إرتريا من نور الإسلام إلى ظلام الغرب والصهيونية
تقرير: ابو وليد المهاجر - مُـتـابـع عام المصدر: عودة ودعوة
إرتريا ثان أرض تصلها دعوة خاتم الأنبياء بعد مكة المكرمة.. وأول أرض يهاجر إليها المسلون.. وأول أرض يأمن فيها المسلمون
فكافأوها بنور الإيمان.. كان الأمن أول ما ذاقه المسلمون.. والآن يتجرعون مرارة الخوف.
في البداية حملتهم أمواج البحر إليها.. والآن تتقاذفهم أمواج الظلم والاضطهاد.. فلماذا تغيرت الأحوال؟، وما الذي حصل للمسلمين هناك؟، وما هو حالهم الآن؟. أسئلة نحاول أن نجيب عنها لمعرفة حال المسلمين هناك.
نبذة عن إرتريا:
اسم إرتريا مشتق من الاسم اليوناني القديم للبحر الأحمر وهو (سينوس إرتريوس). وعندما احتل الإيطاليون الشواطئ الإرترية في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي أطلقوا اسم (إرتريا) عليها إحياء للتسمية الرومانية، وذلك بمرسوم أصدره الملك الإيطالي همبرت الأول في يناير 1890م.
تقع إرتريا على الساحل الغربي للبحر الأحمر، ويحدها من الشمال الغربي السودان، ومن الشرق والشمال الشرقي البحر الأحمر، ومن الجنوب أثيوبيا، ومن الجنوب الشرقي جيبوتي، وتبلغ مساحتها 124.000 كلم2، وتمتلك 126 جزيرة على البحر الأحمر أهمها جزيرة أرخبيل دهلك، وتتمتع بساحل طوله 1080 كلم.
عدد سكانها قرابة 5 ملايين نسمة، يشكل المسلمون غالبيتهم.
أهم المدن: أسمرا (العاصمة)، كرن، أغردات، بارنتو، تسني، أم حجر، نقفه، مندفرا، عدي قيح، ومينائي عصب وموصوع.
يعمل السكان بالزراعة والرعي والتجارة وبعض الصناعات الخفيفة.
وتتبع إريتريا (126) جزيرة، أهمها أرخبيل دُهلك وفيه نحو (25) جزيرة، أهمها من الناحية الإستراتيجية جزيرتا (فاطمة) و(حالب). ويزيد عدد السكان عن أربعة ملايين نسمة. 78% منهم مسلمون، والباقي ينتمون إلى تسع مجموعات دينية وعرقية ولغوية أخرى.
الإسلام في إريتريا:
في شهر رجب من العام الثامن قبل الهجرة سنة 614م كانت الهجرة إلى الحبشة البعثة الإسلامية الأولى وهناك على أرض مصوع أو باضع كما كان يطلق عليها العرب قديماً, هناك قام الصحابة ببناء أول مسجد في الإسلام المسمى بمسجد رأس مدر ومصوع هي بوابة دخول الإسلام في إفريقيا.
من أشهر ملوك البجه الملك بشر بن مروان بن إسحق، وبسط أمراء هذا البيت نفوذهم على ممالك البجه المترامية الأطراف من مصوع حتى جنوب أسوان وتولوا حكوماتها بتقليد من مصر وكان يلقب أمير البجه (الحدربي) نسبة إلى العنصر الممتاز وكان يكتب له في الأبواب السلطانية المصرية حتى أوائل القرن التاسع الهجري بالعنوان الآتي:
المجلس السامي الأميري الحدربي وبقوا على هذه الحالة حتى آخر عهد المماليك ، وكان تحت بشر بن مروان 3000 محارب من ربيعة ومضر واليمن و30 ألف من الحداربة من مسلمي البجه ممن اسلموا نتيجة لتداخلهم مع ربيعة. وبقيت مملكة البجه في العائلة الحدربية إلي عهد السلطان سليم عام 923م حيث أمر بسلخها عن الخلافة العثمانية وولي عليها أمراء وأتبعها لمصر.
في عهد الدولة الأموية والعباسية هاجرت بعض القبائل العربية إلى إرتريا، وأقامت فيها مراكز للدعوة والتجارة فتحولت غالبية القبائل الوثنية إلى الإسلام، ونشأت بعض الممالك العربية والإسلامية في جزر دهلك، بالإضافة إلى نشأة سبع ممالك داخلية عرفت باسم (بلاد الطراز الإسلامي).
ازدهرت التجارة بين الجزيرة العربية والقرن الأفريقي وكثر عدد الوافدين على باضع وغيرها من المدن الساحلية في القرن الثالث الهجري، وتوطد وجود الإسلام في السهول الساحلية الإرترية. وأخذ الإسلام في الانتشار بين الدناقل والبجاة والتقري سكان المناطق الساحلية الإرترية، وتجاوز الإسلام السهول الساحلية الإرترية، فوصل المرتفعات.
وعندما قامت الإمارات الإسلامية في جنوب وشرقي الحبشة امتد نفوذها إلى إرتريا. وعندما خاض الأئمة المسلمون حروبهم ضد الحبشة، اشترك المسلمون بالجهاد في إرتريا، ولقد نالهم من تحالف البرتغاليين مع الأحباش الشيء الكثير من التدمير، وتخريب المدن الساحلية مثل مدينة وميناء باضع (مصوع).
كان هذا أثر المحور الشرقي الذي وصل الإسلام عن طريقة إلى إرتريا. ومن الشمال والغرب محور آخر للدعوة الإسلامية إلى إرتريا، حيث كان الدعاة من السادة الأشراف ولقد كان لهم دور في نشر الإسلام وأيضا ساهم التجار العرب بين البجه، ولقد وصلهم الإسلام عن طريق شمالي السودان أيضا مع نزوح القبائل العربية من جهة صعيد مصر وخاصة بعد سيطرة المماليك على حكم مصر وحربهم في بعض الأحيان ضد القبائل العربية أو مهادنة العرب وإرسالهم لقتال النوبيين، فمثلاً عقد السلطان الناصر قلوون لسمرة بن مالك شيخ قبيلة الحداربة لواءً وشرف بالتشريف وقلد ذلك وكتب إلى ولاة الوجه القبلي عن آخرهم وسائر العربان بمساعدته ومعاضدته والركوب معه للغزو متى أراد، وكتب له تقليداً بأمره عربان القبيلة مما يلي قوص ومنشور له بما يفتحه من البلاد إلى حيث تصل غايته.
