رمضان المبارك وملامح من معانات المسلمون في إريتريا

بقلم الأستاذ: محمد عثمان علي خير - كاتب وصحفي إريتري

يعتبر شهر رمضان المبارك بالنسبة للمسلمين فريضة هامة يؤديه كل مسلم ومسلمة، امتثالاً لأوامر الخالق العظيم،

وتأكيداً على الارتباط به، وكما قال في الحديث القدسي (الصوم لي وأنا أجزي به) باعتبار أن الصوم الفريضة الوحيدة التي تعتبر بين العبد وربه لا يطلع عليها سواه، أما بالنسبة للفرائض الأخرى، فإنها تتقاذفها النفس بين الإخلاص والرياء للناس الخ...

ولذلك فإن المسلمين في العالم الإسلامي، بل وفي أوروبا وأمريكا وغيرها، يعدون أنفسهم لاستقبال هذا الشهر الكريم، بكل ما آتاهم الله من قوة النفس والروح والتفاعل الوجداني، وفي عصرنا هذا الذي انتشرت فيه الفضائيات وكافة وسائل الإعلام، فإن البرامج تكرس في تغذية المسلم بأصول دينه وتعريفه بقيم هذا الدين وحضارته، وما قدمه للإنسانية عامة من العلم والمعرفة والحضارة، والتي قامت عليها أصلاً الحضارة الأوروبية، كما أن هناك إذاعات متخصصة في أمريكا وأوروبا ناهيك عن بلاد المسلمين، تهتم بنقل قراءة القرآن من المقرئين، ويتبارى العلماء وأهل الدعوة لنشر هذا الدين، وتوطيد أواصر المحبة بين المسلمين أنفسهم، إن هذا الشهر المبارك يحرك في النفس مكامن القوة ويعكس الصورة الحية للإسلام، وقد لاحظنا كيف تتفاعل بعض الحكومات الأوروبية، وتقدر صيام المسلمين وتفتح كل مجالات الدعوة والتسهيلات، بل وأن بعض الرؤساء الأوروبيين يشاركون في حضور موائد الإفطار، بل ووصل التقدير لهذا الشهر بالرئيس الأمريكي (بوش) وقبله (كلينتون)، أن أقاموا مأدبة إفطار كبرى في أحد أجنحة البيت الأبيض، إنهم يعرفون قيمة هذا الدين ومكانته العليا بين الأديان كلها مهما حاولوا أن يغالوا في التصدي له، أما صاحبنا في "أسمرا" (أفورقي) فإن تربيته ونشأته وتعميده في الكنيسة، وتزوده من ذلك التراث الحبشي الملوث بالحروب الصليبية، منذ عهد (أبرهة) الحبشي الذي سعى إلى هدم الكعبة، بجانب رفضه لأي دين وثقافة أخرى، فإن هذا كله وغيره يمنعه أن يضع الإسلام والمسلمين في خانة الأصدقاء، ويحول دون نشره وحركته، ودون تمتع المسلمون بلغتهم وثقافتهم العربية، ويمنع أي نشاط ديني يخص المسلمين وبعيداً عن السياسة، وفتح المجال واسعاً أمام بناء 1500 كنيسة في مناطق المسلمين، وفي عهده لم يبنى سوى عدد قليل من المساجد، بل ووصل الأمر "بالكفر المركب" في (أفورقي) وتحت شعار أن الدولة علمانية في إريتريا، أن لا يذكر اسم الله تعالى في أي مجال ولا أي دائرة من دوائر الدولة، وأن تخلوا الكتب الدراسية التي تطبع تحت إشراف الدولة هذا بخلاف المدارس الأهلية وغيرها من المؤسسات التعليمية المتعارضة مع نهج (أفورقي)، وقد اطلعت على منهج اللغة العربية الذي ألفه وبجهد مقدر الأستاذ (أحمد عبدل)، عافاه الله تعالى وشفاه، كان رئيساً لهذا القسم، وهل تعلم يا أخي أنه قد أصيب منذ أربعة أعوام "باللوكيميا" وجاء بجهده الخاص إلى المملكة وحاولنا أن نساعده، ورفضت وزارة التعليم التي يقودها ذلك الخبيث (عثمان صالح) أن تقدم له أي مساعدة أو علاج، وقالوا هذا أمر يعني أهله، بل وأسوأ من ذلك أن الفترة التي قضاها للعلاج في "جدة" قطعت من راتبه ولم تحسب له، وأكثر من ذلك تم فصله من رئاسة القسم وألغي القسم كله بعد ذلك، وأصبح هذا الأستاذ عاطلاً عن العمل في الوقت أنه ضحى بوظيفته الثابتة كمدرس للغة العربية في ليبيا، من أجل أن ينهض بأبناء وطنه، وهو يعاقب بسبب اهتمامه بالتعليم العربي ووضع المنهج له، والآن بين الحياة والموت في مدينة "كسلا"، حيث كان يراجع طبيبه في الخرطوم وهو راجع إلى أسمرا عن طريق هذه المدينة انتكست صحته والله يعلم بحاله وندعو له بالشفاء العاجل، وهذا المنهج الذي أشرنا له فرض على واضعيه ألا يشار فيه إلى اسم الله ورسوله ويبقى خالياً من هذه "البركة العظيمة"، كما هو الحال أن يقسم الإريتري بالكائنات وما يسمى بالشهيد وأشياء غريبة مولع بها عقل ذلك المريض (أفورقي)، ولم نسمع في العالم كله أن هناك دولة تستبعد اسم الله تعالى في القسم، في الوقت أن الكائنات والحشرات وكل ما في هذا الكون يسبح لله ويشكره فما بال ذلك الطاغية الذي صور له الشيطان بأنه يمكن أن يتقول على الله، وهو أشبه هنا "بفرعون مصر" الذي قال لهامان: ( ابني لي صرحاً لعلي أطلع على إله موسى) والطغيان أكبر من الكفر في هذه الأحوال، ورحم الله الأستاذ (جابر سعد) الذي بذل جهداً مقدراً في الدفاع عن اللغة العربية، ووضع بعض الأسس في القسم العربي الذي تم إغلاقه كما قلنا تماماً.

