قـراطـيـس مـبـعـثـرة والأمـيـر الـقـاتـل - الحلقة الرابعة
بقلم الأستاذ: عبدالفتّاح ودّ الخليفة - كاتب إرتري، المملكة المتحدة
وإنتشرت الثورة فى كلّ البقاع وكلّ المآذن فى إرتريا... فقام الأمير بجمع الأعيان
وبقايا البرلمان المحلول ليتوسّطوا بينه وبين الثوار، ليستسلموا ويلقوا السلاح فأرسل المناضل الزّعيم (محمّد عمر قاضى) إلى المنظقة الرّابعة لملاقات المناضل (محمد على عمرو) وأرسل غيره لإلتقاء زعامات الثورة فى (بركا) و (القاش) و (سنحيت) وعندما لم يستجب الثوار للحوار الأوامر وفهم الأمير أنّ المطلوب هو المنازلة فى ساحات الفداء تعصّب وأحرق القرى وقتل الشيوخ والأطفال فى المدن والقرى والبلدات !!!
ولم يستسلم الشّعب ولا الثورة، بل زاد الإشتعال وأصبحت إرتريا دار حرب ودمارا.
يحكى أعيان إرتريا بأنّ الرجل كان دائما يقول: قولوا لأبناءكم عودوا إلى دياركم وأمّكم إثيوبيا فحياة الا دغال لا خير ولا متعة فيها !!!
"قولوا لهم: عودوا من حياة الجوع والعطش والمرض لنعطيهم المال وليكون بيننا سلام" وحينها قام المحامى الشّجاع (محمّد عمر قاضى) ليقول له: إنّهم يحملون السّلاح ولا قبل لنا بهم إن شئت فاوضهم بنفسك فأمر بسجنه السجن الذى إستمرّ لعشرة أعوام !!!
وقال الأمير مرّة للأعيان: إن لم تطيعوا أمرى سوف أجعل إرتريا هكذا ملساء قرعاء مثل صلعتى مشيرا إلى رأسه الأصلع.. لم يكن يدرى أنّه يجلس على بركان ولم يكن يدرى أنّ قصة إرتريا وقضيتها سوف تودى به إلى جهنّم هو وأسرته وبقيّة الحواشى الظلمة المتعجرفين...
وجاءت القشة التى قصمت ظهر البعير عندما إنتصر الثوار فى قتل الجنرال (تشومّى إرقتو) القائد الجديد الذى أقسم ليمحو الثورة والشعب الإرترى من الوجود إن لم يستسلموا إلى (أمّهم إثيوبيا) ويتركوا العصيان... هذا الجنرال المتعالى بحسمه وسيطرته على الجزء الإثيوبى من الصومال (أوجادين) ظنّ أنّ الظروف مواتية لحسم الثورة فى إرتريا ولكن لحظّه السيئ إنّ (أسمرا) لم تكن (جقجقا) عاصمة الأوجادين.
ويبدوا أنّ الأمير القاتل كان بين نارين (نار الثورة) ونار الأمير المنافس الآخر (أكليلو هبتى ولد) الذى كان يشكّك (الإمبراطور) على قدرة الأمير (أسرات) فى حسم الأمورلصالح الإمبراطورية الحبشية وإبادة الثورة والشعب الإرترى... وبموت ومقتل الجنرال (تشومّى إرقتو) فى 21 نوفيمبر 1970 فى قرية (بالوا) فى الطريق بين مدينتى (أسمرا) و(كرن) جاءت النهاية لعهد الأمير القاتل فى إرتريا فقام الملك بعزل (أسرات كاسا) وأعلنت حالة الطوارئ القصوى فى إرتريا وفوّض أمر إرتريا إلى العسكر لإتّخاذ إجراءات أكثر صرامة فدخلت إرتريا فى حقيبة وزير الدفاع الإثيوبى الجنرال (دبّبى هيلى ماريام) وعاد (أسرات) إلى أديس أببا تعيسا مهزوما ومزلولا... ليتمّ تعيينه رئيس (مجلس ولىّ العهد) لإبن الملك (أسفاو وسن) فى يوليو 1971 ولكن لعنة الثورة الإرتريّة ودعوات المؤمنين فى (عونا) و(قمهوت) و(عسوس) و(عد عمر فى حافة جبل بيزن) و(بسيقديرا) و(عد أبرهيم) لاحقت الأمير القاتل فى عقر داره وعقابه فى الدنيا كان من صنف ما إرتكبه فى إرتريا.
