الفنان عبدالقادر بلوح شاعر يحتل مكانته مع كبار الشعراء

بقلم الأستاذ: عبدالقادر شيخ حسين شيخ زايد - أبو رأمي

أغنية هزت مشاعر المـغـتـربين

شعر ولحن الفنان/ عبدالقادر بُلُوحْ

دِيمَا رَيِّمْ وَقَرِّبْ سَفَرْ
إنْدي لَعَلِّبْ سَامِنْ وَشَهَرْ
نَايْكَا لَاكِينْ حَلْفَتْ حُدُودَا
نَعَا أقْبِلْ قِلْ لِرْهِي سُدُودَا
حِرْمَتْ أنَا دِيبْ بِيتْ إنَبِّرْ
إقِلْ إدْلي يِيأتّي وَيِيفَقِّرْ
سَفْلَلِيكَّا نُئوشَايْ وَدْ بِكِرْ
دَاقِمْ حَزَا مُسْلُو لَأمَحْبِرْ
سِنِينْ بِيي قَهَيْ وَعَذَابْ
مَرْئيتْ يِيكُونْ وَسَلامْ إبْ جَوَابْ
لَكَفْكَنِّي مِسِلْ جِنَايي
نَايْكَا هَلّيكُو مِنْ تَهَلّي نَايي
قِلْ مَصَارِيفْ مِنْ تِلئِكْ سَلَادِي
مِي قِلْ لِقْبَأ مِنْ قَأْكَا بَادِي
مِنْمَا حِنَا رَاضَيَتْ وَرَاضِي
قِلْمِي إنْشَكّي إتْ حَاكِمْ وَقَاضِي
إتْ طَبْرِيكَا حَالَفْكُوُّ وَقِتْ
وِلاَّدْ يَيكُونْ وَسَنّيتْ مَنْبرَتْ
لَكَفْكَنّي إتْ بيت إبْ بَيِنْ
فَرَدْكَنِّي مَأْسَرْ وَسِجِنْ
رَحَمْ دِيبُو لنؤوشَايْ
إقِلْ لَآمِرْ لَذَّتْ نَايْ وَالْدَايْ
لِسَّألَنّي لِبِلْ أبُويِي
عِنْتَاتْ جَامِمْ وَيِيبَلِّسْ أفُويي
إنْدِي تَهَدّي رَحْمَت يِتْوَدّي
وإنْدِي وَلِّدْ خَارِجْ تِتْعَدّي
إمْبَلْ رَحْمَتْ سِنِينْ بَدّي
حِرْمَتْ جَامِمْ وَنُئُوشَايْ بَكّي.

تظل اغاني ـ هنا وهناك ـ محفورة في الذاكرة مهما تقادم عليها الزمن لأنها تحمل في طياتها ومضامينها صكوك ديموميتها وهذه الأغنية هي واحدة من تلك الأغاني الخالدة.

اغنية متألقة بكل المقاييس وحاضرة في كل الأزمنة سأحاول شرحها قدر المستطاع وشرحي ربما يفسدها لأن الترجمة لها متخصصون ولو انهم قلة واعرف اخوة لهم المقدرة الكافية في الترجمة.

واذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الاخوة احمد شريف وعبد القادر حكيم وسمير يعقوب ومحمود ابوبكر وتوفيق قسم الله لاني على علم ان ذائقتهم الأدبية عالية ولهم تجارب في فن الترجمة ويجيدون التحدث بعدة لغات ولهم مكانتهم في الساحة الأدبية الإرترية.

واملي ان تترجم هذه الأغنية على يد واحد من هؤلاء الاخوة الذين ذكرت اسماؤم او غيرهم من المقتدرين ترجمة لاتقل روعة عن نسختها الاصلية
ومحاولة مني لترجمة مضمونها ـ لأن هناك من القراء من لايجيد لغة التغرايت سماعاً او تحدثاً .

يقول الشاعر على لسان تلك المرأة المكلومة:

السفر قد يطول وقد يقصر وتمضي الاسابيع والشهور
وكذاك حياة العيش في الغربة
لكن اغترابك تجاوز حدود المعقول
اصبحتُ سجينة البيت وطال الإنتظار
ابنك البكر كم هو مشتاق اليك يحلم بمولود ثاني كي يستأنس معه
طالت بي السنين ولارسالة منك ولاحضور
طالت سنين الهجر بي وبإبني
ومازال الأمل يحدوني ومازلت على الانتظار
انا مازلت لك لو انت لي
المصروف وحده لا يسد خانة اشتياقي
ما الفائدة ان كنت مصرا على الاغتراب
ما الذي يدعونا للشكاوى ان كنت تحبني كما احبك
اضعت السنين في انتظارك
لا عيشة هنية ولا طفل يؤنس وحشتي
رميتني وحيدة في هذا البيت الكئيب
حكمت عليَّ بالسجن الانفرادي.
أشفق على ابنك الوحيد
وعد لصغيرك الذي مل الانتظار
عد اليه لينعم بقربك
وليستعيد مافقد من حنان الأبوة
يسألني عنك على الدوام
دموعي هي التي تجيب وفمي لايرد
ايعقل ان تتزوج لتكون اكثر قسوة أبعد الانجاب تفضل حياة الإغتراب؟
اضعت سنينك في غربة اورثتك الجفاء
تتحدر ادمعي للسقوط والصغير يجهش بالبكاء.