وعندما سيطر البرتغاليون على بعض سواحل البحر الأحمر ومن بينها شواطئ إرتريا في بداية القرن السادس عشر الميلادي، تدخل العثمانيون لمواجهة الخطر البرتغالي وحماية الأماكن المقدسة في مكة والمدينة من مهاجمة السفن الصليبية، وتمكنوا من الاستيلاء على (سواكن) و(مصوع) وجعلوا البحر الأحمر بحيرة عثمانية مغلقة. وخضعت سواحل إرتريا للحكم المصري بناء على فرمان أصدره السلطان العثماني سنة 1865م؛ فتحسنت أحوالها بعدما أصبح الساحل الإفريقي للبحر الأحمر في حوزة مصر.
الاستعمار الإيطالي:
بدأت الأطماع الإيطالية في إرتريا مع ضعف الحكم المصري في عهد إسماعيل نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، ودخل الإيطاليون إلى تلك المنطقة عبر بوابة الشركات والمؤسسات الاقتصادية التي يتحكم فيها المنصّرون ورجالات الكنائس؛ فاستطاع المنصر سابيتو أن يشتري قطعة أرض في ميناء عصب سنة 1869م، ثم أصدر مجلس النواب الإيطالي في 1882م قانوناً بتحويل عصب إلى مستعمرة إيطالية، وكانت سياسته فيها تقوم على العنصرية، ومحاربة اللغة العربية. واعترف الإمبراطور الحبشي منليك الثاني بحق إيطاليا في إرتريا حتى يستطيع مقاومة النفوذ الفرنسي والبريطاني.
واستمر الاحتلال الإيطالي 60 عاماً حتى تمكنت بريطانيا وحلفاؤها من هزيمة إيطاليا ودول المحور في الحرب العالمية الثانية، وأقامت بريطانيا بها إدارة عسكرية.
تم تشكيل جمعية تشريعية منتخبة في إريتريا أقرت الدستور الجديد للبلاد، وعلما خاصا بها، وسلطات قضائية وتشريعية خاصة بها، واعتمدت اللغتين العربية والتجيرينية لغتين رسميتين لإريتريا، وفي أغسطس 1952م صادق الإمبراطور هيلاسلاسي على الدستور الإريتري الجديد، ثم صادق على القانون الفيدرالي، وكانت تلك الخطوة الأولى في طريق الاستعمار الإثيوبي لإريتريا، شاركت في تعبيده القوى الاستعمارية الكبرى، وفي مقدمتها بريطانيا التي انسحبت من إرتريا في 15 من سبتمبر 1952م بعدما سلمت كل الممتلكات الإرترية من موانئ ومطارات ووسائل مواصلات إلى الجيش الإثيوبي، ولم تترك للحكومة الإرترية ما يمكن أن تؤسس عليه دولتها الوليدة.
وتشكلت أول حكومة إريترية برئاسة تدلا بايرو السكرتير العام لحزب الاتحاد مع إثيوبيا، ولم يستطع هيلاسلاسي أن ينتظر طويلاً ليرى تصرف الإرتريين في إطار الفيدرالية، فتعجل في تطبيق مخططه الاستعماري، وأصدر في نفس العام قرارًا يقضي بتطبيق القوانين والنظم الإثيوبية على إرتريا، كما نفذ خطة أخرى لتغيير التركيبة السكانية في إرتريا؛ فسلم الأراضي الخصبة في منطقة وادي زولا الإسلامية إلى نصارى الحبشة، وبنى لهم كنيسة وتكرر ذلك في المناطق الأخرى، ثم وقّع معاهدة مع الولايات المتحدة في مايو 1953م مُنحت بموجبها واشنطن الحق في إقامة قواعد ومنشآت عسكرية على أراضي إرتريا.
واتخذت إثيوبيا مجموعة من الإجراءات التعسفية ضد المسلمين الإرتريين، ولجأت إلى سلاح الدين لخلق الفرقة في إرتريا، فألفت حزبًا سياسيًا من رجال الدين المسيحيي تحت رئاسة القس ديمطروس الذي فرضته نائبا لرئيس البرلمان؛ فأثار ذلك غضب البرلمان الإرتري، ووجه إنذاراً لإثيوبيا بوجوب إعطاء الضمانات لسيادة الدستور الإرتري، وإلا طالب البرلمان بتدخل الأمم المتحدة.
استبد الغضب بهيلاسلاسي فعزل حكومة تدلا بايرو، وعين مكانه إسفهاولد ميكائيل الذي استخدم أساليب إرهابية ضد الوطنيين، ومنع جميع الأحزاب من العمل، وصاغ نظاما اقتصاديا قائمًا على الإقطاع.
وفي عام 1956م تم تعديل الدستور بناء على اقتراح حكومي، وألغيت اللغتان الرسميتان العربية والتجرينية، وحلت مكانهما اللغة الأمهرية، وألغي العلم الإريتري، ونص التعديل الجديد أن يعين رئيس الوزراء الإريتري من قِبل الإمبراطور مباشرة، فقوبلت هذه الإجراءات بغضب شديد، وتبين للإرتريين أن الأمم المتحدة لا تريد أن تتدخل في حل المشكلة الإرترية الذي كان قرار الفيدرالية السبب المباشر في قيامها.
لم يستسلم الإرتريون لحركة القمع الإثيوبية، وتمكن العمال المهاجرون عام 1958م من تأسيس حركة تحرير إرتريا، التي كانت تنظيما سريا يتكون من خلايا تتكون من سبعة أفراد، وكان أبرز قادتها محمد سعيد نادو، وكان شعارها العنف الثوري هو الطريق الوحيد للاستقلال. وبدأت الحركة بتنظيم الخارج من المهاجرين ثم انتقلت إلى الداخل. ونشأت - أيضا - جبهة التحرير الإرترية، وحدث صراع وتنافس قوي بين التنظيمين.
