تاريخ الفرقة الفنية لقوات التحرير الشعبية - الحلقة السابعة والأخيرة
بقلم الفنان المناضل: عبدلله عثمان اندول
كانت العاصمة العراقية بغداد محطتنا الثالثة من جولتنا الخارجية وكان في إستقبالنا في مطار بغداد وفد يمثل
إتحاد طلبة أرتريا التابع لقوات التحرير الشعبية في العراق ومعه مندوب من وزارة الإعلام العراقية وظلا برفقتنا في كل جولاتنا اللاحقة الى بقية المحافظات العراقية.
تمت إستضافتنا في فندق أمباسيدور في شارع أبونواس ببغداد وأحيينا حفلتين كبيرتين في قاعة الخلد بحضور جماهيري كبير جدا من قبل الأخوة العراقيين ومن الطلبة الأرتريين الدارسين هناك، ثم إنتقلنا الى كل من الموصل وسامراء والنجف وكربلاء والبصرة وأحيينا حفلا فنيا واحدا في كل محافظة من تلك المحافظات، وكان يشتمل برنامج الحفل بشكل رئيسي على كلمة الإفتتاح التي كان يلقيها المناضل عمرعبد الله، ثم يتناوب المناضلان مصطفي يعقوب وأبو احمد الحمدابي في تقديم البرنامج الذي كان يتضمن أداء أناشيد ثورية وفقرات رقص فلكلوري من التراث الأرتري، بالاضافة إلى مسرحية درامية تجسد واقع المعاناة الذي كان يعيشه الشعب الارتري تحت وحشية العدو وسياساته البربرية المتمثلة في القتل التشريد والنهب وإحراق القرى الآهلة بالاطفال والنساء والعجزة، وكُنا نلتمس التعاطف والتفاعل الجماهيري مع عروضنا الفنية، حيث كان يتلقف الحضور مقاطع من أنشودة الفنان إدريس محمد على ويردد معه:
أمشي علي قدمي حافياً دون حذاء
وأطوي علي بطني جائعاً دون غذاء
وأتحمل المشاق من اجل ارتريا
هذا أبي جريح وتلك أمي في العراء
وأختي لاجئة تواجه كل العناء
باسمكم جميعا التحف الثرى
كما كان يتغنى الجمهور مع الفنان عثمان عبدالرحيم وإنشودته الحماسية الثورية التي كان يؤديها على إيقاع المارش العسكري:
ياشعبنا المغوار يا جيشنا الجبار
الويل للغدار من قبضة الثوار
وكانت تلتهب مشاعر الحضور حماسا وطربا مع ربابة عبلاي وعروض موسى صالح وعلي أوكير المصحوبة بالسيف والدرقة، وتدوي القاعات تصفيقا مع رقصات الشليل والرقصات الفلكورية وأناشيد الفرقة باللغات الأرترية الأخرى تعبيراعن أعجابهم بذلك الأداء.
وقبل مغادرتنا للعراق، أذكر أنه قد أُتيحت لنا فرصة زيارة حدائق بابل المعلقة.
المحطة التالية كانت دولة قطر حيث إستقلبلنا مندوب قوات التحرير الشعبية بقطر بمعية ممثل من وزارة الإعلام القطرية وأقمنا في فندق الواحة بالدوحة حيث تلقينا إستقبالا إتسم بالحفاوة والتكريم. وأحيت الفرقة في قطر حلفة واحدة في مدينة الدوحة وكانت هنالك أيضا أنشطة ثقافية أخرى تهدف إلى تسليط الأضواء على القضية الأرترية حيث عُرضت أفلام وثائقية عن الثورة الأرترية وعن اللأجئين الأرتريين، وعقد المناضلان عثمان صالح سبي وطه محمد نور،رحمهم الله، معنا إجتماعا مطولا سادت فيه روح الود والإخوة، والفكاهة أحيانا، وشددا على الدور الهام المنتظر من الفرقة الفنية في التعريف بالقضية الأرترية وفي نقل وتقديم التراث الشعبي والثوري للثورة الأرترية الى الشعوب الصديقة والشقيقة بأجمل صورة.
ومن دولة قطر سافرنا إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، المحطة الثالثة لجولة الفرقة، وكان قد تزامن قدومنا اليها مع إحتفالات البلاد بمناسبة اليوم الوطني للدولة وفي عاصمة البلاد أبوظبي أحيينا حفلة كبيرة واحدة بحضور وزير الإعلام الأماراتي، ثم طُفنا الأمارات الأخرى وأقمنا حفلة واحدة في كل أمارة، وقبل إختتام زيارتنا لدولة الإمارات، أقمنا حفلة خاصة للجالية الصومالية في أبوظبي بحضور السفير الصومالي الذي قام بتكريم أعضاء الفرقة وأهدى ساعة يد لكل فرد فيها.
