حسابات مصرية وخيبة للنظام الإرتري

بقلم الأستاذ: محمود عثمان إيلوس - كاتب وبـاحث ومحلل سياسي

ذهب أسياس أفورقي إلى القاهرة رافضا سياسة المراسلات في صناعة الأزمات، ليقف وجها لوجه

أمام السيد عبدالفتاح السيسي في حوار قمة مباشرة ومغلقة، ليتعرف على حقيقة الموقف المصري في صراعه مع السودان وإثيوبيا، بل وقدرة مصر في مواجهة الموقف إذا ما تم التصعيد من الجانب السوداني.

أسياس أفورقي لا يريد تصعيدا يعقبه تهدئة المواقف، لأنه لايملك ملفات تفاوضية تمنحه احترام قوى النزاع سوى ما تبقى له من علاقاته ببعض الملفات السياسية المعارضة في كل من السودان وإثيوبيا، فضلا عن أن هذه الملفات المعارضة المتبقية لم تعد بذات الحيوية والاندفاع السياسي الذي كانت علية خلال العقدين السابقين، حيث تم انفصال الجنوب السوداني ودخل الى التحديات الداخلية وتحديات مؤسسات الدولة، وحيث تمكن المؤتمر الوطني الحاكم من تمييع قدرات بقية المعارضة السودانية من خلال اختراق المؤسسية في تلك الكيانات من ناحية ومن خلال فتح ملفات الحوار الوطني الشامل واعلان العفو الشامل أمام الذين حملوا السلاح للانخراط في الحوار الوطني الشامل، إلى درجة يخال فيها أنه إذا كان هناك سبب لسقوط نظام الإنقاذ فلن يتمثل في تلك المعارضات التي تفتقد الأهلية المؤسسية وإنما في هتاف الشارع السوداني ضد غليات الحياة المعيشية والارتفاع الخطير في سعر المطعم والدواء. أي، ليست هناك ملفات حيوية في يد أسياس أفورقي يمكن أن يخيف بها النظام السوداني سوى إحياء الملف الشرقي واعادة تكرير أزماته من جديد؛ بالرغم من أن المؤتمر الوطني تمكن خلال السنوات العشر الماضية من بناء أحزمة سكانية انتخابية على شرقه المتاخم لإرتريا من مجتمع الشرق الفقير.

ومثل ذلك ضعفت ملفات المعارضة الإثيوبية في يد أسياس أفورقي، فقد أدركت نخب الحكم التغراوية الحاكمة في إثيوبيا بأن بقاءها يتمثل في إبقاء هوامش للحريات العامة ومظاهر المساواة والعدالة واظهار حسن نية للقوميات الكبرى، كما هو الحال تحاه الأورومو، في وقت ان قوى تغراي تتماسك في بناء مقوماتها الذاتية، فضلا عن تبني سياسة تنموية قائمة على اجتذاب راس المال الأجنبي، وبالأخص راس المال الخليجي العربي المستثمر، بل ان النظام الإثيوبي يمتلك اليوم معلومات تفصيلية وتشريحية عن مفاصل القوة والضعف لدى النظام الارتري، وذلك من خلال استخباره لعشرات القوى الأمنية والعسكرية والقيادية الإرترية الهاربة الى اثيوبيا ومن ثم الى الملاجئ الآمنة في أوربا، إذ بمثل هذه الإختراقات المعلوماتية تمكنت إثيوبيا من كسرشوكة الجيش الإرتري وكسر دفاعاته القوية في عام 2000م.

وجد أسياس أفورقي مفهوما خاطئا لدى سياسة النظام المصري الحاكم، مفاده اعتماد حرب اعلامية موجهة ودعاية واسعة النطاق لتصوير دولة مصرية قوية يمكن ان تهد سد النهضة وتطرد الحاميات السودانية من حلايب وشلاتين فورا ودون عناء، بينما الحقيقة أن مصر لا طاقة لها، فضلا عن أن القيادة المصرية في غاية الإنشغال لتمرير أعادة ترشيح المشير السيسي لفترة رئاسية أخرى، بل وضرورة تقديم مظاهر انتخابات حرة وكبيرة امام الراي العام العالمي.

وجد أسياس أن السياسة المصرية تفضل إحداث ضجيج يقلل من اية مساع سودانية حقيقية تجاه ملف حلايب حربا او سلما تفاوضيا، بينما انها في قناعة تامة بأحقية إثيوبيا ببناء السد، وان التفاوض والسلم هو افضل الخيارات لها في هذا المجال.

واخشي أن يكون أسياس أفورقي قد وجد فوق منضدة الرئاسة المصرية نسخة اخرى من التوجيهات الإماراتية الداعمة لكلا النظامين (الارتري والمصري) بعدم التصعيد، لاسيما وان دولة الامارات ستمثل وكيل السياسات الدولية المقبلة في منطقة الشرق الأوسط، فضلا عن ان الخليج بما في ذلك السعودية والإمارات يدرك قدرة السودات ودوره المحوري في تقوية التحالف العربي وعاصفة الصحراء في اليمن لتامين المصالح السعودية والخليجية.

بهذا وذاك أدرك أسياس أفورقي أن مصر لا قدرة لها في حروب مباشرة سوى أنها ترغب في ابراق وترعيد المواقف الأرترية في شرق السودان، فعاد أفورقي الى أسمرا ليصور الموقف ببرود وأجواء إرترية معتدلة تجاه السودان، وقد يحرك بوسائط خليجية بدائله السلمية مع النظام السوداني. فأسياس أفورقي ليس دائما يختار فرضيات الحروب، بل هو في ساعات الضعف يحسن الانحناء وقبول فرضيات السلم طالما القرار الإرتري أصبح ملكا له دون منازع تشريعي او سياسي معارض.

ويبدو أن ذات الحسابات المصرية وذات المؤثرات الخليجية الدولية حركت الجانب الإثيوبي حثيثا لملاقاة القيادة المصرية عقب مغادرة أسياس أفورقي القاهرة فورا.

أسياس أفورقي لايهتم كثيرا بالضجيج الإعلامي والعمل في الأضواء وإنما يفضل الكتمان والعمل في المناطق القاتمة ؛ لذلك لم تكن له رغبة في الدخول الى استديوهات الاعلام المصري مادامت مصر تختار ذلك النوع من السلاح.

المهم بخوف أسياس أفورقي او رجاء الشعوب لابد أن تخمد نار الفتنة ويغيب أي احتمال يسجل فيها التاريخ سفك دم إرتري بأيد سودانية أو دم سوداني بأيد إرترية في حروب السلاطين، ولتسكت تلك الأصوات النشاز التي هتفت "الى أسمرا طوالي" اثناء الاستقبال الجماهيري لقوات الدعم السريع للجيش السوداني في شوارع كسلاع.. الحرب ليست سلاما أيها الأغبياء.

Top
X

Right Click

No Right Click