ونشأت جبهة التحرير في عام 1960م، وقادها حامد إدريس عواتي الذي أعلن الثورة المسلحة للحصول على الاستقلال التام في سبتمبر 1961م)، واتسع نطاق الثورة وغطت معظم مساحات إريتريا، وأصبحت حربا قومية في كافة الأقاليم؛ فأصدر الإمبراطور هيلاسلاسي قرارًا في 14 من نوفمبر 1962م ألغى بموجبه الاتحاد الفيدرالي، وأعلن ضم إريتريا إلى إثيوبيا نهائيا، وجعلها الولاية الرابعة عشرة لإثيوبيا.
فشلت إثيوبيا في القضاء على الثورة الإريترية المسلحة، فاتجهت إلى الشعب ومارست معه العنف حتى يبتعد عن مساندة الثوار، فازداد الشعب التصاقا بالثورة التي أصبحت تتمتع بالتأييد الشعبي المطلق، وساعدها على الاستمرار ضعف الوجود العسكري الإثيوبي في إرتريا، وطبيعة التضاريس التي تساعد على حرب العصابات وتعوق تقدم الجيوش النظامية، وانضم إلى الثورة كثير من رجال الجيش والشرطة من الإرتريين.
كانت المشكلة التي تواجه الثورة الإريترية تكمن في تناحر قياداتها، والتوجهات اليسارية التي تسللت إلى الثورة بعد سنوات قليلة من تأسيس جبهة التحرير، فكان اليساريون والماركسيون وراء كل انشقاق وكل شرخ يحدث في صف الوطنيين؛ فالجبهة الشعبية لتحرير إريتريا تشكلت عام 1969م بعد انشقاقها على الجبهة الأم، وكان من زعمائها أسياس أفورقي وكانت توجهاته ماركسية.
وتوسعت هذه الجبهة الشعبية لتصبح أهم منظمة تحريرية في البلاد، ثم انشق أفورقي عن القيادة العامة، وشارك في تأسيس قوات التحرير الشعبية، وحدثت حرب أهلية بين هؤلاء الثوار انتهت عام 1974م وبعد عام عقد مؤتمر الخرطوم بين هذه الفصائل المتناحرة، لكن هذه الاتفاقية لم تصمد طويلا، بل كانت سببا في انشقاقات أخرى، وأعلن أفورقي وأنصاره من المقاتلين رفضه للوحدة الفوقية التي تمت في اتفاق الخرطوم.
وفي يناير 1977م انشق أفورقي عن قوات التحرير الشعبية، وأعلن تشكيل (الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا)، وعكس هذا الانشقاق الجديد انقساما ثقافيا؛ فأفورقي ذو توجهات يسارية مع كونه من أبناء الطائفة النصرانية، واستطاعت هذه الجبهة تصفية الانشقاقات الأخرى، وانفردت بالساحة في إرتريا.
وفي عام 1974م تغير نظام الحكم في إثيوبيا بعد المجاعة، وتولى عسكريون ماركسيون بزعامة مانجستو هيلاماريام مقاليد السلطة، وراهنت الجبهة الشعبية على تحقيق تفاهم ما مع النظام الجديد نظراً للتقارب الفكري بينهما، وتمت لقاءات بين الجانبين تحت رعاية الاتحاد السوفيتي وألمانيا الشرقية، لكنها لم تتوصل إلى شيء واستمرت مقاومة الاستعمار الإثيوبي.
وسجلت تقارير حقوق الإنسان في تلك الفترة من نظام مانجستو أنه يمارس حرب إبادة ضد مسلمي إريتريا، ويعمل على تغيير هويتهم نحو الشيوعية باتباعه سياسة الأرض المحروقة وتسميم الآبار ومصادرة المواشي والقضاء على أية إمكانات للبقاء على الأرض؛ فقام الإرتريون بتوحيد جهودهم وصفوفهم عام 1979م، وخاضوا حرب تحرير مريرة لتحقيق الاستقلال حققت خلالها انتصارات كبيرة وأرهقت نُظُم مانجستو.
وتحالفت الجبهة الشعبية بزعامة أفورقي مع المعارضين الإثيوبيين بزعامة ميلس زيناوي تحت رعاية الإدارة الأمريكية في مؤتمر عقد بلندن نسق له وليام كوهين مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية، وذلك لإسقاط نظام مانجستو، وانتهى المؤتمر باتفاق رعته واشنطن يقضي باعتراف إثيوبيا بحق تقرير المصير للشعب الإرتري على أن يختار بين الوحدة والانفصال، مقابل أن يلتزم أفورقي بدعم زيناوي في سعيه للتغلب على مناوئيه السياسيين وتولي السلطة، وأن تسمح إرتريا عندئذ باستخدام إثيوبيا ميناء عصب وكذا مصوع للأغراض التجارية.
ونجح الطرفان في إسقاط مانجستو، وتولى زيناوي حكم إثيوبيا، وأعلن استقلال إرتريا في 25 من مايو 1991م، وتشكلت حكومة مؤقتة أجرت استفتاء عاما على الاستقلال تحت إشراف الجامعة العربية والأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية، وجاءت نتيجته 99% للاستقلال؛ فأصبحت إرتريا دولة مستقلة ذات سيادة في 23 من مايو 1993م، ثم انتخب أسياس أفورقي رئيسا للبلاد.
استقلال إريتريا:
استطاعت إرتريا أن تنفصل عن إثيوبيا وتستقل سياسيًا بعد ثلاثين عاماً من الكفاح السياسي والعسكري، حظيت خلاله بدعم عربي وإسلامي كبير، على أمل أن يصبح ذلك البلد- الذي تمتد سواحله على البحر الأحمر حوالي ألف كيلومتر- جزءًا من الأمة العربية وعضوا بجامعتها العربية، اتساقاً مع مقتضيات الأمن القومي العربي الهادفة إلى المحافظة على هذا البحر كبحيرة عربية إسلامية.
