سجن ”عيرا عيرو“ يتلاشى فيه كبارنا وسجن ”قيح كُوكين“ يفنى فيه صغارنا
بقلم الأستاذ: برهان تسفا ترجمة: مكتب الإعلام والثقافة بجبهة الإنقاذ الوطني الإرترية
سجن عيراعيرو هو سجن يتلاشى فيه كبارنا وسجن قيح كوكين مكان يفنى فيه صغارنا.
الأول يقع في ضواحي سلمونا والثاني في ضواحي نقفا، وكليهما يقعان في منطقة شمال البحر الاحمر. وهذه السجون التي يعذب فيها الآباء والأطفال يحرسها جيش احتياطي معروف باسم الفيلق رقم 61.
”قيح كوكين“ كان منذ نهاية 2010 - 2011 موقعًا لوحدات الهندسة، وأطلق عليه في شهر أبريل 2011 اسم أدوليس ويعرف الآن بـ ”قيح كوكين“، ومساحته تساوي 500 في 300 متر ومحاط بأسلاك شائكة. وحرس المعتقل يتكون من 35 فرد مسلح وهم من وحدات الفرقة 61 الاحتياطية. وقد وضعت باتجاه اليسار يافطة كتب عليها عبارة الترحيب عند مدخل نقفة. وهو سجن خاص لأطفال تحت سن الرشد.
و قيح كوكين ليس مدرسة داخلية كما يزعم نظام الهقدف لأنها تحت مسؤولية تامة لقوات الدفاع - الجبهة الشمالية، وليس له أية صلة بالجهات التعليمية والأجهزة الحكومية الأخرى المعنية بالتعليم. أما معاملة الأطفال في هذا السجن والجرائم التي ترتكب بحقهم لا تقتصر على انتهاك حقوقهم الإنسانية فقط بل بلغت حدًّا أصبحت تهدد حياتهم.
افتتح هذا الموقع مع تزايد عدد الهاربين من صغار السن بنسبة عالية جدًا. والمعتقلون في هذا السجن ليسوا فقط ممن تم القبض عليهم وهم يحاولون الهروب، بل هناك أيضا أعداد من الأطفال المشردين والمحرومين من كل مقومات الحياة، والذين يقومون بمحاولة توفير أبسط متطلبات العيش من خلال مزاولة أعمال مختلفة مثل العمل كمساعدين في سيارات النقل أو الشحن، أو بيع اللبان والفول ومواد أخرى بسيطة. ويضم هؤلاء أيضا مشردون أو ما يطلق عليهم ”أطفال الشوارع“.. وتتراوح أعمارهم ما بين 7-17 أعوام.
المشرف على هذا السجن يدعى حامد منجوس وهو من ابناء كرن ومساعده عثمان بركاي من ابناء نقفة والمسؤول الإداري كان المدعو ولديزقي من أبناء عد تكليزان وهو سيئ السمعة حيث ارتكب جرائم مختلفة بحق الأطفال وهرب في الآونة الأخيرة إلى السودان.
في داخل هذا السجن تتواجد مقرات الإدارة ومساكنهم الخاصة. وبعد اجتيازها تجد مساكن تسمى مواقع 53 و61 ويسكنها من قدموا من هيئة التدريب التابعة للفرقة 53 (قرقرا)، والقادمين من شمال البحر الأحمر وعنسبا وقاش بركة بواسطة حملة التجنيد بعد مرورهم بهيئة التدريب للفرقة 61 (نقفة). وعددهم يبلغ 140 فردًا وأعمارهم تتراوح من 15-17 عام.
وعندما تواصل المسير تصادف موقعًا للفتيات الصغيرات والذي يسمى مسكن البنات وعددهن يصل إلى 100 فتاة. والشيء المؤسف والمحزن أنهن يتعرضن بشكل مستمر للاعتداء الجنسي، بالإضافة إلي قيامهن بأعمال الغسيل والطبخ وتنظيف مساكن المسؤولين.
ومن الخادمات الأساسيات للمسؤولين الثلاث عن ذالك المعسكر، ناروا من منطقة “قام ظيوا“، وسمهر من تسني، وسامية من قلوج، و نورة وويني.
ومن ممارساتهم غير الأخلاقية أنهم يتحدثون عن أفعالهم المشينة مع تلك الفتيات بذكر أسمائهن علنا. فهم يمارسون هذا الأعمال الدنيئة في أي وقت من الأوقات وفي أي مكان يريدونه باستدعاء أي فتاة من تلك الفتيات الصغيرات. ولا خيار أمام البنات الأبرياء إلا الخضوع لرغبات عديمي الإنسانية هؤلاء، وذلك خوفا من العقاب وسوء المعاملة باختلاق تهم ضدهن، كما لا توجد أية جهة يمكن أن يلجأن إليها للخلاص من هذا الوضع المزري.
