الفنان الهرم/ الأمين عبد اللطيف في حوار خاص مع الإعلامي الأستاذ أبوبكر عبد الله صائغ - الجزء السابع والأخير

حاوره الإعلامي الأستاذ: أبوبكر عبد الله صائغ - كاتب وصحفي ثقافي مهتم بالتأريخ

- سجنت سبعة مرات متتالية وكنت نزيل كل سجون أسمرا ومصوع ودقمحرى.

- لم أتوقع يوماً بأن أكون هدفاً للثورة تحت ذريعة أنى جاسوس وحكم غيابياً بالقتل.
- والسبب كان مسدس تلقيته كهدية من حاكم "مقلي" إعجابا بأغنياتي.
- اعتبر لغتي التقرية ركيكة وأعتبر نفسي من الدرجة الثانية من ناحية الكلمات.

أشرح لي كيفية خروجك من إرتريا وقرار التحاقك بالثورة وماهي أول أغنية غنيتها بعد التحاقك بالثورة ؟

الوضع في إرتريا خلال سنوات الستينيات وبداية السبعينيات كان صعب جداً والاحتلال كان يسعى لفرض سيطرته بالقوة، وخلال تلك السنوات اعتقلت وسجنت عدة مرات بدءاً من عام 1963م، ومن لحظة خروجي من إرتريا كنت مطارداً من سلطة الاحتلال وسجنت سبعة مرات متتالية .وبعد كل أغنية جديدة كنت اعتقل وأسجن وأغنياتي كانت تؤول ونتيجة لذلك كنت عرضة للاعتقال، واعتقلت وسجنت في كل سجون آسمرا وعرفت مداخلها ومخارجها، كما سجنت في دقمحري، أما آخر سجن سجنت فيه فهو سجن مصوع، وبعد ذلك قررت وأنا في داخل السجن الخروج من إرتريا والالتحاق بالثورة وكان ذلك في أوائل عام 1974م، وحين خرجت من السجن سافرت إلى أديس أبابا ومنها غادر إلى السعودية للحج.

وفي هذه السانحة أرغب في شرح شيء ما لم أتحدث فيه من قبل وأرجوا أن يفهمني الجميع وهو إنني أصبحت عرضة للقتل من قبل الثورة وبالذات من قبل تنظيم جبهة التحرير الإرترية، حيث حصل التباس ما في موضوع ما وإنني لم أتوقع يوماً ما بأنني سوف أكون هدفاً للثورة تحت ذريعة إنني جاسوس وحكمت عليّ الجبهة بالقتل.

والقصة هي أنني في إحدى المرات وبعد إحياء حفل فني في ”مقلي عام 1972م“ إستدعاني حاكم مقلي وهو”راس منقشا سيوم“ وخيرني بين أن أخذ بغل أو مسدس كهدية لي نتيجة لأعجابه بي فقط، وقررت قبول المسدس كهدية منه بدلاً عن البغل التي سوف تحتاج الى رعايا وغذاء... وهكذا، واستلمت منه المسدس، وبسبب المسدس حكم عليّ بالقتل من قبل تنظيم إحترمه وأحبه وانتمي اليه وهو جبهة التحرير الإرترية.

وبالأمين عبد اللطيف 13عد دخولي الميدان عرفت الأسباب وكلها كانت مجرد وشاية ليس إلا، والمسدس في تلك الأوقات كان لا يحمله إلا مسؤولي الحكومة أو تجار، وغيرهم من يحمل مسدس يعتبر جاسوس. هذا الالتباس عرضني للقتل بعد أن حكمت عليّ الجبهة بالقتل بعد أن اعتبروني جاسوس إثيوبي. وبمجرد مغادرتي إرتريا التقيت بمسؤولين من قوات التحرير الشعبية في جدة، وأوائل عام 1975م، قابلت المناضل الشهيد/ عثمان صالح سبي في مدينة الكويت وطلبت منه تسهيل أمر دخولي وسفري الى السودان وفعلاً ساعدني في دخول السودان، و في الخرطوم قابلت أيضاً المناضل/ حمد كلو الذي كان أول شخصية جبهجيه أقابلها وسهل لي أمر دخولي للميدان، ودخلت الى الميدان وقابلت عدة مسؤولين في الجبهة على رأسهم المناضل/ إبراهيم توتيل، وهدفي من دخول الميدان كان شرح موقفي لهم، والحصول على البراءة من الاتهام والحكم الذي أصدرته الجبهة بحقي.

وبعد عدة رسائل متبادلة بين ”عليت” الذي كان به مركز القيادة والميدان تضح لهم إن كل الكلام الذي قيل بحقي كان مجرد أكاذيب وفتن، وحصلت على براءتي وبدأت أنتقل بحرية في الميدان ثم خرجت من الميدان، والحمد لله إنني خرجت من إرتريا قبل أن يصطادوني الفدائيين كجاسوس علماً إنني حين كنت في إرتريا كنت أتمتع بعضوية عاملة في الجبهة.

وبعد خروجي من الميدان التحقت الى قوات التحرير الشعبية وكنت أنتقل بين الإعلام وقسم المراسلات. أما بخصوص أول أغنية، إنني سجلت شريط كامل به أغاني وطنية أثناء مساعي الوحدة بين الجبهة وقوات التحرير الشعبية وبعد فشل تلك المساعي. والشريط كان من كلماتي والحاني والعازفين كلهم كانوا سودانيون.

شعراء غنيت لهم وأخرون تتمنى أن تغني لهم ؟

طبعاً أنا غنيت بلغتين وهي التقري والتقرينة، وغنيت بلغة التقرنية للشاعر الكبير/ نقوسي هيلي منسعاي وهو شاعر مبدع وموجود الآن بألمانيا، أما بالنسبة للغة التقري وخلال وجودي في فرقة أسمرا الفنية غنيت للفنان/ جابر محمود، وبعد خروجي من إرتريا وخلال وجودي في السعودية غنيت للشاعر/ رمضان قبري وأيضاً غنيت للشاعر/ محمود لوبينت، أما شعراء أتمنى أن أغني لهم الآن، لو وجدت الكلمات المناسبة أتمنى أغني لكل الشعراء، كما أتمنى أن أقابل الشاعر/ محمود لوبينت لأغني له، لأن محمود لوبينت هو الشاعر الوحيد الذي يعبر عن دواخلي ويكتب بكلماته كل الذي أرغب في قوله شعراً و غناءا.

غنى الفنان السوداني محمد وردي أغنية إرترية بلغة التقري حدثنا عن تلك الأغنية، وعن علاقاتك بالفنان/ محمد وردي ؟

الفنان الكبير/ محمد وردي طلب مننا أغنية إرترية بلغة التقري لكي يغنيها وقدمنا له عدد من الأغنيات التراثية واختار منهن أغنية "ولت كرن طعداتا" وقال هذه الأغنية المناسبة لي، وقام بتوزيع موسيقاها وأدخل تعديلات في لحنها حتى تناسب أسلوبه الغنائي.

وتربطني بالفنان الكبير/ محمد وردي علاقات قديمة تعود لفترة الستينيات من القرن الماضي حين حضر الى اسمرا، وطُلُب مني أن أكون مرافقاً له في كافة جولاته في إرتريا لكي أترجم له وأقدم له برامجه. وسافرت معه الى عدة مناطق منها اسمرا وكرن ومصوع، وخلال جولاتي الخارجية كنا نتقابل في الخارج وخاصة في بريطانيا وأمريكا. وعلاقتي بالفنان/ محمد وردي علاقات متأصلاً ومتواصلة وتربطني به صداقة حميمة.

أغنية ترددها دائماً وفنان تستمع له ؟

من فناني لغة التقري أستمع دائماً وباستمرار للفنان الكبير/ إدريس محمد علي وكذلك الفنان/ أحمد ود الشيخ وكذلك الفنان/ إبراهيم قورت، وهؤلاء كلهم مبدعين وكلماتهم رائعة والحانهم جميلة، واستمتع بالألحان الجميلة والكلمات الراقية والقوية التي يتغنى بها الفنان/ إدريس محمد علي في أغنياته الغرامية.