إلا أن هذا الأمل لم يتحقق رغم أن نسبة المسلمين في إريتريا تقارب 78%؛ فقد أخذ الرئيس أسياس أفورقي بلاده بتوجهات بعيدة عن العروبة والإسلام لاعتبارات تتعلق بتوجهاته الماركسية التي تعززت بفرضه اللغة التيجرينية لغة رسمية للبلاد بدلاً من اللغة العربية، وتجاهله لقوانين الأحوال الشخصية للمسلمين، وعلاقاته الوثيقة مع إسرائيل.
الجهاد الإسلامي بإريتريا:
عندما قامت إثيوبيا بعدوانها على شعب إرتريا المسلم الذي كان عنده موروثات قديمة من أفعال الإثيوبيين الدنيئة بحقهم اندلعت شرارة الجهاد الإسلامي ضد العدوان الصليبي الإثيوبي وتشكلت جبهة تحرير إرتريا وقاد عبد القادر محمد صالح جبهة التحرير واغتيل على يد أعوان الحبشة، وذلك سنة 1383هـ، وقاد الجبهة من بعده إدريس آدم الذي انتقل للعيش كلاجئ سياسي بمصر ومن عباءة التحرير ظهرت أحزاب أخرى تدعو لاستقلال ولكنها لا تنتهج الخط الإسلامي مثل الحزب التقدمي الحر الوطني الاتجاه.
سرقة الجهاد الإسلامي:
بدأت عملية سرقة الجهاد الإسلامي وذلك بخطوات بطيئة وخطة مدروسة تقوم على عزل الجهاد الإسلامي وعزل فصائله، ورفع شأن الفصائل النصرانية الاشتراكية وتقديمها كممثل للمقاومة الإرترية على الساحة الدولية وفسح المجال أمامها في المحافل والاجتماعات للتحدث عن القضية الإريترية.
ابتداءً من عام 1407هـ أخذت جبهة تحرير شعب إرتريا تتحدث وتتفاوض مع الحكومة الإثيوبية كممثل عن الشعب الإرتري وبرز نجم أسايس أفورقي الصليبي الذي لا يقل صليبية عن الإثيوبيين، في حين عانت فصائل الجبهة الإسلامية من الضعف والتفكك والتراجع الواضح في عمليات ضد الوجود الحبشي.
قامت جبهة تحرير شعب إرتريا وقائدها أسايس أفورقي بالاتفاق مع جبهة تحرير شعب تجره وقائدها ملس زيناوي رئيس الوزراء الحالي (وهما أبناء خالة)، على توجيه ضربات مشتركة للجيش الإثيوبي بإرتريا بفتح جبهتين للقتال حتى إذا ما انشغل الجيش بجبهة ضربت الجبهة الأخرى وهكذا، فاستطاعت الجبهتان تحقيق العديد من الانتصارات على الإثيوبيين.
وقعت المجاعة الهائلة والقحط الشديد الذي أصاب الحبشة وإرتريا وزادت هذه المجاعة من نفوذ جبهة تحرير شعب إرتريا النصرانية، واضعف المقاومة الإسلامية ذلك أن الهيئات الدولية التي جاءت بتوزيع المساعدات والغذاء على السكان ورفضت أن تعطي شيئًا لجبهة المقاومة الإسلامية لتكبر الجبهة النصرانية في عين الشعب وتضعف الأخرى، وهكذا نرى أن اللعبة الدولية كانت تمهد السبيل لتمكين النصارى من هذا البلد.
تدخلت أمريكا كعادتها في الصراع لتأييد الجانب النصراني في المقاومة، وتمثل ذلك عندما عقدت محادثات بواشنطن سنة 1411هـ بين الحكومة الإثيوبية ووفد الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا بقيادة أسايس أفورقي على أنه الممثل الوحيد للمقاومة الإرترية، وعرفت هذه المفاوضات باسم مفاوضات كوهين.
كانت المفاوضات تجري بواشنطن والقتال يجري على أشده، خاصة وأن جبهة تحرير شعب تجره قد أحرزت انتصارات كبيرة وتقدمت بسرعة ناحية العاصمة أديس أبابا، وقد انضمت فصائل المعارضة الإثيوبية الداخلية مع الفصائل الإرترية في القتال ضد الحكومة الإثيوبية، وذلك بدعم من أمريكا والفاتيكان لإسقاط حكم منجستو الشيوعي الاشتراكي، وقد اتفقت فصائل المعارضة على تقرير المصير، وذلك بعد سنتين من العمل بحكومة مؤقتة.
وفي 11 ذي القعدة سنة 141هـ، وفي نفس الوقت دخلت جبهة تحرير شعب إريتريا بقيادة أفورقي العاصمة الإرترية أسمرة، ودخلت جبهة تحرير شعب تجره بقيادة زيناوي العاصمة الإثيوبية أديس أبابا وقامت حكومة مؤقتة في البلدين بزعامة أفورقي وزيناوي، وهكذا تم سرقة المجهود الإسلامي وصار الحكم في إرتريا للنصارى.
حاولت الجبهة الموحدة للمقاومة الإسلامية بإرتريا الاعتراض على حكومة أفورقي، وأعلنت أن النضال كان مشتركًا، وليس لمن يسبق بالدخول على العاصمة الحق بالاستئثار بالسلطة لكن كل هذه الاعتراضات ذهبت أدراج الرياح خاصة أن المقاومة الإسلامية قد تفككت أكثر من الأول وخرج منها بعض أعضائها وانضموا للحكومة المؤقتة.
وبعد عامين من الحكومة المؤقتة أجري الاستفتاء الذي جاء بأغلبية كاسحة لصالح الاستقلال وأعلن قيام دولة إريتريا.