• هناك مشكلة معقدة نواجهها من إخواننا في العقيدة والتراث والانتماء والمصير الواحد (الجبرتة) الذين يقفون في صف واحد مع المسيحيين الإريتريين في تكريس هيمنة "اللغة التيقرينية" بحجة أنها لغتهم بالرغم من خلافهم التاريخي الواضح مع العنصر المسيحي في إريتريا، ونحن نقدر تمسكهم بلغتهم هذه باعتبارها لغة وطنية إريترية وليس هناك أحد من المسلمين ينكر موقعها في إريتريا، إلا أن خلافنا مع إخواننا "الجبرتة" أن تمسكهم بهذه اللغة يدعم المشروع الطائفي الصليبي ويعزز الهيمنة الدينية والثقافية لهذه اللغة المدعومة من الكنائس العالمية، والتي تستخدم في إقصاء اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم والتي اختارها المولى أن تكون اللغة السائدة في كل زمان ومكان، بل وجعلها لغة أهل الجنة يوم القيامة، ولذلك فإن الدفاع عن اللغة العربية هو دفاع عن العقيدة وتمكين للقرآن الكريم، ومن هذا الفهم فإننا ندعو إخواننا الجبرتة أن يذوبوا في هذا "المشروع الرباني" وأن يجعلوا اللغة العربية هي المحور الأساسي لإسقاط المشروع الطائفي في إريتريا، ولا يمنع ذلك أن يهتم "الجبرتة" بهذه اللغة في تعاملهم اليومي وعلاقاتهم الاجتماعية وتراثهم الفني، بل واستخدامها في الدعوة ونشر الإسلام لأنه من الصعب أن ينتقل مجتمع من لغة وتراث توارثه عبر أجيال، وهذا الانتقال يتطلب إلى مراحل وجهد كبير، والشيء المطلوب منهم أن يؤكدوا على أن اللغة العربية ليس هناك لها بديل بالنسبة للمسلمين في إريتريا، ويكفي أن قومية "التيجري" بكثافتها السكانية الكبيرة وبعراقة هذه اللغة في الأدب والشعر والفن، قد تنازل أهلها منها من أجل أن تكون اللغة العربية هي لغتهم الأساسية والرسمية في كل المجالات، بل وأن "الكنامة" في غرب إريتريا انحازوا للغة العربية عندما استفتوا في ذلك عام 1996م، ولا ننسى هنا دور أهلنا "الجبرتة" في خدمة الإسلام ودعم اللغة العربية وتصديهم للقوى المسيحية في المرتفعات والعاصمة الإريترية "أسمرا"، وهم معروفون ببناء المساجد وبصورة أوسع حتى في المناطق التي يكثر فيها المسيحيين، وفوق كل هذا فإنهم من خيار المسلمين في إريتريا بحبهم للإسلام وتعطيرهم سماء إريتريا بالذكر، وأنا شخصياً قد نشأت بينهم في مدينة (أغردات) الحي الذي كنا نسكنه كان يسمى بحي "الجبرتة"، وهذا ما يدحض مشروع (بشير إسحاق) الداعي "للفدرالية" بين المسلمين تحت زعم "الأقلية والغالبية" فتنة جديدة تحاول أن تلهينا عن مقاومة المشروع الطائفي في إريتريا، وقد تأثرت في هذا المجال بقصة إنسانية رائعة ذكرها لي أحد أبناء قبائل "البني عامر" (الذي أصيب بجروح بالغة في حرب التيقراي وتم نقله إلى أحد المستشفيات في "أسمرا" لتلقي العلاج قبل أن تبتر ساقه بعد ذلك، وذكر لي هذا الشاب وهو كان قد قدم في الحج للعام السابق أنه بحكم عدم معرفته بأحد في "أسمرا" قد لاحظه أحد الزوار في المستشفى من الجبرتة، وهو شخصية يبدوا عليه من التجار فسلم علي وقبلني وقال لي أنت من أهلنا "البني عامر" بسبب (الشلوخ التي في خدي)، وقال لي اعتبرني من الآن أنا أهلك، وكان يقدم لي في كل زيارة الأكل وقدم لي الملابس، ويوم خرجت من المستشفى أقام لي مأدبة غذاء في منزله حضرها بعض من الجبرتة، وبعد هذا كله طلب مني أن أتزوج أحد بناته إكراماً لقبائل "البني عامر" التي تمثل قوة المسلمين في إريتريا، ولكن الكثير من المسلمين الآن نسوا قدرهم وتضحياتهم من أجل إريتريا الدولة المستقلة التي نعيش فيها الآن).

