القائد الشهيد سليمان آدم سليمان... قامة بحجم وطن

بقلم المهندس: سليمان فايد دارشح - كاتب وبـاحث ارترى

المجد يركع ساجداً تحت أقدام العظماء الذين نذروا أرواحهم رخيصة من أجل رفعة الوطن، وكانوا مشاعل النور

في كل المحطات.

وساهموا في بلورة وصياغة المنجرات الوطنية رغم قهر الجلاد والظروف والمعيقات والتحديات، ورسموا لنا بعطائهم الموفور خارطة وحدود الوطن وكتبوا على صدر بوابة التاريخ أسمائهم بأحرف من نور.. كان القامة السامقة المغفور له بإذن الله تعالى سليمان آدم سليمان من هؤلاء العظماء الأماجد.

أنني ليس هنا بصدد تعداد محطاته النضالية، لأن الكتابة عن شخصية بحجم القائد الشهيد سليمان آدم سليمان، بحاجة إلى متسع من الوقت، كونه رجل له تاريخ نضالي واسع ومشرف امتد لأكثر من خمسة عقود في مختلف الظروف من حيث الزمان والمكان.

هو - رحمة الله - شعلة مضيئة، حسن الطباع والخلق، تميز بالكرم والمروءة ورحابة الصدر، كان مثالاً للزهد والتقوى.. كان محبوباً مما أكسبه التفاف الناس حوله، كان عطوفاً حليماً ملماً بأمور دينه الحنيف متعلق قلبه بالمساجد وتلاوة القرآن الكريم. كان سلاحه دائماً الصدق والعدل والأمانة والاستقامة، لذلك علا شأنه بين الناس وحبوه ومنحوه ثقتهم عندما عرفوا فيه تدينه ووطنيته و إخلاصهم لقضاياهم وإحساس مرهف بمعاناتهم.

أبو محمد - رحمه الله - رجل قريب إلى النفس، تتميز شخصيته بالهدوء في الطبع وصدق في المعاملة، وإخلاص في العمل، شهد له الناس جميعاً أنه رجل وطني غيور هميم شجاع يقول الحق، ولا يخاف فيه غير الله.

ومن مزاياه أنه رجل اجتماعي من الطراز الأول، لا يغيب في الأفراح والأتراح، ويعود المريض ويودع المسافر، ويستقبل الأيب، ويكرم الضيف، ويعين على نوائب الزمان بإمكانياته المحدودة، ويسخر نفسه لخدمة غيره بلا كلل أو ملل.
يسعى دوماً لحل قضايا الخلافات والصراعات السياسية والاجتماعية بين الناس ويعمل جاهداً لاحتواء المشاكل وإخماد الفتن.

يبذلون المصلحون جلَّ جهدهم لإصلاح ما أفسده الدهر بين الشعب عامة والمناضلين خاصة، ثم إذا عجزوا وانعدمت السبل ووصل الحال إلى الطريق المسدود يقال: (هناك أبو محمد سليمان آدم سليمان) كونه جمع من الدهاء المكتسب والحكمة الفطرية، وعقلاني متزن في كل أقواله وأفعاله، وينظر في الأمور من كل النواحي والاتجاهات قبل البث في الأمور، و صاحب تجربة طويلة في الحياة ومعرفة تامة بالواقع الإرتري.

رجل بحجم وطن باحث عن عزة إرتريا وكرامة شعبها منذ نعومة أظافره، لم يكن باحثاً عن مكانة يرى أنه لم يبلغها، ولم يكن معنياً بما وصل إليه الآخرين من مناصب وجاه، بل كان وطنياً شريفاً مقبلاً على نفسه كنسمة هواء بارد لا تجرح ولا تدمي ولا تخدش جسماً أو حياء.

ويبدو إن هذه الصفات الطيبة تعود إلى موروثات عن أسرته العريقة - آل دقي - المفعمة بالمشاعر الإنسانية والتقوى والصلاح، والمتأصل في نفوسها حب الناس والتواصل مع الآخرين.

كان القائد الشهيد سليمان آدم سليمان - طيب الله ثراه - يتمتع بشخصية قيادية عالية السمات ومهارات القائد الفذ، كان صاحب بصيرة ونظرة ثاقبة، وقراءة دقيقة لمجريات الأحداث والمستقبل، هذه الصفات جعلته أكثر قدرة على مواصلة طريقه في صفوف التضحية والفداء والإقدام، ليصبح من أبرز الرموز والقيادات التاريخية للثورة الإرترية التي حبرت صفحاتها في سجل التاريخ الوطني الإرتري، وهو أحد فرسان الثورة الإرترية المجيدة، رفدها بجهده وفكره المتَّقِد وإبداعه المتجدد، فكان بحق نموذجاً للمناضل الوطني الغيور المثقف الديمقراطي، والممارس الذي يقرن الفكر والتطبيق، كان أحد صناع المجد الحضاري الإرتري في أوائل الستينيات التي كانت فيه البدايات الأولى لتأسيس جبهة التحرير الإرترية، من أجل تحرير البلاد من الاستعمار الأثيوبي الغاشم، واكب - رحمة الله - تطورات الجبهة، التنظيمية والسياسية والعسكرية في كافة المحطات، كان محل احترام وتقدير قياداته ورفاقه المناضلين، كسب ود واحترام كل من تعامل معه، لسمو أخلاقه وصدقه وتواضعه الجَّم.

