمصر هذا الاعتراف ادى الى غضب الخرطوم، مما جعل الاخيرة تبحث عن محور جديد بعيد عن التحالف العربى الذى يضم السعودية والامارات العربية ومصر.

فى اطار هذا البحث توجه الرئيس عمر البشير الى موسكو وعبر حاجة بلاده للحماية من التأمر الذى يحاك ضد بلاده، الا ان موسكو على ما يبدو لم تتفاعل مع هذا الطلب بسبب علاقتها الجيدة مع مصر فى الوقت الحالى، لذا لم تتسرع فى الاستجابة لطلب الحماية. والخرطوم التى حزمت امرها لم تتوقف طويلا على ابواب موسكو، انما وجهة بوصلتها شطر الباب العالى الذى يريد هو الاخر استعادة دوره الاقليمى بقوة ولم تتأخر تركيا فى الاستجابة لمثل هكذا طلب وهى تتشوق لاجاد قدم فى البحر الاحمر الذى سيدعم قاعدتها المتواجدة فى بحر الصومال على مرما حجر من الباب المندب الاستراتيجى. وزيارة اردوغان لسودان والاتفاقيات التى تمت بينه وبين البشير خلطت اوراق اللعبة من جديد رأسا على عقب، الا ان الخلطة هذه المرة تكاد تقطع شعرة معاوية التى كانت بين الخرطوم وأسمرا لان ظهور طلاع القوات المصرية وطائرته فى قاعدة ساوا الارترى الذى يقع على مقربة من الحدود السودانية الشرقية مما يعتبر ذلك تهديدا مباشر لسودان المفيد. ولم يتأخر السودان فى اتخاذ تدابره الاولية التى تمثلت فى اعلان حالة الطوارئ فى ولاية كسلا وحشد قواته تقدر اكثر من 40 الف مدججين بكامل معداتهم العسكرية بل هناك اخبار تشير الى ان الخرطو تنسق مع الجانب الاثيوبى فى تأمين حدودها الطويلة مع ارتريا.

واثيوبيا هى الاخرى لها مخاوف كبيرة من التواجد المصرى فى ارتريا وهى على ابواب اكمال مشروعها الكبير (سد النهضة) الذى تعتبره مصر تهديد مباشر لمصالحها المائية. وكل هذا الضباب فى سماء الخرطوم وأسمرا يشير ان هناك احداث جديدة بين البلدين وخاصة اذا وضعنا فى الاعتبار الانباء التى تشير على حدوث لقاء مشترك فى قاعدة ساوا الارترى بين قيادات عسكرية (ارتريا ومصرية واماراتية ومعهم قيادة المعارضة السودانية) الذى نفته ارتريا فى وسائل اعلامها على شكل تهكم.

الان السؤال الذى يطرح نفسه كيف سيتعامل السودان مع قوى المعارضة الارترية التى طردها من بلاده قبل 14 عاما عقب تحسن علاقته مع (اسياس افورقى) فى حالة انسداد كل السبل معه الان ؟ والجدير بالذكر ان اسياس وقتها سوق سلام وهمى لسودان من اجل تحقيق مآربه الاقتصادية والسياسية، بل جعل القصر الجمهورى يتعاملون معه وفق اهوائه وفرض عليهم عدم التعامل مع قوى المعارضة الارترية احيانا بالتهديد واخرى بتسويق معلومات تفيد ان استخباراته تتواجد داخل قوى المعارضة الارترية، رغم ان مثل هذه الامور قضايا نسبية الا ان التعامل معها بشكل مطلق من قبل السودان شل تعاملهم تماما مع قوى المعارضة الارترية مما اضحى الملف الارترى بكامله فى اديس ابابا اكثر منه فى الخرطوم.

الا ان السودان سيكون مضطر التعامل مع المعارضة الارترية اذا قبل اسياس المهام التى اوكلت اليه من اعداء السودان فى الوقت الحالى والسيد افورقى معروف عنه اذا اقدم على شى يقدم عليه بقوة وهو دائما يراهن على الحاق الضرر بالسودان عبر تحريك عناصر المعارضة السودانية الشرقية منها والدارفورية ودعمها فكرا ولوجستيا،بل استخباراتيا فضلا عن ان هذا الرجل يجيد الفهم واللعب على الخارطة الاجتماعية فى مناطق الحدود.

الازمة السودانية الارترية الان هى فى غاية الخطورة والحساسية لما يكتنفها من التحالفات غاية فى التعقيد قد تدخل المنطقة برمتها الى ازمة طويلة المدى وان اشتعلت الحرب لا قدر الله قد تأكل اليابس والاخضر، من ينظر الى خارطة التحالفات وتعقيداتها يدرك جليا ان الامر ليس سهلا ولم تكن نزهة مما يتطلب الوضع استعداد حقيقى والمعارضة الارترية قد تخفف العبئ عن كاهل السودان اذا ما تعامل معها هذا الاخير تعامل استراتيجى من خلال ادراك والفهم العميق للخارطة السياسية والاجتماعية فى ارتريا.

وعلى قوى المعارضة الارترية عليها ان تستفيد من هذه المستجدات فى المنطقة مما يحتم عليها واجبها الوطنى ان تتناس خلافاتها السياسية والايدلوجية وتؤجل مصالحها التنظيمية الضيقة من اجل توظيف الاحداث الحالية لصالح الشعب الارترى الذى تعرض لمعاناة طويلة عبر التاريخ والمجلس الوطنى الارترى للتغيير الديمقراطى هو الاطار المناسب والمتاحة فى الوقت الحالى بمؤسساته ووثائقه لخلق جبهة وطنية عريضة مع تنظيمات اخرى لم تلتحق به لاسقاط النظام الديكتاتورى فى ارتريا وللحيلولة دون حدوث فوضة التى تعقب دائما سقوط الانظمة الشمولية فى دول عديمة المؤسسات مثل أرتريا.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click