رمضانيات أغرداتية 2 من 4

بقلم المناضل: حُمد محمد سعيد كُلُ - ديبلوماسي سابق ومحلل جيوسياسي - لندن

فى الحلقة السابقة ذكـرنا ان أهـل أغـردات يقولون شـهـر رمضان والعيـد يخـرج من دكان العـم "باحكيـم".

فى هذه الحلقة نقول كيف تستقبل المقاهي شهـر رمضان المبارك وتعد العدة له من خلال صيانة الكراسى والطرابيز، وشراء اوراق الكتشينة الجديدة.

أكثر المقاهي التى كانت تستقطب الناس فى ليالي رمضان هى مقهى العم حامد نافع، العم ابراهيم طمبار ومقهى العم "عسكرو"، والعم "عسكرو" صومالى لكنه مواطن أغـرداتى أصيل، وهـو أول سائق لعـربة اسعاف مستشفى أغـردات، وهناك مقاهى اخـرى أمام الجامع الكبيـر.

مقهى العم حامد نافع كان يستقطب الشباب وكبار السن، الشباب يلعبون الكتشينة واما الكبار يفضل البعض منهم لعبة (الدمنـا/الدومينو)، واتذكر ان من اكبر عشاق هذه اللعبة العم المرحوم طاهر شهابى، وبعضهم يحب لعبة الطاولة وآخرين من الكبار يجهز لهم المقهى كراسى خارج غرف المقهى بعيد من ضجيج لعيبة الكتشينة والدمنـا، ونكاتهم التى تعلو فيها اصواتهم، يعد هذا المكان للكبار ليتسامروا فيه وقليل منهم كان يحب الشيشة.

يبدأ السمر بليالي رمضان فى هذه المقاهى بعد اداء صلاة العشاء والتراويح حتى ساعة السحور.

أما فى الاحياء فان بعض الاسر فى المساء يتبادلن الزيارات، وفى هذه الزيارات يكثر الشاي الاحمر او الشاي بالحليب، واما الجبنة فتتصدر هذه الامسية وما أحلى شهر رمضان.

مع عصر أول يوم رمضان المبارك تمتلئ الساحة امام الجامع بكل اطايب شهر رمضان، التمـر (لعجوة)، واغردات فى الافطار تفضل العجوة، وقديما كانت تأتى العجوة من العراق وبالتحديد من مدينة البصره، والعجوة تأتى وعليها تلبيسة من سعف النخيل، هذه الملبسة بسعف النخيل يسمونها (قوصرة).

وكما ذكرت عصر كل يوم من شهر رمضان المبارك تمتلئ الساحة امام الجامع بأطايب رمضان، تجد التمور معروضة وصوت المرحوم حسن راجح يلعلع (وبالعسل يا حسن)، وتجد السمبوسة والمشبك واللقيمات ويزاد بيع الليمون فى هذا الشهر المبارك، وفى العصر ترى بعض الميسرين يتجهون الى محطة الكهرباء لشراء بعض من قوالب الثلج الصغير.

كانت محطة الكهرباء فى ذاك الزمن الجميل يديرها الفني الايطالي (ايسـكا) وبمهارته كان يصنع قوالب كبيرة مستطيله من الثلج، وكان فندق (سافويـا) ومحلات (افتيميـو فنجـرديس) وجميع البارات فى المدينة يتزودون بالثلج من محطة الكهرباء لتبريد حاجاتهم، وفى الصيف تزداد طلبيات الثلج، الثلاجات فى ذاك الزمن لم تكن معروفة.

الأسـر تبرد مياهها فى (الزير) المعمول من الطين الخاص، ويصنع من هذا الطين (الجبنة) التى يغلى فيها البن، ويصنع من هذا الطين الاناء لتجهز فيه (العصيدة) ويسمى بالتقـرايت (كلع)، وايضا يصنع من هذا الطين المبخر ويمكن ان يصنع منه أواني صغيرة لتبريد المياه وللطبيخ، وايضا يصنع منه (الريكاب) او المققو للكسرة، وايضا (الطحلى) لطبخ الزغنى، هذا الطين كان يغطى كثير من حاجيات الناس قبل الغـزو الصناعى اليابانى والصينى.

بعض الاسر تفضل تبريد مياهها فى القرب، والقرب يصنع من جلد الماعز.

مدينة أغردات كان لها مسحراتي منذ قدم هذه المدينة، كان اول مسحراتى يسمى (حامد قناد) وسمى بقناد لأنه كان طويلا عريض المنكبين، ضخم قوى الجسم، وكان يقوم بمهمتين، الاولى والدائمة كان يقوم بالدعاية وهو يحمل اللوحة العريضة على ظهره والتى عليها صور كبيرة للفلم الذى سيعرض فى مساء نفس اليوم فى سينما أغـردات، وعبر المكرفون يغري الناس لمشاهدة الفلم.
سينما أغردات فى ذاك الزمن كان صاحبها هندى يسمى (هـريلار).

حامد قناد رحمه الله كان أكولا ـ كان البعض فى مدينة أغـردات يغالطون بعضهم البعض ويراهنون فى قدرة حامد قناد كمية الاكل التى يستطيع ابتلاعها، كان فى استطاعته ان يأكل اكثر من خمسة وجبات مرة واحدة، يعنى يلتهمها، لم يكن أكولا بل نهما، يقولون فى أغردات حامد قناد مات من كثرة الأكل، قيل فى وفاة (دقلل جيلانى) وبمناسبة هذه الوفاة ذبحت ذبائح كثيرة وكانت قدور مليئة بالرز، وقدور مليئة بلحم الضان والبقر والجمال، يقولون كان حامد قناد قد أكل كمية كبيرة من الرز واللحوم المنوعة بما فيه شحم الجمال، ولهذا لم يحصل له تضحم بل انفجار فى المصارين ومات على اثرها، كان الكبار يذكرون ذلك.

حامد قناد رحمه الله كان هو مسحراتى مدينة أغـردات يطوف فى احياء المدينة وينادى سحورك يا صايم فقط، حامد قناد فى ندائه للسحور يستخدم المكرفون فقط وليس الطبل.

بعد وفاة حامد قناد ظهر مسحراتى آخـر وكان ينادونه بـعم سيد، اسمه سيد لكن عامة الناس لا يعرفون اسم أبيه، وهو مصري صعيدى لا نعرف هل جاء الى أغـردات من اتجاه مصوع او من اتجاه تسني، فى الايام العادية تجده جالسا بالقرب من العم (محرقي)، ومحرقي ايضا لا نعرف اسم ابيه لكنه كان مشهورا بصناعة الحلويات للاطفال، ومكانه امام (الاسكودريه) من الناحية الغربية، وهو يمني أفنى عمره فى أغـردات، وبمناسبة اليمنية كانت فى أغردات جالية يمنية كبيرة لم نشعر انهم غرباء، كانت هناك ايضا جاليات اخرى، وان كل جالية كان لها من يمثلها فى المدينة، والمدينة لم تعاملهم كأجانب بل جزء من المدينة، مثلا كان شيخ اليمانية المرحوم سعد العميسى وهو والد المغفور له علي سعد العميسى، والسودانيين كان يمثلهم السيد محمد مرجان، والتكارين كان يمثلهم الشيخ طاهر، نعرف الشيخ طاهر ولا نعرف اسم ابيه، لكن كان له ابن يسمونه (طنيارو) وحسب ظنى ان شيخ طاهر كانت زوجته من المدينة.

الى اللقاء... فى الحلقة القادمة

Top
X

Right Click

No Right Click