عندما إنتقلت عدوى الثورة إلى (شوا) و(هرر) و(دبرزيت) و تمرّد العسكر وأعلنوا العصيان وإعتقلوا الإمبراطور ليعدم لاحقا، أعتقل أيضا كلّ الأمراء وكلّ الوزراء إلا الوزير الإرترى (صالح حنيت) وأودعوا السّجون و كان عددهم (63) وزيرا وأميرا و أهمّ خدّام البلاط الملكى أعدموا جميعا بلا رحمة منهم الأمير الوسيم قائد البحرية (الإسكندر) و الوزير (إندلاكاشو مكنّن) ورئيس اللجنة العسكريّة (الدرق) الإرترى (أمان عندوم) والوزير الإرترى وحاكم إقليم (وللو) (دجّ أزماش سلمون أبرها) عمّ الرأيس الإرترى الحالى (1) (أسيّاس أفوورقى أبرها ) (2) ووزير الخارجية الأمير (مايكل أمرو) وأشهر رئيس وزراء إثيوبيا (أكليلو هبتى ولد) والأمير القاتل (أسرات) ووزير الدّفاع (الجنرال دبّبى هيلى ماريام) فى مذبحة إقشعرّت لها الأبدان ولا زال الأمحرا يذكرونها حتّى اليوم وينشرون الأكاليل فى موقعها.
ويشعلون الشّموع ويقيمون قدّاسا خاصا لذكراها فى كلّ بقاع العالم فى شهر (نوفيمبر) لأن الأمراء والوزراء ذبحوا فى مقرّ إعتقالهم فى 23 نوفيمبر 1974 وبتلك المذبخة غابت شمس إمبراطورية سلالة (سليمان) كما يدّعون، ولم يدروا ولا يريدون أن يدروا كم ذبح من الأبرياء والشّيوخ والأطفال بأيدى هؤلاء فى (إرتريا) وفى باقى بقاع إثيوبيا ؟ وكم من طفل وشاب وصبى عاش بعاهة جسدية ونفسية لأزمان طويلة ؟ و فى نفس الشهر فى مذبحة (بسيقديرا) و(رورا بيت قبرو) و (مقرططت) و(عونا)... واللعنة لم ترحم حتّى أرملة الأمير القاتل (الأميرة زورياش ورق) فقد رُمى بها فى السّجن 14 عاما بالتمام والكمال حتّى أفرج عنها أصحاب العهد الجديد بقيادة تحالف (إيهودق) بزعامة (ملّس زيناوى) ومعها أخريات من أميرات العهد القديم.
الله لا أعاد عهد هؤلاء فكلهم مجرمون ومن عاونهم مجرم إن كان فردا أو جماعة أو دولة !!!
1. نشكر صفحة (حامد إدريس عواتى) على تذكيرنا بمقتل الوزير (سلمون أبرها) فى المذبحة وهو عمّ الرّأيس الحالى (أسياس أفوورقى أبرها).
2. ذكر (ردئى محارى) فى كتابه (زرع البذرة الفاسدة) أنّ الرئيس الإرترى عندما إنشق من (جبهة تحرير إرتريا) كان قد وصل الحدود مع (تقراى) وترك مجموعته هناك فى الحدود وزار عمّه الذى كان حينها فى (تقراى) وحكى أمور أخرى توضح مدى قوة علاقته بعمه هذا أكثر من ابيه.
نواصل... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة