كرن المدينة البوتقة - الحلقة الثانية

بقلم الأستاذ: موسى إدريس حامد - كاتب ارتري

"دراويش" ومعتلين عقليا شكلوا حزءا مكملا لدورة الحياة الكرنية..!!

إلحاقا للبوست السابق والذي أبحرنا عبره ومن خلاله على عالم الظرفاء الذين أثروا الحياة الاجتماعية والثقافية لمدينة كرن "إمات سراير" ومنبت الأدباء والشعراء والدعاة والمعلمين في عهد الأستعمار وما قبله.

وكيف أثر هؤلاء على المزاج العام للكرنيين ايجابا، وقد أنعكس هذا في تعاطيهم مع الواقع البائس الذي فرضه المستعمر الأثيوبي من خلال تضييقه الخانق على المدينة وقاطنيها عبر نشر جواسيسه وعملائه داخل المدينة المتألفة والمتجانسة، وتمييز كل الدخيل أو الجسم الغريب بسهولة ويسر.

وكان الإنسان الكرني الفطن والحذر يغرد النكات السياسية الساخرة، ففي حال تداولهم أخبار المعارك والمواجهات المستعرة بين مقاتلي جبهة التحرير الإريترية وجيش الاحتلال، يلجئون لشفرة معينة، كأن يقول أحدهم مثلا "يوم بركا زلم هليت" أو عنسبا تهدد هليت" وهكذا اي هناك معركة في بركا أو مواجهة وشيكة في عنسبا وهكذا.

كما كان الكرنيين في ذلك الزمن الجميل وبإدراكهم البديهي يتميزون بسرعة اكتشاف المخبرين والجواسيس الذين يجلبهم المستعمر من خارج المدينة لاكتشاف الخلايا السرية العاملة ضمن في صفوف المقاومين، إلا ان هؤلاء كان يكشف أمرهم من اللحظة التي تطأ فيه أقدامهم المدينة الثائرة، فيعم خبرهم الأرجاء، فيتخلص منهم المحتل بنقلهم الى مدينة أخرى بعد أن أصبحوا ورقة محروقة، يعني حمل زائد "لا يبْقي ولا يذَرُ".

وفي هذا السياق يقال أن عميلا سريا خطيرا يدعى "أماري" جيء به إلى المدينة الثائرة من أسمرة لضبط الأمن وكشف خلايا الداخل السرية، لكنه سرعان طلب نقل خدماته الى مدينة أخرى بعد اكتشاف أمره وأصبح مكشوفا للجميع في فترة وجيزة.

وهكذا حال بقية العملاء والجواسيس والمخبرين الأخرين والمعروفين شعبيا بتسمية "اذن" أي "متنصت" فيقال مثلا "فلان "اذن تو" أي فلان من الناس هو مخبر فتجنبوه.

الغوص في دهاليز وتجاويف التنوع الاجتماعي والفئوي في مدينة كرن، يفرض علينا التوقف عند فئة الدراويش او "المعتلين عقليا" الذين كانوا يشكلون جزءا مكملا لدورة الحياة في المدينة بأحيائها وحواريها وسوقها الصغير نسبيا.

الطريف، أنه لا أحد يجزم كيف ومن أين جاء هؤلاء الدراويش، من هم وبأي وسيلة قدموا، وحتى يتعذر معرفة اسمائهم الحقيقية، وكل ما يعرف عنهم أن الناس تتفاجئ بوجودهم هكذا في الشوارع والأسواق، بعضهم متحرك والبعض الأخر يتخذ زاوية في شارع او مبنى في السوق يأوون إليها ليلا.. الشيء المؤكد، أن أغلبهم أو جلهم من الريف وقلة من المرتفعات، ثم يكتسبون أسمائهم أو ألقابهم من أبناء المدينة كلا بحسب أفعاله وتصرفاته.

والغريب في الأمر أيضا، أن بعضهم يأتي للمدينة "بنصف عقل" فيفقد النصف السليم أو يخسر أخر برج في "نافوخه" نتيجة عمليات الكر والفر والمطاردات مع الأشقياء من فتية المدينة الذين يجدون تسليتهم في نرفزتهم وإخراجهم عن طورهم يعني "شقاوة صغار".. أما الكبار فكانوا يتعاطون معهم بالرئفة والإحسان ويتلمسون حاجاتهم في المأكل والمشرب والكسوة وحتى المأوى أو تزويجهم أحيانا كما فعل الرجل الخير المرحوم العم محمد نور ياقوت له الرحمة والمغفرة مع الدرويش "أتي جاليي" وسعدية همبجبج وكان ثمرة هذا الزواج إبن صحي معافى لا زال في مدينة كرن إلى وقت قريب كما اظن.

ومن مشاهير الدراويش النساء:-

• فاطمة جنجرين،
فضة،
سعدية همبجبج،
فاطمة دبت،
أم دغالة،
سولدي عباي،
قماشت،
كليشار،
سلاس،
صاروخ،
سعدية كشكش،
أديس أبابا،
وغيرهن.

ومن أشهر دراويش المدينة الرجال:-

إدريس زازا،
فرجت،
إدريس كاني دي كاني،
عسر صلاتو،
حنقل متور،
أبرها قرضيد،
ود شيخ،
أتي جاليي،
تقيل العدة،
تسفوتجا،
محاري أليا،
مكيئيلو،
برتفوليا وسديري،
قابراي شللو،
جبع،
جبارة،
قربل،
ساطور،
فسحت،
إبراهيم "عمل لمشيتو"،
وغيرهم.

ولهذا الأخير قصة وعبرة تنم عن عقلية تجارية فذة معكوسة يتداولها الكرنيين حتى يومنا هذا، ويقال أن ابراهيم هذا أشترى من دكان صالح حسين كافل 10 مكعبات صابون ودفع قيمتها (بر) اثيوبي واحد (100 سنتيم في البر) أي 10 سنتيم للمكتب الواحد، ومن فوره ذهب إلى السوق وعرض صابونه للبيع بسعر 5 سنتيمات للمكعب الواحد أي بخسارة نصف قيمتها، تدافع الناس واشتروا الصابون في وقت قياسي "فرصة"، فعاد مسرورا إلى الدكان الذي اشترى منه الصابون، وقال للراعي احتفظ لي بال50 سنتيمات حصيلة البيع، فسأله مالك الدكان: إن شاء الله ربحت من بيع الصابون، فقال له الأخير قولته الشهيرة.. "مكسب وخسارة ديب ربي تو، أنتا لهبا هبا كفيكا" أي المكسب والخسارة من عند الله، فقط يكفيك رواج البضاعة المتمثل في تدافع الناس للحصول على السلعة.. عقلية تجارية وإن كانت بالمعكوس، أليس كذلك.

تـابـعـونـا... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة

Top
X

Right Click

No Right Click