• في شهر رمضان المبارك يقدم للمسلمين من قبل (أبرهة) إريتريا في كل عام، وجبة فنية مقطوعة تتمثل في "المسلسل العربي"، ويعتبر"أبرهة" ذلك "غذاءُ روحي" للمسلمين يعينهم في "الصيام والقيام"، في الوقت أنه لو قدم بجانب هذا المسلسل السنوي برامج دينية وثقافية كما هو معمول به في معظم الفضائيات العربية، ويفتح المجال أمام علماء المسلمين في إريتريا وما أكثرهم ويتيح لهم فرصة واحدة في كل عام بجانب المسلسل العربي لكي يحدثوا المسلمين في أمور دينهم خاصة في مجال الإفتاء، ويفك أسر ذلك المفتي الذي يقبع في "دار الإفتاء" من دون عمل، وأنه يجاري الحكومة في سياساتها المعادية للإسلام وعلمنا أنه قد أصدر حكماً على أربعة فتيات مسلمات في "أسمرا" كن يقمن بالدعوة وينشرن الفضيلة بين أسر المسلمين وتم القبض عليهن وورطوا المفتي المسكين في إصدار أحكام جائرة فيهن.

• هناك أمور عجيبة وأحداث غريبة تحدث في وزارة الإعلام والتي يقال أنه يترأسها (علي عبده)، والذي لم يصدر حتى الآن أي قرار من صاحب الشركة (أفورقي) بتسميته "وزيراً للإعلام"، مرة يطلق عليه بأنه "مكلف" للإشراف على الوزارة، ومرة يفهم بأنه أحد الموظفين فيها، وهذا يدل بأن هذه الوزارة تشرف عليها قوة خفية لا تريد أن تكشف عن نفسها مرة واحدة، وإن كان الأمر بالنسبة لنا واضح، إن صاحبنا هذا في وزارة الإعلام يكلف بكل المهام التي لا علاقة لها بالإعلام، ولا يستطيع أن يمرر مجرد إعلان على الشاشة، وتجد أضعف كادر مسيحي له صلاحيات واسعة من ذلك الذي لا يحترم نفسه ولا جهوده (علي عبده)، والذي جاء به (أفورقي) لكي يتخلص من (نيازكي) الذي أصبح عبء على (أفورقي) بسياساته المكشوفة، التي استفزت كثير من الإعلاميين في وزارة الإعلام، وأنه يريد أن يحدد العنصر الثابت والموالي لمشاريعه وبأسلوبه في إدارة الصراع مع الغالبية المسلمة في إريتريا، وربما يختار (علي عبده) هذا لأن هذا الشاب فيه كثير من مؤهلات ومواصفات (عثمان صالح) وزير التعليم الخبيث، هذه الوزارة ليست لها ميزانية محددة وأن الموظفين فيها لا يتلقون مخصصاتهم إلا بشكل مقطوع، إلا العناصر الموالية من المسيحيين يستلمون مخصصاتهم وتفتح لهم مجالات الدورات في الخارج، أما إخواننا في القسم العربي بالرغم من موالاتهم وضعفهم وما يبدونه من التزام دقيق بالبرامج والتوجيهات الصادرة، إلا أنهم يعتبرون شبه متطوعين ومغضوب عليهم وتتحين الإدارة المشرفة عليهم أي فرصة لإبعادهم، وهذا هو حال جريدة "إريتريا الحديثة" باللغة العربية، والتي وصل الأمر بإدارتها أن تتحول معظم الصفحات فيها إلى مقالات تترجم كتابات بعض الطائفيين بحجة الإنتاج الأدبي والفكري لهؤلاء المفلسين، وإننا كنا نعتقد بأن هذه الصحيفة ربما تصرخ مثل صرخة "النملة في عهد نبي الله سليمان" التي وجهت النداء لكل النمل أن يبتعدوا عن طريق جند "سليمان" حتى لا يحطمنهم، وهذه "النملة" بالرغم من ضعفها أنقذت بصرختها مئات الألوف من النمل، واستحقت بذلك أن