الفدرالية المقبولة والفيدرالية المرفوضة

بقلم الأستاذ: الحسين علي كرار

من العجائب والغرائب ومن المحزن في إرتريا هناك فيدرالية لا تسقط بالتقادم ولا تسقط بالحروب ولا بأنهار الدماء الغزيرة

فيدرالية ارتريا مع أثيوبيا

ولا بأغصان الزيتون وهديل حمام السلام، هي دائما رجعية تهدف وتهتف لإعادة القتل وسفك الدماء، والعودة إلى ثمانون عاما إلى الوراء، أصحابها كل ما وقع عليهم ضغط سياسي لجاءوا إليها هي الفيدرالية المشؤومة والمنبوذة من الشعب الارتري، ومن يثيروها قد يكونوا هم ذاتهم حملوا السلاح ضدها وقاتلوا بين الثوار في الكفاح المسلح من أجل التحرير والاستقلال، هذه الفيدرالية التي يبكوها هي الفيدرالية المشؤومة مع أثيوبيا، ومن الغرائب من يروج لها بعض من يسمون أنفسهم دكاترة ومحاضرين الجامعات في الولايات المتحدة، هي طريق الهروب من المجتمع الارتري المسلم الذي يطالب بدولة المساواة ودولة العدالة بين أبناء الشعب الواحد، هؤلاء يفضلون الأثيوبيين علي أن يعيشوا مع هذه المكونات التي يرون لا رابط لهم بها، ويري هؤلاء في هذه الفيدرالية حقهم الإلهي يلجئون إليه عند الضرورة لإنقاذ نفوذهم بإلحاق هذه الدولة الارترية المسكينة التي هي ضحية مؤامراتهم وكأن الدولة الأثيوبية المحتفى بها دولة ينعدم فيها الإسلام والمسلمون وكأن المسلمين الأثيوبيين لا يطالبون بحقوقهم السياسية والمدنية في دولتهم، هؤلاء الذين يقبلون بالفيدرالية مع أثيوبيا هم أنفسهم الذين يرفضون فيدرالية الدولية الارترية لإرساء العدالة السياسية والاجتماعية التي انتهكوها في حكمهم خلال الثلاثون عاما الماضية، وإلحاقهم بقية المكونات التي تطالب بفيدرالية الدولة في مشروعهم الخيالي فإما تحقيق حلم دولة التجرنية والجميع تحت سطوتهم وإمرتهم صاغرا، وإما إلحاق إرتريا بأثيوبيا لترسو سفينتهم في ميناء الأمان لنفوسهم كما يتصورون، ومن الغرائب والعجائب أن هؤلاء يرون أن الدولة الارترية هم وحدهم من يقررون مصيرها وأن بقية المجتمع هم عبارة عن شطرنجة هم يحركونه ويتصرفون فيه دون اعتبار لهم كما يشاءون، هذه الرؤية الغريبة والعجيبة هي ممن يسمون أنفسهم مثقفون وأكاديميون ومحاضرون في الجامعات الغربية فما بال من كان أقل منهم ثقافة، وما بال النظام الطاغي الذي يدّعون أنهم يحاربونه، هؤلاء لم تؤثر في عقولهم أفكار الغرب وثقافته من حقوق الإنسان والمساواة والعدالة التي يحاضرون بها في الجامعات والندوات، فيفضلون انتقاص الاستقلال لدولتهم إرتريا التي ينتمون إليها لصالح الدولة الأثيوبية التي يرغبونها، وقد دفع الشعب الارتري الثمن الغالي لاستقلالها،

هل حقا أنهم وطنيون ؟

وهل هؤلاء حقا تستطيع أن تطلق عليهم شركاء في الوطن ؟

أليس من الحق أن يسمي هؤلاء مجتمع الغرائب ؟

البعض من هؤلاء استهلك مشروع دولة الأغعازيان الذي يرونه مستحيل التحقيق وسط التعقيدات الارترية والأثيوبية والإقليمية والدولية، فها هم يأتون بالمشروع الجديد الأوسع نطاقا من دولة الأغعازيان الضيق، ومن يتقدم هذه الصفوف هم المحاضرون والأساتذة في الجامعات الأمريكية، هم الصفوة هم القدوة، هم الساسة والقيادة، وكل هذه الحملات والدعايات التي يقومون بها تقف خلفها مؤامرات لدول عظمي، فيطلقون حربهم النفسية للتهيئة للقبول بمشاريع سابقة قبلها أصحاب الإندنت أصحاب الوحدة مع أثيوبيا، وقبلها نظام أفورقي في بداية الاستقلال كاستحقاق، وقد بدئوا الترويض لإعادة هذا المشروع وتأهيل النظام الطائفي الذي ارتكب الكثير من الجرائم وضعفت بنيته وأضعف الدولة الارترية الوليدة، هذه التهيئة يرجون منها استسلام الشعب الارتري لهذه الرؤيا بعد انهيار الدولة بفعل الطاغية وقد تحطمت معنويات الشعب حسب اعتقادهم كما يرون، وخاصة أن أثيوبيا الحديثة بعد انفصال إرتريا عنها تحقق بعض التقدم والنمو وهو الحافز المغري لليائسين والمحبطين الارتريين من نظامهم السرطاني للالتحاق بها.