انها ترجمة خجولة لأن الترجمة مجال صعب والخوض فيها مغامرة فاعذروني.

هذه الأغنية الهادفة والرائعة شعراً ولحنًا وصوتًا هي من كلمات والحان الفنان الكبير "عبدالقادر عبدالله بلوح" قدمها للفنانة صاحبة الحنجرة الذهبية بخيتة علي فأبدعت في الأداء.

الفنان عبدالقادر شاعر وفنان لايُشق له غبار يتمتع بزخيرة لغوية ثرة وغنية في لغة التغري شاعر له باع وذو نفس طويل بل يتميز عن اقرانه بأن شعره قصصي وهذا المجال لا يخوض غماره كل الشعراء لانهم يخافون السقوط في المنتصف.

اما عبدالقادر فهو رجل متبحر في هذا المجال ويستطيع السباحة في هذا البحر المتلاطم ويخرج منه سالما غانما دون ان يتعرض للتهديد بالغرق لانه سباح ماهر. سباح في البحر الحقيقي لانه سمهري الإقليم وسباح في بحور الشعر لكأنه ولد شاعر.

وله اغان قصصية كثيرة وإن لم تر النور وذلك بحكم قصر ذات اليد.

وهذه الاغنية التي انا بصدد الحديث عنها هي احدى قصائده القصصية اغنية ابكت الكثيرين وهزت مشاعرهم وعروشهم بل واجبرت البعض من المغتربين على حزم حقائبهم وامتعتهم والعودة للوطن والأهل والاعتذار للزوجة والبنين والبنات ووضع حد لحياة الغربة والشتات.

عذرا يا احبابي المغتربين ان نكأت في البعض جرحا او اعدت شريط ذكرياتهم والذي يحمل في طياته الكثير والمثير.

فمن ما لا شك فيه ان حياة الغربة صعبة رغم إيجابياتها التى لا تخطؤها عين ولو ان الانسان خُيِّرْ بين حياة الغربة والوطن لما اختار للوطن بديلا ورحم الله احمد شوقي عندما قال في رائعته السينية التي بعث بها لبني وطنه وهو في منفاه الإجباري بإسبانيا:

إختلاف النهار والليل يُنسي
إذكُرَا لي الصِّبا وأيام أُنسي
وطني لو شُغلتُ بالخلد عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي.

الى ان يقول في بيت مؤثر جرى مجرى الأمثال وذلك عندما نفاه المستعمر عن وطنه الى اسبانيا وتذكر الكثيرين من الأجانب المستعمرين يجوبون وطنه طولاً وعرضا يقول للمستعمر معنفا:

أحرامٌ على بلابله الدوح
حلال للطير من كل جنسِ؟!

وهناك رأي آخر للبعض في الغربة يردده الكثيرون حيث يرددون المقولة المشهورة "الفقر في الوطن غربة والغنى في الغربة وطن".

ولكني اختلف مع هؤلاء واقول لهم مهما "شرقت او غربت فلن تجد مثل الوطن".

واذكرهم ببيت لأمير الشعراء:

بلادي وان جارت علي عزيزة
واهلي وان ضنوا علي كـرام.

وعودا على بدء ان الأغنية عندما تجد الكلمات القوية واللحن الجميل والصوت المميز قد تُوصل رسالتها وتصل مبتغاها وهذا ما انجزته هذه الأغنية وفي وقت وجيز طبقت شهرتها الآفاق واضحت حديث المجالس في الداخل والخارج.

كتب قصيدتها الفنان عبد القادر في عام 2006 وغنتها الفنانة بخيتة علي في نهاية 2007 او بداية عام 2008.

ودارت حول هذه الاغنية قصص كثيرة مؤثرة ونذكر منها:-

1ـ في البدء سألت الاخ الفنان عبدالقادر بلوح ما الذي دفعك لكتابة شعر مؤثركهذا؟ فقال لي ان قريبة لي تزوجها مغترب وجلس معها شهرا او نحو ذلك وعاد لغربته وانجبت منه مولوداً ولم يعد إلا بعد عشر سنوات ليجد ابنه قد تجاوز عمره العشر سنوات وبعد ان جلس معهم شهرين عاد لحياة الغربة مرة أخرى وقضى بها ايضا عشر سنوات ورزقها الله منه للمرة الثانية ببنت.