وقد أظهر أفورقي صليبيته وكرهه للإسلام فلقد رفض الانضمام لجامعة الدول العربية، وألغى التدريس باللغة العربية وفتح بلاده على مصراعيها لليهود واستقدم خبراء يهود في كافة المجالات ودخل في معارك مع اليمن على جزيرة حنيش الإستراتيجية في البحر الأحمر، واستولى عليها بمساعدة من الطيران اليهودي وعمل على محاربة المقاومة الإسلامية، وأظهر أنه لا يختلف كثيرًا عن الإثيوبيين، وأن مجيئه للسلطة كان وفق خطة مدروسة للتمكين للصليبيين بهذا البلد المسلم.
والجدير بالذكر أن المقاومة الإسلامية تجمعت الآن تحت لواء واحد وهو الجهاد الإسلامي الإرتري والذي يخوض حرباً شرسة ضد الحكومة الصليبية بإرتريا.
التغلغل الإسرائيلي في ارتريا:
بداية التغلغل:
كانت حكومة إثيوبيا الاستعمارية هي إحدى دول إفريقيا التي اعتمد ويعتمد عليها الغرب والأمريكان في تنفيذ مخططاتهم الاستعمارية في الشرق الأوسط عامة وفي الوطن العربي خاصة.
وطبقاً للمخطط الضخم الذي رسمه خبراء الاستعمار الغربي منذ عهد بعيد ونفذت أولى بنوده بإقامة كيان للعصابات الصهيونية في فلسطين العربية، ربطت إرتريا العربية بعجلة الإمبراطورية الإثيوبية بقرار هيئة الأمم المتحدة رقم 390/أ/5 الذي فرض على الشعب العربي الإرتري، والذي حولته الحكومة الإثيوبية إلى احتلال عسكري وسيطرة استعمارية استمرت ثلاثين عاماً.
كان الغرب الاستعماري يهدف من وراء ربط إرتريا بالإمبراطورية الإثيوبية إلى ضمان مصالحه الاستعمارية في إرتريا، والتي تتمثل في القاعدة العسكرية الضخمة التي أقامتها الولايات المتحدة الأمريكية في العاصمة الإرترية أسمرة.
بعد قيام الاتحاد الفيدرالي بين إرتريا وإثيوبيا الذي نص على قيام حكم ديمقراطي في ارتريا واستقلال ذاتي في الشؤون الداخلية دون وجه حق إلى أن تم لها ضم ارتريا في إمبراطوريتها الإقطاعية المهترئة في 14/11/1962 بالقوة المسلحة.
وقد اتبعت الحكومة الإثيوبية منذ قيام الاتحاد الفيدرالي مخططا محكما بدأت تنفذه خطوة خطوة يهدف إلى إذابة كيان شعب ارتريا العربي ومحو شخصيته الوطنية والقضاء على لغته وثقافته العربية ،وفرضت أزمة اقتصادية متعمدة في البلاد مما دفع بالعشرات من الارتريين للهجرة إلى الأقطار العربية المجاورة مثل السودان والمملكة العربية السعودية بحثاً عن العمل الشريف بعيدا عن التسلط الاستعماري الإثيوبي ،ثم فتحت أبواب ارتريا أمام التسلل الإسرائيلي الصهيوني ،ومن أهم مظاهر هذا التسلل ما يلي- كما أوردته جبهة التحرير الإرترية في منشوراتها:
النشاط الاقتصادي:
* تعتبر شركة (انكودا) من أكبر الشركات الإسرائيلية الأولى في إرتريا وقد تأست في عام 1952م، بعد فترة وجيزة من قيام الاتحاد الفيدرالي بين إرتريا وإثيوبيا، وبعد فترة من إعلان قيام الكيان الإسرائيلي الصهيوني في فلسطين.
بدأت شركة أنكودا الضخمة أعمالها في إرتريا سنة 1952م وهي أكبر شركة لتعبئة اللحوم في إرتريا، فلها من الآلات الميكانيكية ما يمكنها من إنتاج (25,000ألف علبة يومياً من اللحم المعبأ بالإضافة إلى (300) طن من اللحم المثلج و(3500) قطعة من الجلود المدبوغة شهرياً.
وللشركة مصانع لتحويل فضلات اللحوم والعظام والشحم إلى مواد أخرى نافعة، وبإمكانياتها التكنيكية الحالية يمكنها أن تنتج يومياً عشرات الأطنان من الشحوم المقطرة التي تلزم لصناعة الصابون، كما أن العظام والدم تحول إلى سماد للأرض وتنتج هذه المصانع (100) طن من السماد شهرياً.
كما أقامت الشركة مصنعاً آخر ينتج يومياً طناً ونصف الطن من قطع اللحم التي تزن الواحدة منها (2) كيلو غرام للاستهلاك المحلي.
وتعتبر مصانع (أنكودا) من المصانع المهمة للحوم في العالم ويقع مركزها في أسمرة عاصمة إرتريا العربية وفي شارع (تروسو) وللشركة فروع في أديس أبابا والصومال الفرنسي وتل أبيب وزيورخ إلى هنا ينتهي ما جاء في النشرة الإثيوبية.
بالإضافة إلى المعلومات الواردة في هذه النشرة الرسمية فإن لشركة انكودا مصنعاً كبيراً في أسمرة تذبح فيه يومياً 360 بقرة تشتريها الشركة بأثمان بخسة من الجزء الغربي من إرتريا، وقد جعلت الحكومة الإثيوبية امتياز شراء الأبقار قاصراً على هذه الشركة وتنقل اللحوم بالثلاجات إلى ميناء مصوع العربي في إرتريا ومنها إلى إسرائيل كما يبلغ ما تصدره الشركة من الأسماك المطحونة 5000 طن سنوياً سنة 1952م.
وتوسعت شركة (انكودا) في مشاريعها الاقتصادية حتى تم لها في نهاية عام 1964م السيطرة على أكبر شركة زراعية في إرتريا وهي شركة (سيا) الايطالية سابقا، فقد تمكنت من شراء المشروع منها عن طريق الحكومة الإثيوبية.
