إنتفاضة الضياء.. بداية النهاية لحكم الهقدف

بقلم المهندس: سليمان دارشح

أرتريا بلاد خير وفير، ورزق عميم، شعبها مضرب المثل في البطولة والشجاعة والكرم والإقدام،

منح هذا الشعب الأصيل خلال مسيرته النضالية التي أمتدت لأكثر من ثلاثة عقود أرضه الطيبة أرواح أبنائه الغالية ودماءهم الذكية، وتحمل أنواعاً شتى من العذاب وألواناً من الحرمان، وواجه صنوفاً من الإضطهاد والقهر والتشريد، مجسداً بذلك أروع صور التضحية والفداء والبطولة، حتى إستطاع أن يحقق بإقتدار النصر المؤزر ونال مبتغاه وفرض خياره الوطني ليكون الإستقلال التام دون الخيارات التي حاول المعتدون الأشرار فرضها.

وبعد الإستقلال كان يفترض علي قادة الثورة أن ينتقلوا بالثورة إلي مرحلة بناء دولة المواطنة والقانون والحق والعدل، ويدفعوا بالعمل الوطني خطوات في سبيل تدعيم الوحدة الوطنية بحيث يشعر الجميع بأنهم جميعاً أبناء وطن واحد وأن تضحياتهم لا تذهب لمصلحة فئة بعينها، بل لمصلحة جميع أهل البلاد بمختلف انتماءاتكم السياسية والفكرية والعقائدية.

ولكن مصيبة هذا البلد منذ أن سطا الهقدف علي دفة الحكم فيه، سخر كل إمكانياته المادية والعسكرية للقضاء علي تطلعات وطموحات الشعب، فلم يترك أي عمل من شأنه يستفز مشاعره ويسلب كرامته الإنسانية إلا وأرتكبه، صادرت الحريات العامة وكمم الأفواه وأغلق خلاوي تحفيظ القرآن الكريم والمعاهد والمدارس الدينية وأوقف أنشطة المساجد والكنائس من محاضرات والدروس العلمية الدينية البحته، وأعتقل الدعاة والائمة المسلمين والقساوسة المسيحين والمعلمين والسياسيين، وعمل علي عسكرة الفتيات بالقوة والزج بهن في المعسكرات المختلطة والتي تنتشر فيها بشكل فاضح الرذيلة بكل أشكالها، فضلاً أنه أوصل البلاد اليوم إلي مؤخرة الدول من حيث الفقر والغلاء والبؤس والتخلف وتداعي كل الأساسيات الأولية لكل عمل وفي أي مجال وحقل.

والأدهي والأمر وصلت أساليب إحتقار وإستهزاء وسخرية النظام للشعب بوصفهم بأنهم مثل الخراف لا يقدرون أن يرفعوا رؤسهم ولا يثورون ولا يحتجون ولا يتظاهرون، ولا يرفضون سياساته الخرقاء وتصرفاته الحمقاء، وهم - حسب زعمه - يسيرون كقطعان وخراف التي تساق إلي المراعي ومنه إلي حظائرها، لا خروف أو مجموعة تخرج عن خط السير أو تتمرد أو تحتج أو ترفض الإنصياع لأوامر ونواهي راعيها أو حارسها.

فجاءت إنتفاضة الضياء (2017/10/31م) ولعلها تكاد تكون الأولي من نوعها، لتقلب حساباته رأساً علي عقب والتي زلزلت الأرض تحت أقدامه، وإنفجرت بركاناً، فكانت بحق بداية النهاية لحكمة الدكتاتوري.

وهنا أستيقظ نظام الهقدف ليجد أن الشعب الذي ظنه إستكان ووصفه أنه مجرد الخراف يفاجئه بما لم يكن في حساباته وتقديره، خرج في كل المدن والقري ليقاوم جرائمه، شاهراً هتافاته ومحول الغضب المحبوس في صدوره إلي عصيان يدك عرش نظامه الإستبدادي ويفتح الطريق للعبور إلي ارتريا الحرية والسلام والحياة الكريمة، أرتريا التي تكون فيها المواطنة هي الأساس الأوحد لنيل الحقوق وآداء الواجبات.

وكعادته كان هذا النظام الدموي بصب غضبه علي الطلاب الأبرياء العزل وذويهم تقتيلاً ومطاردة دون وازع من الضمير الاخلاقي، بل وذهب - الهقدف - إلي أبعد من ذلك عندما رفض، رفضاً باتاً مطالب الشعب وإنكار الواقع والإستخفاف بالأحداث التي راح ضحيتها ثمانية وعشرين قتيلاً ومائة جريح وإعتقال المئات من المتظاهرين، كما أنه وصف الأحداث بتحدي صارخ أنها ملاكمة مع الاطفال وكبار السن والتسعينين !! مما يدل علي تمادي النظام في دكتاتوريته، وهذا يدل بأن عقلية الهقدف لا تزال غارقة في أوهامها وتخميناتها الخاطئة التي عفا عنها الزمن وتخطتها سنن التطور والرقي.

فصفوة القول: أن الوقت قد أزف، وإن الساعة قد دقت، وإن فجر الخلاص لاح، ولابد أن تنتهز قوي المعارضة الوطنية الأرترية فرصة أحداث إنتفاضة الضياء ولا تضيعها اليوم لتبكي وتندم عليها غداً.. كما يجب أن قوي المعارضة أن تبادر بشكل سريع لتكون لجنة موحدة - محددة المهام - تشارك في عضويتها جميع فصائل وأحزاب المعارضة دون أي إستثناء ودعمها - اللجنة - مادياً ومعنوياً لتعمل علي إستنهاض همم وعزائم الجماهير الأرترية للاطلاع بدورها المنشود في مواجهة النظام في الشوارع والميادين العامة اليوم قبل الغد.

فهل المعارضة عازمة لركن إنتماءاتها السياسية والتنظيمية والفكرية لرص صفوفها يداً واحدة وعزماً واحداً وتصميماً واحداً لا يعرف الهودة واللين والتراجع للسير في طريق إنتفاضة الضياء حتي يتم إزالت من وجه هذا البلد الغالي كل التشوهات والكدمات التي ألصقها وخلقها عليه نظام الهقدف الغاشم علي مر السنوات، وكنس أوساخه النتنه وتشيعه إلي مزابل التاريخ ومحاكمة رموزه ؟

أحسب هذا سؤال مهم للغاية تجيب عليه الأحداث القادمة التي ستضع قوي المعارضة الأرترية علي محك واقع الفعل.

Top
X

Right Click

No Right Click