أستاذ الأمين وبصراحة لو طلب منه أن تسلم تاج أغنية التقري لأحدى الفنانون اللذين يتغنون بلغة التقري، لمن تعطي التاج ؟

أجابني ضاحكاً وقال:-
أنا لا امتلك هذا التاج أولاً، واليوم لدينا عدد من الفنانين الذين يمتلكون مقدرات فنية كبيرة وقلت في أكثر من مرة إنني تربيت وكبرت في منطقة لا تتواجد فيها لغة التقري بشكل كبير، اعتبر لغتي التقرنية ركيكة وأعتبر نفسي من الدرجة الثانية من ناحية الكلمات. واليوم لدينا فنانين كبار أمثال إدريس محمد علي وود قورت وود شيخ وهؤلاء الفنانين كلماتهم قوية وأفكارهم خصبة وأقول بكل صدق هذا التاج يجب أن يكون مع هؤلاء الفنانين لكي يوزعوه كيفما يشاؤوا لان إمكانياتهم تؤهلهم لذلك. ولا أدري أي منهم أختار، ولو فرض عليّ الاختيار لاخترت الفنان/ إدريس محمد علي.

هناك الكثير من الفنانين الشباب الذين يملكون حقيقة ويحتاجون للمساعدة والصقل ماذا تقول لهم ؟

أولاً الموهبة تفرض نفسها ولا تحتاج الى المساعدة، اليوم الفن ليس كما الامس ، وفي ظل الأوضاع الحالية الفن أصبح له حريته الخاصة ولا يوجد أحد يمكن ان يلوم أي شاب لأنه أصبح فنان، و الفانون الشباب يحتاجون الى مساعدة طفيفة في اختيار كلماتهم وبعد اختيارهم الكلمات واللحن عليهم أن يعرضوا أعمالهم للفنانين الذين سبقوهم لكي يعبروا لهم عن رأيهم فيها، وتلقي النصائح وتصحيح الأخطاء .واليوم المجال أصبح مفتوحاً للكل.

ماهي أصعب لحظات في حياتك الفنية ؟

أصعب لحظاتي الفنية كانت داخل السجون الاثيوبية والتعذيب وخاصة في مدينة دقمحري، وبهذه المناسبة نحن كنا أول النزلاء في سجن دقمحري، وكنا قلة قليلة معصوبين الأعين حشرونا في سيارة وتوجهوا بنا الى دقمحري. وكان هناك تعذيب ومات منا الكثيرين من شدة التعذيب.

وبعد خروجي من السجن طلبوا مني التوقيع على عدة ملفات وأن أكتب تعهد بعدم العودة مرة أخرى للغناء، وقلت للعقيد منفعلاً أنت كنت تسجني في سجن صغير والآن تريد أن تسجنني في سجن كبير، أنا هوايتي الفن والغناء ولا أستطيع أن أعيش بدونه، وقال لي محذراً لو غنيت أغنية واحدة فقط سوف أسجنك في سجن تحت الأرض. وتحقق له حلمه وغنيت أغنية رمزية واعتقلت وسجنت في تحت الأرض كان يوجد في المكان الذي به رئاسة شرطة اسمرا، وفي داخل السجن وجدنا بعض المناضلين وأثار التعذيب كانت بادية في أجسادهم ونحن كنا ضيوف جدد كنا نضمد جراحهم ريثما نجرح نحن.

بعد هذه التجربة الطويلة في الفن كيف ترى أفاق الغناء بلغة التقري وماهي أهم المعوقات التي تحد من انتشارها في تقديرك ؟

الغناء بلغة التقري اليوم شهد تطوراً ملحوظاً وإيقاعات لغة التقري السبعة ومنها مثلاً ”أسوميا - سسعيت - مرقدي.. الخ“ وهذه الإيقاعات أصبحت محببة للجميع.

وكثيراً من أغنيات التقرنية أصبحت تلحن بلحن التقري، ولا توجد الآن سواء في أسمرا أو خارجها حفلة لا يوجد بها فنان يغني بلغة التقري ولغة التقري اليوم أصبحت توازي لغة التقرنية أما في السابق أنا كنت الوحيد الذي أغني بلغة التقري في فرقة اسمرا الفنية في وسط عشرين فنان وكنت أحاول أن أقدم أعمال بنفس مستوى أعمال لغة التقرنية. واليوم أغنية التقري انتشرت انتشار سريع.

Top
X

Right Click

No Right Click