وكان الفقيد ما قبل تأسيس جبهة التحرير الإرترية، عضواً بارزاً وفعالاً في حركة تحرير ارتريا، حيث قام مع رفاقه المناضلين بتأسيس الخلايا السرية للحركة في المنطقة الغربية، والتي كانت تعد من أنشط خلايا الداخل.

وعندما كمم النظام الحاكم في ارتريا الأفواه وصادر الحريات العامة، امتشق القائد الشهيد سليمان آدم سليمان، سيفه للنضال من أجل تحقيق الحرية والعدالة والمساواة الاجتماعية في ارتريا الواسعة التي تتسع للجميع بمختلف الانتماءات والاتجاهات السياسية والفكرية.

كان يرى - رحمه الله - أن تكون ارتريا مؤسسة لثقافة وطنية حوارية تتقبل الرأي والرأي الآخر وتفتح فضاءات الحوار والحب والإخاء والتسامح والعيش المشترك والتعايش السلمي بين أبناء الوطن الإرتري.

كان - رحمه الله - رجل حوار واستماع، ولم يعرف عنه في يوم ما وهو الرجل المثقف والمتفتح على ثقافة العصر وأدواته، إن انفرد برأي أو تعصب لموقف من المواقف، وإنما كان دائماً مع الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة الوطنية.

لقد كان القائد الشهيد سليمان آدم سليمان معروفاً بانحيازه الكبير إلى قضايا أبناء شعبه من أجل إشاعة وخلق القيم والمبادئ الإنسانية، وغرس الثقافة الوطنية بين أبناء الوطن الإرتري.

كان وحدوياً جامع لا مفتت، فحيث ما حل وأقام تجده شغوفاً بتقريب المسافات بين المناضلين وتعزيزه لجمع روحي للشعب بمختلف انتماءاته السياسية والفكرية والطائفية والمذهبية والقبلية في جسد الوطن الواحد الإرتري الحر الديمقراطي المدني الحضاري الحديث.

فكان يردد - رحمه الله - القول دائماً: (الشعب روح طيبة، سلوك وتقاليد حضارية رائعة وجميلة، روح محسوسة بالإيمان والقيم والأخلاق والحكمة الجمعية في العيش المشترك والتعايش السلمي الآمن بين أبناء الشعب الإرتري على امتداد ساحة الوطن).

كانت تربطني بالرجل - رحمه الله - علاقة قوية توثقت عراها خلال سنوات طوال - في الميدان و السودان وليبيا والعراق والقاهرة - أبانت لي طوية الرجل الطاهرة وبساطته في كل مظاهر الحياة، الرجل مفكر وطني وسياسي بارز سطع نجمه في سماء وفضاءات العمل السياسي والنضالي التحريري الوطني والعربي والعالمي، رجل متزن في مناقشاته، ومتوازناً في حواراته السياسية على المستوى المحلي والعالمي.

الرجل لم يدع معرفة كل شيء، ولذا كان دائماً يعزو الكلام والمعلومة لصاحبها، ويحدد بكل انسيابيه الأحداث والواقع التي كان حاضراً لها أو مساهماً في صناعتها، مع احترام وتقدير للجميع، فحتى أولئك الذين لم يكن متفقاً معهم في الخط السياسي كان يذكرهم باحترام، مدركاً أنه يروي عنهم وأنهم غير موجودين.

برحيل - يوم 8 فبراير 2017م - القائد الشهيد سليمان آدم سليمان خسرت ارتريا وخسر شعبها واحداً من الوجوه الوطنية البارزة، ومن الرجال الذين نافحوا بلا هوادة لإسقاط النظام الهقدف الدكتاتوري الذي خطف كل شيء جميل في ارتريا واغتال الآمال والطموحات التي تطلع لها الشعب الإرتري العظيم.

لذا يعجز اللسان اليوم رئاته، كما يجمد المداد في القلم حزناً عليه، ويحزن القلب لفراقه، وتذرف العيون الدموع سيلاً مهمر يبلل الشوق إليه.

نعم نحزن على فراقه لأنه رحل عنا قبل أن يكتمل الحلم الذي بذل وأفنى عمره من أجل تحقيقه، ألا وهو قيام دولة ارتريا لكل الارتريين، ولكنه سيبقى ساكناً في وجداننا مثل جميع الشهداء الذين سبقوه في الشهادة، وأبى إلا أن يلحق بهم، جميعهم، إن شاء الله سوف يستقبلوه عند مليك مقتدر، فقد أديت الأمانة التي كنت خير من أُتمن عليها، سيحملها رفاقكم الأوفياء الشرفاء من بعدكم جيل بعد جيل حتى يتحقق الحلم والأمل المنشود الذي ضحيت من أجله بالغالي والنفيس.

لذا لن نقول لك وللشهداء وداعاً، وإنما نقول لكم على اللقاء في الفردوس الأعلى (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) صدق الله العظيم (سورة الأحزاب 23).

وجل ما علينا قوله في ختام هذه السطور المتواضعة، هو الدعاء لأبو محمد بالمغفرة والرحمة والمنزلة الحسنة، سائلين الله عز وجل أن يلهم أهله وذويه وكل الإرتريين الأخيار الصبر والسلوان، والله ما أخذ وله ما ترك وكل شيء عنده بمقدار، وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

Top
X

Right Click

No Right Click