من يقرأ التاريخ أن من ربط إرتريا بالفيدرالية بأثيوبيا ظلما في الماضي هي الولايات المتحدة، ومن يلعب في ملعبها اليوم بالفيدرالية مع أثيوبيا هو نفس من كان يلعب هذا الدور في السابق، والولايات المتحدة هي الراعية لإثيوبيا، ولا تريد أن تري أثيوبيا الكبرى بلا ميناء كما رأت ذلك في الماضي، لم يتغير شيء عبر العقود الشاقة والحروب المريرة في أفكارهم واستراتيجياتهم، وهؤلاء يريدون أن يعيدوا نفس تصورات الخريطة الجغرافية الماضية، بعد كل هذه التضحيات والمآسي.

وإرهاصات هذا الفكر الرجعي تجده في ظاهرة الأعلام الموحدة، بعد إلغاء العلم الارتري الذي أقره البرلمان في منتصف القرن الماضي تشاهد اليوم الأعلام المرفرفة ذات الألوان الموحدة علم الحزب الحاكم في إرتريا و علم حزب التجراي الحاكم في أثيوبيا التي يعرف الحزبين مغزى النجمة التي تجمعهما فهي بعيدة عن نجمة الصين الشيوعية وبعيدة عن نجمة مذاهب اليسار ككوريا الشمالية، وعلم الدولة الارترية وعلم الدولة الأثيوبية أحدهما يتميز بالغصن والأخر بنجمة داوود الخماسية، كل هذه الأعلام الأربعة تجمعها الألوان الأربعة المشتركة، الأحمر والأصفر والأخضر والأزرق، وهي الألوان التي تعبر عن وحدة المصير لهؤلاء، هذه هي العقيدة الثابتة رغم كل مظاهر الخلافات والنزاعات التي يظهرونها.

أهل إرتريا الحائرون والحادبون علي الاستقلال ووحدة الدولة فأنتم مهما أتيتم بأدوية الأطباء الكيماوية، ومهما أتيتم بأدوية الأطباء العشبية، ومهما أتيتم بأطباء الحجامة والكي والفصد، فإنه لا يستطيع أي طبيب منكم علاج عقول فاسدة تقدم العبودية علي الاستقلال منذ سنين.

ماذا أنتم فاعلون ؟

الذي يسمع ألسنتكم السليطة الشاتمة لمن حولكم ولكل من هب ودب وبدون هدف، يعتقد أنكم أصحاب القوة الجبارة التي تسيطر علي ما حولها، ففي أوائل النضال اعتمد الرعيل الأول علي الدول العربية وخاطبوها بعقلية واعية منفتحة معتبرين في الحسبان كل الحساسيات السياسية العربية، مصر عبد الناصر اليسارية، والعربية السعودية المحافظة، فدخلوا الأبواب في كلا المعسكرين عبر طلب المساعدات المادية والإعلامية ما قل منها أو كثر، فانتشرت الثورة بأموالهم وإعلامهم، وبذكاء قياداتها، وأنتم اليوم تفقدون ذلك الوعي وذاك الحساب الحساس بين الأنظمة العربية، وقد أصبحتم متأثرين في عدائكم لها بعقلية أعدائكم، وتخدمون أهدافهم وقد أخليتم لهم الساحة العربية برغبتكم، ودخلوها ويصنفوكم فيها كما يشاءون وهي المؤثرة بحكم الجوار وحكم الانتماء، كذلك أنتم تشتمون أثيوبية وتخافون منها كأنها ستبلعكم مرة ثانية، فتغلقون مجال البحث وتقديم الرؤيا الواضحة، فتتوجس منكم وترمي حبائلها مع أعدائكم وهم سعداء بذلك، ويتعاملون معها برأي واضح سواء كان صائبا أو خاطئا فتميل إليهم وينتصرون بها عليكم، أنتم في أكثريتكم تنتمون إلي قبائل البجا ولكن تكرهون اسمها في إرتريا وتهربون منها وتحاولون حصرها علي الناطقين بالبداويت و قبل ألف عام ذكرت قبائل البجا في ذلك الزمان في كتاب المسعودي وما زالت قبيلتان تحتفظان باسميهما منذ ذلك التاريخ وهما قبيلة الرقبات الناطقة بالتجرايت وقبيلة الارتيقا الناطقة بالبداويت، وهروبا من هويتكم تسمون أنفسكم بالمنخفضات تخفيفا لوقعها الثقيل علي قلوبكم وإرضاء لمن عاداكم، والمنخفضات موقع جغرافي وليست هوية، ومن عجائبكم تتقاتلون في السودان في الانتماء إلي البجا لتحقيق مكاسبكم، وكأن مكاسبكم البجاوية في إرتريا علي الضمان، أنتم لا تتفقون علي الإسلام الذي وحد الأوائل دون تعصب، فقدمتم مصالح مناطقكم وقبائلكم وكل تنظيم أصبح إطاره القبيلة التي يستنجد بها، فأنتم كسرتم عودكم لأنه ليس لكم رؤيا واحدة تجمعكم وليس لكم هوية واحدة تحصنكم وليس لكم صديق تفضلونه وتلجئون إليه،