ومن بين الفتيات اللواتي تعرضن للاعتداء الجنسي، مرهاويت وعمرها 14 سنة من أسمرة، سمهر وعمرها 16 سنة من قلوج، وينتا وعمرها 14 سنة من أسمرة، ألماز وعمرها 15سنة من تكولو التي تقع في ضواحي ماي عيني، سمهر وعمرها 15، ومرهاويت وعمرها 17 سنة من ظرونا، نجاة وعمرها 14 سنة من أسمرة، خيرية وعمرها 17 سنة من تسني.
وهناك موقع يحمل اسم الحرف B يضم 120 طفلا تتراوح أعمارهم ما بين 7-12 سنة. يليه موقع آخر يسمى ”عريرب“ ويضم أطفال عمرهم من 13-17 عاما ويبلغ عددهم حوالي 130. كما يوجد موقع يسمى مقر الوزارة يسكن فيه الشباب اللذين يقومون بمهام التدريس وهم من الذين تم القبض عليهم أثناء الهروب ويصل عددهم حوالي 21 من بينهم 4 فتيات. والموقع الأخير يحمل اسم ”دندن الثورة“ فيه 130 من الأطفال وتترواح أعمارهم ما بين 14 إلى 16 سنة.
وعموما يصل عدد النزلاء في هذا السجن من 640-700 منهم 100 من الفتيات، وجميعهم قصر باستثناء 21 من الكبار اللذين يطلقون عليهم المعلمين. وهم أيضًا مقسمين حسب اعمارهم.
وتسمية “قيح كوكين” بمدرسة داخلية هي خدعة وبهدف الدعاية فقط ولا تتم هناك أية أنشطة تعليمية مفيدة. وما يسمونه التدريس هناك لا يتم حسب المراحل الدراسية. فهم يدرسون الفصل الأول والثاني معا والثالث والرابع أيضا في فصل واحد. والمعلم ينتقل من فصل إلى آخر باستمرار. ومن يكمل الفصل الحادي عشر منهم يعِدُونه بالاشتراك في امتحان الشهادة الثانوية لمواصلة التعليم العالي، ولكن لا يتم هذا نهائيا، بل هي مجرد وعود كاذبة. ومن ينهي الفصل الحادي عشر يلتحق بطاقم الحراسة لهذا السجن. لذلك فإن الهم الأول لهؤلاء الصغار هو التفكير في كيفية الهروب من هذا السجن.
والحالة المعيشية لهؤلاء صعبة للغاية ويعانون من جوع حقيقي. فمثلا فإن وجبة الفطور تتكون من رغيفين من الذرة مع كوب من الشاي. أما الغداء والعشاء فيقدمون لهم في كل وجبة رغيفين لكل فرد مع معلقتين من طبيخ العدس يتقاسمونه مع عشرة أفراد.
أما المياه التي يشربونها أويستعملونها للاستحمام فعلى الرغم من كونها شحيحة فهي أيضًا مالحة. والعربة المخصصة لنقل المياه تأتي إليهم كل ثلاثة أو أربعة أيام وفي بعض الأحيان تغيب لأكثر من أسبوع. أما الاستحمام فمن يحالفه الحظ يتم بعد أسبوعين، ومن لم يسعفه الحظ يضطر للانتظار لأكثر من ذالك.
أما الاحتياجات الأخرى مثل الصابون والحذاء فهذه غير متوفرة نهائيا. ولأن المنطقة شبه صحراوية فلا توجد فيها حتى النباتات التي يمكن استعمال أوراقها للغسيل. وطموح الأطفال وتمنياتهم الدائمة أن يعرف ذويهم مكان تواجدهم لربما جلبوا لهم الصابون والحذاء.
يتم إمداد المكان بالكهرباء لمدة أربعة ساعات فقط يوميا، أي من الساعة 6-10. أما الراديو أو التليفزيون فغير متوفر نهائيا، وبالتالي فإن الأطفال لا يعرفون شيئًا مما يجري في البلد أو العالم. وخشية من هروبهم يمنعونهم من القيام بممارسة لعبة كرة القدم أو أية نشاطات رياضية آخري.
الاتصالات الهاتفية غير مسموح بها. وإذا تمكن أحد أعضاء الأسرة من معرفة مكان تواجد ابنه ووصل إلى المعسكر يسمح لهم مقابلة الإبن تحت مراقبة الحراس وفي مكان مخصص لاستقبال الضيوف تحت شجرة موجودة بجوار المدخل ولمدة ربع ساعة فقط. وإذا أحضروا لهم أي نوع من المأكولات فيسمح لهم فقط أن يأكلوه في نفس المكان.
