العميد/ صالح عثمان كما عرفته وسمعت عنه - الجزء الرابع والأخير

بقلم الإعلامي الأستاذ: أبوبكر عبدالله صائغ - كاتب وصحفي ثقافي مهتم بالتأريخ

أقول بهذه المناسبة بأن الرئيس/ أسياس أفورقي كان على علم بكافة خطواتهم،

وفي بلد مثل إرتريا وشعب يحب تناقل الأخبار ويتابع كل شاردة ووارد في الشارع العام، ووجود عدد من الأجهزة الأمنية التي تراقب كل شئ يجري في البلد ولهم في كل دائرة وشارع ومقهي شخص مكلف بمراقبة كل صغيرة وكبيرة لا يمكن أن نتوقع لن يتابعوا حدث مثل هذا، ويكونوا نائمين حتي تصل الدبابات الى وزارة الاعلام هذا غير معقول ولا مقبول، إذا كان المواطن البسيط كان يعلم فما بالك بالاجهزة الأمنية المتخصصة.

الريموت لم يكن بأيدي القادة السياسين الذين خططوا للإنقلاب بل كان بيد الرئيس والاجهزة الامنية وهم وحدهم الذين حددوا زمان ومكان وقوع الانقلاب وكيفية التعامل معه لحظة وقوعه، وإن القادة العسكريين الذين كانوا يطلقون الشائعات بأنهم غير راضين عن الوضع والتغيرأصبح حتمي وضرورى لا نقاذ إرتريا في صبيحة يوم الانقلاب شوهدوا يتجولون حول مكتب الرئيس ويخططون لتفادي اى خطوة غير محسوبة من قبل القادة العسكرية الذين سيطروا على مبني وزارة الاعلام وهم خبرة في هذا المجال منذ عهد الثورة.

هل يعقل رتل من الدبابات "ستة دبابة" ومعهم سيارات الدفع الرباعي وبها رشاشات وصواريخ محمولة على الكتف وعدد 200 جندى مدججين بأسلحة هجومية وجهاز إتصال تتحرك من "طرونا" وتمر عبر مدن الاقليم الجنوبي وتصل أسمرا نهاراً جهاراً وتدخل وزارة الاعلام ويدخلوا الوزارة ويبحثوا في القاعات عن إجتماع الوزراء وحكام الإقاليم وحين يقال لهم لا أحد هنا يصابوا بهلع شديد ثم يصطحبوا مسؤول التلفزيون وهو أسملاش لإجباره قرأت البيان وفي النقطة الرابعة يقطع الإرسال وظهر خلفه الشهيد العقيد البطل/ سعيد على حجاي وهو يحمل مسدسه هكذا حكي لي من شاهد الصورة، محطة البث ليست في وزارة الاعلام بل في بيت "قرقيش" في ضواحي أسمرا ومحطة بث الراديو في قرية "مرحانوا" في ضواحي أسمرا، إنقطع البث خارج الاستديو وواصل أسملاش يقرأ حتي إنتهي من البيان، ولا أحد يتحرك في الشارع والرسالة لم تصل لكل الناس، وقبل وصول العسكرين الى أسمرا شاهد أحد الاصدقاء دخول قوات حراسة الى مقر مجمع الوزارات وبه وزارة الخارجية في تمام الساعة السابعة والنصف صباحاً في مشهد غير مألوف بالنسبة للموظفين، وحدات أخري إنتشرت في عدة مواقع داخل العاصمة أسمرا وهذا يؤكد بأن الإنقلاب كان مكشوفاً ومعروفاً والرئيس والأجهزة الأمنية المقربة منه هم الذين حددوا الزمان والمكان.

ولكن ربما لم يكن في الحسبان بأن القادة العسكرية الذين دخلوا وزارة الإعلام هم ثلاثة برتبة عقيد ورابع برتبة عميد وهم العميد صالح عثمان - العقيد سعيد على حجاي - العقيد ألم غيزو - العقيد أبرهام قيلو ومن هنا جاءت المخاوف وخاصة وجود صالح عثمان وسعيد على حجاي جعل القادة العسكريين الذين كانوا يتابعون الوضع على الأرض من قبل النظام يتخوفون لمعرفتهم السابقة بهم قوتهم وشجاعتهم وبسالتهم وحبهم للتضحية من أجل الشعب الإرتري.

