الي دبر سالا - الحلقة الثالثة عشر
بقلم المناضل الأستاذ: محمد عيسي المصدر: الرمال المتحركة
محاز سبر ودبر معر:
صارت العيادة المركزية مستقطبا للمارين من بركا الى الساحل أو كذلك من المناطق الأخري
متجهين الى بركا وأعداد النزلاء في ارتفاع كل يوم وصرنا جراء ذلك نعاني نقص في المواد التموينية "الامداد كما يقال في الميدان"... كمية السكر والزيت التي تعطى لنا صارت كل يوم في تناقص فرغم الشح والعسر المعتاد عليه في الامداد الا ان الامور صارت تتفاقم نحو الأسوأ كما ان المعلومات صارت تتوالي بقرب خروج العدو من مدينتي كرن وأغردات في اتجاه دبرسالا... أمور كثيرة صارت تتبدل لكن الشيئ الوحيد الذي لا يتبدل ولا يتغير هو المعنويات العالية التي تتجلي في التفاني والتعاضد والتاثر وجو الأخاء والرفاقة ووحدة المصير الجو المفعم بالحب والمرح كان يساعدنا على تجاوز الصعاب وكنا نركز علي الايجابي من الامور والأشياء..ومن المؤكد بان المسؤولين في صدد فعل شيئ أو التخطيط لشيئ ما كما عودونا في كل المواقف التي تحتاج الي دراسة وتمعن.. وكما توقعت فقد صدق ظني بهم.. لقد دعينا الي اجتماع موسع للسرية وادارة العيادة والقيادة المتواجدة.. جل الحديث تركز علي صعوبة المرحلة وعلي كيفية تجاوزها والعبور الي مرحلة أفضل وهناك حزم (بكسر الحاء وفتح الزين) من الأمور علينا تنفيذها.. منها تقشفي ومنها عسكري يجعلنا في موقف المبادرة عوضا عن انتظار العدو في الجبل وكذلك التنسيق مع الوحدات الأخري في المنطقة.. وعلي ضوء هذه الحزم من القرارات يتوجب نزول فصيلتنا الي الاتجاه الشمالي للشرقي من الجبل كفصيلة استطلاع وتنسيق مع الوحدات الأخري وذلك للتحوط وأخذ السبق اذا خرج العدو من اتجاه مدينة كرن اما الفصيلة الثانية فسوف تنزل من الجبل باتجاه بركا وتنتقل بالمنطقة منسقة مع الوحدات الأخري المتواجدة هناك وذلك لتوخي الحذر اذا خرج العدو من مدينة اغردات وكذلك لدرء العدو من الخروج فالتواجد المستمر للوحدات بضواحي المدينة وحصول العدو علي تلك المعلومات ربما يمنعه من التفكير في الخروج وعوضا عن ذلك يفكر في التمترس بداخل المدينة.. اما الفصيلة الثالثة فسوف تبقى مكانها بالجبل وبهذه الخطة تضرب الفيادة عدة عصافير بحجر واحد.. أعجبني ما سمعت فقد كنت متشوقا للنزول من الجبل خصوصا في اتجاه الشمال الشرقي حيث يجعلني ذلك استنشق عليل ضواحي كرن.. وكم كنت سعيدا عندما علمت بأن الفصيلة الاولي سوف تنزل باتجاه رورا ماريا وترابط حوالي الجبل من ذلك الأتجاه... خطط جميلة كلها في المجمل أما في التفاصيل فسوف نعتمد علي قدرة المواطنين لتحمل الأعداد المتذايدة من المناضل في مناطقهم ولفترات طويلة قعندما تكون في حراك دائم يكون أعتمادك علي المواطنين في المواد التموينية وأحيانا المواطنين نفسهم تكون ظروفهم المعيشية متعسرة أو يكون مطحون الذرة غير كافي أو ليس هناك من يطحن الذرة لعمل العصيدة للمناضلين ربما تكون بيت أو بيتين وعندما تحضر فصلية أو فصيلتين يصعب علي العائلة أو العائلتين اطعامهم.. كانت القري الكبيرة هي وحدها القادرة علي اطعام واسقاء الأعداد الكبيرة في أن واحد.. أن المواطنين في الريف تحملوا أكثر من طاقتهم وفعلوا أكثر من قدرتهم وساهموا بأكثر من نصيبهم من أجل أن تكبر الثورة ويشتد عودها ويذداد انتشارها وتوسعها.. المواطنين في الريف