حامد إدريس عواتي مفجر الثورة الإرترية
بقلم الإعلامي الأستاذ: ود عد - كاتب وناشط سياسي إرتري
ولد عام 1910م في قرست التي تقع بين تسني وأم حجر في جنوب غرب إرتريا،
كان والده فلاحًا يجيد استخدام السلاح بمهارة فائقة، تعلم عواتي من والده استخدام السلاح، في عمر مبكر حتى أصبح مقاتلاً بارعاً يجيد استخدام مختلف الأسلحة بمهارة فائقة وحاز على إعجاب واحترام قرنائه.
عرف عواتي بالصدق والإخلاص والقيم النبيلة حتى استطاع أن يصبح زعيماً على أهله وقد شكل قدوة حسنة لأبناء جيله في المنطقة.
في عام 1935 تم تجنيده بواسطة الإيطاليين ليعمل في الجيش الإيطالي وكان يجيد اللغة العربية، التجرنية، التقري، النارا، الحدارب، والكوناما وتعلم الإيطالية في فترة وجيزة حيث تم ابتعاثه إلى روما في دورة للمخابرات العسكرية.
بعد عودته من روما تم تعيينه مديراً للأمن في المنطقة الغربية. وبعد فترة وجيزة تم تعيينه نائباً لمحافظ مدينة كسلا عندما خضعت للاحتلال الإيطالي لقرابة العام. بعد الحرب العالمية الثانية عاد عواتي إلى قريته حيث قام بممارسة الزراعة وامتلاك الماشية وتربيتها.
قام الجنود البريطانيون حينها بحملة للبحث عن الأسلحة في المنطقة الغربية صادروا خلالها ممتلكات عدد من سكان منطقة بركه والقاش وقاموابقتل ماشيتهم مما جعل عواتي يتصدى لهم ويقتل جندياً بريطانياً. حاولت السلطات البريطانية إعتقاله والنيل منه وأجبر على التخفي من منطقته حتى لا يطاله سوء. كان يقاوم عمليات النهب التي كان يقوم بها الجيش البريطاني وقطاع الطرق وعصابات الشفته الذين اعتادوا نهب ممتلكات سكان المنطقة الغربية.
قام عواتي بتجهيز 40 مسلحاً نشطوا عسكرياً ضد الجيش البريطاني الاستعماري وكبدوه خسائر فادحة مما أضطره إلى التفاوض معهم والتخلي عن استهدافه لمنطقتهم تفادياً للإضطرابات وتهدئة للتوتر وقد كان لعواتي ما أراد وعاد للعيش في قريته في أمن واستقرار. كان عواتي رمزاً للشجاعة والإقدام والجرأة، وقد أسهمت المواقع الإدارية التي تقلدها في تعزيز قدراته القيادية بالإضافة لانشغاله الدائم بهموم وتطلعات شعبه.
وبعد أن أعلنت إثيوبيا إرتريا مستعمرة وتنصلت عن الإتحاد الفيدرالي كان عواتي يتابع تطورات الأوضاع عن كثب وكان يرصد إعتداءات الإستعمار الإثيوبي على المواطنين العزل، وكانت فكرة المقاومة المسلحة تنازعه بشدة ولكنه انتظر إلى أن نضجت الظروف الذاتية والموضوعية.
ويقول المناضل شلال محمد علي، من رفاق عواتي، لقد عرفت حامد إدريس عواتى منذ 1944 وكنا في "المقاومة الأهلية التي تدافع عن نفسها وشرفها وديارها" سويا أنا وحامد إدريس عواتى ومجموعة أخرى من الفرسان، وكان يقودنا "على بنطاز" ويضيف المناضل شلال إن عواتي يؤمن بفكرة الكفاح المسلح إيماناً راسخاً وعندما أرسلت حركة "تحرير إرتريا" إليه وفدا وطلبوا منه المجيء للمشاركة في العمل السياسي إلا إنه رفض المجيء إليهم ورد وفدهم قائلا: إنني لا أومن بالنضال السياسي وإذا كان لابد من النضال فالبندقية وحدها هي التي أومن بها..." ويشير الأستاذ حامد تركي في كتابه (تحديات مصيرية) إن السلطات الإثيوبية لم تكن غافلة عن استعدادات عواتي للمقاومة لذلك قامت بإعداد جيش كبير لاعتقاله في اغسطس 1961م إلا أن أحد الإرتريين المنتظمين في سلك الشرطة سرب إليه الخبر فاعتصم بجبل أدال ولم تتمكن السلطات الإستعمارية من اعتقاله.. ويقول محمد الحسن دوحين أحد رفقاء عواتي ومساعده عندما كان شيخاً للخط في منطقته إن إدريس محمد آدم رئيس البرلمان الإرتري السابق بعد لجوئه إلى القاهرة أرسل خطاباً إلى عواتي يطلب منه فيه قيادة مقاومة مسلحة ضد الإستعمار ولكنه لم يكن قد أكمل تجهيزاته في ذلك الوقت.
وبعد أربعة أشهر طلب منه الشيخ محمد داوود - الزعيم المشهور في المنطقة - ذات الطلب، وافق عواتي حينها على إعلان الكفاح المسلح وقيادته وطلب المساندة اللازمة وتم جمع عدد من البنادق أبوخمسة و300 بر.. وكان عدد المقاتلين حينها سبعة ثم ارتفع ليصل إلى ثلاثة عشر).
واجه عواتي ضغوطاً كثيفة للعدول عن الكفاح المسلح إلا أن رده أتي حاسماً للوسطاء (إذا قمت بإنزال العلم الإثيوبي ووضعتم مكانه العلم الإرتري حينها سأتوقف عن المقاومة) حينها حشدت السلطات الإثيوبية الإستعمارية قواتها واتجهت لمحاصرة الثورة الوليدة في جبل أدال والتقى الطرفان في معركة حامية الوطيس استمرت لسبعة ساعات شكلت إعلاناً لمسيرة الكفاح المسلح الذي امتد لثلاثين عاماً وتوج بنصر مستحق في مايو 1991م.
ثم التحق بعواتي أعداد من الجنود الإرتريين العاملين بالجيش السوداني واتسعت رقعة الثورة، وقام عواتي بقيادة جميع المعارك التي حدثت في حياته ويروي المناضل الكبير أبورجيله إن عواتي ومحمد ابراهيم شندي جرحا في إحدى المعارك. ثم انتخب عواتي قائداً لجيش التحرير ومحمد ادريس حاج نائباً له.
في يوم 27 مايو 1962م شرب عواتي اللبن في وجبة العشاء وبعد فترة وجيزة ذكر بأنه ليس على ما يرام وتدهور وضعه الصحي بصورة متسارعة ونادى رفيقه كبوب حجاج وسلمه بندقيته الأثيرة إلى نفسه وأوصاه بضرورة مواصلة الكفاح المسلح وأسلم الروح إلى بارئها صبيحة اليوم الثاني معلناً نهاية حياة حافلة بالعطاء الثر والكفاح المرير.
وقد رأى رفاقه كتمان خبر وفاته حتى لا يؤثر في الروح المعنوية للمقاتلين إلى أن تم إعلان الخبر الأليم بعد أربعة أعوام من وفاته.
رحم الله الشهيد عواتي رحمة واسعة بقدر ما أعطى لشعبه وأمته.