الشهيد حامد إدريس عواتى قائد بحجم أمة
بقلم الإعلامي الأستاذ: أبوبكر عبدالله صائغ - كاتب وصحفي ثقافي مهتم بالتأريخ
يحتفل الشعب الارتري هذه الايام بذكرى مرورالعيد التاسع والخمسون لثورة سبتمبر ثورة الشعب الارتري
في مواجهة المخططات الاستعمارية الهمجية الاثيوبية المدعومة من الشرق والغرب للسيطرة على على ارتريا أرضاً وشعباً والحاقها قسريا بالإمبراطورية الاثيوبية.
الشهيد البطل حامد إدريس عواتى قائد وطنى إستثنائي فجر ثورة شعبنا محطماً أحلام التوسع والهيمنة الإثيوبية، عواتى شخصية وطنية يشهد له بذلك خصومه قبل أصدقائه وشعبه الذى كان يدافع عنه ضد حملات النهب والسلب التى كانت تتعرض لها قري في القاش وبركة إبان العهد الايطالى والانجليزى وله في ذلك صفحات بطولية ناصعة سجلها التاريخ بمداد من ذهب.
بهذه المناسبة سوف أتطرق الى ما سمعته ووثقته من شخصيين تعرفت عليهما في اسمرا وأجريت معهم حواراً مطولاً عن سيرتهم الذاتية وإسهاماتهم في النضال الإرتري، أحدهم هو المناضل الملقب بود "قشش" وهو رجل مناضل رافق عواتى من صغره لصلة القرابة التى تربط بينهما، والثانى هو المناضل المحامى/ إسماعيل حاج محمود الذى كان يشغل منصب المدير الإداري لوزارة العدل في فترة الحكم الذاتى منذ عام 1958م في عهد وزير العدل/ عمر حسنو الذى كان تربطه صداقة ممتدة مع القائد الشهيد/ حامد إدريس عواتى.
أجريت معهما حوارا مطول نشر في صحيفة ارتريا الحديثة وسوف أسرد شهادتهما عن البطل عواتى مفجر كفاحنا المسلح.
المناضل ود قشش التحق بالثورة بعد إسبوع فقط من إستشهاد الشهيد البطل/ حامد إدريس عواتي، وحين قرر الشهيد/ حامد إدريس عواتى إعلان الكفاح المسلح ومغادرة القرية التي كان يعيش فيها، خرج معه عدد من الشباب صغار السن كان من ضمنهم المناضل ود "قشش" ولكن عواتى قال له وللذين كانوا معه إرجعوا للقرية لحماية الأسر من هجمات الشرطة الأثيوبية، وتكررت محاولاته للإلتحاق بالثورة، وأخيراً التحق بالثورة عام 1962م.
المناضل ود قشش كما حدثونى عنه في أسمرا ممن كان قائدهم في ساحة المعارك كان رجل شجاعاً، وبطلاً بكل مقاييس البطولة، كان مغامراً وعنيداً وفارساً في ساحات الحرب.
إسم المناضل ودقشش هو/ محمد أبوبكر محمد همد من قبيلة "حفرا" ولد في منطقة "هبردا كوفيت" وهي المنطقة "دامر" التي عاشت فيها عشيرة والد الشهيد البطل/ حامد إدريس عواتى وأيضاً عاشت بها أسرة الشهيد/ حامد عواتى، وولد بها القائد البطل حامد عواتى وتربطه علاقة عائلية بقائدنا البطل، وهو "إبن خاله".