محطتنا التالية كانت مصر حيثُ إستقبلتنا في القاهرة لجنة من إتحاد طلبة أرتريا التابع لقوات التحرير الشعبية تتكون من الإخوة ياسين على عامر والأخ علي عزيزي والأخ إسماعيل إدريس ومعهم ممثل من وزارة الإعلام المصرية وأحيينا حلفتين في مسرح أم كلثوم حضرها جمع مقدر من الإخوة المصريين ومن الطلبة الأرتريين الدارسين في مصر. ومن أبناء الجاليتين السودانية والصومالية في القاهرة، وأثناء إقامتنا في القاهرة، أتيحت لنا فرصة سانحة للجلوس الى الشيخ القامة إبراهيم سلطان الذي دعى عدد كبير من عضوية الفرقة الى منزله لتناول وجبة الغداء وتحدث الىينا حديثا شيقا لايُنسى.
ومن القاهرة سافرت الفرقة الى الصومال التي كانت محطتنا الأخيرة من تلك الجولة الخارجية الطويلة وتم إستضافة الفرقة في كلية الشرطة في مقديشو بأعتبارها فرقة عسكرية وكان قد تم تكوين لجنة من كبار الفنانين الصوماليين برئاسة فنان الصومال الأول، في ذلك الوقت، أحمد ناجي والفنان حسن ادم والفنانات فيروز شيخ طاهر وخديجة محمود وعائشة عبده وذلك لمرافقتنا ومشاركتنا في كل الحفلات المنتظر إحيائها، ويجدر بي أن أذكر بأن زيارتنا الى الصومال قد جاءت في الوقت الذي كانت تخوض فيه الصومال حربا تحرير كبيرة ضد الإستعمار الأثيوبي لإقليم أوغادين الصومالي، وقد تمكن الجيش الصومالي في بداية الحرب من تحقيق إنتصارات متتالية وحرر العديد من المدن وسيطر على مساحات شاسعة من الإقليم، ولكن تدخل الإتحاد السوفيتي (سابقا) وكوبا وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي سابقا) لصالح الجيش الإثيوبي المنهزم قلب الموازين العسكرية لصالح أثيوبيا وأدى إلى إنسحاب الجيش الصومالي من الإقليم.
أقمنا حفلنا الأول في المسرح الوطني في وسط مقديشو بحضور جماهيري حاشد وبالاشتراك مع الفنانين الصوماليين، وأدى المناضل الفنان إدريس محمد على إنشودة جديدة لاقت رواجا كبيرا في الصومال وتقول كلماتها:
أرادة الشعب أرادة قوية
لا كوبا ولا روسيا
تحيا الصومال وأرتريا
كما أدى الفنان إدريس محمد على وبالإشتراك مع فنانة صومالية إنشودة أخرى باللغة العربية تمجد تضامن الشعبين الأرتري - الصومالي وتحرض أبناء الشعبين على المقاومة وأذكرمطلع الإنشودة الذي يقول:
هيا هيا يارفيقي يا إبن القرن الإفريقي هيا..
وفي نفس الحفل، قدم الفنانون الصوماليون أغنياتهم وأناشيدهم الوطينة بأداء رائع وحماس ثوري مميز ولسان حالهم يؤكد على النضال المشترك للشعبين الأرتري والصومالي ضد الأستعمار الإثيوبي التوسعي المدعوم من السوفييت وكوبا واليمن الجنوبي.
إنطلقنا الى المحافظات الصومالية الأخرى ومنها مدينة هرقيسا التي تُعد ثاني أكبر مدينة بعد مقديشو وتقع في شمال البلاد حيث تم نقل جزء من عضوية الفرقة عن طريق طائرة عسكرية والجزء الاخر بالحافلات وأقمنا فيها حفلا فنيا كبيرا، تلى ذلك إحياء حفلات جماهيرية كبيرة في مدن بربرة، جوهرة و كسمايو.