وليس لكم وحدة في الإسلام لتجمع شملكم، ماذا تتوقعون ؟

هل أن الآخرين سيضعون في أفواهكم الطعام بملاعق الذهب في ظل الشتات ؟

التجرنية مختلفون في السياسة الراكدة، ومتفقون في الاستراتيجية، ويعتقدون أنهم يحملون عصا السحر لحلول مشاكل الدولة وهم أسيادها، ولا يعتبرونكم ككيان ظلما وعدوانا، فإن ن شاءوا دعموا الاستقلال وإن شاءوا دعموا الفيدرالية مع أثيوبيا مرة أولي ومرة ثانية، ولكنهم يرفضوا ما تطالبون به من فيدرالية الحكم من أجل تحقيق العدالة.

أسألوا أنفسكم لما يحدث كل هذا ؟ السبب أنهم وحدوا كل طاقاتهم الروحية والعقلية والعاطفية والجسدية ونظموا وقتهم في العمل السياسي أكثر منكم، لهذا يحققون المكاسب علي الدوام وأنتم مبعثرون في كل الطاقات وإدارة وقتكم علي الدوام، لهذا أنتم فريسة
الهزائم المتكررة، في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي نادوا بقومية التجرنية وهي هويتهم ونادوا بسيادة لغتهم وهي ثقافتهم ونادوا بالوحدة مع أثيوبيا المسيحية الكبرى وهو انتمائهم، ولم يتنازلوا عن ذلك ولو بخطوة واحدة منذ ذلك التاريخ وهم سائرون عليه، وأنتم لم تنادوا بهويتكم البجاوية في أكثريتكم، فاعتبروكم رعاة وامتدادا لقبائلهم وثقافتهم ويعبثون بهويتكم وقيمكم وثقافتكم وأخلاقكم، أنتم دعوتم لوحدة المسلمين من ذلك الزمان، فتفرقتم حول الإسلام من ذلك الزمان إلي فرق وشيع ومستمرون عليه كما هو حاصل بل وتزايدون علي بعضكم في ذلك.

ومازلتم في دوامة بحيرتكم الراكدة، تموتون ولا تقتلون، تخافون ولا تخيفون، ما الذي أصابكم هل هو الغل ؟