يذكرها الخالق العظيم في كتابه الكريم، ولذلك فإن الصوت لا علاقة له بالحجم، وتمرير الآراء خاصة في عصرنا هذا الذي تستخدم فيه كل الوسائل ميسرة إلى أبعد الحدود، فهل نتوقع من إخواننا في القسم العربي وإدارة "إريتريا الحديثة" في يوم من الأيام أن يكونوا بمستوى هذه "النملة" التي عرفت الخطر القادم على بني جلدتها... الأمر متروك لتقديراتهم وظروفهم التي اختاروا أن يكونوا هم أسيرين لها، وإنني أحي هنا ذلك الأديب والشاعر والابن الشرعي للثقافة العربية في إريتريا (أحمد عمر الشيخ) الذي يقوم بجهود مقدرة في مجال الأدب والشعر والذي نحب أن نراه كل مرة في الشاشة وهو يقدم برنامجه "المدار"، بالرغم أنك تدرك في تقديمه للبرنامج بأنه محروم من تفجير طاقاته الأدبية، ويكفي أنه قد رفع هامتنا في "مصر" أمام أهل الأدب والشعر والذين أشادوا به وذكاه وشهد له أستاذ اللغة والأدب (فاروق شوشة)، والذي قال:(لقد كان هذا الشاب مفاجأة لي)، وأن هذا دليل أنه قد جاء من جذور عربية راسخة تؤكد عروبة إريتريا، وأن مثل هؤلاء التضحية بهم تعد تفريطاً في نمو وتطور ثقافتنا العربية، وأقول له (أنك قد اخترت البيئة والمجال الخاطئ في تنمية وتطوير مجالات إبداعك الأدبية)، إنه من الصعب أن يعيش الأديب والمفكر في ظل نظام معادي لهذا الأدب والفكر على الإطلاق، والله يكون في عونك، وكما نشير في هذا الشهر المبارك ذلك الشامخ (إدريس أبعري) عليك أن تقرأ سيرته فقط من تلك اللحظة التي حطم فيها الأغلال من يده، وتناوله للغة العربية ودفاعه عنها وتصديه لمشروع "التيقرينية" وأدان كل كتاباته الأخرى التي كانت تبرر مشاريع النظام الطائفي، وتدميره لحقوق المسلمين، وأخيراً اختار السجن بل وعلمنا منذ فترة أنه قد توفى في "السجن" ونتحدى النظام أن يثبت بخلاف ذلك، وقد صدم (أبعري) أنه خلال مسيرته الطويلة في تنظيم "الجبهة الشعبية" كان مخدوعاً وتم استغلاله كغيره في مشاريع لا علاقة لها بتضحيات شعبنا من أجل حريته وكرامته ضمن الثوابت الوطنية التي يقوم عليها الكيان الإريتري برمته.

وأخيراً بمناسبة هذا الشهر المبارك نحيي جهود المسلمين في داخل إريتريا، والتي وصلت الآن إلى مرحلة النضج في استيعاب طبيعة المواجهة ضد هذا المشروع الطائفي، وسوف يفاجئ المسلمون في الخارج أن الجهود الجبارة القائمة في الداخل، والذي يساهم فيها الصغير والكبير والشباب والفتيات في كل المدن الإسلامية، ستؤتي نتائجها في المرحلة المقبلة، لأن المسلم الإريتري في الداخل مجروح ومطعون من الخلف، وأدرك بأنه تعرض إلى سرقة كبرى في حاضره ومستقبله، من فئة أجادت اللعب في تناقضاته الثانوية وخلافاته المرحلية، وأن نظام (أفورقي) قد قدم خدمة جليلة للمسلمين، حينما كشف ذلك الحقد الدفين للأقلية المسيحية في إريتريا، والأيام بيننا ولا يصح إلا الصحيح، ولن تقوم للظلم دولة مهما استخدمت من أساليب القهر والعدوان.

(وما الله بغافل عما يعمل الظالمون)

Top
X

Right Click

No Right Click