كان من المفترض أن تدخل فرق عسكرية أخري الى أسمرا ولكن يبدو إن قادتها كانوا على علم بالمخطط الهادفة الى تصفية تلك القيادات العسكرية والسياسية عن مسرح الأحداث في إرتريا ولذلك حدثت خيانة وحصل ما حصل، أيضاً كان هنالك تقصير واضح من قبل القادة السياسين في متابعة الأحداث فمثلاً لو كان سيعقد إجتماع مجلس وزراء وحكام الاقاليم في قاعة هقر بوزارة الاعلام كان الأمر سيتضح للجميع وأن طاقم الوزارة سيسستنفر كافة قواه لتجهيز معداتهم وتنظيف القاعة وتركيب الكمرات وتحديد أسماء المشاركين من الاعلامين لتغطية الحدث، كل ذلك سيلاحظه أي زائر للوزارة ناهيك عن العمال والفنين والإعلامين، وكان بإمكان القادة السياسيين الاتصال فقط لتحري الحقيقة بدلاً النوم في بيوتهم وإرسال قيادات عسكرية لإحداث تغيير بالقوة العسكرية، ولو فعلوا ذلك لكانوا وجدوا معلومة تفيدهم بأن الوزارة لا يوجد بها إجتماع لمجلس الوزراء لكي يضعوا خطط بديلة لتنفيذ الحركة التصحيحية.

هنائلك نقطة مهمة ايضاً جديرة بالذكر بأن الوحدة العسكرية التي كانت ترابط بوزارة الاعلام للحراسة وهم جيش محترف لم يقاتل القادمين الجدد بل إستسلموا لهم طواعية وتم تجميعهم في منازل خلف مبني التلفزيون ووضعوا لهم حراسة لكي لايتحركوا، وهذا يؤكد بأن الوحدة التي كانت بالوزارة صدرت لهم أوامر بعدم القتال والامتثال للأوامر المطلوية منهم.

وعند منتصف النهار حاول بعد المسؤولين في الوزارة إجراء حوار مع العسكر لكي يسمحوا بخروج من مبني الوزارة النساء العاملات لوجود أطفالهن بالمنزل ولكن الطلب رفض، خرج بعض الاعلامين من داخل الوزارة متسللين عبر نوافذ الكفتيريا التي تفتح بإتجاه مساكن البعض من موظفي الوزارة وهرب بالنافذة السائق الخاص للعميد/ صالح عثمان، ومع مرور الوقت بدأ اليأس يدب في نفوس القادة العسكرية وتيقنوا بأن رفاقهم خانوهم ووقعوا في مأزق، معظم الاعلايمين كانوا مرتاحين من الخطوة ومنهم من التقط صور للدبابات التي دخلت مبني التلفزيون، العميد صالح عثمان كان أكثر هدوءاً من غيره ن أما العقيد سعيد على حجاي فكان يتجولون بمدسه ومتأبطأ كلاشينه في داخل اروقة الوزراة وكان يتردد كثيراً حول العميد، العميد صالح عثمان كان يدخن سيجارته بشراهة وكان يجلس في الزواية المقابلة للباب الرئيسي لوزراة الاعلام تحت الاشجار بالقرب من البناية التي بها قسم الصحافة والتصوير والارشيف والراديو، يوم طويلة إنقضي وعند مغيب الشمس خرجوا القادة الاربعة من مبني وزراة الاعلام وذهب العقيد البطل الشهيد/ سعيد على حجاي لوحده والثلاثة الاخرون ركبوا سيارة وغادروا مبني الوزارة، وعلى الفور حضرت الوحدات التي كانت ترابط حول الوزارة ورجال الامن الذين كانوا ينتشرون بالقرب من وزارة الاعلام ودخلوا مبني الوزارة وجمعوا الجنود الذين لا كانوا لا يعلمون شئ عن سبب حضورهم الى أسمرا وتم إصطحابهم الى مقر "الاكسبوا" وأعدوا لهم وليمة عشاء دسمة وفي اليوم التالي توجهوا الى وحداتهم التي جاؤا منها هنا إنتهت العملية، لتعقبها مرحلة الاعتقالات والشائعات الجديدة هنا وهناك تم إعتقال كل من شارك في العملية، والاعتقالات لم تكن عشوائية بل كانت بالأسماء لأشخاص محددين وهذا يؤكد بأن الأمن كان يرصد تلك التحركات منذ فترة وكان يعرف اسماء المسؤلين المتورطين فيها، حقيقة تحسرت على فقد قادة كبار بهذه الطريقة مثل عبدالله جابر - ابراهيم توتيل - الامين شيخ صالح - عثمان إدريس جمع - مصطفي نور حسين - أحمد الحاج - وجابر درع الذي تم إطلاق صراحه بعد أن قضي حوالي العام في السجن والعقيد شرطة/ محمد نور والعقيد شرطة/ سليم سعيد والعقيد ودى أمريكا وعدد من المسؤولين في الجيش والوزارات والجبهة الشعبية وكان معهم عدد من الشباب أمثال الصديق/ رمضان صالح الذي كان بالإتحاد الوطني لشباب وطلبة إرتريا قبل توزيعه في الجبهة الشعبية بإقليم عنسبا وأيضاً الشاب الصديق/ هقر قانزاي مسؤول الاتحاد بالاقليم الاوسط وغيرهم فك الله أسرهم جميعا.

