التغيير المرتقب في ارتريا

بقلم الأستاذ: رجب سمهراي - كاتب وناشط سياسي ارتري

هناك من يقول على أن التغيير في ارتريا ليس بالضرورة أن يؤدي إلى الديمقراطية والعدالة

أسياس أفورقي 17

أسوة بما حل بثورات الربيع العربي، وهذا المفهوم ربما قد يكون صحيحاً إلى حدما ولكن ليس على اطلاقه، حيث أن الفشل عادة يكون في ثورات الشعوب استثناءً أو ربما يكون النجاح لهذه الثورات بنسب متفاوتة ولدينا شواهد كثيرة من تاريخ الثورات العالمية كالثورة الفرنسية التي تعتبر ملهمة للشعوب الأوروبية والغربية عموماً وغيرها، وحتى نماذج ثورات الربيع العربي أعتقد أنها تندرج ضمن الثورات المتعثرة وليس بالضرورة أن نتخذها مثالاً للفشل، باعتبار أن هذه الثورات اصطدمت بجدار الثورة المضادة المدعومة من قبل الصهيونية العالمية والامبريالية الغربية فضلاً عن الديكتاتوريات الإقليمية التي أجهزت عليها وأعاقت نجاحها وهي الآن أشبه كالبركان الخامل (dormant volcano) ومتى ما توفرت لها عوامل الإثارة قد تعاود نشاطها من جديد.

من الطبيعي أن يكون من أولويات أهداف التغييرللشعوب التطلع إلى الديمقراطية والعدالة، لكن بالنسبة للحالة الارترية في الوقت الراهن يبدو أن هذا الأمر وكأنه من الترف. إذ أننا أمام حالة فريدة من نوعها يعجز المرء أن يجد لها توصيفاً دقيقاً وقل أن تجد مثيلاً لها في الديكتاتوريات العالمية. فضلاً عن أن ارتريا التي ظلت تدار بحكم الفرد وبلا دستور ولا مؤسسات لثلاثة عقود من الزمن تفتقر اليوم إلى البنية التحتية لممارسة العمل السياسي المنظم، وأن الشعب الارتري الذي تعرض ومايزال يتعرض لانتهاكات حقوقية جسيمة من قبل النظام الديكتاتوري، تمثلت في السجن والتعذيب حتى الموت بحق مواطنين أبرياء ومن جميع الفئات العمرية ومن كلا الجنسين، والاخفاء القسري، والتجويع والتهجير المتعمد.

إن هذا الشعب تجده اليوم وخاصة المكون المسلم يصارع من أجل البقاء على قيد الحياة وتثبيت الوجود في أرض الوطن لا من أجل تداول السلطة وإن كان ذلك حقا مشروعاً لكافة الشعوب على وجه العموم. لذلك حتى لو سقط النظام الفاشي وأتى بعده نظاماً منفتحاً سيتطلب الأمر وقتاً طويلاً حتى يتم إصلاح وترميم ما أفسده النظام الفاشي على مدى عقود من الزمن، كما أن الديمقراطية ليست وحدها التي ستأتي بالحلول المثالية لشعبنا الذي تم تهجيره قسراً خصوصاً من فئة الشباب والنخب المثقفة مما أدى إلى اختلالات ديمغرافية وثقافية واجتماعية كبيرة وخطيرة في البلاد حيث تحولت بعض كبريات المدن التي يقطنها المكون المسلم إلى أطلال وأشباح لا حياة فيها، بالإضافة إلى الثقافة الإقصائية المتجذرة لدى فئة من المواطنين التي تستأثر بالسلطة والثروة منذ زمن بعيد ولا تؤمن أو غير مستعدة لاقتسام السلطة مع الطرف الآخر.

لذلك ليس من المستغرب أن تنحصرتطلعات المواطن المسلم في هذه الأثناء حول حفظ الضروريات الخمس فقط: (الدين، النفس، العرض، والعقل، والمال).

أما استرداد الحقوق السياسية والثقافية والتداول في السلطة ..الخ، كل تلك الحقوق حتماً ستتطلب جهداً جباراً ووقتأً طويلاً من العمل السياسي الدؤوب ابتداءً بإصلاح الاختلالات الديمغرافية من خلال إعادة المهجرين إلى ديارهم بهدف تثبيت وجدودهم في أرض الوطن ومن ثم بناء مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني وغيرها.

ومن أجل تحقيق هذه الغايات نحن في حاجة ماسة إلى قيادة واعية وقوية تتمتع برؤية مستقبلية ثاقبة تضع برنامج وخطط واستراتيجيات عمل طويلة المدى والقيام بلملمة الشتات وتوحيد الصفوف وتضميد الجراحات وإعادة الثقة لدى المجتمع الارتري الجريح، ثم إقامة تكتلات مجتمع مدني اجتماعي وثقافي تتشكل منه تلقائياً أحزاب سياسية على أسس وطنية حتى يستطيع شعبنا أن يسترد حقوقه السياسية والثقافية المسلوبة وهذا العمل بالطبع يتطلب الصبر وسياسة النفس الطويل.

وهنا تقع المسؤولية بالدرجة الأولى على المجلس الوطني الارتري للتغيير الديمقراطي وكذلك جميع الأحزاب السياسية لتفعيل وتأطير النخب المثقفة والنشطاء السياسيين وقوى المجتمع المدني بكافة أطيافها وتوجهاتها في المهجر من أجل تكثيف العمل السياسي والإعلامي حتى يتم التخلص من الديكتاتور المتوحش وعصابته المجرمة ومن ثم إقامة دولة الديمقراطية والعدالة على أسس المواطنة ينعم فيها الجميع بحقوقه السياسية والثقافية والاقتصادية من خلال التداول في السلطة.

كان الله في عون الشعب الارتري

Top
X

Right Click

No Right Click