وتبلغ مساحة هذا المشروع 50,000 فدان وهو يقع بالقرب من الحدود الإرترية السودانية، وله ترعة رئيسية تسحب مياهها من نهر القاش كما يتبع المشروع محلجاً للقطن وإدارة مركزية لمياه الشرب، ويزرع المشروع قطنا، وقد أثارت الصحف السودانية هذا الحدث الذي يشكل خطورة كبيرة على عدة مشاريع زراعية سودانية تعتمد في ريها على نهر القاش الذي يربط بين إرتريا ومنطقة كسلا السودانية.
قالت جريدة المنار السودانية الصادرة في 1965/1/1م إن إسرائيل ترتع على بضع كيلومترات على حدودنا، وتستثمر الأراضي العربية الإرترية وتستعمل نفس الأنهر التي نعتمد عليها في السودان وهي (القاش - بركة - النيل الأزرق).. وتزرع الفاكهة وخاصة الموز وتربي الماشية لتصدرها إلى إسرائيل.
أما جريدة الصحافة السودانية الصادرة في 1964/12/2م فبعد أن استعرضت بالتفصيل المدى الذي بلغه التسلل الإسرائيلي في إرتريا قالت "وواجبنا أن ننتبه إلى هذا الخطر الإسرائيلي الذي أصبح يهددنا تهديداً مباشراً، فالسكوت عليه خطأ مهين وخطر. وواجبنا ثانياً اتخاذ خطوات أكثر إيجابية مع الدول التي تتعاون مع إسرائيل وتمهد لها كل الوسائل لتقيم كل هذه المشاريع.
* أعطت الحكومة الإثيوبية إسرائيل منطقة عايلت الزراعية في مديرية مصوع وصار منظر الجرارات الضخمة ومعدات الزراعة التي تحمل شارة إسرائيل مألوفا، وتهيمن شركة (أتاجن) الإسرائيلية على هذا المشروع، كما منحت الحكومة الإثيوبية 72,000 ألف فدان من أخصب الأراضي الارترية للمزارعين الإسرائيليين بعد أن انتزعتها بالقوة من الفلاحين الإرتريين مالكي الأرض الشرعيين.
* بموجب الاتفاقية التي وقعت بين الحكومة الإثيوبية وموشي دايان أصبحت سفن الصيد الإسرائيلية تجوب شواطئ إرتريا وتصيد الأسماك وتتخذ ميناء مصوع الارتري مركزاً لها بعد أن طردت الحكومة الإثيوبية جميع الصيادين العرب اليمنيين الذين كانوا يمارسون الصيد في سواحل إرتريا.
* تسيطر شركة (هارون إخوان) الإسرائيلية على تجارة الاستيراد والتصدير في ارتريا كما تقوم شركة (سوليل بونيه) الصهيونية ببناء مطار أسمرة الجديد.
* يساهم الهستادروت - الاتحاد العام لعمال إسرائيل- بنشاط كبير في عدة شركات تجارية وصناعية في إرتريا.
التغلغل العسكري:
* أقامت إسرائيل مدرسة عسكرية في مدينة (دقي امحري) في إرتريا لتدريب الجنود الإثيوبيين على حرب العصابات لمواجهة الثوار الإرتريين، ويدير هذه المدرسة مجموعة من الخبراء الإسرائيليين، وقد تخرجت الدفعة الأولى من هذه المدرسة في سبتمبر 1964م، ويبلغ أفراد هذه الدفعة 300 جندي كوماندوس.
* في مستهل أبريل 1964م، أرسلت الحكومة الإثيوبية 6 كولونيلات من البوليس الإرتري إلى تل أبيب لقضاء فترة تدريبية هناك، ثم أتبعتهم بـ22 ضابط آخرين.
* زارت إرتريا بعثة إسرائيلية برئاسة مدير المخابرات الإسرائيلية وطافت معظم مديريات إرتريا حتى وصلت مناطق الحدود الإرترية - السودانية، ومكثت في إرتريا أسبوعا من 5/4 إلى 1964/4/12م.
* سمحت الحكومة الإثيوبية لإسرائيل ببناء قواعد عسكرية في الجزء الغربي من إرتريا وأهم هذه القواعد قاعدتا (رواحباب) و(مهكلاي) وهي تقع بالقرب من الحدود الإرترية - السودانية، وتقوم الطائرات الإسرائيلية بالطيران المباشر بين هذه القواعد وتل أبيب.
مراكز التجسس الإسرائيلية في إرتريا:
سمحت الحكومة لإسرائيل بتأسيس مركز للاستخبارات الإسرائيلية في أسمرة ويقوم هذا المركز بالتجسس على الدول العربية المجاورة لإرتريا.
فقد اكتشفت شبكة تجسس إسرائيلية في مصر وسوريا إبان الوحدة واعترف الجواسيس بأن التعليمات كانت تصلهم مباشرة من مركز الاستخبارات الإسرائيلي في أسمرة.
كما اكتشفت حكومة السودان في عام 1963م شبكة تجسس إسرائيلية دُرب أفرادها على فنون التجسس في مركز الاستخبارات الإسرائيلي في أسمرة عاصمة إرتريا.
إسرائيل و"الخدمات الطبية" في إرتريا:
إن نشاط إسرائيل في إرتريا قد تجاوز الحدود الاقتصادية والعسكرية إلى الحياة العامة لشعب إرتريا.
فقد استخدمت الحكومة الإثيوبية الأطباء الإسرائيليين في مستشفيات إرتريا، ومنحتهم إدارة عدد من المستشفيات منها مستشفى مدينة مصوع وعصب..وبعد حصول إرتريا على الاستقلال في عام 1991م ونجاح ثورتها ومقاومتها عادت الآمال إلى الشعب الإرتري وعاد يحلم بعودة الأراضي التي أخذتها إثيوبية وأعطتها للمزارعين الإسرائيليين وحلم الشعب بعودة المصانع إلى يديه وحلم بإرتريا الحرة المستقلة.