عشرون عاما عجاف لم تنعم الزوجة منها مع زوجها عدى شهرين او ثلاث
ومما يؤسف عليه ان العلاقة بين الرجل والمرأة انتهت بالطلاق بعد كل هذا الانتظار!
لأن طول الغياب اورث الملل والجفاء وفي هذه الحالة يقع اللوم على الرجل.

يقول الفنان ود بلوح هذه المرأة ووضعها الحزين هي التي اوحت إلي ان اكتب هذا الشعر ولحنته على الفور ووجدت الأغنية الحنجرة الذهبية والأداء المؤثر من الفنانة بخيتة.

وانتشرت الأغنية وسارت بها الركبان واصبحت على كل لسان.

ويواصل الفنان عبد القادر بلوح وهو يحكي عن قصة اخرى مماثلة.

2ـ ان رجلا جاء من حياة الغربة في مناطقنا بسمهر منطقة "زُلَا وأفْتًا" للزواج بالفعل تزوج ثم عاد ورزق هذا المغترب بمولود ذكر.

كبر هذا الطفل وهو يمني نفسه برؤية ابيه الذي بالغ في الغياب وكان اتصاله بهم علي فترات متقطعة عبر الهاتف ولم يعد الرجل إلا بعد ثمانية عشرة عام.
واغرب مافي الأمر عاد مطرودا وإلا لواصل في غربته.

يقول المثل بالتغرايت (يِيحَقَّا وَدِّي ييحقا رَكِّبْ).
وكانت امنية الأب ان يعانق ابنه الذي لم يشاهده قط.

ولكن ابنه الذي تجاوز عمره الثمانية عشرة عام لم يجده في الدار حيث غادر الإبن قبله بشهور للسودان للبحث عن عمل ووفق الإبن ودخل السعودية.

عجيبة هي هذه الحياة واعنى حياة الغربة خرج منها الأب مكرها ودخلها الابن.!

وحتى الآن لم يلتقيا وقد تجاوز عمر الإبن عشرون عام.

انها قصص يندى لها الجبين.

وفي كل مدينة او قرية من مدننا وقرانا قصص كثيرة متشابهة كهذه ولو انه اُجري بحث في هذه المسألة لقرأنا او سمعنا العجب العجاب.

السفر والابتعاد عن الاهل يا احبتي مرغب فيه ومحبب ان كان لتحقيق اهداف واحداث تغيير في الوضع الاقتصادي وتحقيق مآرب أخرى لان الشاعر العربي يقول:

سافر تجد عوضًا عن من تفارقه وانصب فإن لذيذ العيش في النصبِ
والشمس لو وقفت في الفلك دائمة * لملها الناس من عجم ومن عربِ
والذهب كالتبر ملقى في اماكنه * والعود في ارضه نوع من الحطبِ.

وانقسم الناس قديما وحديثا مابين مؤيد ومعارض للسفر فمن المؤيدين الإمام الشافعي يقول في ابيات مشهورة:

تغرب عن الأوطان في طلب العلا وسافر ففي الأسفار خمس فوائدِ
تفريج هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجدِ
فإن قيل في الأسفار ذل وغربة وقطع فياف وارتكاب شدائدِ
فموت الفتى خير له من حياته بدار هوان بين واشٍ وحاسدِ..

أما المعارضون للسفر والرحلات فقد عبر عنهم شاعرهم بقوله:

تَفَكُّر إخوان وفقد أحبة وتشتيت اموال وخيفة سارقِ
وكثرة إيحاش وقلة مؤنس واعظمها يا صاح سكنى الفنادقِ
فإن قيل في الاسفار كسب معيشة * وعلم وآداب وصحبة فائقِ
فقل كان ذا دهر تقادم عهده واعقبه دهر كثير العوائقِ.

