ود أمير الشاعر والفنان الشعبي 1920-1964

بقلم الأستاذ: أبوبكر صايغ ـ قيادي بارز بالإتحاد الوطني لشباب وطلبة إريتريا

الفنان الشعبي إدريس أمير المشهور بـ (ود أمير) واحد من الأفذاذ الذين أثروا الشعر والغنائي بلغة التجري

وذلك خلال مسيرة حياته العامرة بالفن والترحال والأشواق والألم.

والفنان ود أمير بعد رحيله من الدنيا عام 1964م بدولة الكويت، ترك تراثا غنائيا هائلا، حيث تغنى الكثير من الفنانين بكلماته وألحانه دون أن يكلفوا أنفسهم بالإشارة إلى أسمه، وهذا يفرض على الجهات التي تهتم بالشأن الثقافي في بلادنا حفظ التراث الغنائي للشعراء الغنائيين الذين عطروا ربوع بلادنا بأغنياتهم وألحانهم الجميلة ومواويلهم التي حفظها الناس من أفواههم وهم يؤدون روائعهم الغنائية في الحفلات العامة وجلسات السمر في مواسم الترحال والحصاد.

ولد الشاعر الإرتري "إدريس أمير" المعروف بود أمير في بلدة "عيلت" في إقليم شمال البحر الأحمر. حيث درس في أحدى الخلاوي "مدارس تعليم وحفظ القرآن" في بلدته، ثم التحق بإحدى المدارس الإيطالية في مصوع، ولم يكمل دراسته إذ قطعها بعد اجتيازه الفصل الثاني.

بدأ حياته العملية كراع للأغنام ثم ألتحق بالخدمة العسكرية الإجبارية ضمن البحرية الملكية الإيطالية. وكان ضمن القوة المرابطة في مرسى تكلاي على الساحل الشمالي لإرتريا.

بعد هزيمة دول المحمور، عاد ود أمير ليعمل في ورشة لستر يستيمو وفي عام 1943م تزوج بفتاة من "عد شومة" أسمها سعدية عثمان، ولكنها توفيت بعد أربعة أعوام وهي في حالة المخاض. وفي عام 1948م التقى شاعرنا ود أمير بفتاة من الساحل الشمالي أسمها "آمنة" أحبها من أول نظرة، ولكن كانت مخطوبة لغيره وتزوجت خطيبها وصدم ود أمير وتفجر شعرا، حيث بدأ رحلة الترحال والتجوال في كل أنحاء إرتريا، ينظم الشعر ويقيم الحفلات الغنائية الشعبية، ويغني مترحلا من قرية إلى قرية ومن بلد إلى بلد.

وفي عام 1950 هاجر إلى السودان، حيث التقى هناك بالشاعر الغنائي المعروف في الساحل / عمر قنشرة الذي كان يقيم وقتها في مدينة بورتسودان، وفي أحدى الصباحات النقفاوية الجميلة في عام 2003 حدثني الشاعر الغنائي / عمر قنشرة عن لقائه الأول بالفنان الراحل / ود أمير في مدينة بورتسودان حي ديم المدينة وقال كنت أجلس في أحدى مقاهي ديم سواكن وفجأة شاهدت الفنان ود أمير قادما نحوي، وتفاجأت حين شاهدته وقفزت من مكاني وتحركت نحوه وتعانقنا طويلا. ولمعرفتي السابقة به في إرتريا سألته عن الأصدقاء والأحباب وكل المعارف، ثم توجه معي إلى منزلي الكائن وقتها في أطراف "ديم" حي المدينة، حيث قضى معي عدة أشهر، وكنا نقيم الحفلات وجلسات السمر في الأحياء التي كان يقيم بها الإرتريون في مدينة بورتسودان.

وأردف قائلا الشاعر والمغني / عمر قنشرة قائلا:

في السنوات التي قضاها ود أمير في بورتسودان كنا نلتقي باستمرار، وألف في تلك الفترة الكثير من الأغنيات، وفي بورتسودان مرض الفنان ود أمير بمرض الملاريا وأثناء فترة مرضه أحب إحدى الفتيات وقد كانت تزوره بإستمرار، وكانت تجلب له بعض المشروبات والمأكولات، حيث نظم فيها الشعر، وبدأ يردد الشاعر والمغني / عمر قنشرة.


أغنية: سلل بلي خيزران - للفنان إدريس ود أمير - جمع وأداء: محمود لوبينت

هذه الأبيات تغنى بها الشاعر الغنائي الشهير ود أمير خلال مرضه في بور تسودان:-
ديم مدينة هيليكو
ديم مدينة لأمينة
حليب مطيق قبأكوا
كرووي ديبا زبديت
اقل حمووم دوا تو
واقل فاتي بعل نيت
حوكي قدم سافرا
شقيي أقلوا طاقيت

وبعد السنوات التي قضاها الشاعر والمغني الراحل/ ود أمير ترك بور تسودان وتوجه إلى السعودية التي قضى بها عدة سنوات ثم توجه إلى الكويت في عام 1964م حيث توفى هناك في العام نفسه.

وغنى الشاعر والمغني الراحل/ ود أمير الشعر الغنائي بلغة التجري بكلمات رصينة وأوصاف غاية في الدقة حيث كان يصف مشاعره تجاه الفتاة التي أحبها وهام بها بأوصاف دقيقة.

والذي يحفظ ويقرأ شعر ود أمير يجد تلك الأوصاف التي وصف بها محبوبته آمنة التي أحبها. وزواج محبوبته من أحد الرعاة ترك في نفسه جروحا وآلام ولذلك هام بها وغنى لها. بل و رحل من بلاده وأختار الغربة منذ وقت مبكر حيث قضى سنوات من عمره في كل من السودان والسعودية وأخيرا، توفي بدولة الكويت في العام 1964م.

وقد غنى ود أمير بلغة التجري أشعارا، وتجد اليوم كل الفنانين يتغنون بأغنياته التي تجد رواجا كبيرا لدى المستمعين وأصبح أسم ودأمير علما عندما يتحدث الناس عن الشعر الشعبي بلغة التجري.

يتغنى الكثير من الفنانين اليوم بأغنياته ونتاجاته حتى الآن دون أن يذكروا أسمه في أشرطتهم وتسجيلاتهم الغنائية. والواجب يقتضي منهم ذكر أسمه في ألبوماتهم وفاءا وعرفانا لهذا الرجل العظيم.

أنني في الوقت الذي أقدم هذه المساهمة المتواضعة أناشد كل القراء والمهتمين بنفض الغبار عن تاريخ مبدعينا في مختلف المجالات، ولاسيما الأدب لأنه بحق مرآة الأمة والأشخاص الذين عاصروا الفنان ود أمير تقع على عليهم مسئولية كبرى بتدوين كل مايعرفون عن حياته الخاصة والعامة حتى نحفظ تاريخ وسيرة هذا الفنان المبدع.

Top
X

Right Click

No Right Click