لكن كانت الصدمة أقوى مما هو متوقع فقد وقعت إرتريا مجدداً تحت نير احتلال لهو بحق أقسى وأكثر ظلماً من الاحتلال الإثيوبي.. وهذا الاحتلال هو الاحتلال الإسرائيلي والأمريكي الذي عمل بالاتفاق مع الصهيونية العالمية لتنصيب العميل أسياس أفورقي رئيساً لإرتريا تحت رفض ومعارضة شعبية كبيرة لكنها لم تحقق من معارضتها إلى الآن أي شيء سوى أنها تعرضت للقتل والتعذيب والسجن والتهجير.
ومن ثم إتباع سياسة التصفية الجسدية للثوار الذي جلبوا الحرية لإرترية، وبدأت عملية التصفية الجسدية بزعماء جبهة التحرير الإرترية وبالمناضلين الأوائل وسجن من تبقى وهجر الآخرون وضاع حلم الشعب الإرتري بالاستقلال. فلم يهنئوا بإرتريا ولم يعودوا إليها؛ لأن العميل أسياس أفورقي لم يوفر لا مشفى ولا مصنع ولا أرض زراعية إلا ومنحها لأصدقائه اليهود الذين عاثوا في إرتريا فساداً فزادوا من قواعدهم العسكرية وزادوا من وجودهم فيها وزادوا من مزروعاتهم وسرقاتهم لمنتوجات إرتريا وتحويلها من أسمرة إلى تل أبيب بل أصبحت مع كل أسف أسمرة تل أبيب أخرى في جنوب الوطن العربي.
وفي 2009/12/2م أوردت صحيفة الصحافة الغراء - نقلا عن وكالات - حديث الخبير ألاستخباري الإسرائيلي يوسي ميلمان عن قيام تل أبيب بعمليات استخبارية داخل دولة إرتريا من بينها عمليات تتعلق بعدد من الدول العربية علي رأسها (مصر - السودان - اليمن) واعتبر ميلمان بحسب الصحافة في تقرير نشر له في صحيفة (هاأرتس) التي يعمل بها محللاً للشؤون الأمنية عدم تعيين سفير لتل أبيب بإرتريا حتى الآن يعد (أمراً خطيراً)، مشيراً إلى أن إرتريا من أهم الدول الإستراتيجية لسياسة تل أبيب الخارجية. وإنها كانت وما زالت منطقة تجمع لعدد من العمليات السرية للمخابرات الإسرائيلية ونقطة مراقبة لعدد من الدول العربية وفي مقدمتها مصر والسودان واليمن علاوة علي أنها (مركز) لطرق البحر الأحمر وإيلات.
أوضاعالمسلمين في إرتريا:
يعد المسلمين في اريتريا أوسع انتشاراً من سائر أصحاب المعتقدات الأخرى. وتتجاوز نسبة المسلمين الـ 60% من جملة السكان أي حوالي مليوني ونصف من جملة أربعة ملايين ومائة وسبع وخمسين ألف نسمة لعام 1999م.
ومسلمو إرتريا سنيون، ويشكل المسلمون انتشاراً واسعاً في مديريات دنكاليا وسمهر والساحل وسنحنيب وبركة ومعظم القاش، ويختلطون بالنصارى في غرب الهضبة الوسطي في حماسين وسراي.. وقد شكل المسلمون الغالبية في المناطق السفلى الشرقية والغربية في حين شكل المسيحيون سيطرة في مناطق المرتفعات.
ويمثل الرشايدة المجموعة السكانية المسلمة الوحيدة في إرتريا التي حافظت على لغتها وثقافتها وتحاشت التزاوج مع سائر القبائل الارترية والاندماج معها.
وتتعدى السيادة الإسلامية في إرتريا نسبة العدد من السكان إلى المساحة التي يعشون فيها حيث تمثل أكثر من 80% من مساحة إرتريا.
فقد اعترفت الحكومة الإرترية بخمس مجموعات دينية هي: المسيحيين الأرثوذكس، الكاثوليك، البروتستانت، المسلمين، ومنذ مايو 2002م حرمت كل الأشكال الأخرى من الممارسات الدينية.
وضع المسلمين التعليمي والثقافي في اريتريا:
يعد التعليم إحدى معايير اختبار العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق في إرتريا فالمسلمون في إرتريا يشعرون أنهم لم يمنحوا فرصاً تكافئ حجمهم فقد كانت نسب المسلمين عشية التحرير في جامعة أسمرا الجامعة الوحيدة في إرتريا حوالي 10% وكان بها يومئذ حوالي 130 طالب وطالبه وبعد مرور أكثر من عشرة أعوام تحديداً في عام 2001م كان بالجامعة حوالي 5000 طالب وطالبة.
غير أن المسلمين كانوا حوالي 500 طالب وطالبة مما يعني أن النسبة لم تتجاوز العشرة في المائة رغم هذه المدة الطويلة، وربما يعزي أحجام المسلمين إلى احتمال أن سياسة تطبيق وفرض لغة الأم في التعليم على المناطق المسلمة التي تطالب بإلحاح باللغة العربية حالت دون تفاعل الطلاب مع العملية التعليمية؛ مما أثر على تحصيهم الأكاديمي وأضعف قدراتهم التنافسية أمام المسيحيين الذين يعيشون توافقاً مع النظام الحاكم.
أما على مستوى البعثات الخارجية فإن فرص التعليم التي أتيحت في الدولة العربية ثم رفضها من قبل النظام لأسباب غير معروفة إلا لبعض أبناء إرتريا في دول الخليج، وحتى في الفرصة التي أتيحت لأبناء إرتريا في جنوب إفريقيا لم تتجاوز نسبة المسلمين 2% من جملة الطلاب الذين ابتعثوا والذين لم تتجاوز أعدادهم أكثر من 500 طالب وطالبة.
تعد اللغة العربية لغة الدين والثقافة للجماعات المسلمة في إرتريا، حيث أن سكان السواحل والمنطقة الغربية ظلت على تواصل مع جذورها في اليمن والجزيرة العربية والسودان وظلت تستخدم اللغة العربية في مصالحها المختلفة إلى جانب أنها تمثل لغة التواصل لهذه المجموعات في محيطها الإقليمي كما أصبحت اللغة العربية لغة التواصل اليومي لسكان المدن في مناطق المسلمين، فأخذت اللغة العربية تحتل بعداً أعمق من حيث أنها أصبحت وسليه التعبير الثقافي لقطاع عريض من المجتمع وتعزز دورها بانتقال آلاف من اللاجئين الإرتريين في السودان والمغتربين في الدول العربية.