التحية للفنان الكبير الاخ ـ محمد عثمان ود الشيخ ـ وهو يتحسر على غربة إرتريا المريرة إبان عهد الاستعمار عندما يقول في احدى روائعه الغنائية:

عَلَّيُوتَا أنَادِي سِكَابْ كَلْئينِّي
وَسِكَابْ كَلْئينِّي
سِنِينْ وَدِيتْ اَبْحُورْ تَعَدّيتْ
مِيتُو قَبِّئ عَذَابَا
يَهَوْ سَألُوبَـا .
شَانّتْ عَلَتْ وَكَابْرَتْ
وَوِلْدِتْ مِنْ لَمَنَابيتْ
ييسِمِيتَا سَمَوَّا
لَسِميتْ نَايَا شَفَتِّيتْ
مِدْرَا كُلُّه كَيَّدَا
فَقْرَا دِيبُو أكَرِّيتْ
كَدَنْ مَييتْ مِنْ بِيتَا
بَاكْلَا قَابَاتْ وَأرَوِّيتْ
مِنْ تِسَّفْلَلْ حَقَّاتُو
بُرورْ وَبَحَرْ مِدْرَاتُو

الى ان يقول في نفس الأغنية وبعبارة موجزة ومعبرة بل ومؤثرة "وهو بيت القصيد":

حِشْمَتْ اِمْبَلْ وَطَنْ مَنَامْ تُو...

اغنية بلا شك مجلجلة ابكت الكثيرين في حينها وكانت احدى الاغنيات التي اثرت في الشباب وجعلتهم ينضمون في صفوف المقاومة لتحرير البلاد والعباد من اغلال الاستعمار لانها مست وجدان الشعب الارتري المغلوب على أمره آنذاك حيث كان البعض يعيش بين مطرقة الغربة وسندان الاستعمار
"وَعَلَّيُو" تعني بلغة التغري الإغتراب او الغربة.

والكثيرون منا يعرف المثل المشهور بلغة التغرايت:

"مِنْ شُومْ عَالِي هَبَيْ إتْ مُودَايُو".

وتعني الترجمة "حياة القرد في وطنه افضل من حياة العمدة في الغربة".

وتكملة لتأثيرات اغنية بخيتة علي في مجتمعنا الإرتري حكى لي الأخ العزيز اسماعيل ابراهيم كمبل إبان وجوده في جدة بالمملكة العربية السعودية هو والمرحوم "عمر إبراهيم حسن" ـ ود عد شيخ.

قبل اكثر من عشرة اعوام لقد اتصل به المرحوم عمر وسأله اي القنوات تشاهد فقال له اتابع تلفزيون ارتريا فقال له عمر تمعن في اغنية بخيتة علي وما اظنها إلا تعنيني فيما تقول.

تأثر جدا وهو يستمع اليها وهي تقول:

نايكا لاتو حلفت حدودا
نعا اقبل قل لرهي سدودا
رحم ديبو لنؤوشاي
قل لآمر لذت ناي والداي
لسألني لبل أبويي
عنتات جامم وييبلس افويي
تذكر اولاده وبناته وزوجته وكأنهم يعاتبونه.

شعر بالذنب واحس كأنه ارتكب جرما كبيرا في حقهم فما كان منه إلا ان توجه لسوق جدة وجهز حقيبته وعزم على السفر وتوجه للأهل.

وهنا وهناك الكثير من مثل هذه الحالات لايتسع المجال لذكرها. عانت ماعانت ابنة حواء جراء الغياب الطويل للزوج في عالم الغربة لأسباب عدة منها المقبولة ومنها المرفوضة.

ومهما يكن فمرارة الغربة لاتطاق.

الشكر كل الشكر للفنان الموهبة عبد القادر بلوح وللفنانة ذات الحنجرة الذهبية بخيتة علي لهذه الملحمة الرائعة والتي كانت ومازالت وستظل تردد ما دام سيف الاغتراب مصلت.

مسك الختام

موقفين:

سوداني مغترب شاهد على الشاشة الفنان الراحل عثمان مصطفى وهو يغني بصوته الأوبرالي المقطع الآتي:

الطيور الراحلة في ضل المسا
بتسأل عليك
والرمال الناعمة مشتاقة لمشيك
كيف تفارق الضفة
والنيل هان عليك.!

فما كان منه إلا ان حزم حقيبته وقطع تذكرة السفر وتوجه نحو المطار عائدا لوطنه

كانت عودة حزينة للشاعر العراقي الكبير احمد الصافي النجفي ـ رحمه الله لوطنه العراق وذلك بعدما طُورِد من المستعمر وتنقل سنين عديدة مابين إيران وسوريا ولبنان والهبت سياط اشعاره ظهور المستعمرين وضيقوا عليه الأرض بما رحبت حتى غادر وطنه وقضى معظم ايام عمره في المنفى.

رجل سكن دمشق وسكن بيروت وسكنته بغداد.
عاد للوطن بعد غيبة طويلة.

عاد لحبيبته بغداد ولكن بعد ان تقدم به العمر ونحل جسمه وكفَّ بصره فأنشد قائلا:

يا عودةً للدارِ ما اقساها اسمع بغداد ولا أراها.

وفي الختام اقول:

رد الله غربة كل مغترب
كان متزوجا ام اعزب
غانما سالما بحول الله وقدرته.
ودحــــــنـــكــــم

Top
X

Right Click

No Right Click