ويقول: حين أراد الشهيد البطل/ حامد إدريس عواتى تفجير الثورة وإعلان الكفاح المسلح خرجنا معه من القرية. وكان عددنا ثمانية أشخاص ولكن الشهيد/ حامد إدريس عواتى طلب منا العودة للقرية لحماية الأسر من هجمات قوات الشرطة الأثيوبية، لأن قريتنا كانت تخضع لرقابة شديدة بسبب وجود حامد عواتى بها، وقال لنا:
لوعلمت القوات الأثيوبية بأهدافنا أي إعلان الكفاح المسلح سوف يأتون للقرية وسيدمروها، ولذلك عليكم الرجوع للقرية لحماية الأسر من هجمات الشرطة الأثيوبية. التحق ودقشش بالثورة ولم يجد حامد عواتى، ووجد تمائمه "الحجبات" يرتديها المناضل/ عواتى محمد فايد، وفوراً سألته عن مكان عواتى، لأن إرتداء/ عواتى محمد فايد لحجبات الشهيد/ حامد عواتى جعلني أشك في الأمر، وقال لي المناضل/ عواتى محمد فايد:
حامد عواتى سافر الى الخارج، والحقيقة هي إن البطل حامد إدريس عواتى كان قد إستشهد في 1962/5/28م، وفي عام 1965م أعلن عن إستشهاد الشهيد البطل/حامد إدريس عواتى، وبعد غياب حامد عواتى ثلاثة أعوام حدثت ضجة في أوساط المقاتلين وطالبوا بمعرفة مصير قائدهم حامد عواتى، واتذكر جيداً حين قيل لو كان حامد عواتى مسافر الى الخارج لماذا لايعود طيلة هذه الفترة الى الميدان، ونتيجة للتساؤلات الكثيرة والضجة التي أحدثتها تساؤلات المناضلين إضطرت القيادة للإعلان عن إستشهاد الشهيد البطل/ حامد إدريس عواتي.
المكان الذى دفن فيها جثمان الشهيد/ حامد عواتى كان لايعلم به أحد إلا بعد المقاتلين الذين كانوا معه في الليلة التي إستشهد فيها، المناضل/ عواتى محمد فايد وصف لي المكان الذي دفن فيها جثمان الشهيد/ حامد عواتى، وقال لي: دفن جثمان الشهيد/ حامد عواتى فى "كَلو هدمدمي" أي المنطقة المحمية التي توجد في منطقة "هدمدمي" ووصف لي القبر الذي يوجد في المقبرة التي توجد في تلك المنطقة وقال لي:
اوصاف قبر الشهيد/ حامد عواتى هي كالتالي: توجد في إحدي جوانب القبر حديدة، ولم يذهب معي لكي أشاهد القبر بنفسي، وفي إحدي الأيام قال لي: دوام الحال من المحال والدنيا ما معروفة ويمكن أن نتعرض للموت في أي لحظة وأدف قائلا: قبر الشهيد/ حامد عواتي به إشارة يمكن أن تعرفه بها، والأشارة هي عبارة عن حجر مفلطح يوجد بجهة الرأس ومكتوب عليه باللغة العربية تاريخ إستشهاده وإسمه ودوره في الثورة، بهذه العبارة ختم حديثه.
وقال: واصلنا نضالنا والأسلحة التي كانت معنا لايتجاوز عددها العشرة قطع، وهي أربعة قطعة من نوع أبو عشرة، وعدد قليل من نوع أبو خمسة، إيطالي الصنع، وهذا النوع من الأسلحة لا تستخدم فيه الذخيرة الخاصة بسلاح أبو عشرة، وهناك نوع أخر إسمه أبو خمسة أبو طيس أحياناً نستخدم فيه ذخيرة أبو عشرة بصعوبة، وحين تطلق الرصاصة، الظرف يطير الى الأمام والمعركة بيننا وبين الشرطة الأثيوبية تكون مستمرة وكنا نستخدم حديد "سيخ" لسحب الظرف الذي ندخل فيه الرصاصة، وإستمرينا هكذا حتى عام 1964م.
يقول المناضل والمستشار القانونى/ إسماعيل حاج محمود عن عواتى:
إلمستشار القانونى والمحامى إسماعيل حاج محمود كان يشغل منصب المدير الادارى لوزارة العدل الارترية في العهد الفدرالى في عام 1958م وكان عضو بحركة تحرير ارتريا وكان ينفذ التعليمات التى يصدرها قادة الحركة وخاصة فيما يتعلق بتعين القضاة وتنقلاتهم في المديريات الارترية.