تسربت الشائعات وبدأت تلوح في الافق تصنيفات مثل الذين قاموا بالانلاب هم من المسلمين وتم سحب هذه الشائعة سريعاً، ثم قيل بأنهم من الساحل الشمالي وهذه ايضاً تلاشت لوجود قيادات كبيرة ضمن الحركة لا ينتمون الى الساحل، عمت ارتريا أجواء مشحونة وغضب عام كان يتجلي في وجوه الناس الذين كانوا ينتظرون الخلاص.

في اليوم الاول للحركة وصلتني عدة إتصالات من أصدقاء لي يقيمون خارج البلد يسألون عن أحوالي وكنت أقول لهم أنا بخير وكانوا يتخوفون من علاقتي الطيبة بالاستاذ/ عبدالله جابر ولكي لا أكون ضمن المطلوبين، أكثر إسبوع واجهت فيه ضغط نفسي رهيب كان الاسبوع الذي أعقب الانقلاب وحزنت على العميد البطل/ صالح عثمان والعقيد الشهيد/ سعيد على حجاي وبقية القادة العسكريين والسبب يكمن في أن هؤلاء القادة هم من القادة العسكريين النزيهين الشجعان الابطال، وإن خسارتهم بهذه الطريقة هي خسارة كبيرة للبلد وللشعب وكنت إعتقد هم زخراً لإرتريا في مواجهة أي إعتداء، أما القادة السياسين فلهم أفعالهم مواقفهم في الحياة السياسية وصالوا وجالوا وإن صحوتهم المتأخرة لانقاذ ما يمكن إنقاذه من أجل الشعب الارتري اوقعتهم في فخ غير مدروس لأن زمان ومكان الانقلاب لا يحدده لك خصمك وإن ساعة الصفر كانت معروفة لدى البعض والجهات الامنية كما قلت كانوا يتابعون الموقف بدقة وعلى علم بكل التحركات.

وأنا قابلت شخص قابل صالح عثمان في مندفرا بفندق مرب يوم الجمعة 18 يناير 2013 م ولم يلاحظ عليه أي إضطراب وهذا يؤكد بأن صالح عثمان وسعيد حجاي غدر بهم وأقنعوهم بالمشاركة وبأن الأمر منتهي وسيتم القبض على الرئيس والوزراء وهكذا خطط.
وفي الختام أن كل الشائعات التي تناقلت بخصوص العميد/ صالح عثمان غير صحيح وهو الان مسجون في زنزانة إنفرادية بسجن "الكارشيلو" الشهير بأسمر، في تقديري التفاصيل الكثيرة غير مهمة الأن وتطرقت لأهم الاحداث ولذلك إكتفي بهذا القدر وأتمني أن يكتب الاخرون لكي يضيفوا ويصححوا أي معلومة لأن تاريخنا المعاصر هو أيضاً شفهي نتناقله عبر الجلسات المغلقة.

فك الله أسر كل السجناء في بلادي
المجد والخلود للشعب الارتري البطل

Top
X

Right Click

No Right Click