ولا يسمح لنزلاء هذا السجن التحرك لأي موقع آخر خارج مكان سكنهم ماعدا صفوف الدراسة أو مكان الأكل. ومن أجل قضاء الحاجة فإن الحرس يسوقون الأطفال في صفوف منتظمة. ولأنهم يتخوفون من موقع ”دندن ثورة“ و”عريرب“ يشددون الحراسة عليهم وتقفل عليهم الأبواب أثناء النوم.
أما في حالة حدوث هروب من الأطفال فيقومون بتجريد كل الأطفال من الأحذية ويجبرونهم للتحرك دون حذاء. أما بخصوص النوم فإن الأطفال يفترشون البرش (الحصيرة). وبسبب ضيق مكان النوم يجبرونهم بأن يناموا بطريقة تسمى نوم ”كورتيلو“، وهو أن ينام كل اثنين معا بإعطاء ظهرهم لبعضهم وفي صف مستقيم، وهكذا ليأتي بعدهم الآخرين ليشكلوا صفا آخر وهم يلامسون أرجل أطفال الصف الأول إلخ. أما الفتيات فهن أحسن حالا من الفتيان حيث خصص سرير لكل فتاتين.
نتيجة لسوء التغذية وعدم النظافة يتعرض نزلاء هذا السجن لأمراض مختلفة مستمرة، مثل تقرح الجلد والحساسية، الحصبة، الملاريا، والأمراض الصدرية.ولا يوجد علاج داخل هذا السجن. وعندما تشتد على الأطفال الصغار الأمراض وتتدهور صحتهم ويصلون إلي درجة خطيرة يأخذونهم تحت حراسة إلي مدينة نقفة. وفي معظم الأحيان تكون فرص إنقاذهم ضئيلة ويفارقون الحياة بعد وصولهم هناك. والدليل علي هذا هو ارتفاع نسبة الوفيات حيث توفي منهم حتى اللحظة 35 طفلا. ويوارون الثرى في مقبرة الشهداء بنقفة بواسطة زملائهم وبدون وضع أية إشارة تدل علي هوية المتوفى. إن أطفال ”قيح كوكين“ أصبحت لديهم خبرة في دفن الموتى، لأن من تحصدهم طلقات هيئة التدريب التابعة للفرقة 61 في الجيش الاحتياطي بتهمة محاولة الهروب، يكلف مسؤولو السجن زملاءهم في هذا السجن بالقيام بعملية دفنهم. علما بأن أسر المتوفين لا يتم إبلاغها بالأمر.
ومن الذين لقوا حتفهم في هذا السجن طفل يدعى شكي من أخريا - اسمرة وعمره سبعة أعوام، هيرمون نايزقي من أبناء كرن وُجد منتحر وعمره 17 عاما، وفلمون من اسمرة وعمره 17 عاما، ناتنائيل من أسمرة وعمره 7 أعوام، وطفل من ماي تمناي في اسمرة وعمره 7 أعوام، صالح من أفعبت وعمره 15 عاما، زايد من اسمرة وعمرها 14 عاما، والقائمة تطول.
وعند معاقبة الأطفال فيتم معاملتهم دون رحمة، حيث يحرمون من الأكل، ويأمرون بالزحف وممارسة حركات قاسية حتى ينهاروا ويفقدوا القوة، كما يتم رشهم بالمياه ويضربون بالعصي والهراوات وهم واقفون، ويتم اعتقالهم في دورات مياه مهجورة لفترة طويلة، ولا يسمح لهم الخروج منها.وممن تعرضوا لمثل هذا العقوبات إسياِس تسفاي من عدي خوالا وعمره 17 سنة، وناهوم (جون سينا) وعمره 16 سنة.
وفي مقدمة من كان لهم دورًا كبيرًا في إقامة هذا السجن من قيادات النظام نذكر الجنرال تخلي كفلاي (تخلي منجوس) والعقيد فظوم مسؤول التعليم في الجبهة الشمالية والعقيد برخت مبراهتو (كورونفوت) قائد الفرقة الاحتياطية 61، وقائد عسكري مسئول أركان الفرقة، والملازم جيزائي من إدارة الأركان للفرقة، أبوي رقوم مسؤول الشؤن الاجتماعية في فرقة الاحتياط 61، وودي سودان مسؤول هيئة التدريب في الفرقة.
وهكذا تعجز الكلمات من توصيف الأعمال الإجرامية التي تمارس في سجن ”قيح كوكين“، ضد الأطفال الأبرياء ولا يستطيع أحد أن يشعر مدى بشاعة هذا السحن الرهيب إلا من عاش في داخله واكتوى بناره. والحقيقة الواضحة هي أن ”قيح كوكين“ سجن يفنى فيه الصغار وعيراعيرو سجن يتلاشى فيه الكبار والعقلاء.