صبراً... سيأتي يوم الخلاص

بقلم المهندس الأستاذ: سليمان دار شح

أحدثكم اليوم أيها الأحباب عن محنة أحدى القرى الأرترية، المكتظة بالسكان أرضها ذات زرع

وضرع وغنية بمياهها الفائضة، مناخها يرد الروح ويشفي العليل، قوانينها شرع الله والأعراف الكريمة، يعيش سكانها في ترابط وتعاون وتأخ وود، بما يعكس مدي انسجام النسيج الاجتماعي، وكانوا يتطلعون بشوق كبير بعد تحرير البلاد إلي العدل والسلام والإستقرار والتنمية لكي ينعموا كغيرهم من شعوب العالم بالحياة الحرة الكريمة.

ولكن آفة هذه القرية الطيبة ومحنتها الكبرى يتمثل في اليوم الأسود الذي تم فيه تعين بقوة السلاح شخص مستبد ظالم ليس له دين ولا أخلاق، رئيساً لقريتهم، كان هذا الرجل المعتوه يتحكم في مصائر أهل القرية وأحوالهم وينهب أرزاقهم، وينتهك أعراضهم ويذل كرامتهم، إلي درجة أن أحال حياتهم إلي عذاب وجحيم لايطاق، لم يروا مثله أيام الإستعمار.

وبقدر ما أجتمعوا - أهل القرية - وتوالت بينهم الآرء للتخلص من هذا الشخص الظالم، ومن شروره وآثامه، إلا أنهم عجزوا عن إيجاد وسيله لهذا الخلاص، وهم في همهم وحيرتهم جاءهم أحد أبناء قريتهم المعروف بتفكيره وتدبيره، جاءهم ببشرى الخلاص !! أقترح عليهم الخلاص من هذا الجبروت أن يقدموا شكواهم إلي رئيسه في الأقليم، ولأنهم كانوا قد وصلوا إلي مرحلة اليأس والقنوط من كيفية الخلاص، فإن أقتراحه وجد بينهم القبول والترحيب الحارين، ومن فورهم شرعوا في تنفيذ الفكرة، فأرسلوا مناديب منهم إلي مقر الأقليم في الخفاء والسر، ليعدوا العدة ويمهدوا الطريق. وفي ذات الصباح باكر وكان النوم لا زال يطبق علي أهداب القرية، خرج الناس، بعضهم علي الدواب والبعض الأخر راكب أرجلهم، متجهين إلي مقر رئيس الأقليم للمطالبة بالفكاك من ربقة هذا الظالم المعتوه !!. إلا أن شكواهم لم تثمر، لم تأتي بنتائج واضحة تخلصهم من هذا الكابوس الذي يجثم علي صدورهم ويكتم علي أنفاسهم !!

لم ييأسوا - أهل القرية - فشد من هناك مناديب منهم في السر الرحال إلي حيث مقر السلطة الحاكمة للبلاد حاملين شكواهم واحتياجاتهم، إلا أنها خذلتهم أيضاً ولم تنظر في قضيتهم العادلة ومطالبهم المشروعة، والأدهي والأمر قام أحد مسؤولي الأجهزة الأمنية في البلاد بتهديدهم وإرهابهم قائلاً لهم: (مجيئكم إلي هنا وإحتجاجكم يُعد خروجاً عن القانون والنظام، ويهدد الأمن الوطني، بل إذا تماديتم في هذا السلوك هو جريمة كبرى تعرضكم لعقوبة الإعدام أو السجن مدي الحياة).

وهنا لملم هؤلاء المواطنين الشرفاء أطرافهم علي عجل مغادرين إلي قريتهم المنكوبة، وعلائم الخوف والحسرة والخيبة منعقدة علي جباههم!!.

فأصبح حالهم ينطبق عليه المثل: (كالمستجير من الرمضاء بالنار) أي بمعني تعرضوا لظلم شديد فحاولوا الفرار منه فلجوا إلي ظلم أشد مما هم فيه. أستجاروا من الرمضاء - وهي رماد النار - بالنار الملتهبة لينجوا من خطر الرمضاء !!.

وكلما كان يترامي لرئيس قريتهم الظالم والمستبد أنهم ذهبوا شاكين، محتجين، هنا وهناك ونكصوا علي أعقابهم خائبين، كلما أشتد ضغطه عليهم، وأخرج لهم من أساليب التكدير ما لا عهد لهم به !!.

وقبل أن يتسرب اليأس والقنوط في نفوس أهل القرية الطيبة، أنطلق صوت أبنهم ذاك صائحاً في ملأ منهم: (لا تخافوا.. ولا تيأسوا.. سنجد إن شاء الله طرق آخري وسنتخلص من هذا البلاء.. ألزموا الصبر كما تعودنا ذلك منكم.. قريباً.. قريباً جداً.. سينهار الظلم وسيطويه الإهمال إلي الأبد.

دوي التصفيق من الجميع، تفرقوا إلي منازلهم في إنتظار هذا اليوم، وترصد طريق الخلاص التي قال أبنهم البار أنهم سيجدونها حتماً.. ولا يأس مع الأمل.. فصبراً سيأتي هذا اليوم.

Top
X

Right Click

No Right Click