كما أنها اكتسبت شرعية إضافية من خلال تعامل القوى السياسية بالثنائية اللغوية منذ فترة تحقيق المصير إلى مرحلة الثورة وحتى ما بعد الدولة التي لا زالت تصدر أدبياتها وخطابها باللغتين العربية والتقرينية.
ولعل هذه الحقيقة التاريخية التي دفعت أول برلمان إرتري لاتخاذ اللغتين في التعاملات الرسمية كأساس للتوافق والتعايش بين أقاليم إرتريا.
وهنالك صحيفة إرتريا الحرة التي تصدر باللغة العربية والتقرينية، أما بالنسبة إلى الحركة الأدبية في إرتريا فإنها محدودة.
وضع المسلمين الاقتصادي في إرتريا:
يتسم وضع المسلمين الاقتصادي في إرتريا بالضعف والفقر رغم موارد إرتريا الغنية حيث إن أكثر من ثلث السكان يعيشون في أقصى الفقر وأكثر من النصف يعيشون على أقل على واحد بر في اليوم ويعزي ذلك إلى حرب التحرير الطويلة التي استمرت أكثر من ثلاثين سنة..فكانت مناطق المسلمين منطلقاً ومسرحاً للمقاومة طيلة سنوات الثورة كما أنها شكلت بعد الاستقلال منطلقاً للمعارضة؛ الأمر الذي أسهم في تدمير بنيات المسلمين الاقتصادية.
وتعتبر الزراعة والرعي أهم الأنشطة الاقتصادية للمجموعات المسلمة في إرتريا في المرتفعات أما الرعي فتنشط فيه بكثرة المجموعات المسلمة علي الأراضي الساحلية وفي المنخفضات الغربية..ويعمل كثير من المسلمين بالتجارة فسجلت الإحصائيات في التجارة الداخلية خلال منتصف التسعينات وجود نحو 3200 تاجر رخص له بمزاولة مهنه التجارة.
المؤسسات الإسلامية الإرترية:
1. حركة الجهاد الإسلامية.
2. الاتحاد الإسلامي للطلبة والشباب الإرتري ، وتصدر مجلة البشير.
3. منظمة الرواد المسلمين ولقد تم توحيد هذه الهيئات تحت اسم اللجنة العليا الانتقالية لتوحيد العمل الإسلامي بإرتريا في سنة 1407هـ .
4. تنظيمات إريترية تعلن جبهة موحدة للمعارضة.
أعلنت أربعة تنظيمات إرترية هذا العام تأسيس جبهة معارضة جديدة لنظام الرئيس أسياس أفورقي باسم (جبهة التضامن الإريترية) بهدف استنهاض قوى الأمة وتغيير نظام الحكم لاستعادة الحقوق المسلوبة للمسلمين وغيرهم من المستضعفين والمهمشين في إريتريا، بحسب ما جاء في البيان التأسيسي للجبهة.
وقالت التنظيمات الأربعة المكونة للجبهة (وهي: حركة الإصلاح الإسلامي، الحزب الإسلامي للعدالة والتنمية، جبهة التحرير الإريترية، الحركة الفيدرالية الديمقراطية): "إن الجبهة ليست موجهة ضد أحد سوى نظام الرئيس أفورقي"، معتبرة أن سياسته في إقصاء الدين عن حياة الشعب مسخ للهوية الوطنية، وتهديد لقيم الفضيلة.
وفي تقدير الناشط الإرتري المقيم بالولايات المتحدة محمد صالح مجاوراي فإن "هذه القوى السياسية الأربعة بلا شك تمثل مجتمعة غالبية المسلمين في إرتريا (شرق إفريقيا)، وبرامجها تعكس قضاياهم وهمومهم"، خاصة بعد أن تحولوا في ظل نظام أفورقي إلى "أغلبية مضطهدة".
وعن المشروع السياسي للجبهة قال المسؤول الإعلامي في جبهة التحرير الإريترية لـ"إسلام أون لاين" إنها تعمل على "تغيير نظام الحكم، والحفاظ على وحدة التراب الإريتري، وتبني نظام حكم لا مركزي، وكفالة الحريات العامة"، وذلك إضافة لمطالب أخرى مثل إعادة إرتريا لمحيطها العربي والإسلامي، وإعادة اعتبار اللغة العربية.
وبتعبير الأمين العام لحركة الإصلاح الإسلامي ورئيس الجبهة المعارضة الشيخ أبو سهيل محمد صالح فإن نظام أفورقي - الذي يحكم البلاد منذ 18 عاما - "ليس ديكتاتوريا فحسب، وإنما يحمل مشروعا يستهدف الأمة بثقافتها ودينها وتراثها وأرضها"، مشدداً على أن الجبهة "ليست إلغاء لخصوصيات التنظيمات، وليست بديلا للتحالف الديمقراطي الإريتري المعارض الذي يضم تحت مظلته هذه التنظيمات وتنظيمات معارضة أخرى".
ووفقا لمراقبين فإن ملامح هذا التقارب بين التنظيمات الإسلامية في إرتريا يعكس تأثرا واضحا بنجاح الحركة الإسلامية في الصومال المجاور في التخلص من نظام الحكم الذي يعارضونه مع أوائل هذا العام، وخاصة أن بعضا من تلك التنظيمات الإريترية تحمل السلاح ولا تستبعد استخدامه في تغيير الحكم.
وتعول قيادات في جبهة التضامن المعارضة، ومنها الشيخ أبو سهيل، على نفور المجتمع الدولي من نظام أفورقي الديكتاتوري في مساندة أهداف المعارضة الخاصة بتغيير نظام الحكم، خاصة مع توالي التقارير الدولية عن أن إرتريا تحمل السجل الأسوأ في انتهاك حقوق الإنسان.