يُذكر أن المحامى والمستشار القانونى إسماعيل حاج محمود تم إختياره ضمن القادة الخمسة الذين كانوا يشكلون القيادة السرية لحركة تحرير إرتريا تحسبا لأى إعتقال قد تقوم به الأجهزة الأمنية الاثيوبية للقادة الخمسة المشهورين في أسمرا والذين تلاحقهم القوات الاثيوبية.
وأخيراً تم إعتقاله وسجن ونقل الى أديس أبابا وحكم عليه بالاعدام وبعد عدة شكاوى تقدم بها خاله العضو بالبرلمان والوزير في الحكومة الارترية أنذاك الى الهالك هيلي سلاسي تم تخفيف حكم الاعدام الى السجن المؤبد وقضى أكثر من عشرة سنوات في سجن "الم بقا" الشهير وتم الافراج عنه بعد إنقلاب منقستو بشرط ان لايغادر أديس ابابا لأى جهة.
وبحكم عمله كمسؤول عن الشؤون الادارية بوزارة العدل في عهد الوزير/ عمر حسنو يقول عن القائد البطل حامد إدريس عواتى:
البطل الشهيد/ حامد إدريس عواتى كان يتردد الى أسمرا كثيراً وكانت تربطه صداقة بوزير العدل/ عمر حسنو، حيث كان يزوره في مكتبه بوزارة العدل، وخلال فترة الشتاء عندما يأتى الى اسمرا كان يأتى مباشرة الى مكتب الوزير/ عمر حسنو واكن يجلس معى في مكتبي المجاور لمكتب الوزير.
يقول واصفاً الشهيد البطل حامد عواتى:
كان يتمتع بشخصية قوية ونظرات حادة وثقافية عالية ووعى وهدوء، عندما يأتى الى مكتبي كان يبادر بخلع معطفه الشتوى والجاكيت ويضعهما على الكرسي كان يكره الاجواء البارد في أسمرا ثم يدخل للوزير ويقضي معه ساعات ثم يغادر معه الى المدينة للتجوال.
وبعد إندلاع الكفاح المسلح أرسل الامبراطور الهالك هيلي سلاسي الوزير عمر حسنو لإجراء حوار معه لإثنائه عن الثورة والعودة الى المدينة مقابل عرضاً مغرياً من قبل الامبراطور، حيث غادر عمر حسنو أسمرا وتوجه الى أغردات وارسل الوفود لتبليغ عواتى بضرورة مقابلته، كان رد عواتى حاسماً وقوياً رافضاً كل العروض قائلاً "انا لا اقاتل من أجل تحقيق مصالح شخصية بل من أجل تحقيق قضية عامة وهى قضية الشعب الارتري المظلوم وسوف نسترد حقوقنا بدمائنا".
حاول عمر حسنو مرة أخرى لقاء حامد عواتى في ضواحى أغردات حيث خرج للبحث عنه ومقابلته غلا أن البطل عواتى قال له: لا حوار بيننا إذهب اسمرا وبلغ ممثل الامبراطور بالرفض ولا تحاول البحث عنى حتى حتى أضطر الى مواجهتك.
سرد المحامى والمسشتار القانونى معرفته بطل ارتريا عواتى ومشاهدته له عندما كان يزو وزارة العدل وعن علاقته بالوزير عمر حسنو شمن حوار طويل أجريته معه ونشر في صحيفة ارتريا الحديثة.
حقيقة كنت أتمنى أن أعيد نشر الحوار كاملا تعميما للفائدة ولكن ليس لدي نسخ منه الان والحوار موجود في أرشيف صحيفة ارتريا الحديثة لمن أراد الاطلاع عليه.
وفي الختام شعلة ثورة عواتى لن تنطفي أبداً وسيحملها أبناء ارتريا جيل بعد جيل.
كل سنة وأنتم طيبين