هل هو الحسد ؟

هل هو الضعف ؟

هل هي رغبة استقواء البعض منكم بهم ؟

كل ذلك مجتمعا موجود، ولكن هذا ليس شاذا في المجتمعات الممزقة ؟

فهو شيء طبيعي وهي سنة الحياة، ولكن غير الطبيعي هو الانتحار السياسي الذي تسيرون عليه، وعدم استخدامكم العقل والسير حتى الموت إلي ما لا نهاية، تعرف كل الأحزاب العلمانية والإسلامية والفصائل التنظيمية، إن الشعب الارتري المسلم الصامد الذي يقاتل بالرمق الأخير داخل إرتريا وهو تحت أبشع نظام عرفه التاريخ، يقاتل وهو الأكثر عقيدة وأكثر عبادة وأكثر إحسانا وأكثر عملا وأكثر أخلاقا وقيما وأكثر عطاء، هو وقود السجون، ووقود الموت، وهو وقود المرض ووقود الجهل ووقود العطش ووقود الفقر، إن الذي سبك السماء والأرض جعل أرض إرتريا أول أرض تحطأها أقدام الصحابة في أول هجرة للمسلمين، وأول أرض تم فيها بناء مسجد قبلته الأقصى، قبل أن تكون قبلته المسجد الحرام، هذا الشعب المسلم قاطبة هو الذي سيحدد هوية الدولة الارترية الوطنية مع بعض أحرار التجرنية بمواقفه الوطنية المطالبة بالدولة الارترية المستقلة والرافضة لأي ارتباط اتحادي مع الدولة الأثيوبية، مع كل معاناتهم ومؤاساتهم، وأنتم أصبح تأثيركم المادي والمعنوي بعيد اعنهم بسبب صراعاتكم واختلافاتكم التي ليس لها حدود ولا نهاية، فعندما قامت انتفاضة الشعب المسلم في أسمرا أثناء أحداث مدرسة الضياء، كانت فرصة نادرة وكان يحب أن يلتحق بها الجميع لإسقاط النظام وخاصة في العاصمة أسمرا مركز الثقل السياسي، ولكن أكثرية سكان العاصمة المسيحية اعتبروها حركة إسلامية لا تعنيهم وفضلوا عنها عذاب النظام مهما كان طاغيا فهو منهم فلم يلتحقوا بها، واعتبروها حركة المسلمين الجبرتة، ولكن للحقيقة والتاريخ فإن الجبرتة الذين يعيشون وسط التجرنية المسيحيون واعتبرتهم الإسياسية المهيمنة جزء من قوميتهم، ها هم التجرنية أنفسهم ينكرونهم عند الحقيقة، ويعتبرونهم خارج القومية التي قالوا أن الجبرتة جزء منها، والحقيقة الثانية أن الجبرتة خلقوا لأنفسهم حركة قومية قوية داخل إرتريا بعيدا عن خلافات حزب النهضة وبتضحياتهم الجسدية والمادية، حركة موازية يستطيعون من خلالها أن يؤمنوا مصالحهم المستقبلية في المرتفعات.

إن قطار المعارضة البطيء يحتاج منكم للصيانة للخروج من الأزمة السياسية، فأمامكم طريقان إما حمل السلاح والقتال، وإما تعبئة المدن وخلق الأنصار والخروج إلي الشارع بالسلمية والاحتجاج،

وخياركم الأصعب أي الطريقين أقرب للنصر ؟

وأي الطريقين الأقل تكلفة ؟

كما أن في الاعتبار خروج العاصمة ذات الوزن - وهو المؤكد - من مثل هذه الاحتجاجات وسيولد عليكم ذلك عبئا ثقيلا ؟

إن القائد الكاريزما الذي يتحسر عليه البعض سوف تظهره الأحداث الحقيقية وسوف يبرز من بين تلك المعاناة وممن يقبلون التحدي ويواجهون الموت إما بالرصاص وإما بالسجون كما حدث للشيخ موسي محمد نور، ولا يظهر مثل هذا القائد بالتمني ولا علي ظهر مقاعد الأوتيلات المريحة.

الشعوب التي اختارت القوة المسلحة من أجل تغيير الأنظمة الطاغية كانت الخاسرة وكبدت البلاد تكاليف التدمير والخسران، وقد دخل بينهم الكثيرون من المندسين كما حدث لحركة الجهاد عندما استخدم النظام أشخاص يمثلون دور الجهاد ويرتكبون الفظائع للتشويه، وتشاهد حدوث ذلك في الثورة السورية وغيرها، ففضلت الشعوب عنهم ما كان قبلهم من الدكتاتوريات، ولكن الشعوب التي اختارت السلمية والاحتجاج المنظم ودفعت ثمنا باهظا لها هي التي ظفرت بتغيير الأنظمة وبتغيرات سريعة تعبر عن طموحات الشعب كما حدث في تونس وأثيوبيا.

أدعموا شعبكم في الداخل وعبئوهم وحركوهم وبعد ذلك ستسقط كل مؤامرات الفيدرالية والحنين إلي أثيوبيا، وإن الذين يسخرون من الحراك الخارجي في التواصل الاجتماعي الإعلامي يبتعدون عن الصواب فهذه هي القوة الفتاكة المؤثرة التي أحدثت الهزة النفسية والاجتماعية في أركان النظام وفضحت جرائمه، وإن قوي التآمر سوف لن تنجح وستخسر كما خسرت، وإن السفينة سترسو أخيرا وبمشقة التضحيات الجسام عند بر الأمان، وعندما تأتي الانتصارات الكبرى حينها سوف تسمعون بيانات التوبة وعودة الوعي المفقود.

Top
X

Right Click

No Right Click