وعقب عودتنا من هرقيسا إلى مقديشو، أقام لنا وزير الإعلام الصومالي حفل عشاء كبير في فندق العروبة بحضور العديد من المسؤولين الصوماليين ومن المناسبات الوطنية الأخرى التي دُعينا لحضورها في مقديشو أذكر مناسبة تسيير موكب جماهيري حاشد في وسط العاصمة مقديشو بمناسبة عيد العمال وبحضور الرئيس الصومالي محمد سياد بري رحمه الله، حيث صافح أعضاء الفرقة فردا فردا وتحدث إلينا باللغة العربية قائلا: "النصر قريب والصومال وأرتريا واحد". وفي نفس الموكب تفاجأنا برؤية عدد كبير من المشاركين في الموكب ممن يحملون أعلاما أرترية وكنا نلوح إليهم بالتحية أثناء مرورهم وكانوا بدورهم يفعلون كذلك، فقيل لنا أنهم من أصول أرترية وكانت تلك المفاجأة الثانية لنا جميعا لأننا لم نكن نعلم بتواجد ذلك الكم الكبير من الصوماليين من ذوي الأصول الأرترية.
وقبل مغادرتنا لمقديشو، قمنا بزيارة مكتبي جبهة التحرير الأرترية وقوات التحرير الشعبية اللذين كانا في بناية واحدة بل وفي نفس الطابق وأذكر انه كان الطابق الثاني، وكان ممثل جبهة التحرير حينها المناضل محمد نور أحمد، أما مكتب قوات التحرير الشعبية فكان يترأسه المناضل محمد أمين.
تعتبر رحلة الفرقة إلى الصومال من أنجح المحطات بكل المقاييس وتجلى ذلك في التغطية الإعلامية المكثفة التي هيأت لقدوم الفرقة وروجت لبرنامج حفلاتها بالاشتراك مع فنانين صوماليين، وفي الصالات والمسارح التي كانت تعج بالحضور، وفي تنظيم وتوقيت الأنشطة والفعاليات الموازية لبرنامج الزيارة، وقد تلمسنا روح الحفاوة والتكريم منذ وصولنا إلى مطار مقديشو حيث أُقيمت لنا مراسم إستقبال رسمي وشعبي، ولم تتوقف أو تنقطع مظاهر حسن الإستقبال والتكريم تلك عند أرض المطار، بل إستمرت في كل المدن والمواقع التي زرناها أو أقمنا فيها عروضنا الفنية، ويذكر العديد من أعضاء الفرقة مواقف التكريم الشعبي عند زيارتهم للأسواق او ركبوهم لسيارات الأجرة حيث يرفض السائق إستلام أجر خدمته مذكرا إياهم بإخوة الشعبين الأرتري والصومالي ونضالهم العادل ومصيرهم المشترك.
وبعد إقامة طويلة ونشاط حافل غادرت الفرقة مقديشو ووصلت إلى الخرطوم عن طريق صنعاء ومن الخرطوم عادت الى مقرها في معسكر حشنيت، بعد أن سجلت نجاحات كبيرة في جولتها الخارجية وأرتقت بذلك الى مستوى التوقعات المعولة على تقديم عروض فنية متميزة تُبرز نضالات الشعب الأرتري للأشقاء والأصدقاء بصورة خاصة وتعرفهم على تراث الشعب الأرتري وتضحياته وبطولاته الكبيرة التي كان يضرب عليها الإستعمار الأثيوبي حصارا إعلاميا محكما كما هو معلوم.
بدون أدنى شك، يُعزى نجاح الفرقة الفنية في جولتها الخارجية بشكل كبير جدا إلى الأداء الفني الرفيع الذي قدمه أعضائها بمختلف أدوراهم وإبداعاتهم، وبنفس القدر يمكن القول بأن المتابعة والإهتمام الخاص الذي حظيت به الفرقة من قبل التنظيم قد أسهم من تمكين الفرقة من أداء دورها على أكمل وجه.
وفي الختام أسأل الله العلي القدير أن يفك أسرالمناضل والفنان القامة إدريس محمد على، ويرده إلى أهله وأحبائه، ويجدر بي أن أشكر الإبن حامد ود عبدل شكرا جزيلا لإهتمامه ولنشره لهذه الحلقات على صفحته في الفيس بووك، كما أشكر الأخ مصطفي كردي لنشر الحلقتين الأولى والثانية على صفحته والشكر أيضا موصول للأخوة القائمين على موقع سماديت الذين خصصوا صفحة في موقعهم الجميل للثقافة والفنون ومن ضمنه فن الغناء بطبيعة الحال.
جزاكم الله خيرا وكل عام وأنتم بخير . والسلام وعليكم،