هم الذين حموا الثورة عندما كانت يافعة تحتاج الحماية وهم الذين أطعموها عندما كانت ضعيفة تحتاج الأطعام والسقاية وهم الذين مكنوها عندما كانت تحتاد التمكين والعناية.. لن أوفي ولن يوفي أحدا للريف حقه مهما قيل من الكلام.. بعد انفضاض الأجتماع الكل كان سعيدا والكل كان متحمسا للخطوة التالية.. لقد أحسنت قيادتنا وأعني المتواجدة في الجبل أحسنت في التفاعل مع الأحداث والتطورات الميدانية واتخذت الصائب من القرارات التي أظهرت لاحقا بعد نظرهم في الرؤيا والتخطيط وللأسف لم تستفد الجبهة كثيرا من هؤلاء الشبان في المراحل اللاحقة.. بدأت الحركة تدب في فصيلتنا في التجهيز والأستعداد للنزول.. أعتقدت وحدي من كان يحب النزول من الجبل والتنقل والحركة الدائمة في الأماكن المختلفة لكن هؤلاء كل زملائي لهم نفس الانطباع والشعور.. دبت الحركة وترا الناس مشغولة كلها.. جزء يغسل وجزء يحيك في الملابس الممزقة وجزء يرقع في الحذاء البلاستيكي القديم "الشدة" ويضيفوا عليه طبقة أخري من الأسفل وذلك بقطع الجانب الأسفل من حذاء أقدم ورقعها في الحذاء بواسطة سكين ساخنة.. الكل يعمل شيئا للأستعداد وخلال يومين نحن في أتم الأستعداد والأسلحة قد نظفت والذخيرة قد زيدت لكل فرد والنفسيات تعانق السماء علوا وارتفاعا.. وفي ذلك الصباح الجميل الباهي تحرك الجمع وأنطلقنا في المسير وهذه المرة ينتابني شعور وأحساس يختلف عن المرات السابقة التي ذهبت فيها لمهام أخري.. هذه المرة تختلف كثييرا عن المرات السابقة فهذه المرة نحن في صدد النزول من الجبل الي مناطق جديدة الي عالم جديد لم أحلق بفضائة قط.. بدأنا المسير في خط سير طويل وممتد ذو تعرجات ومسافات بين الأفراد.. أحب المشي في المقدمة لكني وضعت بالقرب من المؤخرة لكن لا علي ولا أبالي فخط السير هو هو نفسه.. ذهبنا طويلا حتي بدأت معالم الأنحدار والنزول تتجلي وعبق النسيم البارد يهب ومن علي البعد أري جبالا متراصة شامخة العلو وأتساءل عن اسمها فيقال لي بأنها "رورا ماريا" أي هضبة جبال الماريا وهي المرة الأولي التي اكون فيها وجها لوجه مع رورا ماريا ولا أدري ما السر في تسمية الهضاب بالقبائل فنقول رورا بيت قبرو.. رورا منسع.. رورا حباب وعندما يكون الحديث عن المرتفعات نقول "كبسا" أي الهضبة اجمالا عن كل المرتفعات وليس كبسا حماسين أو كبسا أكلوقزاي أو كبسا سرايي ففي التقرايت نفصل وفي التقرانيا نجمع لا أدري ما السر في ذلك ولكن منظر الرورا كان مهيبا من علي البعد يجلجل النفس ويرغمك علي التقدير والأعجاب ودون أن تدري تقول ياسلام ياسلام.. واصلنا النزول طول النهار وفي المساء وعند غروب الشمس وصلنا أعتاب الجبل وبمواجهة دبر معر وفي الجانب العلوي من خور سبر وهنا أيضا ترغم علي أن تقول مرة أخري يا سلام يا سلام.. دبر معر جبل واحد لكنه شاهق جدا ومرعب تخيل صعوده.. أحساس جميل أنتابني بعد وصولنا لأول قرية أراها من مدة.. عسكرنا خرج القرية وذهب ثلاثة منا للقرية ليأتوا بالماء والنار وليشعرو أهلها بأننا في حوجة لكلأ نأكله.. كان ذلك أول مبيت لنا في "سبر لعال" أعالي سبر تحت أقدام دبر معر الشاهق ومن عل البعد رورا ماريا وفي أسفل السفح من دبر سالا.
ونواصل في الحلقة القادمة...
تجربة طالب أرتري ترك مقاعد الدراسة والتحق بالثورة الأرترية وهي في أوج تألقها وصعودها نحو انتصارات عظيمة.